Skip to main content

Full text of "○جيش قمبيز المفقود بول سوسمان"

See other formats


Ty f N ر‎ NOE E 
۹ BANTAM | ITIL الدار‎ Cy 
LS Atab Scierîtific Publishêrs, Ine. ZW 


1 
وأ 


O OTO A AIEEE 


«مغامرة هائلة... 
® وه 0 م 0 جج » 
قصة رائعة كتبت بعناية فائقة» 


RE 


a 
| 0 
| 
n 3 
6 4 1 
فا‎ 
© 


r, 7 2 يل 0 ا‎ a 


9 ۳ ١5 | هر‎ 0 0 2 


i 5‏ ۴ 26 
Madbouli Books‏ 
و : 1 7 : 4 1 > سم 
3 : 0 َه ^ له نه - ا 
د ۹ اخ 20 





2١ حي‎ 7 g2 
E ااا اال الل لك ل لاحت ف كت‎ 8 


www.books4al!.net 
منتديات سور الأزبكية‎ 











يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإنكليزي 
THE LOST ARMY OF CAMBYSES‏ 
حقرق الترجمة العربية مرخص بها قائونيا من الناشر 
BANTAM BOOKS‏ 
بمقتضى الانشاق الخطي الموقع بينه وبين الدار العربية للعلوم - ناأشرونء اش ءمءل. 
Copyright © Paul Sussrmarl 2)2‏ 
Alli nghts reserved‏ 


Arabic Copyright & 200? by Arab Scientific Poblishers, Ine. S$.A.L 


المفقعود 


رواية 














تألبة 
بول سوسمان 
مؤلف السر الأخير للمعبد 
ترجمة 
حسان ثابت 


مراجعة وتحرير 
مركز التعريب والبرمجة 





الدار العربية للعلوم ناشرون شمر 


Arab Scientific Publishers, Inc. s41 


بمنع نسخ أو امستعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة 
تصويرية أو الكترونية أو ميكانيكية مما فيه التسجيل الفوتوغراق 
والتسحيل على أشرطة أو اقراص مقروءة أو أي وسيلة نشر أخرى 
با فيها حفظ المعلومات» واسترجاعها دون إذن حطي من الناشر 


الطبعة الأولى 


8 ه - 2007 م 


ردمك -978-9953-87-349-7 





ظ 0 + يك 35 
الدار العربية للعلوم ناشرول] شر 
Arab Scientific Publishers, INC. SAL‏ 


عين التينةء شارع المفتي توفيق خالدء بناية الريم 
هاتف: 3 - 785108 - 785107 (961-1) 
ص.ب: 13-5574 شوران - بيروت 1102-2050 - لبنان 
فاكس : 0 (!(961-1) - البريد الإلكتروني: 6050.1.م06©25)م25 
الموقع على شبكة الإنٹرنiت: http://www .asp.com.1b‏ 


|[ زؤز ا س 
إن الآراء الواردة في هذا الكتاب لا تعبر بالضرورة عن رأي الدار العربية للعلوم نانشزون ن.م.ل 
ساس ري کور لل زا دربیم کول اسول شم _ 


التنضيد وفرز الألوان: أبجد غرافيكس» بيروت - هاتف 785107 (9611) 
الطباعة: مطابع الدار العربية للعلوم» بيروت - هاتف 786233 (9611) 


إلى الجميلة أليكي؛ التي تحملتني كثيرا 
والى أمي وابي 
اللذين لم يدخرا جهدا في دغمي 
ولم ينفد صبرهما معي. 


www.books4all.net 
منتديات سور الأزبكية‎ 





كانت. طيبة هي نقطة انطائق الجيش الذي أرسله قمبيز ضد أتباع أمون بصحبة 
المرشدين» ويمكن العثور على آثار له حتى مئينة الواحات» التي تبعد عن طيبة مسيرة 
سبعة أيام سي ر! في الرسال. 

ويشير التقرير العام ان هذا الجيش قد وصصل إلى تلك للمدينة؛ ولكن لا توجد 
أنباع عما حدث له بعد ذلك . من المؤكد أنه لم يصل إلى مقر أتباح أمون: ولم يعد الى 
مصر أيضما . وأكن هناك قصة أوردها أتباع آمون وآخرون توضح أنه عندما غادر 
الجيش مدينة الواحات»ء وفي أثناء سيره في الصحراء روصوله إلى منتصف الطريق 
تقريياء هبت رياح جنربية شديدة أثارت أكراما من الرمال على الجيش أثناء تناو 
وجبة الغداء؛ وأدث الى اختفائه للأّب . 

هيرودوس - التاريع - الكتاب الثلت 

ترجمة أوبري دو سيلنكو 


www.books4all.net 
منتديات سور الأزبكية‎ 





الصحراء الغربيةء. 523 قبل الميلاد 


كانت الحشرة الطائرة تضايق الرجل اليوناني طوال الصباح. وكأن شدة الحرارة 
في الصحراء» والمسير على مضض» والطعام السيئ المذاق لم تكن أمورا كافية 
لتعذيب الرجل اليوئانيء فأثت هذه الحشرة لتزيد من عذابهء فما كان منه إلا أن أخذ 
يصب جام غضبه على كل من حوله؛ ولطم خده لطمة شديدةء جعلت قطرات العرق 
تتساقط وكأئها سيل من ألماء» ولكن لم تصب الحشرة يسو». 

فبصق قائلا "اللعنة على الحشرات. 

فأجابه صديقه "تجاهلها". 

'لا يمكنني تجاهلهساء فهي تثير جنوني! ولو لم أكن على دراية كافية بالأمور: 
لقنت إن أعداعنا قد أرسلوا هذه الحشرات علينا". 

فهز الصيديق كنفه قائلة 'لعلهم قاموا بذلك بالفعل. لقد سمعت أن أتباع اسون لديهم 
قدرات خارقة؛ فيمكنهم التحول إلى وحوش برية مثل الأسود وأشباهها'. 

فتمتم اليوناني قائلا 'تعم يمكنهم تحويل أنفسهم إلى أي شيء؛ ولكن عندما أمسك 
بهم ساأذيقيم مرارة هذه الرحلة الشاقة التي استغرقت أربعة أسابيع هنا في هذه 
الصحراءء أربعة أسابيم كاملة". 

وقام بسحب قربة الماء من فوق كتفهء وشرب منها متألما من سخونة الماء 
ومجتوياته الزيتية, لنتخيل ما الدي قد يدفعه هدا اليونائي مفابل كوب ماء بارد ونفي 
من ينابيع تلال ناكسوس. بدلا من هذه المياه التي الا تطاق, 

'سأكف عن عمل المرئزقة هذاء وهذه ستكون آخر الحملات التي سأشارك فيه". 


9 


أجاب صديقه “تردد ذلك دائما". 

'ولكنني أاعني ما أقوله هذه المرة؛ صارجع إلى ناكسوس: وأبحث عن رُوجِةء 
رقطعة أرض جيدة» وأعيش وسط أشجار الزيتون فهي ستحقق لي دخلا جيدا". 

'لن تطيق كلك . 

'بلى» سأفعل» فالوضع مخثلف هذه للمرة". 

لقد كان الوضع مختلفا بالفعل هذه المرة. حيث أخذ على مدار عشرين عاما 
يتاتل في معلرك تخص أخرينء ويالها من مدة طويلة! إضافة إلى ذلك؛ لم يعد 
اليوناني قادرا علي تحمل هذه الحملات أكثر من ذلك. كان الألم الناجم عن جرح 
السيم القديم يزداد سوءا هذا لعلمء بحيث بالكاد يستطيع حمل درعه فوق مستوى 
صدرء. لهذا كادت هذه هي رحلته الأخيرة» وسيرجع بعدها لزراعة أشجار الزيتون في 
الجزيرة التي ولد بها. 

تساعل اليونني وهو يتجرع جرعة أخرى من الماء "هم أتباع أمون على أي خال”- 

أجاب صديقه ليست لدي فكرة؛ إلا أنهم يملكون معبدا يريد قمبيز تدميره؛ ويوجد 
هناك كاهن في هذا المعبد؛ هذا كل ما أعرفه". 

تمتم اليونائي بشيءء غير أنه لم يكمل المحادثة. في الحقيقة» لم يكن مهتما بمن 
يحاربهم سواء كانوا ليبيين أو مصريين أو قاريين أو يهودا أو حتى من بني جنسه من 
لليونائيين» فالأمر سيان بالنسبة له. فقد كان يقتل من يتعين عليه قتلهه ثم ينضم إلى 
حملة أخرى غلابا ما تكون ند من قاموا بالدفع له مقابل مشاركته معهم في حملئه 
الأخيرة. اليوم كان سيده هو قمبوز ملك فارس. ولم يكن قد مضى وقت طويل على 
مشاركته في جبش المصريين ضد قمبيزء قتلك هي طبيعة عمل المرتزقه. 

شرب اليوناني جرعة أخرى من للماء شاردا بذهنه في طيبة خلال يومه الأخير 
فيها قبل الخروج في هذه الرحلة إلى الصحراء؛ حيث اصطحب صديقه فايديس وأخذ 
معه قربة من شرابه المفضل» وعبرا ذهر إيترو العظيم إلى ما أسموه وادي الملوك؛ 
الذي ذفن فيه الكثير من الملوك العظماء» وأمضيا فترة ما بعد الظهر في الشرب 
والاستكشافء حيث عثرا على مدخل ضيق من الحجارة على سفح منحدر شديد 
الارتفاع؛ وقاما بتجميع شجاعتهما والدخول إليه. كانت الجدران والسفف مكسوة 
باشكال مرسومة. أخرج اليوناني سكيناء وأخذ يحفر اسمه في الجزء الأملس من 
الجدار (أناء ديماكرسء ابن منديز من ناكسوس قد رأيت هذه العجائب؛ وغدا سأمضي 
في طريقي إلى أتباع آمون...). 

10 


ولكن قبل أن ينتهي: صلق صديقه صرخة عارمة عندما لسعه عقرب قي قدمه. 
وخرج مسرها من المدخل كقطة مذعورة. ولكنء وعلى الرغم من ذلك أخذ في 
الضحك ! 

لكن هذا الضحك عاد عليه بالسوء؛ حيث تورمت قدمه؛ ولم يتمكن من السير مع 
لجيش في اليوم التاليء ونجا من أربعة أسابيع من العذاب الشديد في الصحراء. وقال 
اليوناني مسترجعا هذه النكرى “يا لصديقي المسكين» ياله من محظوظ!" 

ولم يفق من حلم اليقظة هذا إلا على صوت حسديقه. 

اليماكوسه: ديماكوس!" 

'انظر هناك؛ أيها الغبي» انظر أبعد!” 

رفع اليوناني عينيه؛ وبدأ في تتبع صف: الحشودء حيث كانوا يمرون عبر واد 
بين كثبان مرتفعة لم يوارها سوى أشعة الشمس الحارقة في وضح النهارء آخذة شكل 
صخرة هرمية كبيرة متماثلة الجوانب كما لو أنها حفرت بهذا الشكل عن عمد. لكن 
نسة شيء مريب في هذه الصخرة؛ فقد كانت صامدة وحدها في الجائب الآخر من 
المنظر. لم يتمالك اليوناني نفسه؛ ووضيع يده على ثميمة إيزيس عند عنقه مرددا دعاء 
سريعا لصد الأرواح الشريرة. 

استمرا في المشي لمدة نصف ساعة أخرى قبل التوقف لتناول وجبة الغداء. في 
هذا الوقت؛ وقف صديقه اليوناني بجوار الصخرة: واتكأ عليهاء جالسا فى طرف 
ظلها. 

"ما هي المسافة المتبقية؟ بحق السماء ما هي المسافة المتبقية؟" 

حضر الخدم بالخبز والتين: وأكل الرجال وشربواء وفكر بعضهم في حفر 
أسمائهم على الصخرة. أراح اليونائي ظهرهء وأغلق عينيه مستمتعا بنسمة الهواء 
المفاجئة؛ لكن ما لبث أن شعر بالحشرة نفسها على وجنته: ولكن هذه المرة لم يحاول 
قشهاء بسل سمح لها بالتجول على وجهه جينة وذهابا على شفتيه وعينيهء وأخذت 
الحشرة في الطيران والعودة مرة أخرىء وكأنها تختبر صبرهء غير أنه لم يحرك 
ساكنا مما جعلها تشعر بالأمان. ولكنه أمان زائف» إّ ما إن استقرت على جبهته؛ حتى 
رفع يده بحرص شديده وجعلها في وضع استعداد على بعد خمسة عشر سنتمترا عن 
وجهه؛ ثم هوى بها على الحشرة, 

صرخ قائلا وهو ينظر إلى ما تبقى منها على راحة يده 'قضيت عليك أيتها 
التعيئة"., 


11 


أن انتصاره لم يدم طويلاء حيث انطلق بوق الإنذار من مؤخرة الصف. 

0 اليوناني؛ وهو يزيل قاب الحشرة 'ماذا هناك؟" وقام ممسكا بسيفه» "هل 
هناك هجوم علينا؟" 

أجاب الرجل الذي يجلس بجواره لست أدري» ولكن هناك شيء ما يحدث 
تسزايد الاضطرابء وظهرت أربعة جمال تجرجر أحمالهاء والرغوة تسيل من 
أفواهها. كانت هناك صرخات وأصوات مرتفعة في المكان» وكان الهواء يشتد أكثر 
وأكثر باتجاه وجه اليوناني» وكانت خصلات شعره تتراقص. 

نظر اليوناني إلى جنوب الوادي» وبدا وكأن هناك ظلمة تأتي من ورائهم» واعتقد 
أنها مجموعة من الفرسان»ء وفجأة هبت ريح عاصفة مخلفة صرخة عارمة. 

فهمس اليوناني "إيزيس". 

وقال صديقه "ما هذا؟" 

استدار إليه اليوناني والخوف في عيئيهء إنها عاصفة رملية. 

ولم يتحرك أو يتحدث أي شخصء فكلهم قد سمعوا عن العواصف الرملية في 
الصحراء الغربية, التي تأتي من المجهول؛: وتحصد كل ما بطريقهاء حتى أن مُدنا 
بأكملها قد اختفت» بل وقيل إنها قضت على حضارات بأكملها. 

أخبرهم أحد المرشدين الليبيين الذي كان معهم أنه إذا هبت عاصفة رمليةء فان 
هناك شيئا واحدا لتفعله! 

ما هو ؟" 

المر 0 

أستنجد جد أحدهم قائلا "أنقذنا يأ لهي" 

فجأة» أخذ الجميع في الجري والصراخ. 

'الرحمةء أنقذونا!" 

ألقى بعضهم بحمولته؛ وأخذ يجري في الوادي بجنون؛ في حين احتمى آخرون 
بالكشبان الرملية» أو ركعواء أو انبطحوا محتمين بصخرة الهرم. سقط أحد الرجال 
ووجهه قبالة الرمال وأخذ في البكاءء بينما سحق الحصان رجلا آخر وهو يحاول أن 

ولم يثبت منهم سوى اليوناني» فلم يتحرك؛ ولم يتحدث منتظرا هذه الظلمة 
المتجهة إليه؛ وكأنه يستجمع أقصى سرعة لديه. في الوقت ذاته. أخذ الرجال 

12 


والحيوانات في التخبط» وشرع الرجال في إلقاء أسلحتهم والفزع يغطي وجوههم. 

أخذ الرجال يصرخون "اهربواء لقد قضت العاصفة على نصف الجيشء اهربوا 
وإلا فتكت بكم أيضا". 

كانت العاصفة في أوجها في هذه اللحظةء تثير الرمال حيث تغطي الرجال حتى 
خصورهمء إضافة إلى الزئير الصادر عنهاء مما تسبب في انسداد العيون. وفي خضم 
هذا كله» أخذت الشمس في الغروب. 

"هيا يا ديماكوسء دعنا نهرب من هناء فسندفن أحياء لو بقينا هنا". 

ظل اليوناني لا يحرك ساكناء ارتسمت على فمه ابتسامة باهتةء فقد شهد حالات 
موت كثيرة» ولكنه لم يتخيل قط هذه الميتة. كان الأمر صعبا عليهء لأن هذه الحملة 
كانت الأخيرة له. اتسعت ابتسامته» وأخذ في الضحك بصوت خافت. 
003 نادى عليه صديقه 'ديماكوس يالك من غبي! ماذا بك؟' 

فقال له اليوناني بأعلى صوته "اذهبء؛ اهرب إن كنت تريد ذلك! أما أنا فالأمر 
سيان بالنسبة ليء فأنا سأموت في مكاني هنا". 

فاستل سيفهء ووضعه أمامه؛ ناظرا إلى رسم الأفعى الملتوية المنقوش على 
شفرته البراقةء وفمها مفتوح تجاه النصل. كان اليوناني قد ربح هذا السيف منذ أكثر 
من عشرين عاما أثناء حملته الأولى ضد اللوذيين» ولم يتخل عنه منذ ذلك الوقتء فقد 
كان بمثابة تميمة الحظ لليوناني. مرر اليوناني إبهامه على شفرة السيف وكأنه 
يختبرها. أما صديقه فأخذ في الهرب. 

بينما كان يهرب» ردد صديقه 'يالك من مجنون لعين!" 

لكن اليوناني لم يلتفت له» بل أمسك بسيفه بإحكام» وأخذ ينظر إلى الظلام 
المحدق به والذي سرعان ما سيحل عليه. 

كشف عن عضلاته؛ قائلا "هلمي إلي» دعنا نرى ما هي حقيقتك'. 

. فجأة» شعر بالدوار الذي غالبا ما ينتابه عند بدء أي معركة نتيجة الخوف الأولي 
قبل الدخول في وطيس المعركة. يبدو الأمر وكأن اليوناني لم يُخلق لزراعة أشجار 
الزيتون» فقد كان القتال يجري في دمه؛ ولعل هذا كان الأفضل له. شرع اليوناني في 
ترديد التعويذة المصرية القديمة التالية لصد الأرواح الشريرة 

فلیصو ب سخمت سهمه ضدك! 
فليعمل سحر توت في جسدك! 
13 


فليعاقبك نيبقث! 

فليرم حورس رمحه في رأسك! 

بعد فترة وجيزة تعرض اليونانيى لصدمة من العاصفة تعادل قوة مائة عربة 
تجرها الأحصنة:؛ ولم يستطع الصمود أمامهاء فضلا عن أن عينيه قد امتلأتا تراباء 
وتمزقت ملابسه وظهر جسده. أخذت شكال مبهجة تظهر في هذه الظلمةء وترنحت 
الأذرع» واختفت ختفت الصرخات وسط الزئير المروع. سقط أحد ألوية الجيش على قده 
اليوناني لبعض الوقت قبل أن يتوارى وسط هذا الاضطراب الهائل. 

لوح اليوناني بسيفه بوجه العاصفة» ولكنه لم يقو عليهاء حيث طرحته على ظهره 
وجنبه. وأخيرا جثا على ركبتيه» حيث امتلاً فمه بحفنة من الرمال أدت إلى اختناقه. 
رغم ذلك كله حاول اليوناني الوقوف على قدميه مرة أخرىء إلا أنه سرعان ما سقط 
مرة أخرىء ولكن هذه المرة سقط للأبدء حيث دفنته موجة من الرمال. 

ظل اليوناني يجاهد ويناضل» ولكن فجأة شعر بشيء من الوهن والهدوء كما لو 
أنه يسبح تحت الماء. أخذت الأشكال تدور في مخيلته» وخاصة مدينة ناكسوس حيث 
ولد وتربىء والمقبرة في طيبة؛ وصديقه فايديس والعقرب» وأولى حملاته» والأعوام 
الطويلة التي قضاها في محاربة اللوذيين حيث ربح سيفه. بجهد مضن نجح في رفع 
سيفه فوقه بحيث ظهرت شفرته الغليظة فوق الرمال» وظهر رسم الأفعى الملتوية 
ليوضح المكان الذي ذفن فيه ايوناني. 


14 


خرجت سيارة الليموزين بهدوء عبر بوابة السفارة» سيارة طويلة سوداء 
كالحوت» وأخذت السيارة في التوقف بين الحين والآخر قبل أن تدخل في 
ازدحام المرور. كان هناك سائقا دراجات نارية يسيران أمام السيارة وآخران 

استمر الموكب في طريقه لمائة مترء والأشجار والمباني تحيطان به عن اليمين 
وعن اليسارء ثم توجه إلى اليمين» وإلى اليمين مرة أخرى إلى كورنيش النيل. كان 
السائقون الآخرون ينظرون إلى السيارة لمعرفة من بداخلهاء غير أن نوافذها السوداء 
الداكنة لم تظهر سوى خيالين لشخصين بالداخل. في مقدمة السيارة كان هناك علم 
صغير مشكل من نجوم وخطوط يرفرف على الجهة اليسرى منها. 

بعد كيلومتر واحد» وصل الموكب إلى مفترق طرق وجسور علوية» فقام سائقا 
الدراجتين الناريتين في الأمام بإطلاق آلة التنبيه» وسارا إلى الأمام والسيارة خلفهما 
عبر طريق معبدة ومنها إلى ممر مرتفع ليس به كثافة مرورية عالية. في هذه اللحظة 
زاد الموكب مسن سرعته متبعا العلامات المؤدية إلى المطارء ومال سائقا الدراجتين 
الناريتين في الخلف أحدهما تجاه الآخرء وتجاذبا أطراف الحديث. 

فجأة حدث انفجارء ولكنه ضعيف الصوت بحيث لم يتضح وجود انفجار 
أصلا. كان هناك صوت مكتوم» طارت بعده السيارة في الهواء» وسقطت في 
منتصف الممر مصطدمة بجدار خرسانيء تبعه دوي انفجار آخر ولكنه مرتفع 
الصوت هذه المرة أدى إلى اشتعال النيران من أسفل السيارة» وحينها تبيّن للجميع 
أن الأمر ليس مجرد حادث سير. 


15 


توقف سائقو الدراجات النارية على الفورء وانفتح الباب الأمامي للسيارة» وخرج 
منه السائق صارخا والنيران مشتعلة في سترته. وحاول اثنان من سائقي الدراجات 
إطفاءها بوضع سترتيهما على هذا السائق» بينما حاول الآخران الوصول إلى البابين 
الخلفيين للسيارة حيث كانت الأيدي تستنجد بجنون» وتطرق على الأبواب. تصاعد 
غطاء من الدخان الأسود معكر | الجو بسبب البنزين والكاوتشوك المحترقين» وأخذت 
السيارات المارة في الإبطاء والتوقف» وسائقوها ينظرون بذهول إلى هذا الموقف. 
أخيرا احترق العلم الموجود في مقدمة السيارة وتحول إلى رماد. 


16 


2 


الصحراء الغربية بعد أسبوع 


'اللعنة!" 

قالها سائق سيارة التويوتا ذات الدفع الرباعي عندما قفزت السيارة فوق أحد 
الكشبان الرملية وكأنها طائر أبيض قبل أن ترتطم بالأرض مرة أخرى في الجانب 
الآخر. ظهر وكأن السائق يفقد السيطرة على عجلة القيادة» حيث كانت السيارة تجتاز 
منعطفا خطيراء إلا أنه تمكن من السيطرة عليهاء ووضعها في مسارها الصحيح مرة 
أخرى» ووصل إلى أسفل الكثيب. بعدها ضغط على دواسة البنزين قافزا بالسيارة فوق 
الكثيب الرملي التالي. 

ردد السائق "اللعنة» اللعنة» اللعنة". 

استمر بالقيادة لمدة عشرين دقيقة أخرى» وصوت الموسيقى ينبعث من سيارة 
الجيبء وشعره الأشقر يتراقص في الهواء. فجأة توقف أعلى كثيب رملي عال» 
وأطفأ محرك السيارة؛ وأخذ منظاراء وخرج من السيارة وحذاؤه يغوص في 
الرمال. 

كان الصمت الرهيب يخيم على الصحراءء والهواء حارا للغاية» وبدت السماء 
وكأنها ستتهاوى على رأسه. وقف السائق لوهلة ينظر إلى الكثبان الرملية والأحجار 
الصغيرة المتبعثرة في جميع الأنحاء» وياله من منظر مخيف» يشعرك أنك لست على 
الأرضء وأنه لا توجد حياة أو حراك على الإطلاق. قام السائق برفع المنظارء ونظر 
إلى الشمال الغربي. 

ظهر له حجر جيري يشبه الهلال» تتخلله واحة خضراء منتشرة في الجزء 
الأسفل منه. كان هناك العديد من القرى البيضاء الصغيرة منتشرة بين بساتين النخيل 


17 


والسبخات المالحة» في حين ظبرت بقعة بيضاء كبيرة في أقصى الغرب» تشير إلى 

إحدى المدن الصغيرة. 

قال الرجل مبتسما 'سيوة". وهو ينفث دخان السيجارة من أنفه» "حمدا لله". 

ظل في هذا المكان لبضع دقائق يحرك منظاره في هذا الإتجاه وذاك؛ ثم عاد إلى 
السيارة؛ وشغل المحرك؛ فارتفع صوت المسجل مرة أخرىء واستأنف مسيره عبر 
الرمال. ٠‏ 0 

في غضون ساعة؛ كان الرجل قد وصل إلى حافة الواحة» حيث ترك الطريق 
الصحراوية» وبدأ السير في طريق طينية» وقد ظهر عن يمينه ثلاث صوار لمحطة 
إذاعة؛ وبرج خرساني لخزان مياه؛ والتف قطيع من الكلاب الضالة النابحة حول 
السيارة. ‏ 2 [ 
قال الرجل ضاحكا 'أنا سعيد لرؤيتك". وأطلق آلة التنبيه» وانعطف بالسيارة يمينا 
ويسارا مثيرا سحابة من التراب حتى يتفرق قطيع الكلاب. 

استمر في طريقه» حيث مر على مكان به ثلاثة أطباق لاستقبال الأقمار 
الاصطاناعية؛ ومخيم مؤقت للجيشء قبل أن يسير في طريق معبّدة قادته إلى وسط 
المدينة الكبيرة التي رآها من أعلى الكثيب الرملي؛ مدينة سيوة. 

كان المكان شبه مهجورء باستثناء عربتين تجرهما الحميرء وفي الساحة الرئيسية 
كانت تقف مجموعة من النساء حول كشك لبيع الخضارء والشيلان القطنية الرمادية 
تتدلى على وجوههن» في حين أن بقية سكان المدينة كانوا في منازلهم هربا من قيظ 
الظهيرة. ٠‏ 
انعطف إلى جانب الساحةء وسار أسفل صخرة مغطاة بمبان منهارةء وأخرج 
مغلفا من تحت المقعد الخلفي للسيارة؛ وخرج منهاء وسار عبر الساحة غير مكترت 
بإغلاق أبواب السيارة. توقف عند متجر كبيرء وتحدث بإيجاز إلى صاحب المتجر: 
وأعطاه قطعة من الورق ومقدارا كبيرا من المال» وأشار إلى السيارة» ثم تحرك إلى 
شارع جانبي» ودخل مبنى مكتوبا على جانبه فندق ويلكم. وبمجرد دخوله؛ قفز الرجل 
الجالس خلف المكتب» وهال من الفرح» وأسرع للترحيب به. 

ادكتور جون لقد عدت» تسعدني رؤيتك مرة أخرى'". 

تحدث باللغة البربرية وأجاب الشاب بنفس اللغة. 

"نا أيضا سعيد برؤيتك يعقوب» كيف حالك؟". 

'بخيرء» وأنت؟" 


16 


أحاب الشاب وهو ينفض التراب عن قميصه الذي كتب عليه: أنا أحب مصر 
"أريد الاستحمام". 

'بالطبع» بالطبع أنت تعرف مكان الحمام". 

'للأسف ليست هناك مياه ساخنة» ولكن يمكنك أخذ ما شئت من المياه الباردة". 

أمحمد» محمد . 

ظهر صبي صغير من غرفة جانبية. 

'لقد عاد الدكتور جون؛ أحضر له منشفة وصابونا حتى يأخذ حماما". 

أسرع الصبي لتنفيذ الأوامر» ونعله يرتطم بالأرضية الملساء محدثا صوتا عاليا. 

"هل تريد أن تأكل يا سيدي؟" 

'بالطبع يا يعقوب» لقد كنت أعيش على البقول والأطعمة المحفوظة على مدار 
الأسابيع الماضية. وفي كل ليلة كنت أحلم بدجاج الكاري الذي يعده يعقوب'. 

ضحك يعقوب» وقال "هل تريد رقائق البطاطا معه؟' 

"نعم ؛ أريد رقائق البطاطاء وخبزا طازجاء وزجاجة كوكا مثلجة» أريد كل شيء 

ضحك يعقوب مرة أخرى قائلا 'لم تتغير يا دكتور جون". 

ظهر الصبيء ويددم المنشفة وقطعة صغيرة من الصابون أعطاهما للدكتور 
جون. 

5 مشكلة» تفضل معي . 

أرشده يعقوب إلى حجرة صغيرة مزودة بسماعة معلقة على حائط إحدى الكبائن. 
الهاتف يرن لعدة دقائق قبل أن يرد الطرف الآخر. 

حيّاه باللغة العربيةء وطلب تحويله إلى... 

هنا لوح يعقوب بيده» وترك جون بمفرده. بعد عدة دقائق عاد يعقوب» وأعطى 
جون زجاجة كوكا مثلجة» ولكنه كان لا يزال يتحدث على الهاتف» فترك يعقوب 
الزجاجة أمام الكابينة» وذهب ليحضتر الطعام. 

بعد نصف ساعة كان قد استحم؛ وحلق ذقنه وشاربه: وسراح شعره» وظهرت 
جبهته المحترقة من أشعة الشمسء وجلس في حديقة الفندق في ظل شجرة نخيل وارفة 
يتناول الطعام بذهم شدبد. 

19 


سأله "كيف سارت أمورك يردي وهو يمسك بكسرة من الخبز ويدور بها في 
طبق الطعام أمامه. ظ 

أجاب يعقوب وهو يرشف من زجاجة الكوكا. 

"هل سمعت بما حدث للسفير الأمريكي؟" 

اسم أسمع أي شيء. فالأمر بدا وكأنني كنت في كوكب المريخ على مدار 
الشهرين الماضيين". 

لقد فجروا سيارته". 

فأطلق الشاب صفيرا منخفضا. 

تابع يعقوب 'حدث ذلك في الأسبوع العاضي في الفاغ في عملية عنمت سف 
الانتقام". 

"هل لقي حتفه؟' 

"لا لقد نجا". 

أصدر الشاب صوتا بشعا وقال 'للاسف» لو تطهر العالم من كل هو لاء 
البيروقراطيين» فسيصبح العالم أفضل. إن دجاج الكاري هذا رائع المذاق يا يعقوب". 

في هذا الوقت تحركت فتاتان أوروبيتان من الطاولة الموجودة في أقصى الحديقة 
ومرتا بيعقوب وجونء وبعد مرورهماء التفتت إحداهما إلى جونء» وابتسمت له. 

فأومأ برأسهء ردا للتحية. 

قال يعقوب "أعتقد أنها معجبة بك". 

هن جون كتفيه قائلا 'ربماء ولكن لو أتت؛ وحاولت التعرف علي» فسأخبرها 
أنني عالم آثار. إن أول قاعدة في الآثار يا يعقوب هي ألا تخبر أي امرأة عن ماهية 
عملكء لأنها ستكون بمثابة قبلة الموت بالنسبة لها". 

التهم جون كل الطعام الذي أمامه أي الكاري ورقائق البطاطاء وأراح ظهره إلى 


الوراء» فيما كانت الطيور تزقزق فوق شجرة النخيل التي يجلس تحتهاء والهواء الحار 
يعبق برائحة دخان الفحم واللحوم المشوية. 
"إلى متى لمكت "٩‏ 


'سأمكث ساعة أخرى هنا في سيوة!"' 


أستعود مرة أخرى إلى الصحراء؟" 


1ه 1 
" 


هن يعقوب رأسه 
20 


'لقد مكثت هناك لمدة عام حتى الآن» تعود فقط لتتزود بالمؤن» ثم تختفي مرة 
أخرىء فماذا تفعل هناك؟" 

'أجري بعض القياسات» وبعض الحفريات» وأرسم خططاء وقد التقطت بعض 
الصور في الأيام المشرقة". 

وعم تبحث هناك؟ أتبحث عن مقبرة؟' 

هز الشاب كتفهء وقال "نعم يمكنك قول ذلك'. 

"ھل عثرت علیها؟ 

"لا أعرف يا يعقوب» ربما نعم وربما لاء فالصحراء تنصب المكائد» بحيث تعتقد 
أك حصلت على ما تريد» وفجأة تجد أنك لم تصل إلى شيء» وعلى النقيض قد تعتقد 
أناك عثرت على شيء ماء ويظهر بالفعل أنك وصلت إليه. فالصحراء دوما ما ندعوها 
في بلادنا بالمكان اللعين". 

حاول يعقوب تكرار العبارة باللغة الإنجليزية على نحو أثار ضحك جونء وقام 
بسحب ورقة سيجارة» وعلبة من التبغ من جيبه» وقال 'نعم إنها كما دعوتها أنت يا 
يعقوب» وهذا ينطبق عليها وهي في أحسن حالاتها". 

قام بلف السيجارة بسرعة»ء وأشعلهاء وأخذ نفسا عميقاء وأرجع رأسه إلى شجرة 
النخيلء ونفث الدخان بهدوء شديد. 

قال يعقوب 'أنت تدخن كثيرا من هذا التبغ يا دكتور جونء وهو ما سيقودك إلى الجنون". 

'على العكس يا صديقيء فهناك في الصحراء يكون هذا التبغ هو الأمر الوحيد 
الذي يرجعني لعقلي مرة أخرى'. 

بعد نصف ساعةء غادر جون الفندق» والمغلف لا يزال بيده» وكانت الشمس 
على وشك الغروب عندما توجه ناحية الغرب والشمس تبدو كبرتقالة صفراء. واجتاز 
طريقه عبر الساحة وصولا إلى سيارة الجيبء؛ التي أصبحت مملوءة بصناديق المؤن 
الآن. فاستقل السيارةء وشغل المحرك» وسار بها حوالى خمسين مترا حتى وصل إلى 
مقدمة محطة الوقود الوحيدة في سيوه. 

طلب من العامل ملأها بالوقودء وكذلك ملأ الحاويات البلاستيكية أيضاء ووضع 
بعض المياه من الصنبور في الحاو يات البلاستيكية المخصصة للميأه. 

ألقى للعامل بالمفاتيح؛ وسار حوالى مائة متر حتى وصل إلى مكتب البريد» وفي 
الداخل قام بفتح المغلف» وأخرج بعض الصورء وتفحصها ثم أعادها مرة أخرى إلى 
المغلف» وألصقه. 


21 


طلب من العامل أن يرسل هذا البريد المسجل. 

أخذ العامل المغلف» ووزنه» وأخرج استمارة من الدرجء وبدأ بملئها. 

قرأ العامل الاسم المكتوب على المغلف للتأكد من أنه صحيح, البروفيسور 
إبراهيم الزهير - جامعة القاهرة. أخذ جون نسخة من الاستمارة؛ ودفع الرسوم» وترك 
المغلف» وعاد مرة أخرى إلى محطة الوقود» فوجد كل شيء جاهزاء السيارة وحاويات 
الوقود والمياه؛ ونظر نظرة أخيرة إلى ساحة السوق؛ ثم صعد إلى السيارة وشغل 
المحرك» وسار ببطء مغادرا المدينة. 

توقف لفترة قصيرة عند طرف الصحراءء ونظر بحزن إلى المدينة مرة أخرىء 
ثم شغل المسجل» وانطلق بسيارته عبر الرمال. 

بعد شهرين» تم العثور على جثة جون» أو بقايا جثته المحترقة داخل سيارة 
الجيب المتفحمة. حيث عثر عليها مجموعة من السائحين على بعد خمسين كيلومترا 
جنوب - شرق سيوةء مقلوبة على سفح أحد الكثبان الرمليةء في شكل جسم معدني 
مهشم وبداخله بقايا إنسان. يبدو أن سيارته انقلبت عند عبوره هذا الكثيب الرملي» على 
الرغم من أنه لم يكن مزتفعا. والمثير أن هناك بعض الآثار التي تعود لإطارات 
سيارات أخرى في نفس المكان» وهو ما يوضح أنه لم يكن وحده في مكان الحادث. 
كانت الجثة في حالة سيئة للغاية بحيث لم يتم التعرف عليها إلا بعد إرسال عينات 
الأسنان من الولايات المتحدة الأمريكية. 


22 


3 


لندن» بعد أربعة عشر شهرا 


قامت الدكتور تارا مولراي بإزاحة خصلة من شعرها الأصفر عن عينيهاء 
واستمرت في السير عبر المسند الخشبي. كان الجو حاراء وكانت جالسة تحت 
المصباح مباشرة وشيء من العرق يكسو جبينها الباهت الأملس. ألقت نظرات خاطفة 
على الثعابين الموجودة في الحاويات أسفل ثقوب التهوئةء غير أنها لم تعرها اهتماماء 
وهذا ما فعلته الثعابين أيضا. كانت الدكتور تارا قد أمضت بالفعل أكثر من أربع 
سنوات تعمل في بيت الزواحف هذاء وبالتالى فقد خف اندهاشها منها على عكس ما 
كانت عليه في الماضي. 

أخذت تارا تمر بحاوية تلو الأخرى تنظر إلى الأصلة الصخرية» والأفعى 
النافخة: وأفعى السجادء وأفعى الجابون وأخيرا توقفت أمام كوبرا سوداء الرأس كانت 
منكمشة في ركن من الحاوية» ولكن ما إن وصلت تارا إليها حتى رفعت رأسهاء 
وحركت لسانهاء وأخذ جسدها الغليظ البني في التحرك يمينا ويسارا كالبندول. 

قالت الدكتور تارا وهي تضع صندوق وخطاف الثعابين على المسند الحديدي ١‏ 
'أهلا جوي"؛ واستأنفت 'كيف حالك اليوم؟” تحسست الأفعى الجانب الأسفل من غطاء 
الحاوية بشكل فضولي. بينما ارتدت تارا قفازين من الجلد الغليظ ونظارة واقية تحسبا 
لنفث الأفعى للسم» وهو ما حصل بالفعل. 

أمسكت بخطاف الثعابين قائلة '"حسنا يا عزيزتي؛ حان الوقت لتناول الدواء". 

مالت إلى الأمام» ورفعت الجزء العلوي من الحاوية بشكل جزئيء ثم تراجعت 
قليلا للوراءء لأن الأفعى رفعت رأسهاء وازدادت انتفاخاء وبحركة خاطفة»؛ قامت تارا 
برفع غطاء الصندوق» وزفعت الأفعى»ء ووضعتها فيهء وأغلقت الغطاء بإحكام. حصل 


23 


ظ كل ذلك دون أن ترفع عينيها عن الأفعى. وما إن دخلت الأفعى إلى الصندوق» حتى 
أصدرت صوتا يوحي بشعورها بالمكان الجديد الذي وأضعت فيه. 

قالت الدكتور تارا "إن هذا لصالحك يا جويء فلا تغضبي الآن". 

من بين كل الثعابين الأخرى» كانت تارا قلقة للغاية من هذه الكوبرا سوداء 
الرأس» على الرغم من أنها كانت تشعر بهدوء شديد عند التعامل مع أفعى التيابان. 
لكن مع هذه الكوبراء كانت تارا تشعر دوما بشيء من الاضطرابء فقد كانت 
الكوبرا ماهرة وعدوانية وسيئة المزاج. وكانت قد عضت تارا منذ عامء عندما 
نقلتها من مكانها لتنظيف الحاوية؛» حيث حملتها بالخطاف ولكن نزلت بها إلى 
الأسفلء وتمكنت الكوبرا من الالتفاف» وعضتها في يدها العارية من الخلف. 
لحسن الحظ.لم تنفث فيها السم» ولكن على الرغم من ذلك أثارت هذه العضة خوف 
تاراء لأنه على مدار قرابة العشر سنوات من عملها مع الزواحف» كانت هذه هي 
العضة الأولى التي تتعرض لها. منذ تلك اللحظةء وهي تعاملها بحرص شديدء 
ودوما ما ترتدي قفازين عند التعامل معهاء وهو ما لم تكن تفعله مع الثعابين 
الأخرى. بعد نقلها إلى الصندوق»؛ تأكدت تارا من أن الغطاء محكم الإغلاق»› ثم 
رفعت الصندوق بعيدا عن المسند الخشبي»› وتحسست طريقها بحرص شديد وهي 
تمضي في خطواتها عبر الممر وصولا إلى مكتبها. أثناء سيرهاء شعرت بالكوبرا 
تتحرك في الصندوقء فأبطأت خطواتها حتى لا تثيرها أكثر من ذلك» وتابعت 
سيرها دون إحداث أي حركة غير ضرورية. ظ 

كانت مساعدتها ألكسندرا تنتظرها داخل المكتبء وقامتا معا بإخراج الكوبرا من 
الصندوق» ووضعها على منضدة طويلة» وأمسكت بها ألكسندرا في وضعية مستقيمة؛ 
بينما انحنت تارا قليلا لفحصها. 

قالت تارا 'من المفترض أنها شفيت الآن". وأخذت تنظر إلى موضع في وسط 
ظهر الكوبرا حيث كانت إحدى قشور ظهرها متورمة ومتقرحة. وأضافت قائلة 
'مازالت تقوم بحك هذا الجزء بالحجر الموجود في الحاوية؛ أعتقد أن علينا تفريغ 
الحاوية تماما حتى يلتئم هذا الجزء". 

قامت تارا بأخذ قليل من المطهر من الخزانةء وبدأت بتنظيف الجرح بلطف» فيما 
أخذت الكوبرا تحرك لسانهاء وعيناها السوداوان تحملقان إلى أعلى بشكل يبعث على 
الريبة. 

سألت ألكسندرا "ما هو موعد طائرتك يا تارا؟" 


24 


أجابت تارا وهي تنظر إلى ساعة الحائط "عند الساعة السادسة» أعتقد أنني 
سأغادر فور انتهائي من هذه الكوبرا". 

قالت ألكسندرا "أتمنى لو كان أبي يعيش بالخارجء لا شك أن العلاقة بيني وبينه 
كانت لتأخذ شكلا أكثر غرابة". 

ابتسمت تارا قائلة "هناك أوصاف عديدة للعلاقة بيني وبين أبيء» ولكن الغرابة 
ليست إحدى هذه الصفات. توخي الحذر عند رأس الكوبرا". 

في هذه اللحظة؛ كانت تارا قد انتهت من تطهير الجرح» ووضعت بعضا من 
المرهم على إصبعهاء وحركته على طول جائب الكوبرا. 

يتعين تطهير الجرح كل يومين أثناء فترة تواجدي بالخارج» وعليك استعمال 
المضاد الحيوي حتى يوم الجمعة» فأنا لا أريد أن ينتشر التقرح في جسدهاء أتفهمين يا 
ألكسندرا؟" 

'نعم. رجاء حاولي الاستمتاع بوقتك". 

أساتصل في نهاية الأسبوع للتأكد من عدم وجود أي مشاكل". 

“هلا توقفت عن القلق يا تارا؟ كل شيء سيكون على ما يرام. فالحديقة يمكنها 
البقاء يدنك قترة الأسيو ع اللذين ستمضينهما بالخارج”". 

ابتسمت تارا. فقد كانت ألكسندرا محقة» حيث إن تارا كانت قلقة للغاية حيال 
عملهاء وهي صفة ورثتها عن والدها. كانت هذه الإجازة هي الأولى من نوعها على 
مدار عامين كاملين» وكانت تدرك أن عليها الاستمتاع بها قدر المستطاع. أمسكت تارا 
ذراع ألكسندرا بقوة» قائلة "أعرف أن ردود أفعالي مبالغ فيها". 

أجابت ألكسندرا 'لقد قصدت أن الثعابين لن تفتقدك؛ فهي تفتقر إلى المشاعر". 

فنظرت إليها تارا بسخرية قائلة "كيف تقولين ذلك عن صغاري؟ فهم سيبكون كل 
ليلة سأقضيها بعيدا عنهم'. 

ضحكتا معاء وأمسكت تارا بخطاف الثعابين» ووضعت الكوبرا في الصندوق 
مرة أخرى. 

'هل ستكونين بخير إذا أرجعتها وحدك إلى الحاوية؟" 

أجابت ألكسندرا 'نعم» هيا فلترحلي أنت 

التقطت تارا معطفها والقبعة» واتجهت نحو الباب. 

'تذكري يا ألكسندراء المضاد الحيوي حتى يوم الجمعة". 

أجابت ألكسندرا "بال عليك اذهبي". 


20 


ولا تنسي رفع الحجر من الحاوية الخاصة بالكوبرا". 

'يا الله تارا!" 

قامت ألكسندرا بجذب قطعة قماشء» وألقت بها بوجه تاراء فضحكت تاراء 
وهرولت نحو الممر. 

قالت تارا 'تأكدي من وضع النظارة الواقية عند وضع الكوبرا في الحاويةء فأنت 
تعرفين إلى أي مدى تصير الكوبرا عصبية بعد أخذ الدواء!" 

كانت زحمة السير في أوجها عند الظهيرة؛ إلا أنها شقت طريقها وسطها بسهولة 
ويسرء وعبرت منطقة التايمز وصولا إلى جسر فوكس هولء ثم سارت بأقصى سرعة ١‏ 
على طول الميلين الأخيرين في طريقها إلى بركستون. كانت بين الحين والآخر تنظر 
إلى ساعتهاء فلم يتبق سوى أكثر من ثلاث ساعات بقليل على موعد الطائرة» ولم تكن 
فد حزمت أغراضها بعد. 

تمتمت وهي تعتمر القبعة "اللعنة". 

لقد كانت تارا تعيش.وحدها بشقة خلف حديقة بروك ويل» اشترتها منذ خمس 
سنوات بأموال تركتها لها أمهاء وكانت أعز صديقاتها جيني تقطن معها كمستأجرة 
للغرفة الخاوية. 

لمدة عامين متواصلين كانتا تعيشان الحياة كما تحلو لهما دون الدخول في أي 
ارتباطات جادة. ثم قابلت. جيئي شخصا يدعى نيك؛ ولم يمض وقت طويل حتى 
استقراء وعاشا معا تاركين تارا تتولى أمر الشقة وحدها. كانت أقساط الرهن عبئًا تقیلا 
عليهاء إلا أنها لم تعمد إلى تأجير غرفة جيني لشخص أخرء لأنها كانت مستمتعة بكل 
هذا الفراغ وحدهاء ودوما ما كانت تسأل نفسهاء هل يمكنها العثور على رجل تستقر 
معه كما فعلت جيني. لقد كان هناك شخص في الماضي تهتم بأمره كثيراء ولكن انتهى 
الأمر على أي حال» وأصبحث مستمتعة بالعيش بمفردها. 

كانت لشقة في فوضى عارمة عند دخول تارا. سكبت لنفسها كوبا من شرابها ) 
المفضل» وهي تستمع إلى س المفضل» وتوجهت إلى الهاتف حيث ضغطت على 
زر ااه ر ست وة الا اة غل ك مت رسال 

كانت اثنتان منها من نايجل» وهو صديق قديم من الجامعة. الأولى يدعوها فيها 
لتناول العشاء مساء السبتء والثانية ليلغي هذه الدعوة لأنه تذكر أن عليها السفر في 
هذا التوقيت. بالإضافة إلى رسالة من جيني تحذرها من ركوب الجمال لأن أصحابها 
لا يحسنون التعامل معهاء ورسالة أخرى من المدرسة تؤكد على المحادثة التي تمت 

26 


في وقت سابق حول الكف عن التعامل مع الثعابينء ورابعة من هاري سمسار 
بالبورصة ظل يلاحقها لأكثر من شهرين دون رد منها. والرسالة الأخيرة كانت من 
والدها. 

في هذه الرسالة طلب منها والدها أن تحضر له شرابه المفضل وجريدة التايمز› 
وأن تتصل به إذا حدثت لها أي مشكلة. وإذا سارت الأمور على ما يرامء فسيلتقيها في 
المطارء وأخبرها أنه يتطلع للقائها. 

ضحكت تارا قائلة 'لطالما كان غريبا عندما يريد قول شيء عاطفي". وكغيره 
من الأكاديميين» كان البروفيسور مايكل مولراي يسبح في عالم الأفكارء وكانت 
المشاعر عائقا أمام هذه الأفكارء ولهذا السبب انفصل هو ووالدة تارا لأنه لم يكن قادرا 
على احتوائها عاطفيا. حتى أنه عند موتها منذ ستة أعوام لم يتمكن من إظهار. مشاعره 
إل بصعوبة. في جنزتهاء جلس في الخلف بلا أي تعابير على وجههء غارقا في 
آ ره» وغادر بعد الجنازة مباشرة لإلقاء محاضرة في جامعة أكسفورد. 

ما إن انتهت تارا من شرابها المفضل» حتى توجهت إلى المطبخ؛ لتملا الكوب 
مرة أخرى»ء وشعرت بأن عليها ترتيب الشقةء ولكن الوقت ضيق للغايةء فاكتفت بإزالة 
القمامة» وغسل الأطباق قبل الذهاب إلى غرفة النوم» لحزم أمتعتها. 

يجدر بالذكر أنها لم تر والدها منذ عام تقريباء أي منذ آخر زيارة له لإنجلترا. 
فقد انحصرت العلاقة بينهما على التحدث عبر الهاتف» وهي المحادثات التي كانت 
تأخذ شكلا تفليديا أكثر منه ألفة ومودة. فقد كان يخبرها ببعض الأشياء التي اكتشفها 
أثناء التنقيب أو عن دورة كان يُدرس بها. أما هي فقد كانت تتحدث عمّا حدث لبعض 
أصدقائهاء وعن بعض الأشياء في العمل» ولم تستمر أي من هذه المحادثات أكثر من 
دقائق قليلة. وكان والدها يرسل لها بطاقة معايدة كل عام» وفي كل عام تصل متأخرة 
عن موعدها أسبوعا كاملا. 

لهذا كانت مندهشة عندما اتصل بها والدها في الشهر الماضي ودعاها للإقامة 
معه لبعض الوقت. كان قد أمضى بالخارج أكثر من خمسة أعوام» وتلك كانت المرة 
الأولى التي يدعوها فيها للبقاء لبعض الوقت. 

قال لها والدها في تلك المكالمة 'لم يعد هناك مزيد من الوقت» لماذا لا تأتين إلي؟ 
حيث يمكنني أن أريك بعض المناظر الجميلة". 

كان انطباعها الأول هو القلق» فهو رجل مسن في السبعين من عمره؛ ولديه قلب 
ضعيفء ولهذا يعيش على الدواء بشكل مستمر. لعل هذا العرض هو الطريقة المثلى 

27 


لإخبارها بأن صحته تتدهورء وأنه يريد بعض السكينة قبل الموت. عندما سألت عن . 
صحته: أكد لها مرارا وتكرارا أنه في أتم الصحة» وأن الأمر لا يتعدى رغبته في 
قضاء بعض الوقت معها كوالد وابنته. ظ 

لقد كان تصرفه غريباً هذه المرةء وهذا ما أثار شكوكهاء إلا أنه لم يكن هناك ' 
شيء تخسره.؛ فاشترت تذكرة طيرانء وأخبرته أنها ستأتي إليه» مما أثلج صدره 
كثيرا. 

علق قائلا 'رائع» سنحظى بوقت جميل كالأيام الخوالي". ظ 

نظرت تارا نظرة خاطفة إلى ملابسها الملقاة على السريرء وحزمت منها ما 
تريده» ووضعته في حقيبة سفر كبيرة» وشعرت بأنها تريد تدخين سيجارة: إلا أنها 
قاومت هذه الرغبةء لأنها كانت قد أقلعت عن التدخين منذ عام تقريباء ولم تكن ترغب 
في العودة إليه مرة أخرىء إن لم يكن لأجلها هي فلأجل الحصول على المائة جنيه 
الإسترليني التي وعدتها جيني بها إن أقلعت عن التدخين لمدة عام. بدلا من تدخين 
السيجارة؛ فعلت ما اعتّادت عليه دوما عند رغبتها في التدخين» وهو أن ذهبت إلى 
الثلاجة» وأحضرت مكعب ثلج؛ وامتصته بدلا من التدخين. 

سألت نفسهاء أكان ينبغي عليها شراء هدية لوالدها أم لا؟ ولكن على أي حال 
كان الوقت ضيّقا للغاية» وبالتالي حتى لو اشترت له هديةء فلم تكن لتعجبه. لقد تذكرت 
.خيبة الأمل الشديدة التي منيت بها بعدما أمضت أسابيع طويلة تفكر في الهدية التي 
ستحضرها له في العيدء والتي ردد عندما فتحها: أه» يا لها من هدية رائعة يأ 
عزيزتي! إنها هدية لطالما أردت الحصول عليهاء ثم غاص في أوراقه مرة أخرى. 
كانت قد أحضرت له شرابه المفضل وعددا من صحيفة التايمز بالإضافة إلى كريم 
مرطب لما بعد الحلاقة. 

قامت بإضافة بعض الأغراض الأخرى إلى الحقيبة» ثم ذهبت لتستحم. كان جزء 
منها يخشى هذه الرحلةء فهي كانت تعلم أن الأمر سينتهي بينهما بجدال» مهما حاولا 
تجنب ذلك. في نفس الوقت لم تتمالك نفسها من السعادةء لأنه قد مضى عليها وقت 
طويل دون أن تسافرء وحتى إن ساءعت الأمورء فسيمكنها الاعتناء بنفسها لبضعة أيام؛ 
فهي لم تعد طفلة تعتمد على والدهاء وإنما هي فتاة راشدة يمكنها فعل ما تريد» ومن ثم 
زادت سخونة المياه» وعندما انتهت من الاستحمام استرخت فليلا. 

بعد ذلك» أغلقت كل نوافذ الشقة» وخرجتء وأوصدت الباب وراءها. كان الظلام 
قد حل بالفعل» وبدأت الأضواء في السطوع مما أضاء الأرصفة تحت أعمدة الإضاءة 


20 


في الشوارع. في الغالب كان هذا الطقس يصيبها بالكآبة» ولكن الأمر لم يكن كذلك 
هذه اللبلة. 


تفحصت تارا جواز سفرها وتذكرة السفر؛ وتوجهت إلى المطار ووجهها تعلوه 
البسمة. وكان من الواضح أن درجة الحرارة في القاهرة مرتفعة في هذا الوقت. 


29 


4 
القاهره 


إكبار العجوز 'لقد حان وقت الإغلاق الليلة يا صغيرتيء هيا فلتذهبي إلى بيتك 
أينما كان . 2 ئ 

وقفت الفتاة الصغيرة بلا حراك تعبث في شعرهاء ووجهها تملؤه القذارة؛ 
والمخاط يسيل من أنفها. ظ 

"هيا أذهبي؛ ويمكنك المجيء غدا لمساعدتي إن أردت". 

لمترد الفتاةء وظلت تحملق به» فما كان منه إلا أن تقدم خطوة نحوهاء وكان 
يعرج عرجا شديداء ويتنفس بصعوبة. 

"لا يساورنك الشك يا صغيرتيء فأنا رجل عجوز ومتعب". 

في هذا الوقت كانت أضواء المتجر على وشك الانطفاء» باستثناء مصباح 
صغير يشع ضوءا خافتاء ولكن الظلال كانت واضحة. وكانت التحف الأثرية 
تغوص في الظلام وكأنها تغوص في الماء. في هذه الأثناء» وصل إلى مسمعه 
صوت آلة تنبيه لدراجة بخارية صغيرة من خارج المتجر» وصوت شخص يطرق 
الباب. 

تقدم إكبار خطوة أخرىء وبطنه المنتفخ يتدلى أمامه من تحت الجلباب. كان 
هناك شيء مخيف في أسنانه البنية المسوسة والضمادة السوداء التي تكسو عينه. 
وعلى الرغم من ذلك كان صوته عطوفاء ولم تخف الفتاة الصغيرة منه. 

"هل ستذهبين إلى البيت أم لا؟" 

فهزت الفتاة رأسها. 


30 


فقال لها وهو يتوجه إلى مقدمة المتجر 'حسناء في هذه الحالةء سأغلق عليك 
المتجر لتقضي الليلة هناء وبالتأكيد الليل هو الوقت الذي تظهر فيه الأشباح". 

وقف عند الباب» وأخرج كومة من المفاتيح من جيبه. 

سأل الفتاة "هل أخبرتك عن الأشباح؟ أنا متأكد أنني أخبرتك» فهي موجودة في 
كل متاجر التحف» فعلى سبيل المثال يوجد جني يسمى الغول": وأشار إلى مصباح 
نحاسي أصفر على الرف»ء 'يبلغ عمره عشرة آلاف عام؛ ويمكن أن يتحول إلى أي 
شكل يريده'. 

حملقت الفتاة في المصباح. 

"هل ترين هذا الصندوق الخشبي القديم في الركن هناك هذا الصندوق ذو القفل 
الكبير والسلاسل الحديدية الملتفة حوله؟ يوجد بداخله تمساح أخضر كبيرء ينام بالنهارء 
ويستيقظ ليلا للبحث عن الأطفال لكي يأكلهم» حيث يمسك بهم بفمه» ويبتلعهم بأكملهم". 

عضت الفتاة على شفتيهاء وعيناها تجولان بين الصندوق والمصباح. 

'وهذه السكين المعقوفة المعلقة على الحائط هناك» إنها ترجع إلى أحد الملوك 

الأفقياءء حيث يعود كل ليلةء ويأخذهاء ويقطع رقبة من يقابله. يا للهول! إن هذا 

المتجر مليء بالأشباح. 

إذا كنت تريدين البقاء هنا الليلة يا عزيزتيء فعلى الرحب والسعة". 

ضحك الرجل ضحكة خانتة» وفتح الباب محدثا صوتا نتيجة الجرس الموجود 
علسيهء» فتقدمت الفتاة بضع خطوات معتقدة أنه سيغلق عليها المتجر. وما إن سمع 
حركتها حتى استدار» ورفع يده وكأنها مخالب» وأصدر صوتا مخيفاء فصرخت الفتاة: 
ثم ضحكت» وهرولت إلى مؤخرة المتجر حيث اختبأت خلف سلتين قديمتين. 

فهل كانت تريد لعب الغميضة؟ 

أسرع الرجل العجوز يجري وراءها وهو يعرج ويبتسمء ويالها من مهمة صعبة 
أن تختبئ الفتاة من إكبارء فعلى الرغم من أن له عينا واحدة إلا أنه يرى بها 
بوضوح., بحيث لا يستطيع أحد الاختباء منه. 

كان الرجل يرى الفتاة وهي مختبئة خلف السلتين» تنظر من فتحة موجودة 
بينهماء غير أنه لم يرد إفساد فرحتها سريعاء فتعمد المرور بجوارهاء وفتح أبواب 
خزانة خشبية قديمة. 

"هل أت یی" 

وتظاهر أنه يبحث عنها في الخزانة. 

31 


"لاء ليست هناء إنها أمهر مما أعتقد". 

أغلق الخزانة» وذهب إلى حجرة في مؤخرة المتجر» وأصدر أصواتا عالية وهو 
يفتح الأدراج ويغلق الكبائن بعنف. 

'هل أنت هنا يا صغيرتي؛ هل تختبتين في مكتبي السري؟ يا لها من فتاة ماهرة!" 

بقي بالداخل لبعض الوقت قبل أن يخرج ثانية ويقف مباشرة أمام السلتين» وكان 
يسمع صوت الضحك الخافت للفتاة. آ 

افلأفكر الآنء إنها ليست في الخزانةء أو المكتب» وأنا متأكد أنها ليست غبية 
للاختباء في الصندوق الخشبي» فلم يتبق سوى مكان واحد للاختباء وهو خلف السلتين؛ 
فلنر ما إذا كان إكبار العجوز محقا أم لا". 

فمال ناحية السلتين» وفي نفس اللحظة صدر صوت الجرس المعلق على الباب 
مشيرا إلى دخول شخص ماء فاستقام إكبار مرة أخرىء واستدار ناحية الباب فإذ 
برجلين يدخلان فقال لهما 'لقد كنا على وشك الإغلاق» ولكن إذا كنتما تريدان مشاهدة 
التحف فخذا وقتكما". 

اللافت أن الرجلين تجاهلاه تماما. وكان الرجلان في العقد الثاني من العمر 
وملتحين ويرتدي كل منهما جابابا أسود» وغطاء رأس أسود يتدلى حول جبهة الرأس. 
نظرا إلى المتجر لبعض الوقتء ثم خرج أحدهماء وأشار إلى رجل آخر أبيض البشرة 
أتى في عقبهما. ظ 

سأله إكبار "هل يمكنني مساعدتكم؟ هل تبحثون عن شيء محدد؟ 1 

كان الرجل الثالث ضخم الجثة» وطويل القامة؛ وعريض المنكبين» حتى أن حلة 
الكتان التي يرتديها بدت صغيرة عليه» حيث بالكاد تتسع لكتفيه القويتين» وفخذيه 
العريضين. كان يمسك ببقايا سيجار مشتعل في يدء وحقيبة جلدية بنية صغيرة في اليد 
الأخرى مكتوب عليها الحرفين 72 ©. كان نصف وجهه الأيسر بداية من جبهته 
ووصولا إلى فمه تقريبا مكسوا بعلامة زرقاء خلقية. وعند هذه اللحظة» بدأ إكبار 
يشعر بالخوف. 

كرر سؤاله مرة أخرى "هل يمكنني مساعدتكم؟" 

فقام الرجل الضخم بإغلاق باب المتجر برفق» ووضع المفاتيح في القفل» وأومأ 
إلى صاحبيه اللذين توجها ناحية إكبار بلا أدنى تعبير على وجهيهما. 

تراجع إكبار حتى وصل إلى المنضدة. 

'ماذا تريدون؟ وأخذ يسعلء؛ ويقول أرجوكم ماذا تريدون؟" 


32 


تقدم الرجل الضخم»ء ووقف أمام إكبار بحيث كان على وشك الالتصاق بهء ونظر 
إليه لدقيقة وهو يبتسم» وأخرج السيجار من فمه» ووضعه في عين إكبار المكسؤة 
بالضمادة. فصر خ أكبار» ووضع بده أمام و جهه. 

قال وهو يسعل "أرجوك؛ أرجوكء ليس معي نقودء فأنا رجل فقير!" 

فأجابه الرجل الضخم 'لديك شيء يخصناء قطعة أثرية أتت إليك بالأمس» أين 
هي ؟" ؤ 

وضع إكبار ذراعيه على رأسه قائلا "لا أدري عما تتحدثء أنا لا أملك أي قطع 
أثرية» إن الاتجار بها غير قانوني". 

أشار الرجل الضخم إلى صاحبيه اللذين أمسكا بالرجل العجوزء ورفعاه ورأسه 
ملفوفا بحيث يلامس خده كتفه؛ وكأنه يحاول الاختباء. تدلى غطاء وجه أحد الرجلين 
مظهرا ندبة كبيرة في وسط جبهته الملساء والشاحبة وكأن هناك دودة ماصة للدماء 
ممسكة بهذا الجلد. وكان منظر هذه الندبة وحده كافيا لإثارة خوف إكبار. 

ردد إكبار "أرجوك» أرجوك!' 

فسأله الرجل "أين قطعة الآثار؟" 

فرد إكبار "أرجوك» أرجوك!' 

فتمتم الرجل الضخم ببعض الكلمات» ثم وضع الحقيبة الجلدية على الأرض؛ 
وأخرج منها شيئا يشبه المالج» وكانت شفرته غير ماضية باستثناء الأطراف اللامعة 
التي تشير إلى أنها مشحوذة للتو. 

وسأله "هل تعرف ما هذا" 

كان إكبار يحملق في الشفرة» والرعب يكتم صوته. 

أجاب الرجل الضخم 'إنه مالج للتنقيب عن الآثار؛ء نستخدمه لإزالة التربة 
السوداء على هذا النحو". وأخذ يحرك المالج جيئة وذهاباء أمام خد إكبار المرعوب. 
'وله العديد من الاستخدامات الأخرى أيضا". 

قام بحركة سريعة لا تتناسب مع رجل بضخامته؛ ورفع المالج» وهوى به على 
خد إكبارء ففتحه وكأنه شفتان والدم يتساقط بغزارة على جلباب الرجل العجوز. أخذ 

قال الرجل الضخم "الآن سأسألك مرة أخرىء أين قطعة الآثار ؟" 

هناك خلف السلتين» كانت الفتاة الصغيرة تدعو أن يخرج الغول والجني لمساعدة 

33 


هبطت الطائرة بعد منتصف الليل. 

قالت المضيفة لتارا وهي تخرج من الطائرة وتلفحها موجة هواء حارة 'مرحبا 
بك في القاهرة؛ نتمنى لك إقامة ممتعة". 

كانت الرحلة هادئة:؛ حيث جلست تارا على المقعد قرب الممر بجانب اثنين 
ارتسم على وجهيهما القلق أخذا يحذرانها طوال النصف الأول من الرحلة من 
اضطرابات المعدة التي ستعاني منها جراء الطعام المصريء ولكن لحسن الحظ 
غالبهما النعاس في النصف الثاني من الرحلة. من جانبها طلبت تارا كوبين من شرابها 
المفضل» وشاهدت نصف الفيلم المعروض في الطائرة» ثم اشترت زجاجة أخرى من 
شرابهاء وأرجعت مقعدها للخلف» وأخذت تنظر إلى السقف. أرادت أن تدخن سيجارة 
كما كانت عادتها عندما تسافر» ولكنها طلبت مععبات التلج» وتناولتها بدلا من 
السيجارة. 

كان والدها يعمل في مصر منذ أن كانت طفلة صغيرة» حيث كان من أشهر 
علماء الآثار المصرية في. هذا الوقت كما قال عنه أقرانه. وكان يقيم في مصر بصحبة 
بيتري وكارترء كما أخبرها أحد أصدقائه من قبلء وأضاف أن والدها هو أفضل 
شخص على الأرض يعرف أخبار المملكة القديمة. 

من المفترض أن تفخر تارا بذلك» ولكنها كعادتها استقبلت الثناء ببرود شديدء كما 
كانت تفعل عند سماعها بإنجازات أبيها الأكاديمية. فكل ما تتذكره منذ نعومة أظافرها 
أن أباها كان غارقا في التفكير في عالم اختفى منذ 4000 عام حتى أكثر من استغراقه 
في التفكير في أسرته. حتى أن اسمها تارا مشتق في الأصل من اسم ابن إله الشمس 
لمصري ر ع. 

في كل عام كان والدها يسافر إلى مصر لاقيام ببعض الحفريات لمدة شهر في 
البداية» وكان هذا الشهر هو شهر نوفمبر على أن يعود قبل الأعياد. ولكن مع مضي 
الوقت وفتور العلاقة الزوجيةء أخذ والدها يقضي وقتا أطول في مصر. 

كانت والدتها تقول "إن والدك يرغب في الزواج من سيدة أخرى اسمها مصر'. 
من المفترض أنها مزحة: إلا أنها ووالدتها لم تضحكا عليها قط. 

بعد ذلك أصيبت والدتها بالسرطان» وتدهورت صحتها بشكل سريعء وكانت هذه 
الفثقرة هي الفترة التي بدأت فيها تارا بكره والدهاء فعلى الرغم من اشتداد المرض 
على والدتهاء إلا أن أباها ظل بعيداء ولم يكلف نفسه عناء قول بعض كلمات المواساة 
وكأنه رجل يفضل المقابر والقطع الأثرية على من هم من لحمه ودمه. قبل أيام قليلة 

34 


من وفاة والدتهاء اتصلت تارا بوالدهاء وصبت جام غضبها عليهء» وحتى في الجنازة 
التقفيا مع بعضهما على مضضء وغادر بعدها إلى مصر بشكل دائم حيث يقوم 
بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لثمانية شهورء ويقضي الشهور الأربعة 
الأخرى في أعمال التنقيب. ولم يتحدثا مع بعضهما لمدة تزيد عن العامين. 

لكن على الرغم من ذلك كله؛ كانت هناك ذكريات جميلة تتذكرها تارا عن 
والدها. فعلى سبيل المثال» عندما كانت طفلة كانت تبكي كثيرا للحصول على ما 
تريده» وكان أبوها يقوم بحركة سحرية مضحكة لإسكاتها حيث يقوم بإخفاء إيهامه من 
يده» وكانت تارا تضحك كثيراء وتطلب منه أن يعيد القيام بذلك مرارا وتكراراء وهي 
تحملق بدهشة كلما فعل ذلك» وتضحك بلا توقف عندما يرفع يده في الهواءء وكأنه 
يتخلص من هذا الإصبع. 

كانت أفضل ذكرياتها على الإطلاق تلك الخاصة بصباح ذكرى مولدها الخامس 
عشر حيث استيقظت وبجوارها مغلف على رف الموقدء وعندما فتحته» وجدت بداخله 
مفتاح لغز لصندوق من صناديق الكنوز» جعلها تدور في كل أرجاء المنزل والحديقة 
قبل أن تصعد إلى علية المنزل وتكتشف وجود عقد ذهبي مخفي داخل صندوق 
صغير . كان كل مفتاح لغز موضوعا على شكل مقطع شعري مكتوب على مخطوطة 
ورقية تحتوي على رسوم ورموز لتزيد من الغموض. لا شك أن والدها استغرق 
ساعات لإعداد هذا الأمر. في وقت لاحق من نفس اليوم اصطحبها والدها لتناول 
العشاء بالخارج» وأخذ يسرد لها قصصا رائعة عن الحفريات والاكتشافات والإنجازات 
الأكاديمية التي حققها. 

ومال عليها قائلا "أنت جميلة يا تاراء وعدّل لها وضعية العقد الجديدء الذي كانت 
قد ارتدته خصيصا لهذه المناسبة» أنت أجمل فتاة في العالم» أنا فخور بك". 

لقد كانت مثل هذه اللحظات الجميلة رغم قلتها وتباعدهاء هي التي وازنت بين 
برود والدها العاطفي وانطوائه على نفسه من ناحية» وارتباطها وتعلقها به من ناحيه 
أخر ى. كانت هذه اللحظات أيضا السبب في اتصالها به منذ عامين بعد جنازة واأدتها 
لكسر حدة الجمود بينهماء وهو ما كان بالفعل» حيث انكسر هذا الجمودء والاآن هي في 
طريقها لرؤيته. 

فلقد كانت تعرف أنه يوجد داخل هذا الرجل الملىء بالعيوب شخص رقيق؛: 
يحبها ويحتاج إليها أيضاء وكانت تأمل أن يتغير الوضع هذه المرة كعادتها دائما في 
كل مرة تلتقيه فيها. فالأمر لن يصل إلى شجار أو عراك أو امتعاض» وإنما سيكون 


30 


سعادة وطمأنينة وهما بصحبة بعضهماء كما هو الحال بين أي والد وابنته. وربما 
يتمكن هذه المرة من إنجاح الأمور بينهما. ظ 

عند هبوط الطائرة: فكرت تارا أنها فرصة لكل منهماء ولكنني أعرف أنني 
سأكون سعيدة لرؤيته» غير أن الحال سيتغير بعد خمس دقائق» ويتحول إلى جدال مرة 
أخرى. 

قال لها من يجلس بجوارها في الطائرة مازحا "أعتقد أنك تعرفين أن معظم 
الطائرات تسقط عند الهبوط أكثر مما يحصل عندما تكون في حالة طيران!" 

بالتأكيد. أسرعت تاراء وطنبت مزيدا من مكعبات الثلج لتهدئ نفسها. 

بعد ساعة من الهبوط» ظهرت تارا في صالة الوصول بالمطارء حيث كانت قد 
انتظرت طویلا عند مکتب فحص جوازات السفر» وأعقب ذلك تأخير آخر عند نقطة 
تفتيش الحقائب» حيث كان رجال الجمارك يقومون بأعمال تفتيش عشوائية للحقائب. 

قال لها أحد الركاب "إن هذا يحصل بسبب رجل يدعى سيف الثأر. إن هذا 
الرجل يسبب الكثير من المشاكلء إنه قد يجعل بلدا بأكمله ينتظر هنا!' 

قبل أن تسأله عما يقصدء كان قد طلب حمال حقائب» وتوجه نحو الحشد. وبعد 
دقائق قليلة وصلت أمتعتهاء وذهب عنها كل الضيق الذي شعرت به من قبل» وأنهت 
لامور الخاصة بالجمارك» وسارت قدما وقلبها يخفق. ظ 

فقد أخبرها والدها أنه سيلاقيها في المطارء ومن ثم تخيلت أنها ستجده فور 

ظهور ها في قاعة الوصول ينتظرها بشوق» ويسرعان تجاه بعضهماء ويتعانقان. 
لكن الشخص الوحيد الذي رحب بها هو سائق سيارة أجرة وعرض عليها خدماته. 
أخذت تنظر إلى الأشخاص المنتظرين عند حاجز الوصول» ولكن والدها لم يكن 

على الرغم من أن الوقت كان متأخراء إلا أن المكان كان مزدحماء حيث هناك 
العديد من العائلات ترحب وتودع بعضها البعضء والأطفال يلعبون حول الكراسي 
البلاستيكيةء بالإضافة إلى حشود من السائحين يجتمعون حول المرشدين السياحيين. 
كان هنك العديد من رجال الشرطة يرتدون زيا أسود موحداء والبنادق معلقة على. 
أكتافهم . 

انتظرت تارا عند حاجز الوصول قليلاء ثم أخذت تتجول في القاعة. ثم غادرت 
القاعة» حيث أخطأ أحد المرشدين السياحيين» واعتقد أنها من بين المجموعة المسؤول 
عنهاء ولكن تبيّن الخطأ بعد ذلك» ورجعت مرة أخرى إلى القاعة حيث تجولت لفترة 


36 


| رلء واستبدلت بعض النقود» واشترت قهوة» وجلست على كرسي في موقع متميز 
بحيث يمكنها رؤية المدخل والحاجز في نفس الوقت. 

بعد ساعة اتصلت بوالدها من إحدى الكبائن» ولكن دون رد؛ سواء من محفره أو 
من شقته التى يقيم فيها وسط القاهرة. بدأت تفكرء فقد يكون هناك ازدحام مروري 
أخر سيارة الأجرة التي يركبهاء افترضت ذلك لأنه لم يكن يركب سيارة خاصة به 
لأنه لم يتعلم القيادةء أو لعله مرض فجأة؛ أو لعله نسي أنها ستحضر أصلا. 

لاء لم يكن لينسى هذه المرة» ليس بعد كل هذه السعادة التي ظهرت عليه عندما 
علم بقدومها. فالأمر لا يعدو عن كونه تأخر قليلا فقط. اشترت تارا كوب قهوة آخر. 
وجلست على نفس الكرسي تقرأ في أحد الكتب. 

فجأة قالت "اللعنة» لقد نسيت إحضار نسخة من صحيفة التايمز". 


3/7 


5 


الأقصر - الصباح التالى 


استيقظ المحقق يوسف عز الدين خليفة قبل الفجرء واغتسلء» وارتدى ثيابه. 
وذهب إلى غرفة المعيشة ليصلي صلاة الفجرء وكان كعادته يشعر بالإرهاق كل 
صسباح؛ ولكن ما إن صلى حتى أصبح صافي الذهن. وما إن انتهى من الصلاة حتى 
ازداد نشاطا وهدوءا وقوة» كحاله كل صباح. 

همس قائلا 'ولله الشكر". وتوجّه إلى المطبخ لإعداد القهوة. 

وضع بعض الماءء وتركه يغلي» وأشعل سيجارة؛ وأخذ ينظر إلى امرأة تنشر 
الغسيل على سطح المنزل المقابل لمنزله» والذي كان ينخفض عن مستوى شباك 
مطبخه ثلاثة أمتارء وتمنى لو أنه يستطيع القفز من منزله إلى المنزل الآخر عبر 
الفسحة الضيقة التي تفصل المنزلين؛ وهي محاولة كان ليقوم بها على الأرجح عندما 
كان أصغر سناء وكان شقيقه علي ليفعل ذلك دون ترددء إلا أن عليا قد مات الآن» 
وأصبح خليفة مثقلا بالمسؤوليات» فالمسافة من السطح للأرض عشرون متراء والآن 
أصبح لديه زوجة وثلاثة أولادء وبالتالي لا يمكنه خوض غمار هذه المخاطرء أو لنقل 
إن ذلك مجرد عذر اختلقه لنفسه»ء لأنه دوما كان يخشى المرتفعات. 

أضاف خليفة البن والسكر إلى الماء المغلي حتى وصل إلى حافة الغلاية؛ ثم 
صبه في كوبء وتوجه إلى القاعة الأمامية المكونة من ردهة كبيرة تطل على كل 
غرف الشقة. كانت الأرضية مملوءة بأكياس الأسمنت والحجارة والمواسير 
البلاستيكية؛ لأنه كان يعكف على مدار ستة أشهر على بناء نافورة في هذه الردهة. 
من المفترض أنها نافورة صغيرة وبالتالي لم يكن العمل ليستغرق أكثر من أسبوعين؛ 
ولكن دوماء كانت تحدث أشياء تصرف انتباهه عنهاء ومن ثم امتدت الأسابيع إلى 

38 


شهور ولم يتم الانتهاء إلا من نصف العمل فقط. في الحقيقة» لم يكن هناك متسع لهذه 
النافورة» ولطالما اشتكت زوجته من الفوضى والتكلفة الناجمة عن ذلك؛ ولكنه كان 
مصرا على بنائهاء فضلا عن أنها كانت لتضفي مسحة من البريق على هذه الشقة 
الكثيبة. فما كان منه إلا أن أخذ يعبث في كومة من الرمالء معتقدا أن الوقت سيمهله 
لإضافة جز ء قليل إلى هذا العمل قبل الذهاب إلى المكتب» ولكن جرس الهاتف داهمه. 

أجابت زوجته وصوتها يملؤه النعاس "إنه لك". وما إن دخل غرفة النوم حتى 
أخبرته أنه محمد سارية. 

أعطته سماعة الهاتف» ثم غادرت السرير بعد أن حملت رضيعها من سريره 
الصغير» وتوجهت إلى المطبخ. وأتى طفله الأكبرء وصعد إلى السرير خلف والده. 
وأخذ بقفز. 

قال لطفله 'توقف يا عليء هيا اذهب بعيدا". ثم رد على الهاتف "أهلا محمد 
الوقت مازال مبكراء ماذا هناك؟" 
1 فرد عليه مساعده بينما خليفة يمسك السماعة بيده اليمنى ويبعد الطفل بيده 

البسرى. 


2 


"أبن ؟" ظ 
فأجاب مساعده» وصوته مملوء بالإثارة. 

فرد خليفة "هل أنت هناك الآن؟" 

كان الطفل يضحكء ويحاول ضرب والده بالوسادة. 

قلت لك توقف يا علي". ورد على مساعده 'معذرة ماذا قلت؟ حسناء فلتبق هناك؛ 
ولا تدع أحدا يقترب من المكان وسأحضر في الحال". 

وضع السماعة؛ وأمسك بالطفل» وحركه رأسا على عقبء وقبّل قدميه» والطفل 
لا يتمالك نفسه من الضحك. 

قال الطفل 'فلتؤرجحني يا أبي» أرجحني من فضلك". 

فرد خليفة 'نعم سأفعل؛ وألقي بك من النافذة لتطير بعيدا حتى أشعر ببعض 
الهدوء هنا". 

ثم وضع الطفل على السريرء وتوجه إلى المطبخ حيث كانت زوجته زينب تعد 
مزيدا من القهوة وطفلها يرضع. في نفس الوقت كانت ابنته تغني في غرفة المعيشة. 

تساءل خليفة 'كيف حاله هذا الصباح؟" وهو يقبل زوجته ويداعب أصاء 
طفله الصغير . 

39 


فأجابت زوجته مبتسمة "جائع كوالده تماماء هل تريد طعام الفطور؟' 

فرد خليفة 'ليس لدي وقتء بتعين علي الذهاب إلى الضفة الغربية للنهر . 

فأجابت زوجته "دون أن تتناول الفطور؟" 

'لقد حدث شيء ما". 

"ماذا حدث؟" 

فأجاب 'لقد عثروا على جثة» وعلى الأرجح لن أتمكن من تناول الغداء معكم'. 

ثم نزلء وعبر النيل في أحد اللنشات الجميلة. في العادةء كان خليفة ينتظر 
العبارة؛ ولكن نظرا لضيق الوقت اضطر إلى ركوب اللنش» ودفع مزيدا من المال. 
قبل مغادرة اللنش مباشرة؛ قفز رجل عجوز يضع تحت إيطه صندوقا خشبيا صغيرا؛ 

وقال 'صباح الخير أيها المحقق". ووضع الصندوق أسفل قدم خليفة وقال "ريد تلميع 

الحذاء اليوم؟" 20 

أجابه خليفة "أنت ت لا تفوت فرصة يا يراهيب أليس كذلك؟" ئ 

فابتسم الرجل مظهرا صفين من الأسنان الذهبية غير المستوية» وقال "لابد للرجل. 
من أن يأكل» ولابد له كذلك من حذاء لامع» ومن ثم فنحن نكمل بعضنا البعض". ٠‏ 

فرد خليفة 'حسناء ولكن بسرعة فلدي عمل في الضفة الأخرىء ولا أريد التآخر". 

'أنت تعرفني يا سيادة المحقق» فأنا أسرع ملمّع أحذية في الأقصر". 

ثم قام بسحب قطعتين من القماش وفرشاة وطلاءء وأبرز مقدمة الصندوق حتى 
يضع خليفة قدمه. كان هناك شاب هادئ يجلس في مؤخرة اللنش لتشغبل المحرك. 

ما هي إلا لحظات. وانطلق اللنش يشق المياه؛ بينما التلال تلوح في الأفق» 
ويتغير لونها من الرمادي إلى البني فالأصفر مع بريق ضوء النهار. كانت هناك 
لنشات أخرى تمر في كلا الاتجاهين» ففي الاتجاه المقابل كان هناك لنش يحمل 
مجموعة من السائحين اليابانيين» الذين كانوا على الأرجح ذاهبين لجولة بالمنطاد فوق 
وادي الملوك لرؤية شروق الشمس. وهو شيء لطالما أراد خليفة القيام به» ولكن دوما 
كانت الثلاثمائة دولارء ثمن هذه الجولة» تقف عائقا أمامه. وعلى الأرجح أنه لن يتمكن 
من ذلك مطلقا طالما بقيت رواتب رجال الشرطة على هذا النحو. 

أخيراء وصل اللنش إلى الضفة الغربية للنهرء واستقر بين لنشين أخرين» وصعد 
خليفة فوق طرف من اليابسة. حينها وضع الرجل العجوز لمسته الأخيرة على مقدمة 
حذاء خليفة» ثم صفق بيديه الملوثتين بالطلاء إشارة إلى أنه قد انتهى. فأعطاه المحقق 
جنيهين مصريينء ومثلهما للشاب المسؤول عن اللنش» ثم قفز إلى اليابسة. 


40 


فقال الشاب 'سأنتظرك". 

فأجابه المحقق "لا تشغل بالكء أراك قريبا يا إبراهيم". 

شم توجّه المحقق إلى أعلى الضفة حيث كان هناك جمع غفير منتظرا العبارة. 
فشق طريقه وسط الجمعء ثم دخل فتحة بين جدار وسور قديم متهالك» وسار في 
طريق طينية موازية للنهر. كان الفلاحون في حقولهم» يحصدون الذرة وقصب السكرء 
وكان هناك رجلان يقفان في قناة للري والمياه تصل إلى خصريهماء حيث يقومان 
بإزالة الأعشاب الضارة. وبينما هو سائرء إلتقى بمجموعة من الأطفال الصغار في 
ملابس بيضاء يهرعون إلى مدرستهم. والحرارة آخذة في الازديادء قام خليفة بإشعال 
سيجارة أخرى. 

لقد استغرقه الأمر عشرين دقيقة حتى يصل إلى مكان الجثة؛ وأدى سيره وسط 
المباني المتهالكة جنوبي الأقصر إلى تلطيخ حذائه الذي صار أبيض الآن بعد أن كان 
أسود لامعا. شق المحقق طريقه عبر غابة من الخيزران» ووقف أمام الرقيب سارية 
الذي كان جالسا بجائب الشاطئ أمام ما يشبه كومة بالية من القماش. 

ما إن رأى سارية المحقق قادماء حتى نهض وقال 'لقد اتصلت بالمستشفىء 
وسيرسلون شخصا ما إلى هنا". 

فأومأ خليفة برأسه نم نظر إلى حافة المياه» حيث كانت الجثة ممددة» ووجهها 
في الطين والذراعان مبسوطتان» والثياب ممزقة» والدماء واضحة نتيجة طعنة. 
كان الجزء من أسفل الخصر إلى أصابع القدمين لا يزال ممددا في المياهء تدفعه 
الأمواج جيئة وذهابا وكأنه شخص يتقلب في نومه. كانت رائحة العفن تصل إلى 
أنف المحقق. 

'متى عثرتم على الجثه؟ 

أجاب الرقيب 'قبيل الفجرء وعلى الأرجح أنها أتت من أعلى النهر حيث كانت 
عالقة في مروحة إحدى البواخرء وهو ما يفسر تقطح اليدين تماما . 

'يبدو أنك لم تلمس أي شيء منذ قدمت إلى هنا". 

فهزة الرقيب رأسه مؤكدا. 

أخذ خليفة يدور حول الجثة متفحصا الأرض المحيطة بهاء ورفع معصم اليد؛ 
ورأى وشما في وسط الساعد. 

ابتسم بهدوء قائلا "الجعل يا للعجب!" 

ورد النقيب 'لماذا تتغجب"" 


HF ا‎ 


41 


فرد خليفة "إن الجعل بالنسبة للمصريين القدماء يرمز إلى عودة الحياة والتجددء 
وهو مالم يحدث لصديقنا هنا". ثم وضع معصم الجثة على الأرض مرة أخرى. 
"أتدر ي من أبلغ عن الجتة؟" 
فهر سارية رأسه قائلا الم يفصح عن اسمهء فقد اتصل بقسم الشرطة من كابينة 
وقال إنه أتى ليصطاد هنا ووجد هذه الجثة". 
فرد خليفة "هل أنت متأكد أنه اتصل من كابينة؟" 
' بالتأكيد» فقد انقطع الصوت في وسط الجملة وكأن e‏ 
التزم خليفة الصمت لدقيقة» وأخذ يفكرء ثم رفع رأسه» وأومأ إلى مجموعة من 
الأشجار على بعد خمسين مترا يظهر من ورائها أحد المنازل» ويمكن بسهولة أن ترى 
سالكا أسود رفيعا لكابل هاتف تحت حافة السطح» > فرفع سارية حاجبه قائلا "مادا 
۱6 
فأجاب خليفة "إن أقرب كابينة هاتف تبعد على الأقل كيلومترين» is‏ 
المّتلغ من هنا؟" 
"أعتقد أنه كان مصدوماء فليس من العادة رؤية جثث تسبح على الشاطئ كل 
يوم . 
'بلالضبطء أنت تعتقد أنه كان ليبلغ عن الحادث بأسرع وسيلة ممكنة» فلماذا لم 
يترك :سمه؟ على الرغم من أن حشرية الأشخاص هنا تدفعهم بشكل كبير حتى يكونوا 
في قلب كل الأحدانث". 
"هل تعتقد أنه يعرف شيئا؟" 
فهز خليفة كتفه قائلا " يبدو الأمر غريبا فحسب. وكأنه لا يريد أن يعرف أي 
شخص أنه هو من وجد الجثة» وكأنه كان مرعوبا". 
فجأة ظهر صوت مرتفع وسط الخيزران» وخرج طائر مالك الحزين محلقا في 
الهواء ثم هبط مرة أخرى. نظر خليفة إلى الطائر لوهلةء ثم ركز مرة أخرى على 
الجثة» ووضع يده في جيب البنطال» وأخرج مطواة صغيرة»ء وقداحة رخيصة»ء وقطعة 
000 فوضع الورقة على ظهر الجثة» وفتحها بحرص. 
ل 'تذكر ة قطار". وانحنى قليلا لتفحص الكتابة الباهتة عودة إلى القاهرة - منذ 
5 أيام . 
في هذه اللحظةء أعطاه سارية كيسا بلاستيكيا ليضع فيه هذه الأشياء. 
قال له خليفة 'تعال إلى هنا وساعدني". 
42 


قاما معا بوضع أيديهما تحت الجثة لقلبها على ظهرهاء فغاصت أقدامهما في 
الطين. ما إن رأى الوجهء حتى ارتد سارية على عقبيه مسرعاء وأخذ يتقيأً. 

قال "الله أكبر". 

عض خليفة على شفته مجبرا نفسه على النظر إلى الجثة. لقد رأى جثثا عديدة 
قبل ذلكء ولكن لم ير مثل هذا التشويه من قبل. فحتى في ظل هذا الوجه المغطى 
بالطينء كان واضحا أن الوجه لم يتبق منه الكثيرء فكانت مقلة العين اليسرى فارغة؛ 
والأنف متهتكا تماما. فنظر إلى الوجه لوهلة محاولا ربط هذه الصورة بصورة أي 
كائن حي على وجه الأرض» ثم رجع إلى الوراء» ووقف إلى جانب سارية واضعا 
راسه على كدفه. 

قال له "هل أنت بخير؟" 

فبصق سارية على الأرضء قائلا "ماذا حدث؟" 

الست أدريء ربما تكون مروحة إحدى البواخر كما قلت أنت» ولكنني لا أتخيل 
كيف للمروحة أن تقتلع مقلة عينه أو تحدث به مثل هذه الجروح". 

فأجابه سار ية "هل تقصد أن شخصا فعل به ذلك عن عمد؟" 

'أنا لا أقول شيئاء وإنما لو كانت المروحة هي السبب لكان اللحم قد تهالك تماماء 
أما ما نراه فهو شرائح من اللحم". 

'انظر إلى الجلد". ولكنه رأى أن سارية على وشك التقيؤ مرة أخرىء فقطع 
الجملة في منتصفها حتى لا يزيد من معاناته وقال بعد وهلة 'سننتظر رجال 
المشرحة". 

شم أشعل سيجارتين» وأعطى واحدة لسارية الذي أخذ نفسا عميقاء ثم ألقى 
السيجارة» وأسرع إلى الجانب الآخر ليتقيأً مرة أخرى. نظر خليفة نحو النهر مرة 
أخرى» وحدق بالشاطىء البعيد حيث رأى مجموعة من البواخر النيلية مصطفة وراء 
بعضها البعض بطول الضفة» وتظهر من خلفها أولى بوابات معبد الكرنك؛: ولكن مر 
من أمامه مركب فقطع حبل الرؤية لديه بشراعه المثلث المرتفع نحو السماء كالشفرة؛ 
ثم ألقى السيجارة في المياه وتنهد» وحدث نفسه قائلا: يبدو أنني لن أستأنف العمل في 
النافورة إلا بعد فترة طويلة. 

بينما كان المحقق خليفة واقفا بجوار النهرء إذا بمجموعة من السائحين يركبون 
الحمير في طريقهم إلى التل القريب. كان عددهم نحو عشرين - معظمهم أمريكيون - 
ويمشون في صف واحدء وفي أول الصف شاب مصري يرشدهم إلى الطريق» وآخر 


43 


في نهاية الصف للتأكد من عدم تخلف أحدهم عن الركب. كان بعض السياح يمسكون 
بالسرج بقوة غير مرتاحين لهذه الطريق الوعرة» ومرعوبين من كل هزة أو ارتجاج» 
وكانت هناك سائحة يظهر عليها الخوف أكثر من الآخرين وكانت تكشف عن كتفها 
نظرا لحرارة الشمس» ولم تكن مستمتعة بهذه التجربة على الإطلاق. 

كانت تردد 'لم يقولوا إنها ستكون بهذا الانحدارء وإنما قالوا سيكون الأمر بسيطاء 
يا الله!" 

أما الآخرون فكانوا أكثر هدوءاء وينظرون هنا وهناك من فوق السرج. كانت 
الشمس في أوجها حينذاك» والسهل في الأسفل يلمع ويتأجج من الحرارة. بتركيز 
النظر قليلاء يمكن رؤية الشريط الفضي الذي يمثل نهر النيل» وخلفه منطقة الأقصر 
الشرقية» وخلفها الصحراء والجبال التي توشك أن تعانقها السماء ذات السحب البيضاء 
والزرقاء. كان المرشد السياحي يتوقف بين الحين والآخر ليخبرهم عن بعض المواقع 
الأثرية هناك في أسفل السهل حيث يوجد التمثال العملاق لممنون» ولكنه يظهر من 
هذه المسافة البعيدة وكأنه دمية صغيرة: بالإضافة إلى بقايا آثار الملك رمسيسء ثم بعد 
ذلك مجمع معبد رمسيس الثالث. لقد قام السياح الذين يشعرون بارتياح أكبر بالتقاط 
بعض الصورء منبهرين بالمناظر الأثرية المحيطة بهم»؛ وباستثناء أصوات حوافر 
الحميرء كان الهدوء يخيم على المكان. 

تمتم أحد السياح لزوجته 'يا لروعة هذا المكان» إن مينسوتا لا تساوي شيئا 
مقارنة به '. 

أخيراء وصلوا إلى قمة التل» واتسع الممرء واستوت الأرض لبعض الوقت قبل 
أن يسيروا ثانية في واد صخري واسع. 

قال المرشد السياحي هدا هو وادي الملوك؛ تمسكوا جيدا لأن الأرض منحدرة 

ناية". 

أتى الصوت من وراء المرشد السياحي 'يا الله". 

دخلوا بالفعل في هذا الممرء وانتقلت الحمير في خط متعرج بين الأحجار 
المتناترة هنا وهناك» حيث ظهر رجل كان نائما في ظل صخرة كبيرة» وجلبابه ممزق 
ومتسخ» وشعره المتلبد يتدلى أسفل كتفيه» مما يجعله يبدو همجيا وأشعث. كان يمسك 
في يده شيئا مأ ملفوفا في ورقة بئنيةء وهرع إلى السياح. 

قال "أهلاء أهلاء - صباح الخير- مساء الخير". وكلماته تخرج تباعا دون تمييز: 
'انظروا هنا يا أصدقائي؛ لدي شيء جيد أعتقد أنه سيعجبكم". 

44 


صرخ فيه المرشد السياحي متحدثا بالعربية» إلا أن الرجل تجاهله؛ وتوجّه إلى 
إحدى السائحاتء؛ وكانت شابة تعتمر قبعة كبيرة تقيها من الشمس. وسحب الرجل 
الورقة البنية التي كشفت عن تمثال حجري محفور على شكل قطة. 

"هل ترين يا سيدتيء إنها تحفة رائعة» هل تشترينها؟ أنا فقير جداء وأريد أن 
أكل. هل تشترين يا سيدتي الجميلة؟" 

رفع التمثال بيده نحو السيدة» ووضع الأخرى أمام فمه مشيرا إلى حاجته إلى 
الطعام. 

"هل تشترين؟ أنا لم آكل منذ ثلاثة أيام» أرجوك اشتري- أنا جائع- جائع". 

لكن السيدة نظرت أمامها بثبات ولم تعره اهتماماء وبعد أن تأخر عنها بعدة 
أمتار» كف الرجل عن المحاولة معها وتوجّه إلى السائح التالي. 

'انظرء انظر يا سيديء» تحفة رائعة ذات جودة عالية» كم تدفع فيها؟" 

خاطب المرشد السائح قائلا "تجاهله إنه مجنون '. 

فأجاب الرجل 'نعم نعم أنا مجنون". وقفز قفزتين» وأخذ يدب بقدميه على الأرض 
وكأنه يرقص» قائلا "أرجوك اشتر مني» أنا مجنون وجائع» وهذه التحفة رائعة وذات 
جودة عالية» كم تدفع فيها يا سيدي؟” 

لكن السائح تجاهله أيضاء فأخذ الرجل يعرض التحفة على سائح تلو الآخرء 
وصوته ينزوي في يأس. 

قال "إذا لم تكونوا تحبون القطط فلدي تحف أخرى» أرجوكم» أرجوكم» اشتروا 
مني» ألا تحبون التحف الأثرية؟ 

لدي تحف أثرية أصلية بنسبة ثلاثة آلاف بالمائة! وإذا ما كنتم تريدون مرشدا 
فأنا مرشد جيدء أعرف كل هذه التلال عن ظهر قلب» سأرشدكم إلى ملوك الوادي! 
وملكات الوادي بثمن بخسء سأريكم مقبرة جميلة» مقبرة جديدة لم يرّها أحد من قبل. 
أرجوكم أريد طعاماء أنا لم آكل منذ ثلاثة أيام". 

في هذا الوقت» كان الرجل قد وصل إلى نهاية الصف» حيث قام الشاب الذي 
يسير في آخر الركب بركله» فسقط على الأرض وسط التراب» واستمر السياح في 
طريقهم. 

'أشكركم- أشكركم- أشكركم”؛ ردد الرجل هذه الكلمة وهو يتحرك كحيوان مجروح» 
وشعره يتطاير من جانب إلى آخر. "ألا تريدون مساعدتي أيها السياح اللطفاء؟ ألا تريدون 
قططا؟ ألا تريدون رؤية المقابر؟ ألا تريدون مرشدا؟ إذاء سأموت سأموت!"' 


45 


قام بتلطيخ وجهه في الأرض باكيا وضاربا بقبضته على الرمال. 

لكن السياح لم يروه لأنهم كانوا قد غادروا المكان بالفعل» وانعطفوا حول كتلة 
بارزة من الصخورء وبدؤوا في النزول إلى وادي الملوك. كان الوادي منحدرا كما 
حذرهم المرشد السياحي. حيت يوجد منزلق شبه أفقي في الجانب الأيمن. فجأة أمسكت 
السيدة ذات الكتفين اللتين أحرقتهما أشعة الشمس برقبة الحمار» وأخذت ترتعش› 
وخوفها يمنعها من الشكوى. وسط هذا كله؛ بدأت صرخات الرجل المجنون تذوي إلى 


أن اختفت تماما. 


46 


6 
القاهرة 


انتظرت تارا في المطار إلى ما بعد العاشرة صباحاء وفي هذا الوقت كانت 
عيناها حمراوين من قلة النوم؛ كما أنها شعرت بالدوار والإرهاق» وكانت تتصل بأبيها 
كل نصف ساعة متنقلة في جنبات صالة الوصول» حتى أنها ركبت سيارة أجرة 
وتوجّهت إلى آخر صالات الوصول معتقدة أنه قد أخطأ وتوجّه إلى هناك» غير أن كل 
ذلك لم يكن ذا فائدة» فأبوها لم يكن موجودا بالمطار أو المحفر أو شقته بالقاهرة. من 
هناء كان صفو إجازتها قد تعكر بالفعل حتى قبل أن تبدأ. اعتدلت بصعوبة على 
كرسيها في وقت الذروة بالمطارء وأخذت تنظر إلى المارة. كان هناك أعداد غفيرة 
من الناس لدرجة يتعذر معها رؤية أبيها إن كان بينهم» ثم ذهبت مرة أخرى إلى 
الكابينةء واتصلت بأبيها مرة أخيرة» ولكن دون رد أيضا. فما كان منها إلا أن أخذت 
أمتعتهاء ووضعت النظار ة الواقية من الشمس على وجههاء ونادت على سيارة أجرة. 

فأجابها سائق ضخم الجثة ذو شارب كبير وهو يمسك بيده سيجارة "القاهرة؟" 

فأجابت تارا وهي تعتدل في المقعد الخلفيء» 'سقارة"'. 

كان أبوها كثيرا ما يقوم بأعمال تنقيب هناك في سقارة في مدينة الموتى 
بالعاصمة المصرية القديمة ممفيس لأوقات طويلة على مدار الخمسين عاما الماضية. 

بالإضافة إلى أعمال التنقيب الكثيرة التي قام بها في أجزاء مختلفة في مصر مثل 
المنزلة» وصان الحجر إلى الشمال ناحية جبل فراس ونوري في جنوب السودان» غير 
أن سقارة كانت دوما عشقه الأول. ففي كل موسم كان يذهب إلى المحفرء ويقيم هناك 
ثلاثة أو أربعة أشهر متواصلة حيث يعمل بجد ومثابرة في التنقيب في قطعة صغيرة 
من الأرض يزيل عنها البقايا ويكتشف بضعة أمتار أخرى من التاريخ. في بعض 


47 


المواسم كان لا يحفر على الإطلاق» وإنما يقضي وقته في أعمال الترميم أو تسجيل ما 
اكتشفه في العام السابق. 

كان يعيش هناك على الكفاف أو يحيا حياة الرهبان» بصحبة الطباخ ومجموعة 
صغيرة من المتطوعين» ولكن طبقا لما تعتقده تاراء فهذا هو المكان الوحيد في العالم 
الذي كان يشعر فيه بالسعادة. لقد انعكس ذلك في رسائله القليلة التي كان يتحدث فيها 
عن التقدم في عملهء وشعوره بالرضا الذي كان غائبا عنه في كل جوانب الحياة 
الأخرى. لهذا كانت تارا مندهشة للغاية عندما دعاها لتمضية بعض الوقت معه في هذا 
المكان» عالمه الخاصء ولابد أن هذا المكان كان له مكانة خاصة في قلبه حتى يدعوها 
إليه. 

لم تكن الرحلة من المطار إلى سقارة مريحة» حيث بدا السائق جاهلا بكل ما 
تحمله كلمة سلامة من معان»؛ وانحصر تفكيره في كيفية تجاوز السيارات عند 
المنعطفات الخطيرة بمواجهة السيار ات القادمة من الاتجاه المعاكس. ففي إحدى 
المرات؛. وحال تجاوزه لإحدى القنوات ذات الرائحة الكريهةء حاول تجاوز شاحنة 
صغيرة أمامه؛ فداهمته سيارة نقل كبيرة في الاتجاه المعاكس» وبدلا من التوقف» زاد 
من سرعتهء وأطلق آلة التنبيه وكأنه في سباق. واقتربت المسافة بين السيارتين» 
وشسعرت تارا باضطراب في معدتها معتقدة أنه سيصطدم بالسيارة الأخرى لا محالة؛ 
ولكن في آخر لحظة انعطف السائق إلى اليمين حيث تجاوز السيارة التي أمامهء 
وتفادى مقدمة سيارة النقل بسنتمترات قليلة. 

وما إن تجاوز الموقف حتى ابتسم وقال لتارا "هل شعرت بالخوف" 

فأجابت تارا بصوت فظهء 'نعم". 

أخيراء تنفست تارا الصعداء فور الوصول إلى الطريق الرئيسية» حيث سار 
السائق في طريق مشجّرة لبضعة كيلومترات» وتوقف أسفل أحد المنحدرات الرملية 
التي تظهر من فوقها قمم هرم مدرج. 

فتحدث إلى تارا قائلا "عليك أخذ تذكرة من هناكء وأشار إلى منفذ تذاكر في أحد 
المباني الموجودة على الجانب الأيمن من الطريق". 

فأجابت تارا "هل يتعين علي ذلك؟ فوالدي يعمل هنا وأنا هنا لزيارته". 

فأخرج السائق رأسه من النافذة» ونادى على الرجل الجالس في منفذ التذاكرء 
وتحدث معه باللغة العربية قبل أن يظهر شاب ثالث وينحني ناحية سيارة الأجرة ناظرا 
إلى تارا. 


48 


تحدث بلغة إنجليزية ركيكة "هل والدك يعمل هنا؟ 

فأجابت 'نعم إنه البروفيسور مايكل مولراي". 

فرد الشاب مبتسما ابتسامة عريضة 'رائع» كلنا هنا نعرف الدكتور»ء إنه أشهر 
عالم أثار مصرية في العالم. وهو صديق مقرب ليء وعلمني اللغة الإنجليزية. 
انتظري» سأصطحبك إلى المحفر". [ 

ذهب الشاب إلى الجانب الآخر من السيارة» وجلس بجوار السائق» وأخذ يعطيه 
الارشاداث. ) ظ ظ 

عندما تحركت السيارة» تحدث الشاب قائلا "أدعى حسن» وأعمل هنا في مكتب 
التفققيش الرئيسيء ومن دواعي سروري أن ألتقيك". ومد يده مصافحا تاراء التي لم 
تذردد في مصافحته. 

قالت تارا 'كان من المفترض أن ألتقى والدي في المطارء وأعتقد أننا لم نعثر 
على بعضنا البعض هناك هل تعرف إذا ما كان هنا أم لا؟" 

فرد الشاب 'لقد حضرت للتوء وعلى الأرجح سيكون في المحفر. هل تعرفين 
أنك تشبهينه له كثيرا؟" 

فابتسمت تارا قائلة 'تشبهينه فقط؟ لست بحاجة إلى إضافة كلمة له". 

فابتسم الشاب قائلا "أنت تشبهينه بدون له. وأنت معلمة جيدة مثله أيضا". 

شم اتجهوا بالسيارة حتى وصلوا إلى قمة المنحدر» وانعطفوا إلى اليمين في 
طريق وعرة على حافة الصحراء الممتدة. في هذا المكان» كان الهرم المدرج خلفهم 
وبجانبه هرمان صغيران آخران لم يتبق منهما سوى أجزاء بسيطة؛ مما جعل تارا 
تعتقد أنهما كانا على نفس نسق الهرم المدرج» ولكنهما تأكلا بمضي الوقت. إلى اليمين 
كان سهل نهر النيل المتنوع يتلالا في حرارة الصباح» وإلى اليسار كانت الصحراء 
تتسع وتطول وكأنها تعانق الأفق» قاحلة وفارغة ومهجورة. ) 

بعد مائة متر تقريبا من هذه الطريق الوعرة» مروا بمجمع صغيرء وأشار حسن للسائق. 

قال حسن "إن هذا هو مكتب التفتيش". مشير! إلى أحد المباني الصفراء الكبيرة 
"هو مكتب التفتيش الرئيسي في سقارة» وسأنزل أنا هناء أما أنت فستكملين الطريق 
لأن بيت والدك إلى الأمام قليلاء وسأخبر السائق كيف يذهب إلى هناك» وإذا ما 
واجهتك أي مشاكل» يمكنك الرجوع إلى هنا مرة أخرى'. 

نزل حسن من السيارة وقال شيئا ما للسائق قبل أن يتحرك بالسيارة إلى الأمام 
لمسافة كيلومترين ويتوقف عند منزل يتكون من طابق واحد على حافة المنحدر. 


49 


قال السائق "هذا هو بيت مولراي”". 

كان المبنى طويلا وآيلا للسقوط؛ وعليه دهان وردي يكسوه التراب» وفي وسطه 
غربال خشبي كبير خاص بأعمال الحفر. كذلك يوجد برج خشبي واهن وحاوية مياه 
في نهاية المبنى» بالإضافة إلى مجموعة من الأقفاص الخشبية مكومة فوق بعضها 
لبعض» وكلب أجرب يغفو في ظلها. كانت كل النوافذ مغلقةء والمكان يوحي بعدم 
وجود أي شخص. 

قال السائق لتارا إنه سينتظرها حتى يرجع بها مرة أخرى إلى القاهرة إن لم تجد 
أحدا في المكان» حيث يعرف عددا كبيرا من الفنادق الرائعة. ولكنها رفضت العرض» 
وأخذت أمتعتهاء ودفعت الأجرة» وتوجهت إلى المنزلء ورحل السائق بالسيارة مخلفا 
ورائه سحابة من التراب. 

عبرت تارا الفناء» ورأت ما يشبه صفا من الكتل الحجرية المرسومة تحت قماش 
مشمع في الجانب» ثم طرقت على الباب» فلم يرد أحدء وحاولت فتح الباب» ولكنه كان 

فنادت تارا "أبي". 

فلم يرد أحد. 

ثم مشت حول المنزل حتى وصلت إلى الفناء الخلفي حيث وجدت شُطيحة دائرية 
بها أحواض من الغرنوقي والصبار يكسوها التراب» بالإضافة إلى بعض أشجار 
الليمون الكثيفة ومقعدين حجريين» كانت هناك مناظر رائعة ناحية الشرق بطول السهل 
الأخضر للنيلء ولكن عقل تارا كان مشغولا عن كل هذه الأشياء. قامت تارا بنزع 
النظارة عن عينيهاء ونظرت عبر مصراع إحدى النوافذ المغلقة» غير أن المكان كان 
مظلما في الداخل حيث لم تر سوى حافة طاولة عليها كتاب» فنظرت من خلال 
مصراع آخر حيث رأت سريرا أسفله حذاء طويل العنق» ثم عادت إلى حيث كانت في 
الجهة الأمامية من المنزل؛ وطرقت الباب مرة أخرىء ولكنها لم تسمع شيئا. فرجعت 
إلى الطريق تتلفت يمينا ويسارا لدقائق قليلة» وعادت إلى السطيحة؛ وجلست على أحد 
المقعدين الحجريين هناك. ) 

بحلول هذا الوقتء بدأ القلق يتسرب إليهاء فعلى الرغم من أن والدها خذلها في 
مناسبات عديدة يصعب تذكرها لكثرتهاء إلا أنها شعرت أن الأمر مختلف هذه المرة. 
فربما مرض أو حصل له مكروه؟ وأخذت هذه السيناريوهات تدور برأسها والأمر 
يزداد سوءا. فوقفت مرة أخرى» وطرقت النوافذ والإحباط يملؤها أكثر من الأمل. 


50 


ع عن و 


وتمتمت قائلة "أين أنت يا أبي؟ أين أنت؟" 

اننظرت تارا قرب المنزل لساعتين تقريبا تدور هنا وهناك» وتنظر عبر النوافد 
بين الحين والآخرء وتطرق على الباب» حتى كسا جبينها العرق» وتثاقلت عيناها من 
الإرهاق. كان هناك مجموعة من الأطفال يلعبون في القرية المطلة على المنزل» 
فرأوهاء وأسرعوا إليها عبر المنحدر الترابي خلف المنزل يصرخون "قلام» أقلام!" 
فأخذت بعض الأقلام من حقيبتهاء وأعطتها لهم» وسألتهم عما إذا كانوا قد رأوا رجلا 
طويلا ذا شعر أبيض. بدا الأمر وكأنهم لا يفهمون ما تقوله» وما إن حصلوا على 
الأقلام حتى عادوا من حيث أتواء وتركوها وحدها بصحبة الحشرات» والحرارة 
والصمتء والمنزل المغلق. 

أخيراء عندما وصلت حرارة الشمس إلى ذروتهاء وكان الإرهاق قد بلغ من تارا 
مبلغه حيث لم تعد تقوى على الاستيقاظ إلا بالكاد» قررت أن تذهب للبحث عن حسن؛ 
الرجل الذي قابلته منذ فترة. كانت تارا تعلم أن والدها سيصب جام غضبه عليها إذا ما 
أثارت جلبة حول غيابه بينما هو متأخر في مكان ماء ولكن في هذا الوقت لم يكن يعنيها 
ذلك: فكل اهتمامها كان منصبا على العثور عليه. أمسكت تارا بالقلم الأخير المتبقي معهاء 
وكتبت ملاحظة توضئح فيها ما قامت به» ووضعتها على الباب» ثم سارت على الطريق 
الترابية المؤدية إلى الهرم المدرج؛ وسط حرارة الشمس الشديدة والصمت الرهيب حولها 
باستثناء صوت وقع قدميها وطنين الحشرة التي تطوف حولها بين الحين والاخر. 

سارت لخمس دقائق ورأسها منكس قبل أن يجذب انتباهها وميض إلى جهة 
اليمين» فخلعت نظارتها واتضح أن هناك شخصا على بعد حوالى مائتي متر في 
الصحراء يقف على تل رملي مرتفع. في الحقيقة كان هناك مجموعة من الأشخاص 
غير أن بريق الشمس حال دون تمييز أي شيء فيهم باستثناء أنهم طوال القامة: 
ويرتدون ثيابا بيضاء. ظهر وميض آخر يوضح أنهم يستخدمون مناظيرء حيث كانت 
الشمس تعكس وميض عدساتها. 

لكن تارا مضت في طريقها معتقدة أنه مجرد سائح يستكشف بعض بقايا الآثار. 
لكن خطر ببالها أنه قد يكون عالم آثار يعرف والدهاء ومن ثم رجعت مرة أخرى 
تنوي منداته» ولكنه كان قد اختفى. أخذت تتلفت في كل الأنحاء دون فائدة؛ ولهذا 
استكملت سيرها متشككة فيما إذا كان ذلك مجرد هلوسة منها نتيجة الإرهاق والتعب 
اللدين حلا بها وبدأت تشعر بالدوارء وأخذت وجنتاها تؤلمانهاء وتمنت لو كان 
بحوزتها بعض المياه. 

51 


استغرقت عشرين دقيقة :خرى حتى وصلت إلى مكتب التفتيش» حيث كانت 
تتصبب عرقا وقدماها تؤلمانها. وجدت حسن» وروت له كل ما حدث. 

فرد حسن "أؤكد لك أن كل شيء على ما يرام". وأشار لها بالجلوس على كرسي 
في مكتبه وقال" لعل والدك قد ذهب ليتمشى أو يقوم ببعض الحفريات". 

فتساءلت "دون أن يترك ملاحظة بذلك؟” 

فرد حسن 'لعله ينتظرك في القاهرة". 

فقالت 'لقد اتصلت بشقته ولم يرد أحد". 

فسألها "هل يعرف أنك قادمة اليوم؟" 

فأجابت بشكل جازم بالتأكيد". ثم خيّم الصمت لدقيقة» وقالت تارا 'متأسفة أنا 
متعبة وقلقة". 

فرد حسن "'أنا متفهم سيدة مولراي؛ أرجوك اهدئي وسنجده لك". 

تم رفع حسن جهاز اللاسلكي الموضوع على مكتبه» وضغط على زر في 
الجاذےب وتحدث قائ دكدور مولراي". صدر صوت طقطقة قبل أن تصدر يعض 
الأصوات تلو بعضها البعض. أعاد حسن اللاسلكي إلى المكتب مرة أخرى. وقال لتارا 
'إنه ليس في عملية تنقيب» ولم يرّه أحدء انتظري هنا من فضلك". 

ذهب إلى غرفة أخرى في القاعة حيث كانت هناك بعض الأصوات الخافتة وعاد 
بعد دقيقة» وأخبرها أن والدها ذهب للقاهرة صباح الأمس ثم عاد بعد الظهر إلى سقارة 
مرة أخرىء ولم يرّه أحد منذ ذلك الوقت. 

التقط الهاتف» وأجرى محادثة قصيرة مكررا كلمة دكتور مولراي» ووضع 
السماعة وهو متجهم. ٌْ 

أخبر تارا أنه كان يتحدث مع أحمد سائق والدهاء وقال لها "إن والدها طلب من 
أحمد بالأمس أن يأتي إلى منزله حتى يصطحبه إلى المطارء ولكن عندما جاء أحمد لم 
يجده. والان أنا قلق أيضاء فهذه ليست طبيعة الدكتور '. 

التزم حسن الصمت لدقيقة وهو يطرق بأصابعه على المكتب» ثم فتح درجاء 
وأخرج مجموعة مفاتيح» وأخبرها أنها المفاتيح الاحتياطية للمحفرء وقال "سنذهب إلى 
هناف . 

ثم غادرا المكتب» وأشار إلى سيارة فيات بيضاء وقال "سنركبها حتى نسرع". 

قاد السيارة بسرعة وهي تقفز في هذه الطريق الوعرةء وتوقف أمام المنزلء 
وتوجها إلى الباب الأمامي» حيث لاحظت تارا أن الملاحظة التي تركتها للتو قد 

52 


ختفت. أخذ قلبها يخفق» وأسرعت نحو الباب محاولة فتحهء ولكنه كان لا يزال مغلقاء 
ولميكن من مجيب على طرقها المستمر. اختار حسن مفتاحا ووضعه في الباب, 
وأداره مرتين» وفتح الباب» ودخل إلى المنزل» ودخلت تارا خلفه. 

فور دخ ولهما وجدا غرفة بيضاء بها منضدة طعام مستطيلة بالقرب منهما 
بالإضافة إلى أريكتين متهالكتين وموقد. كانت بقية الغرف مفتوحة على اليمين واليسار 
حيث دخلت تارا إلى غرفة كانت قد رأت فيها السرير الخشبي عندما نظرت من النافذة 
قبل ذلكء وكانت هذه الغرفة مظلمة وباردة ورائحتها جميلة» اتضح بعد ذلك أنها 
رائحة دخان سيجار. 

دخل حسن إلى الغرفة» وفتح النافذة» فدخلت أشعة الشمسء» ورأت تارا الجثة 
على الفور ملقاة على الأرض قبالة الجدار البعيد. 

فصر خت 'يا اللهء لا". 

ثم هرولت إليهاء وجثت على ركبتيها ممسكة بيد والدهاء ووجدتها باردة 
ومتصلبةء ولكنها لم تهتم» وحاولت إيقاظه. 

همست قائلة "أبي". وهي تمرر يدها على شعره الرمادي الأشعث» 'والدي 
المسكين". 


0523 


/ 


عي 


بينما كان خليفة ينظر إلى الجثةء تذكر اليوم الذي أحضروا فيه جثة والده إلى 
المنزل. 

٠‏ كان في السادسة من عمره. في ذلك الوقت ولم يستوعب ما حدث عندما أتوا 
بجثة والده» ووضعوها على الطاولة في حجرة المعيشةء وأخذت والدته في البكاءء 
وشقت جابابها الأسودء وجثت على ركبتيهاء بينما وقف هو وأخوه إلى جوار بعضهما 
' عند رأس والدهما ممسكين بيدي بعضهما ومحملقين في وجهه الباهت المكسو 
بالتراب. [ 

قال علي 'لا تقلقي يا أمي» سأعتني بك وبيوسفء أقسم بذلك". 

كانت الحادثة التي ألمت بأبيه قد وقعت على بعد عدة مبان من منزلهم» حيث 
كانت هناك حافلة سياح مسرعة في الشوار ع الضيقةء وخرجت عن نطاق السيطرة 
واصطدمت بالصقالة الخشبية المتهالكة التي كان والده يعمل عليها مما أدى إلى انهيار 
المبنى بأكمله. لقي ثلاثة رجال حتفهم في هذه الحادثةء وكان والده واحدا منهم» وكان 
راقدا تحت أنقاض من الخشب والحجارة. رفضت شركة السياحة تحمل مسؤولية 
الحادث ولم تدفع أي تعويض› ولم يصب أحد من ركاب الحافلة بسوء. 

كانت عائلته تعيش في منطقة نزلة السمان بالجيزة» وعندما وقع الحادث كانت 
العائلة تقيم في كوخ من الطوب الطيني حيث يمكنك رؤية أبي الهول والأهرامات 
مباشرة من فوق السطح. 

كان علي يكبر يوسف بست سنواتء وكان قويا وماهرا وشجاعاء وكان بمثابة 
القدوة لخليفة الذي كان يتبعه في كل مكانء ويقلده فى كل ما يفعله أو يقوله. حتى أنه 

04 


لا يزال يكرر كلمة اللعنة بالإنجليزية التي تعلمها من علي حتى يومنا هذاء والتي كان 
قد تعلمها علي من سائح بريطاني. 

بعد موت والده» وفى علي بوعده» فترك المدرسة»ء وأخذ يعمل حتى يتكفل 
بالأسرة فعثر على وظيفة في إسطبلات الخيل المحليةء حيث كان يزيل المخلفات من 
أسفلهاء ويُصلح السرجء ويصعد بها إلى المنطقة السياحية ليمتطيها السائحون» كان 
يسمح لخليفة بمساعدته في أيام العطلات فقطء وكان خليفة يتوسل للعمل مع أخيه بدوام 
كلي» ولكن علي أصر على أن يركز خليفة على دراسته. 

كان يقول له دائما: أريدك أن تتعلم يا يوسفء املأ عقلك بالعلم؛ وافعل ما لم 
أستطع فعله. أريد أن أفتخر بك. 

بعد سنواتء اكتشف خليفة أن أخاه كان يدخر بعض المال إلى جانب تكفله 
بالعائلة والإيجار والمأكل والملابس» حتى يتمكن خليفة من دخول الجامعة عندما يحين 
الوقت. 

وبالتالي كان خليفة يدين لأخيه بالكثيرء بل على الأحرى يدين له بكل شيء 
تحقق له. وهذا هو سبب تسميته لابنه الأول علي اعترافا منه بالجميل. 

ولم يكتب لابنه رؤية عمه» ولن يراه» إذ إنه قد مات. ومهما حدث فلن نتخيل 
مدى افتقاد خليفة لأخيه» وكم تمنى لو أن الأمور سارت بخلاف ذلك. 

هز خليفة رأسه» وركز مرة أخرى على العمل الذي بين يديه. تحول المشهد 
الآن إلى غرفة ذات طلاء أبيض في الطابق السفلي بمستشفى الأقصر العام» وأمامه 
الجثة التي عثروا عليها هذا الصباح» وهي الآن ممددة عارية على منضدة معدنية. 
وكانت ثمة مروحة تدور فوق رأسه» ومصباح فردي يضيف إلى الطقس البارد 
والقاحل كابة الغرفة. كان الطبيب أنور اختصاصي التشريح منحنيا فوق الجثة 
يتفحصها بيديه وهو مرند قفازا جلديا. 

أخذ الطبيب يتمتم وهو في قمة الاندهاش 'لم أرّ جثة كهذه من قبل". 

بعد أن قاموا بتصوير الجثة في المكان الذي طفت فيه بجانب النهرء وضعوها في 
كيس» ورجعوا بها إلى الأقصر في قارب. كان هناك الكثير من الأوراق التي يتعين عليهم 
ملؤها قبل أن يتمكنوا من فحصها على الرغم من أن الوقت قد تعدى فترة الظهيرة. فقام 
خليفة بإرسال سارية للاستفسار عن أي شخص قد أبلغ عن شخص مفقود في الثلاثين 
كيلومترا المحيطة بهم. وبهذه الطريقة جنب مساعده هذه التجربة المريرة أثناء تشريح 
الجثة. فهو نفسه لم يتمالك نفسه من التقيؤ» وكان يتوق إلى تدخين سيجارة ولذا كان بين 


00 


الحين والآخر يعبث في علبة السجائر ماركة الكليوباترا غير أنه لم يخرج أي سيجارة 
منهاء وذلك لأن الطبيب كان حازما للغاية بشأن عدم التدخين في المشرحة. 

هنا سأل خليفة الطبيب وهو متكئ على الجدار البارد للمشرحة عابثا بأحد أزرار 
قميصه 'ما الذي يمكنك أن تخبرني به الآن؟" ظ 

ففكر الطبيب ثم قال ضاحكا 'إنه بالتأكيد ميت". وهو يطرق بطن الجثةء كانت 
نكات الطبيب حازمة تماما كحزمه بشأن عدم التدخين. وقال ممتعضا "أعتذر عن هذه 
الدعابية السمجة". ظ 

ثم ضحك الطبيب ضحكة خافتة أخرى قبل أن يلتزم بالجدّية مرة أخرى ويقول 
لخليفة 'ماذا تريد ا تعرف؟" ظ 

"العمر ؟' 

'يصعب تحديده بدقة» ولكن دعني أقول إنه في أواخر العشرينيات أو أكبر من 

'ما هو وقت الوفاة؟" 

'منذ ثماني عشرة أو عشرين ساعة تقريباء أو فلنقل أربعا وعشرين ساعة كحد 
أقصى". 
'هل كان في المياه كل هذا الوقت؟" 

'نعم» حسبما أعتقد". 

'ما هي المسافة التي قد يقطعها طافيا خلال أربع وعشرين ساعة؟" 

'ليست لدي فكرة؛ فأنا اختصاصي تشريح ولست اختصاصي تيارات مائية!" 

فابتسم خليفة قائلا "حسناء وما هو سبب الوفاة؟" 

فأجاب الطبيب وهو ينظر إلى وجه الجثة المشوه 'كنت أعتقد أن ذلك واضح". 
كان الوجه حينها نظيفا من الطين» وظهر وكأنه قطعة لحم ممزقةء تماما كما رآه خليفة 
أول مرة. وكانت هناك تمزقات في أجزاء أخرى من الجسد على الذراعين والكتفين 
والبطن وأعلى الفخذين. وكانت هناك علامة ثقب صغير في الصفن كان قد أشار إليه 
الطبسيب بسرور شديد. في بعض الأحيان كان خليفة يعتقد أن الطبيب متحمس لمهنته 
إلى حد ما. 

'ما أقصده هو ..." 

فقاطعه الطبيب قائلا 'نعم» نعم» أعرف كنت أمازحك» وأنت تريد معرفة أسباب 
هده الإصابات'. 


56 


فانحنى الطبيب تجاه المنضدة مرة أخرىء وخلع القفاز المطاطي محدثا صوت 
طقطقة وهو ينزعه عن يده. 

'حسنا فلنبدأ بالأهم فالمهم»؛ لقد مات نتيجة الاختناق والنزيف جراء هذه 
الإصابات التي تراها. كانت هناك كمية مياه بسيطة في رئتيهء وهذا يعني أنه لم يغرق 
أولا تم تعرض للإصابات»؛ وإنما تعرض لهذه الإصابات على الأرض ثم ألقي في 
النهر في منطقة ليست بعيدة عن المنطقة التي وجدتموه فيها على الأزجح". 

قال خليفة "إذاء هذه الإصابات ليست ناتجة عن مروحة قارب”". 

'بالطبع لاء فلو كان الأمر كذلك لاختلفت الإصابات تماما عن هذه وكانت 
ستصبح أكثر اتساخاء وكان اللحم سيصبح أكثر تمزقا". 

سأل خليفة "هل هاجمه تمساح؟" 

"لا تكن غبيا يا خليفةء فهدا الرجل قد تعرض للتشويه عن عمدء ولمعلوماتك لا 
توجد تماسيح في شمال أسوان» وحتى إن وجدت فهي بالطيع لا تدخن". وأشار إلى 
حروق سيجار على دراعي الرجل وصدره ووجهه.ء "ثلاث علامات لحروق هنا 
وهنا وهنا. على الأرجح هي لسيجارء فهذه الحروق أكبر كثيرا من حجم السيجارة 
العادية . 

وضع الطبسيب يده في جيبه» وأخرج كيسا من الحلوى» وعرض على خليفة 
بعضا منهاء ولكنه رفض. 

فقال الطبيب "كما تريد". وأخذ بعضا منها ووضعها في فمه؛ فنظر إليه خليفة 
بدهشة متسائلا كيف يستطيع الأكل وأمامه وجه ممزق على بعد عدة أمتار قليلة. 

سأل خليفة 'ماذا عن الجروح؟ ما هو سببها؟' 

فرد الطبيب وهو يمضغ الحلوى "ليست لدي فكرة: يبدو أنها آلة معدنية حادة قد 
تكون سكيناء وذلك على الرغم من مشاهدتي لجروح ناتجة عن سكاكين مختلفة» وهي 
لا تشبه هذه الجروح على الإطلاق". 

"ماذا تقصد؟" 

رد الطبيب الجروح ليست ضيقة بما يكفي لتشير إلى استعمال سكين» وهو ما 
يصعب تفسيره. وحدسيء بعيدا عن الناحية العلمية» يقول لي إنها شفرة حادة لآلة ماء 
ولكنها آلة أجهلها تماما". وتابع قائلا "انظر على سبيل المثال". وأشار إلى جرح أفقي 
في الصدر› 'لو أنه نائج عن سكين لكان أضيق. و لا أدري. .. ما هي الكلمة 
الصحيحةء أعتقد أنه أقصر! فضلا عن أنه أعمق من ناحية» وأقل عمقا في الناحية 


57 


الأخرى. ولا تطلب مني معلومات أكثر دقة يا خليفة لأنه لا تتوفر لدي هذه 
المعلومات. عليك قبول حقيقة أننا نتعامل مع سلاح غير تقليدي في هذه الحالة". 

أخرج خليفة مفكرة صغيرة من جيبه» وكتب عليها بعض الملاحظات» وكان 
صدى صوت مضغ الحلوى مسموعا في الغرفة. 

'هل لديك أي معلومات أخرى تخبرني بها؟' 

'أعتقد أنه كان بحب الشرب» فهناك نسبة كحول مرتفعة في دمه. ويبدو أنه كان 
مهتما بالآثار المصرية القديمة". 

فرد خليفة "هل تقصد وشم الجعل؟" 

بالضبطء فهو ليس من الوشوم المشهورة؛ انظر هنا". 

فاقترب خليفة أكثر. 

"هل ترى هذه المنطقة الزرقاء أعلى الذراعين؟ هنا وهنا عند المنطقة التى يتغير 
فيها لون اللحم. لقد كان هذا الرجل مقيداء على هذا النحو". 

استدار الطبيب خلف خليفة» وجذب ذراعيه وأصابعه مغروسة في لحمه. كان 
اللون الأزرق في الذراع اليسرى للجثة أكثر مما هو عليه في ذراع خليفة مما يرجح 
إن شخصين قاما بتقييده؛ واحد من كل ذراع. وقال الطبيب 'يمكنك أن تدرك بالنظر 
إلى المنطقة الزرقاء في ذراع الجثة أنه قاوم بشدة". 

هز خليفة رأسه. وانحنى نحو مفكرته ليكتب بعض الملاحظات قائلا "على 
الأرجح أنهم كانوا ثلاثة رجالء اثنان يمسكان به والثالث يقوم بتسخين السكين أو أيا 
کان ما بفعله". 

فهز الطبيب رأسه. وتوجه ناحية الباب» وأطل برأسهء ونادى على شخص ما في 
الجهة الأخرى من الرواقء وبعد دقيقة ظهر رجلان يدفعان نقالة وضعا عليها الجثة 
وغطياها بقماش؛ وتوجها بها خارج الغرفة. عندما انتهى الطبيب من الحلوى؛ توجّه 
إلى حوض صغيرء وغسل يديه» والصمت يخيّم على الغرفة باستثناء صوت المروحة. 

قال الطبيب 'في الحقيقة؛ أنا مندهش". وكانت نبرة صوته قد تغيرت حينها ولم 
تعد بها روح الفكاهة. "أنا أمارس هذه المهنة منذ ثلاثين عاماء ولغاية اليوم لم أرَ جثة 

فرد خليفة 'لم ألحظ عليك علامات التدين”. 

'نعم لست متديناء ولكن لا أجد شيئا آخر أصف به هذه الجثة غير ذلك أقصد 
أنهم لم يقتلوا هذا الرجل فحسبء لقد ذبحوه كالماشية". 


J0 


ثم أغلق الصنبورء وجفف يده. 

"اعثر على من فعلوا ذلك يا خليفة بأسرع ما يمكنك» واحبسهم في مكان بعيد". 

كانت نبرة صوته الجادة تشير دهشة خليفة. 

"سأبذل قصارى جهدي. وأنت من ناحيتك» أطلعني على أي معلومات تتوصل 
إليها". 

وضع المفكرة في جيبه» وتوجه ناحية الباب. وفي هذه اللحظةء نادى عليه 
الطبيب! ظ 

"هناك شيء أخر". 

فاستدار خليفة. 

'إنه مجرد تخمينء ولكن أعتقد أنه نحات» ينحت التحف الأثرية للسائحين» أو 
شيء من هذا القبيل. فهناك الكثير من غبار المرمر تحت أظافره» إضافة إلى أن 
عضلات الأراعين كانت قوية» مما يدل على أنه كان كثيرا ما يستخدم مطرقة 
وإزميلا. قد أكون مخطئاء ولكن لو كنت مكانك فسأبدأ تحقيقاتي من هذه النقطةء أي 
من محلات بيع التحف". 

فشكره خليفة» وغادرء ثم أخرج سيجارة من العلبة. 

فللاحقه صوت الطبيب» 

"لا تدخن حتى تغادر المستشفي!" 


o9 


0 
القاهرة 


قالت تارا انه يكره السيجار". 

فنظر إليها مسؤول السفارة وقال لها 'معذرة". 

السيجار» والدي يكره السيجارء ويكره أي نوع من التدخين» ودوما ما كان يقول 

انها عادة سيئة» تماما كقراءة جريدة الجارديان". 

فقا "آم قهمت . 

أجابت تارا 'عندما دخلنا المحفر؛ كانت هناك رائحة لم أتعرف عليها في البداية: 
ولكن بعد ذلك اكتشفت أنها رائحة دخان سيجار". 

نظر مسؤول السفارة؛ وهو ملحق دبلوماسي صغير أسمه كريسين 
الطريق مرة أخرىء وأطلق آلة التنبيه في إشارة للسيارة التى تسير 

سألها 'هل أمر التدخين هذا مهم بشكل أو بآخر؟» 

فأجابت تارا 'لقد قلت لك إنه يكره التدخين". 


أوتيس إلى 
أمامهم 


فهز المسؤول كتفه وقال 'ربما كان هناك شخص أخر في المحفر". 


وهي قاعدة لا تقبل الخرق. وأنا أعرف ذلك لأنه أرسل لي خطاباء وأخبرني أنه طرد 
أحد المتطوعين معه لخرقه هذه القاعدة". [ 

في هذه اللحظة أتى سائق دراجة نارية من الجائب؛ وتخطى السيارة مما دفع 
المسؤول إلى الضغط على الكوابح قائلا "عليك اللعنة أيها الأحمق!" 

خيم الصمت لدقيقة. 


60 


قال المسؤول 'لست متأكدا إذا ما كنت أفهم ما ترمين إليه". 

فتنهدت تارا قائلة "وأنا أيضاء ولكن كل ما في الأمر أنه من الغريب وجود 
رائحة سيجار في المحفرء وهو أمر لا أتوقف عن التفكير فيه". 

فرد المسؤول "أعتقد أن الأمر ليس سوى أنك تشعرين بالصدمة". 

فتتهدت تارا قائلة "أعتقد أنه كذلك". 

دار هدا الحوار وهما على الطريق متوجهين إلى وسط القاهرةء كانت الطريق 
تقريبا مظلمةء وأضواء المدينة متناثرة حول الطريق وأسفلها. وكان الجو لا يزال 
حاراء لهذا تركت تارا النافذة مفتوحة والهواء يعبث بشعرها وهو يتطاير إلى الخلف 
كالعلم الخفاق. شعرت كما لو أن كل الأحداث التى وقعت على مدار الساعات القليلة 
الماضية ليست سوى حلم. 

عندما عثروا على جثة والدهاء انتظروا بجانبها قرابة الساعة إلى أن وصل 
الطبيب حيث فحص الجثة سريعا قبل أن يخبرهم بما قد عرفوه بالفعل وهو أن 
الرجل ميتء ومن المحتمل أن يكون ذلك ناتجا عن انسداد في الشريان التاجي. 
ولكن لا تزال هناك فحوصات كثيرة يتعين إجراؤها. في هذا الوقت» وصلت سيارة 
إسعاف. وبعدها بقليل» طرح رجلا شرطة نظاميان على تارا بعض الأسئلة 
الروتينية عن عمر والدها وصحته وجنسيته وماذا كان يفعل هناء وأجابت ممتعضة؛ 
لقد كان عالم آثار ماذا سيفعل هنا غير ذلك؟ وأخبرتهما أيضا عن رائحة السيجار 
مؤكدة ما قد أخبرت المسؤول عنه سابقا وهو أن التدخين كان ممنوعا في المحفر. 
سجل رجل الشرطة هذه الملاحظات؛ ولكن بدا وكأن الأمر غير ذي أهمية. يجدر 
بالذكر أن تارا لم تتذمر أو تصرخ» حتى أنها لم تصدر رد فعل عندما أيقنت موت 
أبيهاء ورأت جثته وهم يحملونها إلى سيارة الإسعاف ولم تشعر بأي عاطفة بداخلها 
وكأنه شخص لم تكن تعرفه. 

'لقد مات والدي". تمتمت تاراء وكأنها تحاول استجداء رد من داخلهاء لقد مات 
مات. ٠‏ 

غير أن هذه الكلمات لم تحرك ساكنا بداخلهاء وحاولت استرجاع بعض الذكريات 
الجميلة لهما معاء كالكتب التي استمتعا بهاء والأيام التي قضياها في حديقة الحيوانات. 
وصندوق الهدية التي أعدها لها في ذكرى ميلادها الخامسة عشرةء ولكنها فشلت في 
إنعاش أي إحساس بداخلها. الشيء الوحيد الذي شعرت به»ء وللأسف» كان شعورا 
بالخجل» هو شعورها بالخذلان التام لفشل رحلتها. 


61 


تحدثت مع نفسها قائلة 'سأقضي الأسبوعين التاليين في ملء استمارات وإعداد 
إجراءات الجنازة؛ يا لها من إجازة لعينة!" 

في الوقت الذي غادرت فيه سيارة الإسعاف» وصل أوتيس. حيث عرفت السفارة 
بنبأوفاة والدها فور اكتشاف الجثة. وهو شاب أشقر حليق الذقن في أواخر 
العشرينيات يتحدث بلغة إنجليزية خالصة»؛ اقترب من تاراء وقدم تعازيه بأدب ولكن 
ببرودة عاطفية مما أوضح أنه معتاد على مثل هذه الأشياء. 

تحدث المسؤول مع الطبيب بلغة عربية متلعثمة» وسأل تارا "أين ستقيمين؟" 

فأجابت "هنا أو على الأقل كان من المفترض أن أقيم هناء ولكن أعتقد أن هذا 
غير مناسب الآن". 

وافقها أوتيس الرأي؛ وقال "إن أفضل شيء هو العودة إلى القاهرة» والحجز في 
مكان ما هناك. اسمحي لي بإجراء بعض المكالمات". ظ 

أخر ج هاتفا محمولا من جيبه» وتحدثت تارا مع نفسها قائلة "كيف يستطيع ارتداء 
حلة في هذه الحرارة؟ ثم تجولت بالخارج» ورجعت بعد عدة ذقائق» حيث وجدته 
يخاطبها قائلا 'حسنا لقد حجزنا لك في فندق هيلتون رمسيس ولا أرى أن هناك المزيد 
لنفعله هناء سنغادر متى تجهزين". 

فتجولت تارا في المحفر لدقيقة تنظر إلى حقائب الكتب والأرائك المتهالكة متخيلة 
والدها وهو يجلس مستريحا فوقها بعد يوم من العناء في أعمال التنقيب» ثم لحقت 
باوتيس إلى سيارته. 

فقال وهو يشغل المحرك 'حسنا أنا مقيم في القاهرة منذ ثلاث سنوات» وهذه هى 
المرة الأولى التي آتي بها إلى سقارة. فبصراحة:؛ لم أكن مهتما بالآثار". 

فأجابت تارا بنبرة حزينة 'وأنا كذلك". 

عندما وصل إلى الفندق كان الظلام قد حل بالفعل» وكان الفندق على شكل 
ناطحة سحاب قبيحة المنظر تطل على النيل على جانب مفترق طرق مزدحم. كان 
المدخل مضاء بشكل لافت للنظرء ومبهرجا بردهة رخامية تعقبها مجموعة من 
الأرائك والمحلات المفتوحة» وتعج بمجموعة كبيرة من حملة الحقائب ذوي الزي 
الأحمر وأيديهم مشغولة بالأمتعة. كان الجو لطيفا ويميل إلى البرودة داخل الفندق مما 
جعل تارا تشعر بارتياح بعد معاناتها من الحرارة خارجه. كانت غرفتها في الطابق 
الرابع عشر واسعة وأنيقة وقليلة الأثاث ولا تطل على النيل. وما إن دخلت الغرفة 
حتى ألقت حقيبتها على السريرء وخلعت حذاءها. 

62 


قال أوتيس 'حسناء سأتركك لتستريحي". وتوجه ناحية الباب» وأخبرها أن المطعم 
يقدم وجبات جيدة أو يمكنها الاستعانة بخدمة الغرف. 

فشكرته 'لست جائعة الآن". 

'بالطبعء أنا أتفهم الوضع". ووضع يده على مقبض الباب وقال "إن هناك العديد 
من الأمور الرسمية يتعين القيام بها غداء فإذا كان مناسبا لك؛ فسأمر عليك في الحادية 
عشرة صباحا وسأصطحبك إلى السفارة". 

فأومأت تارا برأسها إيجابا. 

أضاف أوتيس شيئًا أخيرا "من الأفضل ألا تخرجي بالليل. لا أود إخافتك: ولكن 
الخروج ليلا يعتريه شيء من المخاطرة بالنسبة للسائحين حالياء فهناك كما تعرفين 
بعض الهجمات ضدهمء والوقاية خير من العلاج”". 

فكرت تارا فى الرجل الذي قابلته في المطار بجانب آلة استلام الأمتعةء وذكرت 
الاسم الذي أخبرها به: سيف التامر. 

فرد أوتسيس مصححا الاسم 'سيف الثأر". فقالت 'نعم". وعلق 'إنهم مجانين 

دمويون. كلما حاولت القوات القبض عليهم» زادت المشاكل التي يسببونها. حتى أن 

بعض الأماكن لا يمكن السير فيها الآن". وقام بإعطائها بطاقته التعريفية» وطلب منها 
الاتصال به إذا احتاجت أي شيء: وتمنى لها نوما هنيئا. 

صافحهاء وفتح الباب» وتوجه نحو الرواق. 

فور مغادرته» أحضرت تارا شرابها المفضل» و ألقت بنفسها على السريرء 
واتصلت بجيني في إنجلتراء وتركت لها رسالة على المجيب الآلي تخبرها بمكانهاء 
وتطلب منها الاتصال بها في أقرب فرصة. كان من المفترض أن تجري بعض 
المكالمات الأخرى. واحدة لعمهاء وأخرى للجامعة الأمريكية حيث كان يزور أستاذ في 
أشار الشرق الأدنىء ولكنها قررت تأجيل هاتين المكالمتين حتى الغد. قامت ونظرت 
من الشرفة إلى الشارع في الأسفل. 

في هذا الوقت ظهرت سيارة مرسيدس سوداء بجانب الفندق وسدت الطريق 
جزئيا بحيث اضطرت السيارات الآتية خلفها إلى الاستدارة حولها أو المرور 
بجوارهاء وهو ماأثار سخط ركاب هذه السيارات وفهمت تارا ذلك من أصوات 
الاستهجان الصادرة عنهم. 

في البداية لم تلحظ تارا السيارةء ثم نزل شخص منها وتوجه إلى الرصيف. 
وفجأة شعرت تارا بالتوتر. ولم تكن متأكدة ما إذا كان هو الرجل الذي رأته في 


63 


سقارة عندما كان يراقبها أثناء سيرها على المنحدر؛ ولكنّ شيئا ما بداخلها كان 
يخبرها أنه هو. كان الرجل يرتدي حلة باهتة اللونء وظهر الرجل ضخم الجثة 
حتى من هذا الارتفاع الكبيرء» حتى أن المارة من حوله ظهروا وكأنهم أقزام 
مقارنة به. 

ثم انحنى تجاه السائق» وأخبره بشيء»ء وبعد ذلك توجّه السائق إلى الطريق العام. 
وظل الرجل يشاهده وهو يتحرك بالسيارة: ثم فجأة نظر إلى الأعلى إلى تاراء على 
EY O‏ ع اعورم 
وجه الخصوص أم لا. ولم يدم الأمر طويلا حتى أنزل الرجل رأسه؛ وتوجّه إلى 
المدخل 0 0م رافعا يده ناحية فمهء ونفخ ما يبدو | وكأنه دخان سيجار 
كبير الحجم. فارتعدث تارا خوفاء وترا اجعت إلى الداخل» وأغلقت الأبواب المنزلقة 


نهر النيلء بين الأقصر وأسوا 
كانت الرغوة في المياه تزداد عند مقدمة الباخرة حورس وهي تشق مياه النيل 
وأضواؤها تثير بريقا عجيبا على المياه. كانت غابات الخيزران تلقي بظلالها على 
ضفتي النيلء والأكواخ والمنازل الصغيرة متناثرة هنا وهناك. وعلى الرغم من أن 
الوقت قد تعدى منتصف الليل» إلا أن بعض الأشخاص كانوا لا يزالون على ظهر 
الباخرة يتطلعون إلى هذه المناظر. كان هناك شابان يقفان عند مقدمة الباخرة 
ب بن سيندت الكبار في السن اللواتي كن يلعبن بالورق في مؤخرة الباخرة 
تحت مظلة. وباستثناء صوت من يلعبن بالورق» كان الصمت يخيّم على المكان. فكان 
بقية الركاب إما نائمين أو يجلسون في البهو يستمعون إلى بعض الموسيقى» حيث كان 

هناك رجل مصري ضخم البطن يغني بعض الأغاني الشعبية. 
فجأة وقع انفجاران في نفس الوقت تقريبا. أولهما بالقرب من مقدمة الباخرة حيث 
أطساح بالشابين» وأعقبه الانفجار الثاني في البهو الرئيسي حيث دمّر الطاولات 
والكراسي فتطايرت شظايا الزجاج في كل الاتجاهات» واندفع المطرب إلى الخلف 
ووجهه متفحم» كما أن مجموعة من السيدات في الخلف اختفين تحت كومة من 
الأخشاب والقطع المعدنية. انتشر البكاء والتأوهات والصرخات من رجل انفصل 
الجزء الأسفل من ساقه عن سائر جسده. أما السيدات اللواتي كن يلعبن الورقء فلم 
يصبن بسوءء وظللن بلا حراك تحت المظلة؛ باستثناء واحدة شرعت بالبكاء. بعبدا 


04 


عن النهرء وخلف غابات الخيزران»ء كان هناك ثلاثة رجال يجلسون على تل 
صخري صغير ينظرون إلى الباخرة المشتعلة التي أضاء وهج انفجارها وجوههم 
وظهر أنهم ملتحون» فضلا عن وجود ندبة رأسية في جبهة كل منهمء وتعلو 
وجوههم البسمة. 

و همس أحدهم قائلا "سيف الثأر". 

فردد رفاقه نفس الكلمة. 

أومأ بعضهم لبعضء ثم وقفواء واختفوا في جنح الظلام. 


05 


9 
القاهرة 


في تمام الحادية عشرة صباحاء التقى أوتيس وتارا في بهو الفندق حسب اتفاقهماء 
وذهبا إلى السفارة التي تبعد عشر دقائق عن الفندق. 

على الرغم من إرهاقها الشديدء إلا أن تارا لم تتمكن من النوم جيداء حيث لم يفارقها 
شكل الرجل ضخم الجثة؛ وظلت تشعر بالتوتر. ولكن أخيرا تمكنت من النوم لفترة قصيرة 
قبل أن يرن جرس الهاتف» فاستيقظت مرة أخرىء» وكان لاتصال من جيني. 

م ا يتاعور لا جيني أن تحجز في الرحلة 
التالية» وتأتي إلى تارا التي كانت ق إلى ذلك» ولكنها قالت لها ألا تقلق وإن كل 
شيء على ما يرام وإنها سترجع لى إ إنجلترا في غضون عدة أيام على الأرجح فور 
الانتهاء من بعض الأعمال الرسمية. واتفقتا على التحدث مرة أخرى في اليوم التالي 


وانتهت ا بعد دلك شاهدت تارا الثلفاز لفترة وتنقلت بين بعض 
القنوات متل السي. أن. أن: والأم. تي. في آسياء والبي. بي. سي العالمية» قبل أن 
غاد | نعاس E‏ , 


ظلت نائمة إلى أن استيقظت فجأة في ساعة متأخرة من الليل للمرة الثانية 
لشعورها بحركة غريبة. كان الظلام يخيّم على الغرفة المليئة بالظلال على الرغم من 
عدم مرور ضوء القمر إلا من فتحة صغيرة في الستائر عكست بريقا يشبه الشبح عبر 
المرآة في الجدار المقابل. 
عات في سريرها محاولة معرفة ما هذاء ثم رقدت مرة أخرى لتنام؛ وما إن 
فعلت ذلك حتى شعرت بصوت خافت من ناحية الباب» فأنصتت لعدة لحظات قبل أن 
66 


مې جو لچ آلب 


فقالت بصوت مرتعش "من هناك" فتوقف الصوت لدقيقة ثم عاد مرة أخرى. 
توجهت تارا ناحية الباب وقلبها يخفق» ثم توقفت محدقة بمقبض الباب يرتفع 
وينخفض ببطء. فكرت في الصراخ» ولكنها فضلت إمساك المقبض بإحكام» وكانت ‏ 
هناك حركة مقاومة على الجانب الآخر وصوت وقع أقدام خفيف. فعدّت حتى الرقم 
خمسة ثم فتحت الباب» غير أنها وجدت الرواق خالياء أو شبه خال» لأنها شمت 
رائحة سيجار. ْ 

بعد حدوث ذلك لم تطفئ تارا النور طيلة الليل» ولم تنم مرة أخرى إلا مع 
بزوغ الفجر. عندما سألها أوتيس عما إذا كانت ليلة هادئة» فأجابت بشكل قاطعء "لا: 
لم تكن كدلك على الإطلاق'. 

بعد ذلك دخل أوتيس بالسيارة من إحدى بوابات السفارة ذات الحائط الأبيض› 
وأبرز بطاقته للحارس» ودخل إلى مرآب صغير للسيارات» واصطحب تارا إلى داخل 
المبنى عبر باب جائبي حيث اتجها في رواق طويلء وارتقيا بعض السلالم وصولا 
إلى مجموعة من المكاتب في الدور الأول» حيث استقبلها رجل رفيع أبيض الشعر 
وأشعث إلى حد ما ذو حاجبين كثين» وكانت تتدلى من رقبته نظارة. 

كان الرجل هو تشارلز سكويرز الملحق الثقافي بالسفارة وبادرها بقوله '"صباح 
الخير آنسة مولراي". ثم صافحهاء وكانت نبرة صوته ناعمة وودودة على عكس 
قبضته القوية. وقال "هلا تحضر لنا بعض القهوة يا كريسبن سنكون في مكتبي". 

اصطحب تارا عبر مجموعة من الأبواب المزدوجة إلى غرفة كبيرة هادئة بها 
أربع كراس ذات أذرع حول منضدة. كان هناك شخص آخر يقف إلى جانب النافذة. 

قال الملحق الثقافي 'إنه الدكتور شريف جمال من المجلس الأعلى للآثار". الذي 
استفسر بدوره عما إذا كان من المناسب تواجده في هذا التوقيت. 

كان الرجل قصيرا وسميناء وكان وجهه مليئا بآثار الحبوب. تقدّم خطوة للامام» 
وقدم لتارا التعازي بوفاة والدها 'لقد كان عالما حقا وصديقا لهذا البلد» سنفتقده كثيرا". 

فشكرته تاراء وجلسوا هم الثلاتة. 

قال سكويرز "إن السفير يعرب عن أسفه العميق لأنه كان يود الحضور بنفسه 
نظرا لمكانة والدك؛ ولكن كما تعرفين فإن هناك هجوما إرهابيا جديدا وقع ليلة أمس 
بالقرب من أسوان» وكان من بين الضحايا اثنان بريطانيان» ولذا فهو مشغول إلى حد 
ما حاليا". 

كان الرجل يتحدث بهدوء»ء ويداه الرفيعتان ممسكتان بطرف سترته. 

67 


'بالتأكيد أنا أتحدث بالنيابة عن السفيرء وباسم السفارة بأكملهاء وأعرب عن مدى 
حزننأ لوفاة والدك الذي تشرفت بمقابلته في مناسبات عديدة» ويالها من خسارة فاجعة 


لنا!" 
سي هذه اللحظة عاد أوتيس يحمل صينبة: و تلا القهوةء وقدمها لهم. وخيم 
الصمت على المكان لبعض الوقت. 


قال شريف جمال 'لقد كنت محظوظا عندما كنت طالبا بأن قضيت بعض الوقت 
مع والدك في سقارة في العام 1972. وهو العام الذي اكتشفنا فيه مقبرة بتاح - حوتب» 
ول أفدي أبدا الشعور الذي انتابني عندما دخلت غرفة الدفن للمرة الأولى حيث لم 
يمسها أحد منذ اليوم الذي أغلقت فيه. كان هناك تمثال خشبي رائع عند المدخل طويل 
جدا". وتحدث شريف واصفا دهشته من شكل التمثال» فذكر أن التمثال بدا كأنه طبيعي 
وكانت عيناه بلا رتوش وفي حالة رائعة» "إنه معروض الآن في متحف القاهرة؛ لا بد 
أن نذهب معا لرؤيته يوما ما". 
قالت تارا وهي تحاول أن تبدو متحمسة "أتمنى ذلك". 
استكمل شريف حديثه القد علمني والدك الكثيرء وأنا أدين له بكل الفضل". 
وأخرج منديلا من جيبه وأخذ يمسح عينيه عينيه وهو متأثر بشدة. 
ثم صمت الأربعة مرة أخرى وهم يحتسون القهوة» ومضى بعض الوقت قبل أن 
يتحدث سكويرز مرة أخرى. ظ 
قال سكويرز القد أكد لي الطبيب أن وفاة والدك كانت سريعة وبلا ألم» ومن 
الواضح أنه انسداد في الشريان التاجي» ومن ثم على الأرجح أن الموت حدث فجأة". 
أومأت تارا قائلة 'لقد كان يتناول أدوية للقلب". 
قال شريف "أرجو ألا تفهمي كلامي على غير مراده. ولكن» لو أن والدك تمنى 
أن يموت في مكان ما. فهو لم يكن ليختار غير سقارة؛ فقد كان سعيدا جدا هناك". 
فأجابت تارا 'بالفعل» لقد كانت بمثابة بيته الحقيقي". 
- في هذه اللحظة شرع أوتيس في إعادة ملء أكواب القهوة. 
قال سكويرز معتذرا "أعتقد أن هناك الكثير من الأمور الرسمية التي يتعين علينا 
الانتهاء منهاء ولكن أوتيس سيساعدك فيها جميعا". ووضع يده على الكوب قائلا 
أشكراء لا أريد المزيد من القهوةء ولاحقا سيتعين عليك تقرير ما ستفعلينه برفات 
والدكء هل سيظل هنا في مصر أم ستعودين به إلى بريطانيا؟ بالنسبة للوقت الراهن 
أرجو منك إخباري بأي شيء تحتاجينه في هذا الوقت العصيب". 


68 


شكرته تاراء وصمتت للحظة تنظر إلى كوب القهوةء ثم قالت "هناك شيء...". 
ثم قطعت حديتها. 

الست أدري كيف أعبر عنهء فالأمر يبدو سخيفا بالفعل... إنه..." فأجاب الرجل 
'تحدثي من فضلك". 

فقالت 'حسنا". ثم سكتت مرة أخرىء واستأنفت قائلة "عندما ذهبت إلى المحفر 
لاحظت رائحة سيجار وهو ما يبدو غريبا لأن والدي لم يكن ليسمح لأحد بالتدخين في 
المحفرء وقد ذكرت ذلك للشرطة ولكريسبن . 

فأومأ كريسبن إيجاباء وأخرج جمال مسبحة من جيبه» ووضع إبهامه على 
خرزاتها واحدة تلو الأخرى وهو يتمتم بشيء ما. كانت تارا تشعر بأن الثلاثة 
يحدقون بها. 

تابعت قائلة 'لقد رأيت هذا الرجل ضخم الجثة من قبل..." 

فرد سكويرز 'ضخم الجثة؟" وانحنى تجاهها قليلا. 

فأجابت 'نعم رجل طويل القامة كبير الحجم. متأسفة فالأمر يبدو غبيا جدا عندما 
أرويه على هذا النحو...". 

فنظر الملحق الثقافي إلى جمال» وأشار إلى تارا بمتابعة الحديث. هنا زاد صوت 
طقطقة خرز المسبحة بعد أن زاد جمال من سرعته في التسبيح» وبدا الصوت إيقاعيا. 

تابعت تارا حديثها قاتلة "يبدو وكأنه كان يراقبني باستخدام منظار". فاستفسر 
جمال "أتقصدين الرجل ضخم الجثة؟" 

انعسم» وقد رأيته مرة أخرى ليلة أمس» أو ربما رأيت شخصا يشبهه قد أتى إلى 
الفندق. وأنا متأكدة أنه كان يدخن سيجاراء ثم سمعت في ساعة متأخرة من الليل 
صوت شخص يحاول الدخول إلى غرفتي» وعندما فتحت الباب» لم أجد أحدا غير أنني 
شممت رائحة سيجار في الرواق". 

ثم نظرت بوهن موضحة أن الأمر كله يبدو غريباء حيث تحولت كل هذه 
الشكوك والتهديدات التي تجول بخاطرها إلى أمور يصعب الربط بينها. 

القد أخبرتكم أن الأمر برمته سخيف". 

فرد سكويرز "لاء على الإطلاق» واقترب منها ووضع يده على ذراعها لطمأنتهاء 
أنا أقر مدى صعوبة هذا الوقت عليك» ففي ظل كل هذه الأحداث ليس من الغريب أن 
تشعري بشيء من عدم الأمان. فأنت في بلد أجنبي» ومات والدك؛ ومن السهل أن 
يضطرب الشخص في مثل هذه المواقف". 

69 


كانت تارا تشعر أن الرجل يحاول أن يساندها فحسب» وأضاف الرجل 'لقد 
مررت بنفس هذا الإحساس من قبل» وكأن شيئًا ما يحدث لي". 

فردت تار ا شي ء ما؟" 

فابتسم سكويرز ابتسامة خافتة» وقال لها "لا تقلقي آنسة مولراي» مصر هي أحد 
هذه البلدان التي تشعرين فيها وكأن شيئا ما يدور خلف ظهركء ولكن في الحقيقة لا 
يوجد شيء على الإطلاق. أليس كذلك يا دكتور جمال؟" 

أجاب الدكتور 'بالتأكيد فلا يمر يوم واحد دون أن أشعر أن هناك شخصا ما 
يحيك لي المكائدء وهو أمر سائد لدى من يعملون في الآثار". 

فضحك الرجال الثلاثة. 

قال سكويرز "أنا متأكد أن هناك تفسيرا بسيطا لكل ما رويته لنا". وأضاف مازحا 
"هذا ما لم تكوني قد أخفيت شيئا عنا". كان هناك نبرة تهديد غامضة في صوته»ء وكأنه 
يتهمها أنها تخفي شيئا عنهم. 

وسألها "هل قلت كل شيء". 

فردت تارا "أعتقد ذلك". ' 

حدق بها سكويرز للحظة؛ ثم جلس» وضحك قائلا 'يمكنك النوم بسلام يا آنسة 
مولراي» هل نحضر لك بسكويتا؟" 

استمر الحديث اللطيف لعشر دقائق أخرى قبل أن يقف سكويرز ومعه الرجلان 
الآخران. 

قال سكويرز "أعتقد أننا أخذنا كثيرا من وقتك. حسناء سيصطحبك كريسبن إلى 
مكتبه حيث سيساعدك على الانتهاء من الإجراءات اللازمة". 

توجه سكويرز والدكتور جمال إلى الباب. وبعد أن أعطى تارا بطاقته التعريفية 
قال لها "اتصلي بي في أي وقت تشائين إذا ما أردت مناقشة أي شيء آخر. معك رقم 
هاتفي المباشرء وسنبذل قصارى جهدنا لمساعدتك". 

ثم صافحهاء وأشار لها بالتوجه إلى الغرفة السابقة» ورفع جمال يده مودعا إياها. 

قال كريسبن "هيا بنا لنحضر لك الغداء". 

جلس سكويرز وجمال في صمت لبعض الوقت. الأول ينظر من النافذة والثاني 
ينظر إلى مسبحته»ء وأخيرا تكلم جمال. 

70 


'هل تعتقد أنها تقول الحقيقة؟" 

فأجاب سكويرز مبتسما "أعتقد ذلك» فهي لا تعرف أي شيء أو فلتقل إنها على 
الأقل لا تدرك أنها عرفت شيئا". 

وضع يده في جيبه» وأخرج قطعة حلوى» وأخذ يزيل غلافها ببطء. 

فتساءل جمال 'ماذا هناك إذا!" 

فرفع سكويرز حاجبيه قائلا "هذا هو السؤالء» فالأمر واضح بالنسبة لدرافيتش أما 
مولراي فالأمر غامض جدا حياله. أعتقد أننا نفكر بنفس الطريقة". وقام بإزالة آخر 
قطعة من غلاف الحلوىء ووضعها في فمه وهو يمصها بعمق. خيّم الصمت على 
المكان باستثناء صوت طقطقة المسبحة. 

تساءل جمال "هل أخبرت ماسي؟ فأعتقد أن الأمريكيين سيعلمون بالأمر". 

'لقد انتهى الأمر أيها الرجل العجوزء وهم ليسوا سعداء بالطبع؛ لأنهم لم يتوقعوا 
ذلك". 

'حسنا ماذا سنفعل الآن؟" 

'ليس هناك الكثير لنفعله» كل ما هنالك أن نتجنب وصول أي معلومة إليهم بأننا 
نعرف بأمر المقبرة» لأن هذا سيكون خطأ قاتلا. يتعين علينا الهدوء الآن» ولننتظر 
حتى تتضح الأمور". 

'ماذا لو لم تتضح-؟" 

أومأ سكويرز برأسه دون أن ينبس ببنت شفة. 

أخذ جمال يحرك مسبحته بإبهامه قائلة "لا يعجبني ذلك. لعله من الأفضل أن 
نتخلى عن الأمر برمته". 

فرد سكويرز "اهدأ يا عزيزيء إنها فرصة العمرء فكر في ما سنحصل عليه". 

الست أدري» المشكلة أن الأمور تخرج عن نطاق السيطرة". ووقف جمال وأخذ 
يجول في الغرفة» وقال 'ماذا عن الفتاة؟" 

فطرق سكويرز بأصابعه طرقا خفيفا على ذراع الأريكة» وهو يحرك الحلوى 
بلسانه. 

تحدث بعد صمت طويل "أعتقد أنها ستكون مفيدة لنا على عكس ما نرى» أي 
ستساعدنا في توضيح الموقف. فالأمر جيد طالما أنها لم تفصح عما يدور في عقلها 
لأحد. وأنا واثق أنك قادر على التعامل مع الأمور التي تخصكء أليس كذلك؟" 

فقال جمال 'رجال الشرطة يفعلون ما أمليه عليهم» ولا يكثرون من الأسئلة". 

71 


'رائع جداء وأنا من ناحيتي سأتولى أمر الآنسة مولراي» سأجعل كريسبن 
يراقبهاء وسأعمل على الاستعانة بأشخاص آخرين أيضا. وأهم شيء هو ألا يفطنوا 
إلى أننا نستغلهاء فهذا سيكون خطأ قاتلا". قام سكويرزء وأخذ ينظر عبر النافذة إلى 
الممرات المشجرة المنمقة في فناء السفارة» قائلا 'يتعين أن نتوخى الحرصء وطالما 
أننا نفعل ذلك؛ فأنا متأكد من تحقيق هدفنا". 

فقال جمال "أتمنى ذلك لأجلنا جميعاء لأننا سنهلك لو سارت الأمور عكس ذلك". 

فرد سكويرز 'لديك طريقة رائعة في اختيار الكلمات أيها الرجل العجوز". 

انتهى الحديث بصوت مرتفع وهو يطحن الحلوى بأسنانه. 


72 


10 


الأقصر 


كان خليفة يعرف أن هناك ورش مرمر كثيرة في الأقصرء ولكن لم يتخيل قط 
أن تكون بهذا العددء فكلما انتقل من ورشة إلى أخرىء أدرك مدى صعوبة مهمته في 
الوصول إلى الورشة المقصودة. 

كان خليفة وسارية قد بدأا في عملية البحث بعد ظهر أمس بعد الانتهاء من 
عملية التشريح» حيث توجّه خليفة إلى الضفة الغربية للنهر» وتوجه سارية إلى الضفة 
الشرقية. وأخذا يتنقلان من ورشة إلى أخرى ومعهما صورة لوشم الجعل؛ وهما 
يسألان عن أي شخص لديه معلومات. واستمر البحث حتى وقت متأخر من المساءء 
واستأنفا لبحث في السادسة من صباح اليوم التالي. مضى الوقت حتى منتصف النهار؛ 
وأدرك خليفة أنه زار أكثر من خمسين ورشة دون نتيجة»ء وبدأً الشك يساوره» هل 
أرسلهما الطبيب إلى البحث عن إبرة في كومة قش؟ 

توقف خليفة أمام ورشة أخرى اسمها (ورشة الملكة تاي المرمر)؛ الأفضل في 
الأقصرء وعلى بابها كان هناك رسم لطائرة وجمل والكعبة» وهي علامة على أن 
صاحبها قد حج بيت الله. جلست هناك مجموعة من الرجال» يضع كل منهم قدمه على 
الأخرى في ظل مصابيح مصنوعة من المرمر» والتراب الأبيض يكسو وجوههم 
وأذرعهم. فنظر خليفة إليهم ثم أشعل سيجارة: وتوجّه إلى الداخل؛ حيث قام رجل ما 
من الغرفة الخلفيةء ورحب به مبتسما. 

رد خليفة التحية بقوله 'شرطة". مظهرا شارته» فتلاشت ابتسامة الرجل. 

أجاب الرجل لدينا ترخيص. 

فقال خليفة "أود أن أسأل بعض الأسئلة عن العاملين لديك". 


13 


'هل يتعلق الأمر بالتأمين؟" 

لاء الأمر لا يتعلق بالتأمين أو التراخيص. نحن نبحث عن شخص مفقود". 
وأخرج صورة من جيبه وسأل هل تعرف صاحب هذا الوشہ؟' ) 

فأخذ الرجل الصورة وحملق بها. 

'قال ربما أعرفه"'. 

'ما الذي تقصده بربما؟ أتعرفه أم لا؟" 

انعم أعرفه". 

فقال خليفة أخيرا "هل هو أحد العاملين لديك؟" 

'نعم؛ ولكنني طردته الأسبوع الماضيء هل يواجه مشاكل؟" 

نعم يمكنك قول ذلك لقد ماث". 

فنظر الرجل إلى الصورة. 

قال خليفة القد قتلء وعثرنا على جثته في النهر بالأمس". 

خيم الصمت للحظة قبل أن يعطي الرجل الصورة لخليفة» 'يُفضل أن تأتي معي". 

دهب الاثنان عبر ستارة قديمة إلى غرفة كبيرة في مؤخرة الورشة. كان بها 
سرير منخفض إلى جوار أحد الجدرانء وتلفاز على أحد المساندء ومنضدة للغداء 
عليها خبز وبصل وجبنء وفوق السرير كانت هناك صورة بنية لرجل عجوز ملتح 
يرتدي طربوشا وجلبابا - أحد أجداد صاحب الورشة - وإلى جوار الصورة صورة 
أخرى مكتوب عليها سورة الفاتحة. وكان هناك باب مفتوح يقود إلى فناء يعمل فيه 
كثير من الرجال. فأغلق صاحب الورشة هذا الباب وتحدث إلى خليفة. 

"اسمه أبو تايرء وعمل معنا هنا لمدة عام؛ وكان ماهرا في صنعته؛ إلا أنه كان 
. مدمن شراب. ودوما ما يأتي متأخراء ولا يركز في عمله؛ ويثير المشاكل". 

'هل تعرف أين كان يعيش؟" 

في القرنة القديمة بجوار مقبرة رخمير". 

'هل لديه عائلة؟" 

زوجة وبنتانء وكان يعامل زوجته معاملة سيئة ويضربها". ؤ 

أخرج خليفة سيجارة وهو ينظر إلى تمثال نصفي من الجير موجود في الجانب» 
وهو تقليد لرأس لفرنيتي الشهير الموجود في متحف برلين. ولطالما أراد رؤية الرأس 
الحقيقفي منذ أن كان طفلاء فلطالما نظر إلى القطع المقلدة منه في محلات الجيزة 
والقاهرة. والآن أصبح متشككا في إمكانية رؤية التمثال الحقيقي» فهو لا يستطيع تحمل 

74 


تكاليف الرحلة إلى برلين» كما كان الحال في عجزه عن ركوب المنطاد والتجول فوق 
وادي الملوك. ثم استدار إلى صاحب الورشة ثانية وسأله "هل كان له أي أعداءء أو 
أي شخص يحمل له ضغينة؟" 

فأجاب الرجل "من أين تريدني أن أبدأء إنه يدين بالمال للبعض» ويسب الجميعء 
ويتشاجر هذا وهناك» ويمكن القول إن هناك خمسين بين كل مائة شخص يريدونه 

"هل هناك شخص محدد؟ هل هناك أي خصومات ثأرية؟" 

"لاء على حدّ علمي". 

"هل شارك في أي أنشطة غير قانونية» مخدرات أو آثار؟" 

"كيف لي أعرف ذلك؟" 

"لأنكم جميعا تعرفون كل شيء عن بعضكمء هيا صارحني". 

فأخذ الرجل يعبث بذقنه» ثم جلس على حافة السرير. كان العاملون بالخارج قد 
بدؤوا ينشدون أغنية شعبيةء حيث يغني أحدهم ويردد الباقون خلفه. 

بعد صمت طويلء قال الرجل 'لم يكن يتاجر بالمخدرات". 

فقال خليفة 'وماذا عن الاثار؟ هل كان يتاجر فيها؟" 

'نعم كان يتاجر ببعض بقايا الآثار". 

'أي نوع من البقايا؟" 

'ليس بالكثيرء فقط القليل من تمائيل الخدم والجعلان". 

'بالله عليك! أنت تعرف أن الجميع يتاجر بهذه الأشياء". 

إنها غير قانونية". 

ولكنها السبيل الوحيد للتغلب على ظروف الحياة الصعبة". 

وهنا أطفأ خليفة السيجارة في منفضة السجائرء وقال له "هل تاجر في أشياء 

هز الرجل كتفيه؛ ونظر إلى التلفازء وقال 'ليس بالشيء الكثير الذي يستحق القتل 
من أجله". كانت هناك مسابقة تبث عبر شاشة التلفاز الأبيض والأسود» جلس الرجل 
يتابعها. وبعد فترة من الصمت قال "كان هناك بعض الشائعات". 

فسأل خليفة "شائعات؟" 

'نعم شائعات بأنه عثر على شيء ما". 

وما هو؟" 

75 


'الله أعلم» قد تكون مقبرة أو شيئا أكبر من ذلك". وانحنى الرجل إلى الأمام قليلا 
وضبط الصوتء وقال "أنت تعلم أن الشائعات تتردد كثيراء أليس كذلك؟ فكل أسبوع تظهر 
اشاعة أن شخصا ما اكتشف مقبرة جديدة لتوت عنخ آمون. ولكن من يدري أين الحقيقة". 

"هل هناك حقيقة في ذلك؟" 

هز صاحب الورشة كتفه» وقال '"ربما نعم وربما لاء ولكنني لست مشتركا في 
ذلك» بالإضافة إلى أن لدي عملا جيدا وهذا ما أهتم به". 

ثم صمت الرجل؛ وركز على المسابقة في التلفاز. كان الرجال لا يزالون يغنون 
بالخارج وسط صدى صوت آلاتهم في هواء الظهيرة الساكن. وتحدث الرجل بصوت 
خافت وكأنه يهمس قائلا 

'منذ ثلاثة أشهرء اشترى أبو ناير جهاز تلفاز لوالدته وثلاجة جديدين» ولا شك 
أن ذلك مكلف بالنسبة لرجل عاطل عن العملء» وعليك أن تستنتج الباقي بنفسك". ثم 
انفجر الرجل في الضحك قائلا "انظر إليه". وأشار إلى أحد المتسابقين في التلفاز 0 
قد أجاب إجابة خاطئة»ء 'يا له من أحمق". 

لكن كان هناك شيء غريب في ضحكة الرجلء فقد كانت يداه ترتعشان. 

كان خليفة مغرما بتاريخ مصرء ولطالما تذكر وقفته فوق سطح منزله وهو صغير 
يشاهد شروق الشمس فوق الأهرامات على عكس ما كان يفعله أقرانه. فقد كان يرى في 
هذه الأهرامات شيئا ساحراء مثلثات رائعة تحلق في ضباب الصباح» وتمثل بوابات لعالم 
وزمن مختلفين. وكانت نشأته بجوارها سببا في رغبته في الاطلاع على التاريخ القديم. 

كانت هذه الرغبة رغبة مشتركة بينه وبين أخيه على الذي كان مغرما أكثر منه 
بالتاريخ» وكان يعتبره ملاذا له من الصعوبات التي تواجهه في حياته اليومية. فكان 
يعود إلى المنزل كل يوم بعد العمل متعبا ومرهقا فيستحم ويأكلء ثم يجلس في جانب 
من الغرفة:؛ ويستغرق في قراءة أحد كتب الآثار. كان لديه مجموعة كبيرة من هذه 
الكتب. كان قد استعار بعضها من مكتبة المسجدء والبقية كانت مسروقة على الأرجح: 
وكان الأخ الأصغر خليفة لا يحب شيئا في الدنيا أكثر من الجلوس بجوار أخيه وهو 
يقرأ بصوت مرتفع على ضوء الشموع. 

كان خليفة يركن إلى كتف أخيه ويصرخ "أخبرني عن رسيس". 

يضحك علي؛ ويصحح الكلمة لأخيه؛ ویقول له رمسیس» ویحکی له أنه ذات مرة 
كان هناك ملك يُدعى رمسيس الثاني» وكان هذا الملك أقوى رجل في العالم» ولديه 
مركبة خفيفة مصنوعة من الذهب» وتاج مصنوع من الألماس. 


76 


دائما كان خليفة يقول: لقد كانوا محظوظين بكونهم مصريينء فلم تكن دولة في 
العالم تتمتع بمثل هذا التاريخ الرائع الذي توارثته الأجيال جيلا تلو الآخرء أشكرك يأ 
الله لأنك جعلت مولدي في هذا البلد الرائع! 

قام الأخوان بحفريات صغيرة في منطقة الجيزة» وعثرا على بعض الأحجار 
وقطع قديمة من الفخار. بعد فترة صغيرة من وفاة والدهماء عثرا غلى رأس جيري 
لأحد الفراعنة بالقرب من قاعدة أبو الهول»ء ولم ينطق خليفة من هول الدهشة معتقدا 
أنه كان هناك شيء أثري لا يقدر بثمن في هذا المكان. ولكن بعد عدة سنوات اكتشف 
أن علي هو من وضع الرأس في هذا المكان حتى يكون اكتشافه بمثابة تلهية لخليفة 
عن موت والده. 

ذات مرة انطلقا جنوبا إلى سقارة ودهشور وأبو صيرء ثم إلى وسط القاهرة حيث 
كانا يدخلان إلى متحف الآثار مدعين أنهما ضمن الفرق الدراسية الزائرة للمتحف. 
وحتى هذه اللحظة لا يزال المتحف محفورا في ذهن خليفة منذ أن رآ ه في هذه 
الرحلات القفصيرة في طفولته. في إحدى هذه الرحلات القصيرة تعرفا على أستاذ 
أكاديمي يُسمى الحبيب» جذبته حماستهما فاصطحبهما في جولة لمشاهدة مجموعة 
الآثار الموجودة في المتحف» موضحا لهما بعض الأشياء الغامضةء ومشجعا إياهما 
على المضى قدما في ذلك. بعد سنوات عديدة؛ وعندما حصل خليفة على مكان له في 
الجامعة لدراسة التاريخ القديم» كان الأستاذ الحبيب هو المُدرس. 

نعم كان خليفة يحب التاريخ القديم الذي يكتنفه شيء من الغموض» شيء جذاب 
في شكل سلسلة من الذهب تمتد إلى فجر هذا الزمن الجميل. كان يعشق هدا التاريخ 
لداتهء» وتنوعد» وآئرائه للحاضصر. 

ا السيب الأساسي وراء حبه لهذا التاريخ القديم كان حب علي له»ء فقد كان 
عاملا مشتركا بينهماء وقلبا مشتركا استمدا منه القوة والحياة. مازال خليفة يشعر في 
بعص الأحيان بثلامس أيديهما على الرغم من مودت علي. علاوة على ذلكء كان هدا 
العالم القديم العشق الأول لخليفة لأنه تأكيد على حبه لأخيه الفقيد. 

كثيرا ما كان علي يسأل خليفة مختبرا إياه: من هم ملوك الأسرة الثامنة عشرة؟ 

كان خليفة يجيب بهدوء: أحمسء وأمنحتب الأول» وتحتمس الأولء» والثاني» 
وحتشبسوت» وتحتمس الثالث»ء وأمنحتب الثاني» وتحتمس الرابع؛» وأمنحتب الثالث» 
وأخناتون و... و... يا الله! دوما ما أنسى هذا الاسم! 

فيخبره علي 'سمنخ كارع'. 

77 


"اللعنةء أنا أعرف هذا الاسم» وأعرف أيضا توت عنخ آمون وحور محب". 

فيقول له عليء 'تعلم يا خليفة تعلم؛ وتقدم في السن". 

لقد كانت أياما رائعة. 

لقد استغرقه البحث بعض الوقت للعثور على منزل أبو ناير حيث كان مختفيا 
خلف مجموعة أخرى من المنازل في وسط الطريق أعلى إحدى التلالء وملاصقا 
لصف من بعض المحاجر التي كانت مدافن أثرية في الماضي» ولكنها أصبحت مليئة 
بالنفايات الآن. كانت هناك عنزة هزيلة مربوطة أمام المنزل تظهر أضلاعها من تحت 
الجلد وكأنها قضبان خشبية لآلة إكسيليفون. 

طرق على الباب» ففتحت له سيدة صغيرة عيناها خضراوان لامعتان لا يزيد 
عمرها عن الخامسة والعشرينء ولابد أنها كانت فائقة الجمال في الماضيى كغيرها 
من النساء الفلاحات. ولكن الإفراط في الإنجاب» وصعوبات الحياة اليومية جعلاها 
تبدو أكبر من عمرها الحقيقي» ولاحظ خليفة وجود علامات زرقاء على وجنتها 
اليسرى. 

استهل خليفة الحديث بقوله "آسف على الإزعاج". وأظهر لها شارته» وقال 
القفد كنت...' قم توقف باحثا عن الكلمات المناسبة على الرغم من قيامه بهذه 
الإجراءات مرات عديدة قبل ذلك ولكنه أبدا لم يعتد عليها. في هذه اللحظة تذكر 
كيف تلقت والدته خبر وفاة وآلده» وكيف أنها انهارت» وأخذت في جذب شعرها 
والنواح وكأنها طائر مذبوح..ولهذا كره خليفة أن يكون سببا في مثل هذا النوع من 
الألم. ظ 

فبادرته السيدة 'ماذا هناك؟ هل هو مخمور مرة أخرى؟' 

فقال خليفة "هل تأذنين لي بالدخول؟ 

فتراجعت إلى الداخل؛ وأفسحت له الطريقء» فدخل إلى الغرفة الرئيسية حيث 
كانت هناك فتاتان صغيرتان تلعبان داخلها. وكانت الغرفة عارية الأرضية» وكان الجو 
باردا ومظلما في الداخل» وكأنك في كهف. كانت الغرفة خالية من أي أثاث باستثناء 
أريكة ملاصقة لأحد الجدران وجهاز تلفاز على منضدة في جانب الغرفةء ولاحظ أن 
التلفاز جديد. 

قال خليفة "أخشى أن لدي أخبارا سيئة لك» إن زوجك قد...' 

فردت السيدة 'قبض عليه؟" 

فعض خليفة على شفتيه وقال "بل مات". 


78 


ظلت المرأة بلا حراك لدقيقة وهي محدقة بهء ثم ألقت بنفسها جالسة على 
الأريكة ويداها على وجهها. توقع خليفة أنها تبكي» فتقدم خطوة لمواساتها. وما إن 
اقترب منها حتى لاحظ أن هذه الأصوات الخافتة الخارجة من بين أصابعها ليست بكاء 
وإنما ضحك. 

نادت السيدة على ابنتبها فاطمة» وإيمان. وقالت لهما "لقد حدث شيء رائع . 


79 


11 
القاهرة 


بعد أن انتهت من الأمور المتعلقة بالسفارة» أرادت تارا التوجه إلى شقة والدها 
للنظر في حاجياته. 

كان والدها دوما يحتفظ بمتعلقات قليلة خلال الفترة التى يقضيها في سقارة» مثل 
بعسض اللنلاسن والمذكرات وكاميراء بينما كان يُبقي على معظم حاجياته في شقته 
بالقاهرة. 

فهناك كان يحتفظ بيومياته» وشرائحه» وملابسه» وبعض التحف المقلدة التي 
سمحت له السلطات المصرية بالإبقاء عليها. بالطبع كان يحتفظ بمجموعات الكتب 
الخاصة به والتي تصل إلى آلاف المجلدات؛ في حزم جلدية لكل كتاب على حدةء 
وهي محصلة حياته التي قضاها في تجميع هذه الكتب. كان والدها دوما ما يقول: مع 
الكتب يتحول الكوخ إلى قصرء وتعطيك قوة أكثر على تحمل كل شيء. 

عرض أوتيس أن يصطحبها معه في السيارة: ولكن الشقة كانت على بُعد عدة 
دقائق مشيا على الأقدام؛ فضلا عن أنها شعرت بالحاجة إلى الاختلاء بنفسها لبعض 
الوقت. ثم اتصل بعد ذلك للتأكد من أن البواب معه نسخة احتياطية من المفاتيح: 
ورسم لها خارطة للوصول إلى هناك واصطحبها إلى البوابات الأمامية. 

قال أوتيس "اتصلي بي عند وصولك إلى الفندق» وكما أخبرتك سابقا لا تتأخري 
بعد حلول الظلام» وخاصة بعد وقوع حادث الباخرة. 

ثم ابتسم» وعاد مرة أخرى إلى داخل السفارة. 

بعد الظهر كانت الشمس آخذة في المغيب وتعكس أشعتها على الرصيف غير 
المستوي. نظرت تارا حولها في الأماكن المخصصة للشرطة بجوار جدران السفارة: 

80 


وكان هناك شحاذ على جانب الطريق» ورجل أخر في الجهة المقابلة يسحب عربة 
عليها بطيخ» ثم نظرت إلى الخريطة مرة أخرىء واستكملت السير. 

أوضح أوئيس أن هذا الجزء من القاهرة يسمى جاردن سيتي» وسارت تارأ في 
طريقها وسط الأشجار الوارفة» وأدركت سر هذه التسمية. كان هذا الجزء عكس غيره 
من أجزاء العاصمة فهو أكثر هدوءا وسكونا. فهو منطقة باقية من الحقبة الاستعمارية: 
ويحتوي على فيلات قديمة تكسوها الأتربة والأشجار الكبيرة» وأشجار الورود متناثرة 
في كل مكان؛ الدفلي والياسمين والجكرندة الأرجوانية. ووسط ذلك كله كانت زقزقة 
الطيور تملا المكان مصحوبة برائحة البرتقال والخضرة. لم يكن هناك كثير من 
الأشخاص باستثناء سيدتين تدفعان عربتين لجمع القمامة ومعهما ملاحظ يرتدي ذيابا 
غريبة. أمام معظم هذه الفيلات» توجد سيارات ليموزين ورجال شرطة على الأبواب 
الأمامية. 

مشت تارا لما يقارب العشر دقائق قبل أن تصل إلى شارع أحمد باشا حيث يوجد 
المبنى الذي يضم شقة والدهاء كان المبنى قديماء وذا نوافذ كبيرة وشرفات مزينة 
بزخارف حديدية جميلة. ولابد أن لون هذا المبنى كان أصفر جميلاء ولكنه الآن 
رمادي بسبب التراب. 

صعدت تارا بضع درجات؛ ودفعت الباب» ودخلت إلى بهو بارد من الرخامء 
وفي أحد الجوانب كان هناك رجل عجوز يجلس خلف مكتبء وهو على ما يبدو بواب 
العقارء فاقتربت منه؛ ودخلت في محادثة متعثرة» اضطرت على أثرها إلى استخدام 
لغة الإشارة موضحة من هي وماذا تريد. فتمتم الرجل» ثم وقف» وأخرج بضعة 
مفاتيح من الجارورء ثم توجّه إلى المصعدء وفتح الباب» وأشار لها بالدخول. 

كانت الشقة في الطابق الثالث في نهاية ممر هادئ ومظلمء وقفت أمام الباب» 
بينما يعبث البواب بالمفاتيح الواحد تلو الآخر إلى أن وصل إلى المفتاح الصحيح بعد 
أن جرب ثلاثة مفاتيح. 

بعد ذلك: شكرته تاراء ولكنه ظل في مكانه بلا حراك. 

فكررت تارا الشكر له. 

لكنه لم يتحرك أيضا. ثم خيّم الصمت والخجل للحظة قبل أن تدرك تارا ما هو 
المطلوبء ففتحت محفظة أموالهاء وأعطته جنيهين. فنظر الرجل إلى المال» وأظهر 
امتعاضه»ء ثم سار في الممر تاركا المفاتيح في الباب» وانتظرت تارا حتى غادر 
الرجل؛ ثم فتحت الباب» ودخلت الشقةء وأغلقت الباب خلفها بعد أن أخذت المفاتيح. 


51 


ما إن دخلت الشقة حتى وجدت نفسها في ظلام؛ وشعرت بأن الأرضية مكسوة 
بالخشب» ورأت أن هناك خمس غرف مفتوحة: غرفة نوم» وحمام» ومطبخ» وغرفتان 
أخريان مملوعتان بالكتب. كانت كل النوافذ مغلقة وموصدة بإحكام مما جعلها تشعر بأن 
المكان عتيق ومهجور. للوهلة الأولى؛ شعرت وكأن هناك رائحة دخان سيجار فى المكانء 
ولكن كان من الصعب عليها التأكد من الرائحة» وخاصة أنها قد تلاشت بعد أن اعتادت 
تارا على جو المكان لدقيقتين فقط. فمن المحتمل أنها كانت رائحة طلاء أو شيء كهذا. 

توجهت تارا إلى الغرفة الرئيسيةء وأضاءت المكان لترى أوراقا وكتبا مبعثرة 
في كل مكان وكأنها أكوام من أوراق الأشجار. كانت الجدران مليئة بصور 
الاكتشافات والآثار. وفي الجانب البعيد من الغرفة كانت هناك خزانة مملو ءة ببقايا 
اكتشافات؛ وتماثيل مزخرفة» ولم تكن هناك أي نباتات. 

بدا المكان وكأنه محمية للأجيال التاليةء توضح كيف كان الناس يعيشون في 
أزمنة مختلفة. 

أخذت تارأ تتجول في الشقة» تبحث في الأشياء الموجودة» وتنظر في الجوارير 
حيث عثرت على يوميات والدها منذ بدابة عام 1960 عندما شرع في عملية 
الاستكشاف في السودانء وكانت كتاباته تتخللها بعض الرسومات بقلم الرصاص 
توضح الأشياء التي اكتشفها. في إحدى الغرف, اكتشفت تارا بعض الكتب التي ألفها- 
حيأة مدينة الموتى اكتشافات سقارة؛ 1985-1955» من سنفرو إلى شيبسكاف- مقالات 
عن الأسرة الرابعة» مقبرة منتونفرء الأسرة المالكة والاضطرابات في الفترة المتوسطة 
الأولى. كذلك عثرت على ألبوم للصور يوضح خندقا رمليا كبيرا يزداد عمقا مع 
توالي الصورء حتى ظهر في الصورة الأخيرة ما يبدو وكأنه جزء علوي لجدار 
حجري. بدا الأمر وكأن الشقة خالية من كل شىء باستتناء أعماله فقط فلا يوجد بها 
أي شيء يبعث على الحب أو الدفء أو الإحساس بالوقت الراهن. 

ما إن بدأت تشعر بالاكتئاب من هذا المكان» حتى ظهرت مفاجأتان. فبجوار 
سرير والدها الصلب وكأنه سرير في سجن»ء وجدت صورة لوالدها ووالدتها في يوم 
زواجهماء وكان والدها مبتسماء ويضع وردة بيضاء في عروة الحلة. 

وفي الخزانة التي يكسوها التراب في غرفة المعيشةء وجدت رسما لملاك وكأن 
طفلا صغيرا قد رسمهء وكانت أطراف جناحي الملاك ملونة باللون الفضي. في 
الحقيقة» كانت تارا هي من رسمت هذه الصورة وهي في الروضة. بالتأكيد احتفظ بها 
والدها طوال هذه المدة وعندما أىخ_جتها وجدت تعليقا على ظهرها: إهداء لوالدي. 

82 ظ 


ظلت تارا تنظر إلى الصورة لوهلة؛ ثم انهمرت دموعها فجأة» وجلست على 
كرسي قريب منهأ وجسدها يهتز. 

أخذت تقول "أنا آسفةء أنا آسفة يا والدي". 

بعد أن هدأت دموعها قليلاء قامت بوضع الصورة والرسم في حقيبة الظهر 
الخاصة بها. وأخذت كذلك صورة لوالدها وهو يقف إلى جوار تابوت حجري بصحبة 
عاملين مصريين (تذكرت تارا في هذه اللحظة ما أخبرها به والدها وهي طفلة من أن 
كلمة تابوت حجري باللغة الإنجليزية مشتقة في الأصل من اللغة اليونانية وتعني آكل 
لحوم البشرء وهي صورة لطالما أزعجتها وحرمتها من النوم في الليل). 

أخذت تارا تفكر: هل تأخذ بعض الكتب الخاصة بوالدها أم لا؟ وقاطعها جرس 
الهاتفء ووقفت للحظة تفكر هل تجيب على الهاتف أم لا؟ ثم أسرعت إلى غرفة 
المعيشة للرد على الهاتف الموجود على المكتب فوق كومة من المخطوطات. ما إن 
وصلت إلى الهاتف حتى ظهر صوت والدها عبر جهاز الرد الآلي؛ أهلاء هذا مايكل 
مولرايء لن أتواجد بالمنزل حتى الأسبوع الأول من ديسمبرء رجاء لا تترك رسالة؛ 
ويمكنك الاتصال بي عند عودتيء أو إذا كان الأمر متعلقا بالجامعة يرجي الاتصال 
بالرقم المباشر 7943967: شكرا لك» وإلى اللقاء. 

وقفت تارا للحظة وكأن روح والدها لا تزال تحلق في هذا المكان. وما إن أفاقت 
من شرود الذهنء حتى أطلق جهاز الرد الآلي صفارة» وبدأ في التسجيل. 

في البدايةء اعتقدت تارا أن المتحدث قد أغلق الهاتف» وذلك لأنه لم ينبس بكلمة. 
ولكن فجأة سمعت صوت أنفاسه» واكتشفت أن المتحدث لا يزال على الخط غير أنه لا 
ينبس بكلمة. هنا تقدمت للامام» وقررت رفع السماعة» ولكن سرعان ما تراجعت مرة 
أخرىء وكان المتحدث لا يزال على الخطء وشعرت بشكل فطري أن المتحدث رجل» 
ينتظر ويسمع ويتنفس وكأنه يعرف أنها في الشقة ويريدها أن تعرف أنه على علم 
بذلك. شعرت تارا وكأن الوقت لا يمضي. في هذه اللحظة» وضع المتحدث السماعة؛ 
وأغلق الخطء وأصدر جهاز الرد الآلي صوت العودة إلى النمط العادي مرة أخرى. 
وقفت تارا بلا حراك لوهلةء ثم شرعت في جمع أغراضهاء وخرجت من الشقةء 
وأغلقت الباب وراءها. ما إن خرجت حتى شعرت بالرعب من هذا المكان حيث الممر 
المظلم والمصعد المتهالك والصمت الرهيب» وتوجهت أسفل الممر محاولة الخروج 
من المبنى بسرعة؛ في منتصف الطريق لفت انتباهها وجود خنفساء على الأرضية 
الرخامية النظيفة» فأبطأت تاراء ونظرت إليهاء واتضح لها أنها ليست خنفساءء وإنما 

03 


هي بقايا رماد سيجار غليظ» وكأنه لوحة للعبة الدومينوء وهنا أخذت تارا تجري 
للخروج من المكان. 

عندما وصات إلى المصعد, لم يكن متاحاء وبدلا من انتظاره» استخدمت درجات 
السسلم» وكانت تقفز درجتين درجتين لا ترجو سوى الخروج من هذا المبنى واستنشاق 
الهواء العليل. وصلت تارا إلى الطابق الأرضيء واتجهت إلى البهوء ولكن كان هناك 
عائق في طريقهاء فصرخت وأخذت ترتعش» ولكنه لم يكن سوى البواب» فتأسفت له 
وقالت 'لقد أفزعتني". وأعطته المفاتيح» فأخذها وقال شيئا بصوت خافت. 'قالت تارا ماذا؟' 

فكرر الرجل ما قاله. 

فقالت "أنا لا أفهم ما تقول". وأخذ صوتها يرتفع» ومازالت رغبة الخروج من هذا 
المبنى مسيطرة عليها. 

فتحدث الرجل مرة أخرى» ووضع يده في جيبه. وهنا ارتعشت تارا معتقدة أنه 
سيخرج سلاحاء وعندما أخرج يده» ورفعها تجاه وجههاء تراجعت تارا للوراء 
وأزاحت يده في حركة دفاعية عن نفسها. لم يكن بيد الرجل شيء سوى ظرف» ظرف 


أبيض صغير . 
قال "بروفيسور مولراي". ورفع الظرف ليريها إياه» وقال 'فلتأتي معي بروفيسور 
مولر اي . 


ظلت تارا تنظر إليه قليلاء وهي تتنفس بصعوبةء تم ابتسمت» وقالت له "أشكرك'. 

استدار البواب» وعاد مرة أخرى إلى مكتبه» وتساءلت تارا هل ينبغي عليها 
إعطاؤه بعض المالء ولكنه لم يبد أي علامة توحي بأنه كان ينتظر ذلكء ولهذا 
أسرعت إلى الباب الأماميء واستدارت ناحية اليسار» وسارت قدما في الشارع 
مستمتعة بالفراغ المحيط بها ودفء الهواء العليل. أثناء سيرهاء مرت تارا بتلميذتين 
ترتديان قميصين بيضاوين وبصحبتهما رجل يرتدي زيا مميزا وعلى صدره ميدالية 
بها ألوان مختلفة» وعلى الجانب الآخر من الطريق كان هناك بستاني في زيه الواقيء 
يمسك بالخرطوم» ويروي به مجموعة من أشجار الورود المكسوة بالتراب. 

بعد عشرين متراء نظرت إلى الظرفء وعلى الفور تغير لون وجههاء وقالت 
'لاء لا يمكن". وكانت مندهشة من خط اليد الذي طالما اعتادت عليه؛ "لاء ليس بعد كل 
هذا الوقت» ليس الآن". 

ظل البستاني ينظر إليهاء ثم أدار وجهه إلى الناحية الأخرى؛ وأخذ يتمتم ببعض 
الكلمات. 


84 


12 


شمال السودان بالقرب من الحدود المصرية 


خرج الفتى فجأة من الخيمةء وأخذ يعدو والرمال تتطاير أسفل قدميه» وأمامه 
قطيع من الماعز. مر الفتى بجوار نيران مخيم خامدة» ومروحية مغطاة بشبكة» وأكوام 
من الأققفاصء قبل أن يصل أخيرا أمام خيمة أخرى بمعزل عن المخيم الأساسي؛ 
وأخرج ورقة من طيات ثيابه» وفتح الظطرف» ودخل الخيمة. 

داخل الخيمة» كان هناك رجل واقف. عيناه مغمضتان وشفتاه تتحركان» وكأنه 
يتلو شيئا بصوت خافتء كان وجهه رفيعاً وطويلا ذا أنف معقوف ولحيةء وبين عينيه 
ندبة رأسية عميقة وملساء لامعةء وكأن الجلد قد تم تلميعه بشدة. كان الرجل يبتسم 
ابتسامة بسيطة وكأنه في حالة ابتهاج. 

بعد ذلك» جثا الرجل على ركبتيه» ووضع أنفه وجبهته على السجادةء والفتى لا 
يزال واقفا يشاهده في دهشة. مرت دقيقة واثنتان وثلاث والرجل في صللته» يقومء 
ویرکع؛ ويسجدء ويتلو والابتسامة البسيطة لا تغادر وجهه. بدا الأمر وكأن الرجل لن 
بتوقف» وبدا الفتى وكأنه على وشك المغادرة. عندهاء أنهى الرجل صلاتهء واستدار 
نحو الفتى الذي تقدم نحوه وأعطاه الورقة. 

قال الفتى "هذه الورقة أرسلها الدكتور درافيتش". 

أخذ الرجل الورقة وقرأهاء وعيناه الخضراوان تلمعان في الجو شبه 
المظلم. 

كان هناك شيء يبعث على الريبة في هذا الرجل» وكانه يكظم غيظه؛ ولكن 
بغرابة شديدة» وضع يده المنبسطة على رأس الفتى برفق وكأنه يطمئنه. أخذ الفتى 
ينظر إلى قدميه في خوف ووقار في نفس الوقت. 

85 


بعد أن انتهى الرجل من قراءة الورقةء أعطاها للفتى مرة أخرىء وقال "لله ما 
أعطى ولله ما أخذ". ؤ 

ظل الفتى ينظر إلى الأرضء وقال "أنا لا أفهم يا سيدي". 

رد الرجل 'ليس المطلوب منك أن تفهم يا محمد". وهو يرفع رأس الفتىء وينظر 
في عينيه» وكان الفتى أيضا يحمل نفس الندبة وسط جبينه. 

استطرد الرجل قائلا 'ينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى له حكمة في كل 
شيء» ونحن لا نجادل في قدرته؛ وإنما ننفذ أوامره دون أسئلة أو تردد". 

همس الفتى باقتناع "أنت محق يا سيدي". 

'لقد وضعن الله فى اختبارء إذا نجحنا فيه ستكون الجائزة عظيمة»؛ أما إذا 

فرد الفتى وهو مرعوب 'ماذا سيحدث يا سيدي إن أخفقنا؟' 

فوضع الرجل يده على شعر الصبي ليطمئنهء وقال 'لن نخفق". وابتسم مضيفا 
'ربما تكون الطريق وعرة: ولكننا سنسير للنهاية. ألم أخبرك من قبل أننا قوم اختارنا 
الله عز وجل" 

ابتسم الفتى» ووضع دراعيه حول خصر الرجل محتضنا إياهء فدفعه الرجل وقال 
'لدينا عمل نؤديه. اتصل بالدكتور درافيتش» وأخبره أنه لا بد أن يعثر على القطعة 
المفقودة» هل تفهم؟ لا بد أن يعثر على القطعة المفقودة". 

فكرر الفتى "لابد أن يعثر على القطعة المفقودة". 

أضاف الرجل 'في الوقت الحالي» كل شيء يسير كما هو مخطط له؛ لم يتغير 
شيءء هل يمكنك تذكر ذلك؟" 

أجاب الفتى 'نعم يا سيدي". [ 

قال الرجل 'سنغادر المخيم في غضون ساعة:» اذهب". 

خرج الفتى مسرعا من الخيمةء وأخذ سيف الثأر ينظر إليه وهو يرحل. 

كانوا قد عثروا على هذا الفتى منذ أربع سنوات في القاهرة» فتى يتيم يجوب 
الشوارع بحثا عن الطعام كحيوان وسط القمامة. فتى جاهل ويتيم ومتبلد» قاموا 
بإطعامه وتنظيفه» وأصبح واحدا منهم» وحصل على علامة الإيمان على جبهتهء وتعهد 
بارتداء الثياب السوداء فقطء لأنها رمز القوة والإخلاص. 

لقد كان الفتى طييا وبريئا ومخلصاء وهناك المئات بل قل الآلاف مثله في 
الشوارع. فعندما يملا الأغنياء بطونهم» يتضور أطفال مثل محمد جوعا. فالعالم أصبح 

86 ) 


مكانا لا يطاقء ومليئا بالكفارء ولكنه كان يناضل لإصلاح الأمورء وإظهار كلمة 
الحق» ودحر المشركين حتى يعود الحكم ليد المؤمنين. 

الآن وفجأة ظهر الشيء الذي سيكمل به مهمته» ظهر فحسب دون أي إيضاحات 
فلله الأمر من قبل ومن بعدء وعلى الرغم من أن الأمر محبطء إلا أن لله حكمة في كل 
شيء»؛ ولكن ما الحكمة من ذلك؟ ليختبر عباده بالطبع ويقف على مدى ثباتهم. فالحياة 
السهلة لا تظهر مدى عمق الإيمان» وإنما كلما زادت المصاعب» أدرك الشخص مدى 
عمق إيمانه. فالله يختبر إخلاص العبدء وبمشيئة الله لن يخذله عبده» وسنعثر على هذا 
السشيء ولسو على رقابنا. فالعبد لن يخذل ربه»ء والله لن يتخلى عن عبده مادام على 
الدرب الصحيح» ولم يضعف. ظل سيف الثار يشاهد الولد لدقيقة أخرى قبل أن يرجع 
إلى الخيمة ثانية» ويركع» ويسجد مستكملا صلاته. 


57 


13 
القاهرة 


فتحت تارا الظرف فور عودتها إلى الفندق» على الرغم من إدراكها لمغبة ما قد 
تجده بداخله»ء وأن عليها تجاهله فحسبء ولكنها لم تتمالك نفسها وفتحته. حتى بعد 
مضي ست سنوات كان جزء بداخلها لا يزال يشتاق إليه. 

قالت تارا وهي تفتح الظرف "عليك اللعنة» لماذا عدت مرة أخرى". 

كانت الرسالة على النحو التالي: 

"أهلا مايكل . 

أنا في المدينة هنا لبضعة أسابيع» هل عدت من سقارة؟ اذا كنت قد عدت فدعنا 
نتقابل» وعلى أي حال أنا مقيم في فندق صلاح الدين (7533127)» ولكنك ستجدني في 
معظم الليالي جالسا في غرفة تناول الشاي في ركن أحمد ماهر وبورسعيد. وأعتقد أن 
اسم المكان هو قهوة ودول. 

آمل أن تكون بصحة جيدة» وأن أراك قربيا. 

دانيل إكاج 

ملاحظة. هل سمعت عن سكينكر؟ انه بعنقد أنه عثر على مقبرة امحتب! ياله 
من أخرق! 

وعلى مضض منهاء ابتسمت تارا قائلة» هده هي عادة دانيل دوما ما يستخدم 
كثيرا من الحشو في كلامه مما يؤثر في جدية ما يقوله. ولأول مرة منذ فترة طويلة 
شعرت تارا بالاختناق والاضطراب في معدتها. فلقد جرحها هذا الرجل في الماضي. 

قرأت تارا الملاحظة مرة أخرى؛ ثم قبضت على الورقة بعنف حتى جعلتها أشبه 
بالكرةء وألقت بها في الغرفة. بعد ذلك توجهت إلى الثلاجة الصغيرة» وأخرجت منها 

88 


مشروبها المفضلء ثم ذهبت إلى الشرفة» لكن سرعان ما عادت على الفورء وألقت 
بنفسها على السرير محدقة بالسقف لخمس دقائق»ء عشر دقائق بل عشرين دقيقة» ثم 
نهضتء وأخذت حقيبة الظهر الخاصة بهاء وغادرت الغرفة. 

استوقفت أول سائق صادفهاء وقالت له 'قهوة ودود- ركن أحمد ماهر و...! 

فقاطعها السائق "بورسعيد" واستدارء وفتح باب السيارة لهاء فركبت تاراء وانطلق 
الرجل بالسيارة. 

أخذت الأفكار تتوالى على رأسها يالك من حمقاء يا تارا وهي تنظر من نافذة 
لسيارة إلى واجهات المحلات المضيئةء يالك من ضعيفة وحزينة وحمقاء! 

أثناء سير السيارة في: الشارع؛ خرجت سيارة مرسيدس يكسوها التراب» وتبعت 
السيارة التى تركبها تاراء كما يتتبع القناص فريسته. 

في هذا الوقت تذكرت تارا المرة الأولى التي لتقيا فيها والتى مر عليها زمن 
طويلء يا الله! إنها قرابة الثماني سنوات. 

لقبد كانت في السنة الثانية من الجامعة في لندن» تقرأ في علم الحيوان» وكانت 
تعيش في شقة مستأجرة مع أصدقائها. كان والداها يعيشان في إكسفوردء وكان 
زواجهما على وشك الانهيارء ولذلك ذهبت تارا لتناول العشاء معهما. 

كان من المفترض أن تلك المشكلة كانت عائلية» وتقتصر عليها وعلى والديها 
فقطء ويكفي سوءا أن والديها كانا يتحدثان بالكاد خلال الأيام القليلة الماضية. ولكن 
ما إن وصلت تارا إلى المنزلء حتى أخبرها والدها أن صديقا له سيأتي» "وهو 
شاب رائع من أصول إنجليزية وفرنسية يريد الحصول على درجة الدكتوراه في 
علم الدفن في الحقبة الأخيرة من حكم طيبة» وقد عاد لتوه من رحلة استكشافية 
استمرت ثلاثة أشهر في وادي الملوك؛ وهو عبقري لا مثيل له» يعرف عن 
أيقونات المقابر وكتب الحياة الأخرى أكثر من أي شخص آخر عرفته طوال 
حياتي". 

قالت تارا 'ياله من شخص رائع . 

رد والدها مبتسما 'نعم. أعتقد أنك ستعجبين به» فهو شخص غريب ومتهور؛ 
بالطبع كلنا متهورون إلى حدّ ماء ولكنه يفوقنا في هذا. فالانطباع الأول الذي ستأخذينه 
عنه هو أنه قد يقطع يده أو يد شخص آخر إذا اعتقد أنها ستزيد من معرفته بموضوع 
ماء ياله من شخص مجنون ٠.‏ 

فأجابت تارا 'ليس حالك بأفضل من حاله". 


09 


'أصحيح: ولكن على الأقل أنا أعيش معك أنت ووالدتك» أما دائيل فليس لديه 
أحدء ولهذا تسيطر عليه الهواجسء وإذا لم يتوخ الحذرء فسيلقى حتفه سريعا . 

تناولت تارا شرابها المفضل قبل العشاءء والضيف لم يأت بعدء وكان قد تأخر 
ساعة بالفعل» وبدؤوا يتجادلون هل يبدؤون بدونه أم پارو في هذه اللحظة دق 
جرس الباب» فذهبت تارا لتفتح» وهي مجهدة» وتحاول أن تبدو طبيعية. 

اعتقدت تارا أن الظروف ستكون في صالحهاء وسيغادر بعد تناول العشاء 
مباشرة» وتمنت حدوث ذلك. 

توقفت للحظة لتصلح هندامهاء ثم ذهبت» وفتحتث الباب الأمامي. 

ما إن فتحت الباب ورأته حتى أسرّت في نفسها: يا لشدة وسامتك! 

لحسن الحظ كتمت تارا الكلمات؛ ولكن لا شك أن وجهها فضحهاء لأن دانيل كان 
على عكس ما توقعته تماماء فهو طويل ذو بشرة داكنة وعظمتا وجنتيه بارزتان وعيناه 
بتيتا اللون لدرجة السوادء وكأنهما مستنقع مياه سوداء. لم تتمالك تارا نفسهاء وظلت 
تحدق بالرجل. 

قال الرجل "آسف على التأخير". وكانت لكنته الإنجليزية تميل إلى الفرنسية عند 
نطق الحروف المتحركة» واستأنف قائلا 'لقد تعيّن علي الانتهاء من بعض الأعمال". 

ردت تارا وهي تتورد خجلاء "هل هذه الأعمال متعلقة بعلم الدفن في الحقبة 
الأخيرة من حكم طيبة؟" 

فرد الرجل مبتسما "في الحقيقةء كنت أملأ طلب منحةء وهو شيء أكثر متعة من 
علم الدفن» ومد يده قائلا دانيل لاكاج". 

صافحته تاراء وقالت "تارا مولراي". 

ووقفا معا في هذا الوضع لمدة تزيد عن الوقت الطبيعيء ثم توجها إلى داخل 
لمل 

كان العشاء لذيذاء وظل الرجلان يتجادلان طوال الوقت على نقطة متعلقة بتاريخ 
المملكة الجديدة: ألا وهي هل كان هناك حكم مشترك بين أمنحتب الثالث وولده 
أخناتون؟ وكانت تارا قد سمعت مثل هذه الحوارات مئات المرات من قبل حتى أصابها 
المثل. لكن في وجود دانيل كان الأمر جذابا ومثيرا للفضول» ولم يبذ الأمر وكأنه 
مناقشة أكاديمية جوفاء عن فترة قديمة سقطت من التاريخ. 

نظر دانيل إلى تارا وأمها تقدم له حلوى البودينج» وقال لها "لابد أن هذا الحوار 
كان مملا للغاية بالنسبة لك . 

900 


ردت تاراء "لا على الإطلاق» فهذه هي المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها 
أن مصر مشوقة إلى هذا الحد". 

رد والدها بشغف "أشكرك كثيرا يا تارا على هذا التعليق". 

بعد العشاءء توجهت تارا ودانيل إلى الحديقة الخلفية للمنزل لتدخين سيجارتين» 
وكانت الليلة دافئة والنجوم متناثرة في السماءء وأخذا يتجولان» ثم جلسا على كرسي 
هزاز. 

بادرها دانيل بالحديثء "أعتقد أنك كنت تجاملينني في ما قلته". وقام بوضع 
سيجارتين في فمه. وأشعلهما معاء ثم أعطاها واحدة وقال "لم تكن هناك حاجة إلى هذه 
المجاملة". 

ردت تارا "أنا لا أجامل أحدا على الإطلاق". وأخذت السيجارة منه وقالت "على 
الأقل لم أجامل أحدا الليلة". 

خیم الصمت لوهلة وهما يتأرجحان جيئة وذهاباء وجسداهما قريبان من بعضهما 
دون التبصاق» وكان تفوح منه رائحة مميزةء ليست عطر ما بعد الحلاقةء وإنما شيء 
أغلى قيمة وأقل تصنعا. 

قالت تارا "قال لي أبي إنك قمت ببعض الحفريات في وادي الملوك! 

رد دانيل "في منطقة أعلى من وادي الملوك بقليل؛ في منطقة التلال'. 

تساءلت تارا "هل كنت تبحث عن شيء معين". 

انعم» بعض المقابر التى تعود إلى عصر متأخر في الأسرة السادسة والعشرين» 
وأعتقد أن هذا الأمر ليس مشوقا بالنسبة لك". 

'بالنسبة لي أرى أنك مولع بهذا الموضوع'. 

'نعم أنا كذلك؛: ولكن اهتمامي الليلة لا ينصب عليه". 

ابتسماء وتلاقت أعينهما لوهلة قبل أن تنصرف مرة أخرى للنظر إلى السماء 
وفوقهما أغصان شجرة صنوبر عتيقة متشابكة كأنها أذرع متعانقة» وخيّم الصمت 
لفترة أخرى. 

أخيراء نطق دانيل» وقال 'يا له من مكان جميل". وتحدث بصوت منخفض "هل 
تعرفين وادي الملوك؟"' وهمس وكأنه يحدث نفسه "إنه يجعل القشعريرة تسري في بدنك 
وأنت تفكرين في الكنوز المدفونة فيه. انظري إلى ما عثروا عليه في مقبرة توت عنخ 


عليه في مقبرة أحد الملوك العظماء مثل أمنحتب الثالث أو حور محب أو سيتي الأول؟ 


91 


أرجع دانيل رأسه للخلف» وابتسم» وغاص في أ ره. 

تمتم دانيل "دوما ما أتساءل؛ ما هو الشعور الذي قد ينتاب الشخص إن عثر على 
شيء كهذا. بالتأكيد لن يتكرر هذا الأمرء فقد كانت مقبرة توت عنخ أمون فريدة من 
نوعهاء ففرصة بقائها كانت مليارا إلى واحد. لا أتخيل كيف حدث هذا الأمرء كل هذه 
الإثارة والدهشة» بالتأكيد لا يعادلها شيء على وجه الأرض...". 

تنهد دانيل! 

سألته تارا "ماذا؟" 

'حسناء أقصد أن هذه الإثارة من المحتمل ألا تدوم» وهذا هو الحال في علم 
الآثارء أي أن اكتشافا واحدا لا يكفي» وإنما يتعين دوما أن يحُسن المرء من نفسه. 
فبعد أن انتهى كارئر من تنظيف مقبرة توت عنخ آمون» ظل طيلة عشرة أعوام يخبر 
الجميع أنه يعرف أين ذفن الإسكندر الأكبر. فالمرء يعتقد أنه وقع على أكبر اكتشاف 
في التاريخ» وأنه قد بلغ أقصى أمانيهء ولكن الأمر ليس كذلك» فهو كالحلقة المفرغة 
تقضين حياتك كلها تنقبين في خبايا الماضيء وفي نفس الوقت قلقة من عدم وجود أي 
أسرار لتكشفي عنها". 

صمت دانيل لوهلة مقطبا حاجبيه؛ ثم أطفأ سيجارته على ذراع الكرسيء وأخذ 
في الضحك» وقال لها 'يمكنني الجزم أنك كنت تفضلين المكوث بالداخل والمساعدة في 
غسل الأطباق". 0 

التقت أعينهما مرة أخرىء وكأنهما لا سبيل لهما للسيطرة عليهاء ثم زحفت 
أصابعهما تجاه بعضها البعض وتلامست. لقد كانت حركة بريئة وغير ملحوظة:؛ ولكن 
في نفس الوقت تحدوهما رغبة لا مناص منها. صرف دانيل وتارا نظرهما عن 
بعضهماء ولكن أصابعهما كانت لا تزال متعانقة» وكأن بينهما شيئا يحول دون 
فراقهما. 

بعد ثلاثة أيام تقابلا في لندن وفي خلال هذا الأسبوع صارا حبيبين. 

لقد كان وقتا ساحراء أسعد أيام حياتها على الإطلاق» حيث زارا معا العديد من 
الأماكن الأثرية ومتحف جون سواني وحديقة لندن. 

بحلول هذ الوقت كان والداها قد انفصلا بالفعل» ولكنها كانت منشغلة عنهما 
بحياتها مع دانيل» وبالكاد أثر انفصالهما على حياتها. تخرجت تارا من جامعتهاء 
وسجلت لتحضير رسالة الدكتوراه» غير مدركة لما يحدث وكأنها تعيش في كوكب 
آخر تحلق بخيالها في حبها لدانيل؛ فقد كانت سعيدة للغاية وتشعر أنه لا ينقصها شيء. 


92 


ذات مرة وهى بصحبة دانيل سألته ما الذي يرجوه المرء من دنياه بعد ذلك؟ 

فسألها دانيل "ماذا تريدين أنت؟" 

"لا شيء» لا شيء سواك". 

عندما ذهبت تارا إلى والدهاء وأخبرته بحبها لدانيل قال لها "إنه شاب رائع 
وموهوب» وهو أحد أفضل علماء الآثار الذين سعدت بالتدريس لهم» وأنتما معا تمثلان 
زوجين رائعين". 

توقف والدها لفترة» ثم قال "عليك الحذر يا تاراء فدانيل مثله مثل كل الموهوبين. 
به جانب مظلم» احذري أن يؤذيك. 

ردت تارا "لن يؤذيني يا أبي» أعرف أنه لن يفعل". 

مما يثير الدهشة أنها ظلت دوما تلقي باللوم على والدها منذ أن حذرها من دانيل 
وكأن هذا التحذير هو الأمر الذي أدى إلى انهيار هذه العلاقة» وذلك بدلا من إلقاء 
اللوم على دانيل. 

وصتلت تارا إلى قهوة ودود حيث وجدتها مكانا متواضعا ونشارة الخشب تملا 

الأرضية» والمناضد مليئة بكبار السن الذين يحتسون الشاي ويلعبون طاولة الزهر. 
بمجرد دخولها القهوة» وقعت عيناها على دانيل مباشرة؛ حيث كان يجلس في الركن 
البعيد محدقا بطاولة الزهر أمامه؛ وينفث دخان الشيشة. لم يتغير شكل دانيل كثيرا عما 
كان عليه منذ ستة أعوام» غير أن شعره صار أطول ولونه أكثر سمرة بسبب أشعة 
الشمس. ظلت تارا تحدق به لوهلة» وترغم نفسها على المضي للأمام» حيث وقفت 
أمامه قبل أن بلحظ وجودها. 

ما إن رآها حتی قال 'تارا!' 

اتسعت عيناه ذات اللون البني الداكن» وظلا ينظران إلى بعضهما لفترة دون 
كلمة واحدة» وفجأة انحنت تارا تجاه المنضدة» وصفعته على وجهه. 

وهمست» أيها اللعين. 


الأقصرء تلال طيبة 
جلس الرجل المجنون بجوار النارء يعبث في جمرها بعصا طويلة» وتحيط به 
مناطق شاهقة الارتفاع وكبيرة وساكنةء ولم تكن هناك أي علامة أخرى على وجود 
حيأة في هد أ المكان غير هذا الرجل المجنون وكلب ضال ينبح ويجول هنا وهناك. 
فوق كتف الرجل يظهر منحنى من ضوء القمر الأبيض ينير هذه الليلة الظلماء. 
93 


أخذ الرجل المجنون يحدق بألسنة اللهب المتصاعدة بوجهه الأجوف المتسخ 
ورضفائر شعره الأشعث متدلية على كتفيه فوق جلبابه الممزق. كان يتخيل وهو ينظر 
إلى النار وجود آلهةء وأشكالا غريبة بأجساد بشرء ورؤوس وحوشء فأحدها يبدو 
كحيوان وآخر يبدو كطائر وثالث يرتدي غطاء طويلا للرأس ووجهه كوجه تمساح 
طويل» كل هذه الأشياء تثير الخوف والبهجة لديه في نفس الوقت. أخذ الرجل يضرب 
فخذيه» وشفتاه ترتعشان وكأنه مسحور بهذه الأشكال التي يراها في النار. 

الآن» بدأت النار تظهر له أسرارا أخرى. غرفة مظلمة» وكفن» ومجوهرات. 
وأشياء معلقة في الحائطء وسيوف» ودروع» وسكاكين؛ مما جعله يحدق بها في هول. 

فجأة انطفأت النيران للحظة وعند عودتها مرة أخرى كانت الغرفة قد اختفت. 
وحل محلها شيء آخر. ظهرت مكانها صحراء برمال مشتعلة وفي وسطها جيش 
يسيرء. وكان الرجل المجنون يسمع صوت وقع حوافر الخيل» وقعقعة الدروع. 
وموسيقى إحدى الأغنيات. 

من بعيد يأتي صوت آخرء وكأنه زئير أسدء يأتي من أسفل الرمال» ويزداد علوا 
حتى يطغى على كل الأصوات الأخرى. في هذه اللحظة حدق الرجلء وزادت أنفاسهء 
ورفع يديه النحيفتين» ووضعهما على أذنيه لأن صوت الزئير بدأ يؤذيه. تصاعدت 
ألسنة اللهبء وهبت الرياح» وأخذت رمال الصحراء تتدفق» وتحدث رغوة وكأنها 
مياه» ثم تمايلت» وتدفقت» وارتفعت موجة كموجة مد وجزر ترتفع وترتفع وترتفع 
حتى غمرت الجيش بأكمله. صرخ الرجل؛ وتراجع للخلف خوفا من أن يغرق تحت 
الرمال إن لم يسرع بالهرب» ومن ثم هرول الرجل وأخذ يعدو بجنون في التلال وهو 
يصرخ. 

كلا" كان صدى هذه الكلا يدوي في الليل» وأخذ يقول "اللهم احفظنيء اللهم 


NF‏ ج 


أرحمني و الطف بي دم يردد مره أخرى گلا کلا!. 


94 


14 
القاهرة 


وصفته جيني بأنه الأسبوع الأسود لتاراء حيث تعرضت فيه لضربتين 
قاسيتين» أو لاهما انفصالها عن دانيل» وثانيهما اكتشافها أن أمها تعاني من سرطان 

بالفعل كانت جيني محقةء حيث كان ذلك الأسبوع عصيبا بالنسبة لتارا. 

على مدار ست سنوات لم تفعل تارا شيئا سوى التفكير في الماضي برمته» وكأنه 
شريط فيديو يدور مرة بعد الأخرى» وكانت تارا تلاحظ أن علامات هذا الوضع كانت 
واضحة منذ البداية. ۰ 

على الرغم من التصاقهما ببعضهماء إلا أن جزءا من دانيل كان دوما بعيدا 
عنهاء فدوما كان يستغرق في قراءته فور انتهاء لحظات الحب بينهماء وكأنه مستاء 
من هذه المشاعر العميقة التي أظهرها لها. وكثيرا ما كانا يتحدثان مرارا وتكرارا دون 
أن يكشف شيئا عن نفسه. على مدار عام كامل مع بعضهماء لم تكتشف تارا شيئا عن 
خلفيته وكأنها عامل حفر يظل يحفر حتى يصطدم بصخرة صلبة تحت سطح الأرض 
مباشرة. ولد دانيل في باريس وفقد والديه في حادتث سيارة في سن العاشرة» وبعدها 
ذهب للإقامة مع عمة له في إنجلترا في مديئة إكسفورد. وبدا أن استغراقه في تاريخ 
مصر بمثابة تعويض عما افتقده من تاريخه في صغره. 

نعم» كانت العلامات على انهيار هذه العلاقة واضحةء ولكن تارا غالباً ما كانت 
تكذب هذه العلامات لأنها تحبه حبا جما. 

حدث الانهيار بلا سابق إنذارء فبعد شهور من علاقتهما معاء بدأ دانيل ينسحب 


95 


جاءها ذات يوم» ونظر إليها دون أن تلتقي أعينهماء وقال 'لقد سمعت اليوم أن 
المجلس الأعلى للآثار قد منحني حق التنقيب عن الآثار في وادي الملوك» وسأقود 
حملة التنقيب الخاصة بي هناك". 

ردت تارا "هذا رائع يا دانيل» أنا فخورة بك". 

ولكن بدا وكأن لديه المزيد من الأخبار. 

'ماذا هناك؟" 

ازدادت عيناه سوادا عما كانتا عليه من قبل» وقال 'هذا يعني أنني سأتوجه إلى 
مصر لبعض الوقت". . ؤ ظ 

ضحكت تارا وقالت "إنه أمر بديهي يا دانيل بالتأكيد سيتعين عليك الإقامة في 
مصر لبعض الوقت. هل كنت تتوقع أن تسافر جيئة وذهابا؟' 

ابتسم دانيلء ولكن أيضا كان هناك شعور غريب يسيطر عليه. أضاف "إنها 
مسؤولية كبيرة أن يسمحوا لي بالتنقيب في أحد أعظم الأماكن الأثرية قاطبة» إنها 
مسؤولية جسيمة» وسأحتاج إلى تركيز انتباهي بالكامل على هذا الأمر. كل اهتمامي". 

وما إن سمعت تارا كلمة كل حتى أصابتها رعشة بسيطة» وكأنها تمهيد لخبر 
سيهز كيانهاء وتراجعت إلى الوراء قليلا محاولة النظر في عينيه مباشرة» غير أنه 

'ما الذي تريد إخباري به يا دانيل؟” 

خَيّم الصمت عليهماء فتقدمت للأمام» وأمسكت بيديه» وقالت "أستطيع العيش 
بدونك لبضعة شهورء سأكون بخير". ظ 

سحب دانيل يديه من يدي تاراء وقام بسكب كوب من شرابه المفضلء؛ وقال 
'الأمر أكثر من ذلك يا تارا". 

أصابتها رعشة أخرىء ولكنها أقوى هذه المرة وقالت "لا أفهم ما تقوله"' 

شرب دانيل شرابه المفضلء دفعة واحدة؛ وقال 'لقد انتهى الأمر يا تارا!" 

ردت تارا "انت ؟" 

"سف على فظاظتي في قول ذلك بهذا الوضوح» ولكن هذه هي الطريقة 
الوحيدة. لقد أمضيت حياتي لنيل فرصة كهذهء ولن أسمح لشيء بالحيلولة بيني وبينهاء 
حتى وإن كنت أنت يا تارا". 

ظلت تارا تنظر إليه لدقيقة» ثم تراجعت للوراء ممسكة بحافة الباب حتى لا 
تسقطء وشعرت وكأن الغرفة تدور من حولها. 


96 


'كيف سأقف في طريقك يا دانيل؟" 

"لا يمكنني توضيح الأمر يا تاراء كل ما أعرفه أن علي التركيز في عمليء و 
يمكن أن أسمح لأي عوائق بالحيلولة بيني وبين عملي". 

'عوائق» هل هذا ما أعنيه لك يا دانيل؟ قالتها تارا وهي تناضل للعثور على 
الكلمات المناسبة؛ "هل أنا عائق بالنسبة للك؟” 

اليس هذا ما قصدته؛ كل ما أريده أن أكون متفرغا لعمليء لا يمكنني الارتباط 
بشيء.ء أنا آسف, آسف للغاية. لقد كان العام الأخير أفضل أيام حياتي على الإطلاق› 
ولكن 5 أنني... 

ت شبئا أفضل با دانيل” . 

خيم الصمت لوهلة. 

أخيرا رد دانيل قائلا 'نعم". 

جثت تارا على ركبتيهاء خجولة من دموعها التي لا تتوقف 

'يا اله! لاا يا دانيل لا تفعل هذا بي". 

بعد مغادرتها بعشرين دقيقة» شعرت تارا وكأنها خاوية من الداخل. وبعد مرور 
يومين لم تسمع فيهما شيئا من دانيلء لم تتمالك نفسهاء وذهبت إليه في مسكنهء ولكن 
أحدا لم يرد عليها. 

أخبرها أحد الطلبة القاطنين في الطابق السفلي أنه غادرء ذهب إلى مصر أو ما 
شابه ذلك» وهناك مستأجر جديد سيأتي في الأسبوع المقبل. 

لم يترك لها أي ملاحظة. 

تمنت تارا أن تموت» حتى أنها اشترت خمس عبوات أسبرين وزجاجة من 
شرابها المفضل. 

في نفس الأسبوع علمت تارا بخبر إصابة والدتها بسرطان خبيث» وقد قلل ذلك 
من حدة الألم الذي تشعر به جراء فراق دانيل» فمصيبة والدتها طغت على آلام فراق 
الحبيب. 

قامت تارا بتمريض والدتها على مدار الأربعة أشهر التاليةء واعتادت على أن 
تعيش حياتها. ووسط هذه المحنة التي تمر بهاء نجحت في التأقلم مع هذا الوضع 
الجديد ونهاية هذه العلاقة إلى حد ما. بعد موت والدتهاء نظمت تارا جنازتهاء ثم سافرت 
للخارج لمدة عام» حيث ذهبت إلى أستراليا ثم إلى أمريكا الجنوبية. وبعد عودتها اشتر 
شقة» وحصلت على وظيفة في حديقة الحيوانات» وأحدثت شيئا من التوازن في حياتها. 


97 


في ظل كل ما تقدم لم تتخلص من آلامها بالكامل» وعلى الرغم من تعرفها إلى 
أشخاص آخرين إلا أنها كانت تحجم عن الدخول في علاقة حب حتى لا تتعرض ثانية 
للآلام التي تعرضت لها بعد انهيار علاقتها مع دانيل. 

قبل هذه الليلة» لم تر أو تسمع شيئا من دانيل. 

بعد أن صفعته على وجههء كان رد فعل دانيل أن قال "أعتقد أنني أستحق ذلك". 

بعد برهة» غادرا المقهى معا وهما يحدقان ببعضهما. ويتهامسان في طريقهما 
بشارع أحمد ماهر متوجهين إلى الحي الإسلامي بقلب المدينة حيث توجد محلات 
صغيرة تبيع المصابيح وأنابيب (نباريج) الشيشة والملابس والخضار. كان الهواء 
مفعما برائحة التوابل والسماد والقمامة» فضلا عن مئات الأصوات المحيطة بهماء 
صوت طرق وموسيقى وآلات تنبيه وصوت طحن بطيء من أحد المحلات التي توجد 
بها ألة صنع الشعيرية. 

في طريقهما سارا بمفترق طرقء ثم دخلا عبر بوابة حجرية مزخرفة وسط 
منارتين مرتفعتين؛ ثم دخلا في شارع ضيقء ولكنه أكثر ازدحاما من الذي غادراه 
للتو. وبعد خمسين متراء دخلا إلى حارة ضيقة» وتوقفا أمام باب خشبي ثقيل» وهناك 
علامة على الباب تشير إلى اسم الفندق: فندق صلاح الدين. دفع دانيل الباب» وتوجها 
إلى بهو صغير يكسوه التراب به نافورة خاوية من المياه» وفوق رأسيهما شرفة 


يي 


قال دائيل "ما أحلى الرجوع إلى المنزل". 

كانت غرفته في الطابق العلوي» وتطل مباشرة على الشرفة الخشبية» غرفة 
صغيرة» ولكنها نظيفة. أضاء دانيل الأنوارء وفتح النافذة» وسكب كوبين من شرابهما 
المفضل. سمعا صوت عربة صغيرة بعجلات في الأسفل وأصواتا بشرية» ثم خيم 
الصمت لفترة طويلة. 

أخبرا نطق دانيل "لا أعرف ماذا أقول. ربما يتعين علي التأسف. هل سيحسن 
ذلك من الموقف؟' ۰ 

أربما يكون بداية طيبة". 

'حسنا أنا آسف يا تاراء أعتذر من أعماق قلبي". 

بجوار المنضدة كان هناك صندوق من السيجارء أخذ واحدء وأشعله» وأخذ نفسا 
عميقاء ثم نفث دخانا كثيفا. بدا دائيل غير مستقر وعصبيّاء ينظر إليها تارة ثم يحول 

98 


نظره تارة أخرى. في ضوء الغرفة الساطعء لاحظت تارا أنه صار أكبر مما بدا عليه 
عندما رأته فى المقهى» حيث ظهرت بعض الشعيرات الرمادية وسط شعره الأسودء 
وبعض التجاعيد في جبهته»ء ولكنه لا يزال فاتناء يا الله بالفعل لا يزال كدلك! 

سألت تارا "متى بدأت تدخن السيجار؟' 

هز كتفه» وقال 'منذ سنوات قليلة» لقد كان كارتر معتادا على تدخين هدا النوعء 
وقد اعتقدت أن جزءا من الحظ الذي صادفه سيصادفني أنا الآخر". 

اوهل حدث ذلك؟" 

سكب دانيل كأسين آخرين من شرابهما المفضل» وكان هناك صوت آلة تنبيه 
مرتفع يتصاعد من الأسفل» حيث كانت إحدى السيارات تحاول المرور وسط هذا 
الإزدحام الكنيف. 

'كيف عثرت علي؟ فبالتأكيد لم تمري بالمقهى بمحض المصادفة". 

ردت تارا 'لقد رأيت الورقة التي تركتها لوالدي". 

'نعمء بالتأكيدء كيف حاله؟' 

أخبر ته تارا بما حدث لوالدها. 

قال دانيل 'يا الله! أنا آسف لذلك» لم تكن لدي أدنى فكرة عما حل به". 

حاول دانيل مواساتهاء ولكنها رفضت. 

'أنا آأسف يا تاراء هل يمكنني تقديم أي مساعدة؟" 

"لاء لقد سار كل شيء على ما يرام". 

'حسناء إذا كنت محتاجة إلى..." 

"أشكركء لقد سار كل شيء على ما يرام". 

خيّم الصمت لفترة أخرىء» وعندها تساءلت تارا في نفسها عما تفعله في غرفة 
دائيل» ما الذي تحاول إثباته لنفسها. 

سألته تارا "ماذا كنت تفعل على مدار السنوات الست الماضية؟" وكانت تعلم مدى 
سطخية السؤال. 

أجاب دانيل 'كالعادة» بعض أعمال التنقيب عن الآثارء وإلقاء بضع محاضرات 
بالإضافة إلى تاليف كتابين . 

"هل تعيش هنا الاآن؟" 

"لاء أنا أعيش فى الأقصرء ولكنني في القاهرة لعدة أيام لإنجاز بعض الأعمال". 

99 


"لم أكن أعلم أنك ما زلت على اتصال بوالدي!" 

'أنا لست على اتصال بهء فلم نتحدث منذ...". تراجع دانيل فجأة عما كان سيقوله 
ثم احتسى مشروبه المفضلء وقال "اعتقدت أنه من اللطيف أن ألتقيه» لست أدري 
لماذاء ولكن ربما لأجل الأيام الخوالي. لقد كنت متشككا فيما إذا كان سيرد علي أم لاء 
. فأنا أعرف أنه يكرهني لما فعلته". 

ردت تارا "هذا أمر مشترك بيني وبين والدي". 

ظل الاثنان يحتسيان شرابهما المفضلء ويتطرقان إلى أخبار بعضهما دون 
خوض في التفاصيل» وبدأت أصوات الضوضاء في الشارع تتصاعدء ثم أخذت في 
الاختفاء بعد أن شرعت المحلات في الإغلاق» وأخذت الحشود تغادر المكان. 

قالت تارا 'لم تفكر في مراسلتي طوال الفترة الماضية". لقد تأخر الوقت وبدأت 
تارا تبوح بما يدور في عقلهاء وكان الصوت في الخارج خافتا باستثناء أصوات 
الورقات المتطايرة في الشارع وكأن المدينة نامت عن بكرة أبيها. 

أجابها دانيل "هل كنت ترغبين بأن أراسلك؟" 

قالت تارا 'لا”. وهي جالسة على حافة السريرء بينما يجلس دانيل على أريكة 
متسخة في الجانب البعيد من الغرفة. 

استطردت تارا 'لقد دمرت حياتي يا دانيل". 

نظرا إلى بعضهماء والتقت أعينهما لوهلة قبل أن ترفع تارا رأسها لتحتسي 
شرابهاء 'ولكن على أي حال لقد أصبح هذا الارن ااي 

قالت تارا ذلك وهى تعلم تمام العلم أن هذا غير صحيح» وأن ثمة شيئا آخرء 
هناك شيء أكثر عمقا. 

كانت سيارة المرسيدس المكسوة بالتراب قابعة في هدوء خلف البوابة الحجرية 
الكبيرة بجوار الرصيف. 


100 


15 
الأقصر 


تساءل خليفة بلهفة وهو يطفئ السيجارة في أحد أكواب القهوة الفارغة "هل 

تعرف أي شيء عن الاكتشاف الجديد". 
هزت الرجل رأ سه ولم يبد إجابة. 

'مقبرة؟ مخبأ؟ أي شيء غير مألوف؟" 

مرة أخرى هز الرجل رأسه 

"هيا يا عمرء لو كنت تخفي شيئاء فسنعرفه عاجلا أو آجلاء هيا أخبرني". 

'أنا لا أعرف شيئاء لا شيء على الإطلاق. أنت تضيع وقتك معي". 

أشارت عقارب الساعة إلى الثامنة صباحا وقتهاء ولم ينم خليفة طوال الليل. كان 
يعاني من الدوارء وكان حلقه جافا ورأسه يتصبب عرقا. فعلى مدار 17 ساعة لم يأخذ 
سوى استراحات بسيطة للصلاة وتناول الطعام» وكان هو وسارية يقابلان كل من له 
علاقة بتجارة الآثار في الأقصرء على أمل الوصول إلى خيط في قضية أبو ناير. فمنذ 
ظهر أمس وطوال الليل وحتى الصباح توافد الكثير من التجار المعروفين على قسم 
الشرطة في شارع الكرنك» وجميعهم أجابوا نفس الإجابات تقريبا "لا أعرف شيئًا عن 
اكتشافات جديدة»ء لا أعرف شيئا عن أي آثار جديدة دخلت السوق» وإذا عرفت أي 
شيء فسأتصل بك على الفور". بدا الأمر وكأنك تستمع إلى أحد شرائط الكاسيت 
مرارا وتكرارا. 

أشعل خليفة سيجارة أخرىء ولم يكن بحاجة إليها سوى لتبقيه يقظا. 

وجّه خليفة سؤالا إلى عمر "ما رأيك» هل تعتقد تعتقد أن شخصا مثل أبو ناير يستطيع 
تحمل تكاليف تلفاز جديد وثلاجة لأمه؟" 


101 


أجاب عمر "بال عليك» كيف لي أن أعرف ذلك؟ لقد كنت بالكاد أعرفه". ‏ 

كان عمر رجلا صغير الحجم» نحيلاء قصير الشعرء ذا أنف مستدير. 

'لقد عثر على شيءء أليس كذلك؟" 

رد عمر 'ظننتك تعرف أكثر مني". 

القد عثر على شيء ما ولهذا تمّ قتله» وأنت تعرف ماذا وجد". 

"أنا لا أعرف شيئا". 

'أنت تعرف يا عمر أنه ما من شيء يحدث في الأقصر إلا ويصلكم خبر به" 

في هذه القضيةء نحن لا نعرف شيئاء كم مرة سأؤكد لك ذلك؟ أنا لا أعرف شيئا 
على الإطلاق". 

وقف خليفة:» ثم سار ذ نحو النافذة» وهو ينفث دخان سيجارته؛: وكان يعرف أن كل 
هذه الأمور مضيعة للوقت» فلم يكن عمر ليخبره بشيء»ء وهذا ما آل إليه الأمر بالفعلء 
ظل يوجّه أسئلة دون نتيجةء ثم أخذ نفسا عميقاء وقال "حسنا يا عمرء يمكنك الذهاب 
الآن» واتصل بي إذا ما عرفت أي شيء". 

رد عمر بالتأكيد يا سيدي". ثم توجّه مسرعا ناحية الباب قائلا 'سأخبرك على 
الفور". 

غادر عمر تاركا خليفة ومساعده وحدهما. 

علق سارية قائلا "هذه هي النهاية". ثم تقدم للأمام قليلا وهو يمسح عينه؛ 'لقد 
اسیا مر مسا ت متي ره 

تهاوى خليفة على الكرسي»ء وأشعل سيجارة أخرى دون ملاحظة السيجارة التي 
تركها مشتعلة عند منفضة السجائر على حافة النافذة. 

'ربما تكون توقعاتنا غير صحيحة ولا يكون د ر 
سمعناء هناك أسباب كثيرة قد تدفع الكثيرين لقتله". بالفعل لم يحصل خليفة على 5 
شيء يقيم العلاقة السببية بين الحادثة والاثار. 

على الرغم من عدم وجود أدلة واضحة» إلا أن خليفة شعر في نفسه أن هناك 
علاقة بين مقتل ناير وتجارة الآثار القديمةء وهو نفس الشعور الذي يراود المنقبين 

عن الآثار عندما يشعرون أنهم على وشك الوصول إلى اكتشاف مهم. فهي كما 
ندعوها الحاسة السادسة. فما إن رأى جثة الرجل وعليها وشم الجعل»ء حتى أدرك 
أن هذه الحادثة وقعت في الوقت الراهن» ولكن فك طلاسمها يعود إلى الزمن 
الفائت. 

102 


كانت هناك بضعة تلميحات تدفعه إلى وقف التحقيق تماما. بالفعل كان ناير 
يتاجر في الآثار» وحصل على كثير من الأموال مؤخرا على نحو لا يمكن تفسيره؛ إلا 
إذا جزمنا أنه يجري بعض الأعمال غير المشروعة ليفي باحتياجات أسرته. عندما 
حقق خليفة مع زوجة ناير في اليوم السابق» أنكرت معرفتها بامتلاك زوجها لأي آثارء 
وبالتأكيد كان ذلك سيبدو طبيعيا لو أنها لم تستبق الأحداث وتؤكد ذلك حتى قبل أن 
بسألها عنه خليفة» حيث بدا الأمر وكأنها أعدت الإجابة مسبقا. ثم بعد ذلك ازداد هذا 
الإحساس لدى خليفة من ردود أفعال التجار عند التحقيق معهم. 

نفتث خليفة الدخان»: وشاهده يتصاعد إلى سقف الغرفة قائلة "الخوف". حتى تبدد 
الدخان. 

تساءل مساعده "ماذا؟” 

"الخوف يا سارية إنهم خائفون بل مرتعبون . 

"لا عجب في ذلك» فسيتم سجنهم خمس سنوات إذا ثبت أنهم يتاجرون في الآثار 
المسروقة". 

رد خليفة وهو ينفث الدخان مرة أخرى "لاء إنهم ليسوا خائفين مناء هناك شيء 
آخر» أو شخص آخر'. 

قال سارية محدقا به 'ماذا تقصد؟ أنا لا أفهم". 

"هناك شخص آخر يا سارية يحاولون إخفاءه» ولكن خوفهم فضحهم. لقد ظهر ذلك 
واضحا وهم يشاهدون صور نايرء لقد تغير لونهم وكأنهم يرون نفس الشيء يحدث لهم. 
كل تجار الآثار في الأقصر مصابون بالرعب؛ وهو أمر لم أعهده من قبل". 

"هل تعتقد أنهم يعرفون القائل؟' 

'إنهم متشككونء ولكنهم لن يتحدثوا. في الحقيقةء إنهم مرتعبون ممن فعل ذلك 
بناير أكثر من خوفهم منا". 

تثاءب سار ية وقال "حسناء من هو الشخص الذي نتعامل معه من وجهة نظرك؟ 
شخص من الأقصر؟ عصابة من القاهرة؟ أصوليون؟' 

هز خليفة كتفيهء قائلا 'ربما هم وربما غيرهم» غير أنني متأكد أنه ليس 
بالشخص السهل". 

"هل تعتقد فعلا أنه عثر على مقبرة جديدة؟" 

'ربماء أو لعل شخصا آخر عثر عليهاء ووصل الخبر إلى نايرء أو ربما تكون 
بضعة آثارء ولكن بالتأكيد هي ذات قيمة كبيرة» شيء يستحق قتل هذا الرجل". 


103 


قذف خليفة السيجارة من النافذة» بينما تثاءب سارية الذي تأسف متعللا بعدم النوم 
على نحو كاف في الفترة الأخيرة بسبب المولود الجديد. 

رد خليفة بالتأكيد لقد نسيت ذلك» كم عدد أبنائك الآن؟' 

هرت خليفة رأسه: قائلا "لا أدري من أين تأتيك هذه الطاقة» فأنا لا أستطيع تحمل 

"يتعين عليك تناول مزيد من الحمص» فهو يمنحك طاقة مستمرة'. 

أثارت حماسة سارية وهو يوجّه هذه النصيحة دهشة خليفة» وجعلته يضحك 
ضحكة خافتة. بدوره شعر سارية بالخجل لوهلة قبل أن يشرع في الضحك هو الآخر. 

قال خليفة "اذهب إلى بيتك يا سارية» وتناول بعض الحمصء ثم نم» واسترخ؛ 
وتوجّه إلى الضفة الغربية للتحدث مع زوجة وعائلة نايرء ولننتظر ما ستتوصل إليه . 

نهض سارية» وأخذ معطفه من فوق الكرسيء وتوجّه نحو الباب» لكن سرعان ما 
رجع مرة أخرى وقال "سيدي"". . 

ماذا هناك؟" اك 

قال وهو يعبث بكمّىي قميصه دون أن ينظر إلى خليفة "هل تعتقد باللعنات؟ 

"اللعنات؟" ( 

'لعنة ألفر اعنة: كما تعرفء لعنة توت عنخ آمون مثلا؟ 

ابتسم خلبفة "هل تقصد من يزعج نوم الأموات سيواجه مصيرا مشؤوما؟ 

"'نعمء شي من هذا القبيل". 

"هل تعتقد أن هذا ما نحن بصدده هناء لعنة؟" 

هن سارية كتفيه دون تعليق. 

"لا ياساريةء أنا لا أعتقد بهذه الأشياء إنها مجرد خرافات". ثم قام بفتح علبة 
السجائر ولكنها كانت فارغة» فألقى بها في زاوية الغرفة. 'ولكنني أعتقد بالأرواح 
الشريرة. تلك الأشياء التي تسيطر على عقل الرجل وقلبه» وتجعل منه مسخاء فقد 
رأيت ذلك بعيني» وهو ما نحن بصدده هناء شر مستطير". 

انحنى خليفة للأمام؛ وهو يفرك عينيه بإيهامه متمتما 'وفقنا الله ومنحنا القوة". 

بعد أن تتاول بيضتين مسلوقتين وبعض الجبن» توجّه خليفة إلى النهرء واستقل 
سيارة أجرة حتى وصل إلى دار أبو النجاء فنزل؛ وناول السائق بعض النقود» ثم سار 
الى معبد حتشبسوت في الدير البحري. 

104 


كان هذا المعبد أحد الأماكن الأثرية المفضلة لدى خليفة» حيث يحتوي على 
مجموعة كبيرة من القاعات والمصاطب والأعمدة. وقد تم نحت هذا المعبد في الصخر 
عند قاعدة منحدرة بمساحة مائة متر. وفي كل مرة يرى فيها المعبد تصيبه الدهشة من 
مظهره الخلاب» فهو بلا شك إحدى عجائب الأقصر بل مصر والعالم بأسره. 

لكن هذا المعبد هو إحدى العجائب التي فقدت بريقها بعد أن تعرض 62 سائحا 
عام 1997 إلى مذبحة هناك» وكان خليفة من بين الفوج الأول لرجال الشرطة الذي 
وصل إلى المكان حيث كان يحقق مع أحد الأشخاص في قرية مجاورة. وظل لشهور 
عديدة بعد هذه الحادثة يستيقظ ليلا والعرق يتصبب منه متخيلا سماع وقع قدميه وسط 
بركة من الدماء. الآن» عندما يرى المعبدء فإن تقديره للمكان يعكره شيء من 
الاشمئزاز. 

ظل خليفة يمشي حتى وصل إلى صف من المحلات التي تبيع الهدايا التذكارية 
في الجهة اليمنى من الطريق» حيث يقف أصحابها أمامها ينادون على السائحين 
المارين بهم لمشاهدة البطاقات البريديةء والحلي» وقبعات الرأس» ومنحوتات المرمر 
وكل منهم يؤكد أن بضاعته هي الأرخص والأفضل في مصر بأسرها. توجّه أحدهم 
إلى خليفة وهو يحمل قميصا عليه كتابة هيروغليفية من الأمام» إلا أن خليفة صرفهء 
وانعطف إلى اليمين حيث مر بمرآب للسيارات» ثم توقف أمام دورة مياه. 

نادى خليفة قائلا 'سليمان» هل أنت هنا يا سليمان؟' 

ظهر رجل قصير القامةء يرتدي جلبابا أخضر شاحب اللون»ء ويعرج قليلاء وفي 
جبهته ندبة طويلة تبدأ بجوار عينه اليسرى حتى تختفي عند مفرق رأسه. 

"المحقق خليفة» هل أنت هنا؟" 

"السلام عليكم. كيف حالك يا صديقي؟ ظ 

'بخيرء الحمد الله. هل تريد تناول الشاي؟' 

'شكرا". 

'تفضل بالجلوس . 

أشار الرجل لخليفة بالجلوس على مقعد في ظل أحد المباني المجاورة» ثم وضع 
غلاية الشاي خلف إحدى العربات المقطورة. صب الرجل كوبين من الشايء وسلك 
طريقه بحرص وسط الأرض غير المستوية حتى لا يتعثر. أعطى الرجل كوبا من 
الشاي لخليفةء ثم وضع الكوب الآخر بجواره على المقعد. وضع خليفة كيسا بلاستيكيا 
في يد الرجل» وقال له إليك بعض السجائر. 


105 


فتح سليمان الكيس» وكشف عن علبة سجائر. 
الم تكن بحاجة إلى ذلك» أنا من أدين لك". 
رد خليفة "أنت نت لا تدين لي بشيء . 
'نعم لا أدين لك بشيء باستثناء حياتي”. 
منذ أربعة أعوام كان سليمان الرشيد يعمل حارسا للمعبد عندما أتى المهاجمون؛ 
وأطلقوا الرصاص على السائحين» فأصيب في رأسه عندما حاول حماية مجموعة من 
النساء والأطفال السويسريين. في أعقاب الهجوم,ء اعتقد الجميع أنه قد لقي حتفه؛ إلا أن 
خليفة وجده في الرمق الأخيرء فاستدعى المساعدة الطبية. خضع الرجل للعلاج لعدة 
أسابيع حتى تعافى. أدت هذه الحادثة إلى فقدانه البصر» ومن ثم لم يستطع استكمال عمله 
كحارس» وأصبح عاملا على أحد المراحيض الموجودة في هذا الموقع الأثري. 
كيف حال رأسك؟' 
هز سليمان كتفه» وحك جانبي رأسه: وقال 'تارة وتارة» فالان يؤلمني قليلا". 
"هل تداوم على الذهاب إلى الطبيب؟" ١‏ 
'الأطباء! لا". 
'إذا كان رأسك يؤلمك» يتعين عليك زيارة الطبيب لفحصه"'. 
"لاء أنا بخير على هذه الحال". 
كان خليفة يعرف مدى فخر سليمان بنفسه» لذا لم يصر على إثارة هذه النقطةء 
وإنما سأله عن زوجته وعائلته» وأخذ يغيظه لأن فريقه (الأهلي) قد خسر أمام فريق 
خليفة (الزمالك) في ديربي القاهرة. خيّم الصمت لفترة» حيث جلس خليفة يشاهد 
مجموعة من السائحين ينزلون من الحافلة. 
أخيراء 20 خليفة وقال "'أنا بحاجة إلى مساعدتك يا سليمان" 
'بالطبع أيها » أنا رهن إشارتك”. 
أخذ خليفة رشفة من ذم وشعور بالسوء ينتابه إزاء إشراك صديقه في هذا الأمر 
اعتمادا على امتنانه لما قام به معه. كان الرجل يعاني بما فيه الكفاية» ولكن خليفة كان 
بحاجة إلى معلومات» ودوما كان سليمان ممن هم على دراية ببواطن الأمور. 
"أعتقد أنه تمّ العثور على شيء ماء مقبرة أو مخبأ أو شيء مهم؛ ولكن أحد 
يتحدث عن ذلك كالعادة» غير أن ما يمنعهم ليس الطمع وإنما الخوف". انتهى خليفة 
من تناول الشاي» ثم قال "هل سمعت شيئًا عن ذلك؟" 
لم ينبس صديقه ببنت شفة» وإنما ظل يحك جانبي رأسه 
106 


'صدقنيء لا أود إقحامك في هذا الأمرء ولكنَ شخصا ما قد لقي حتفه» ولا أريد 
مزيدا من الفتلى يا صديقي . 

ظل الرجل لا ينبس بكلمة. 

سأل خليفة "هل هناك مقبرة جديدة؟ هيا تحدث يا صديقي فلا شيء يحدث هنا 
دون أن تسمع به". 

اعتدل سليمان في جلسته؛ وأخذ كوبا من الشاي يشربه على مهل. 

القد سمعت بعض الأشياءء لكنها غير مؤكدةء فكما تقول أنت الجميع هنا 
مرتعبون . 

أشاح الرجل بوجهه ناحية التلال» وعلى وجه التحديد تجاه الجدران اللامعة من 
الصخر الأصفر- البني. 

سأله خليفة "هل تعتقد أن هناك من يراقبك؟ وأخذ ينظر في الاتجاه الذي ينظر 
إليه الرجل . 

'أنا أعرف أن هناك من يراقبنا أيها المحقق» فهم كالنمل منتشرون في كل مكان". 

من هم المنتشرون في كل مكان؟ ما الذي تعرفه يا سليمان؟ ما الذي سمعته؟" 

استمر سليمان في تناول الشاي» ولاحظ خليفة أن عيني الرجل بدأتا تدمعان. 

'مجرد شائعات؛ كلمة من هنا وهناك". 

ما هي هذه الشائعات؟' 

انخفض صوت الرجل وكأنه يهمسء وقال 'تفيد الشائعات أنهم وجدوا مقبرة". 

'وماذا أيضا؟" 

"إنها تحتوي على أشياء فريدة لا تقدر بمال". 

أخذ خليفة يعبث في بقية الشاي بالكوب» وقال "هل تعرف أين؟" 

أومأ خليفة تجاه التلال» وقال "هناك في مكان ما". 

"هناك تشير إلى مكان فسيحء هل بمقدورك أن تكون أكثر تحديدا؟" 

هن الرجل رأسه. 

"هل أنت متأكد من أنك تريد معرفة ذلك؟" 

بعد وقفة طويلةء سُمع صوت سيارة تقف فجأة في هذا الجو الحارء» ثم صوت 
حمار يأتي من خلفهم» وأصوات سائحين يتجادلان مع سائق سيارة بالقرب من النهر 
حول سيارة الأجرة. 


107 


سأل خليفة 'لماذا الجميع مرعوب يا سليمان» ممن يخافون". 

خيّم الصمت مرة أخرى. 

مع من أتعامل في هذه القضية؟' 

نهض سليمان؛ وأخذ الكوبين الفارغين متظاهرا بعدم سماع السؤال. 

كرر خليفة سؤاله مرة أخرى "من هؤلاء الأشخاص يا سليمان؟' 

ذهب الرجل في طريقه إلى المرحاض» وتحدث دون أن يدير رأسه إلى خليفة 
وقال 'سيف الثأرء إنهم يخافون من سيف الثار. متأسف أيها المحقق» لدي عمل أقوم 
به. لقد سرتني رؤيتك". 

صعد الرجل درجات سلم المرحاضء وأغلق الباب خلفه. 

أضعل خليفة سيجارة: واتكأ على الحائط» وهمس قائلا 'سيف الثأرء كيف لم 


أبو سمبل 

دخل الشاب المصري وسط الحشد وقبعته تتدلى على عينيه» ولم يبد مختلفا عن 
السائحين الذين يطوفون حول التماثيل الأربعة الضخمة باستثناء أنه بدا وكأنه يتحدث 
الى نفسه. ولم يعر اهتماما للتماثيل الضخمة المحيطة به» حيث انصب كل تركيزه 
على الحراس الثلاثة الجالسين على مقعد بالقرب منه»ء نظر الشاب إلى ساعتهء وخلع 
حقيبة الظهرء وأخذ يفك أحزمتها. 

كان الوقت يشير إلى منتصف الصباح» حيث وصلت حافلتان بهما كتير من 
السائحين الأمريكيين» جميعهم يرتدون قمصانا صفراء. وكان باعة البطاقات التذكارية 
والحلي الصغيرة يحيطون بهم. 

فتح الشاب حقيبة الظهر ثم جثا على إحدى ركبتيهء وأخذ يبحث بداخل الحقيبة 
وعلى يساره مجموعة من السائحين اليابانيين» يلتفون حول المرشدة السياحية التي 
كانت ترفع مقشة الذباب عاليا حتى يتعرفوا على مكانها. 

تحدثت المرشدة السياحية قائلة 'بنى هذا المعبد الفرعون رمسيس الثاني في القرن 
الثالث عشر قبل الميلاد وكان مخصصا للآلهة ري - هارختي وأمون وبتاح'. 

كان أحد الحراس الثلاثة ينظر إلى التمثال بينما الاثنان الآخران يدخنان 
ويتحدثان إلى بعضهما البعض. 


108 


كانت التماثيل الأربعة ترمز إلى الملك رمسيسء ويرتفع الواحد منها لما يزيد 
عن عشرين مترا. 

بدأ السائحون الأمريكيون في الوصولء وهم يتبادلون الضحكاتء ويتجاذبون 
أطراف الحديثء وكان أحدهم ممسكا بكاميرا فيديو» ويُصدر تعليمات لزوجته بالتقدم 
للأمام أو التحرك لليسار أو النظر لأعلى أو الابتسام. نهض الشاب المصري وإحدى 
ذراعيه لا تزال داخل الحقيبةء وبدأً الحارس ينظر إليهء ثم قطع الحارسان الآخران 
حديثهماء وأخذا ينظران إليه أيضا. 

كانت التماثيل الصغيرة الموجودة بين قدمي رمسيس ترمز إلى أم الملك ميوتويا 
وزوجته المفضلة نفرتاري وبعض أطفاله. 

ارتفع صوت الشاب فجأةء واستدار العديد من الأشخاص ينظرون إليه. أغلق 
الشاب عينيه لوهلةء ثم ابتسم ابتسامة عريضةء وسحب ذراعه من الحقيبة وبها بندقية 
رشاشة صغيرة الحجم» وفي نفس الوقت سحب القبعة من فوق رأسه مظهرا ندبة 
طويلة تصل إلى ما بين حاجبيه. 

صرخ الشاب قائلا 'سيف الثأر". وصوب البندقية تجاه الحشد وسحب الزناد: 

فصدر صوت دون رصاص. 

انتفض رجال الشرطة الثلاثة» وأمسكوا ببنادقهم» بينما ظل الجميع بلا حراك. 
استمر هذا الوضع لوهلة حتى أخذ الشاب يعبث ببندقيته بجنون» ثم جذب الزناد مرة 
أخرى. وهذه المرة صدر صوت إطلاق النار» وانطلقت الرصاصات تخترق الحشدء 
فتمزق الأجسادء وتهشم العظام» وتخلط الرمال بالدماء. هرول الجميع في جنون› 
بعضهم يبتعدون عن الشاب» فيما البعض الأخر يهرع إليه من هول الصدمة 
وصرخات الخوف والألم تملأ المكان. انهار الرجل الذي كان يحمل كاميرا الفيديو 
بينما انبطح الحراس الثلاثة أرضا. وسط كل هذه الفوضىء كان صوت الشاب واضحا 
وهو يغني ويضحك. 

استمر إطلاق الرصاص لعشر ثوان» وهو ما يكفي لإسقاط عشرات القتلى على 
أعتاب هذه التماثيل العظيمة. انقطع الصوت فجأة» وخيّم الصمت على المكان. ظل 
الشاب يمسك بالبندقية لوهلة قبل أن يلقيها جانباء ويهرب إلى الصحراء. 

لم يبتعد الشاب لمسافة طويلة» حيث طارده خمسة من الباعة» وأمسكوا بهء 
وطرحوه أرضاء وأخذوا يركلونه بأقدامهم ورأسه يترنح جيئة وذهابا وكأنه كرة قدم. 


لبود 
ت 


ظل الشاب يصرخ» وهو يضحك مرددا سيف الثأر" والدم يسيل من أنفه وفمه. 


109 


16 


القاهره 





استيقظت تارا ظهر اليوم التالي حيث وجدت نفسها لا تزال في غرفة دانيل 
بالفندق» نهضت من السرير ورأسها يؤلمها. 

كانت هناك زجاجة مياه معدنية بجوار السريرء فأخذتهاء وتجرعت جرعة كبيرة 
من المياه. على الرغم من الضوضاء المتصاعدة من الشارعء لم تكن هناك أي علامة 
على وجود دانيل» ولم يترك لها ملاحظة. 

شعرت تارا ببعض السوء جراء المقابلة التي أجرتها بالأمس مع دانيل» حيث 
ا المغادرة سريعا قبل عودته. ما إن انتهت من 

ب المياهء حتى كتبت ملاحظة د تعتذر فيها عن نومها في غرفته» وأخذت حقيبة 

له أن تخبره عن مكان إقامتها. 

نزلت تارا إلى الشارع» وتوجهت إلى البوابة الحجرية | لكبيرة التي مرا بها 
بالأمس» ولكن سرعان ما غيرت اتجاهها خوفا من إمكانية مقابلة دانیل صدفة» حيث 
سارت في الشارع الضيق العميق المؤدي إلى الحي الإسلامي القديم. 

كان الجو حارا ومغبراء والعديد من الأشخاص يحيطون بها من بينهم نساء 
يحملن سلال خبز طازج على رؤوسهن» وتجار يروجون لسلعهم» وأطفال يمتطون 
الحمير. كان هذا المنظر يسعد تارا لو أنها كانت في ظروف أخرى: الأصوات 
الغريبة» والأقفاص الملونة المحتوية على البلح» ونبات الكركديهء والأقفاص الأخرى 
المملوءة بالأرانب والبط والدجاج. 

نظرا لشعورها بالإرهاق والحيرة» سريعا ما أصابتها الضوضاء من حولها 
بالضيق» أصوات طرق وآلات تنبيه وموسيقى. شعرت تارا بالغثيان جراء رائحة 

110 


القمامة والتوابل في ظل ازدحام كثيف حيث يتوافد عليها كثير من الأشخاص 
يصطدمون بها من هنا وهناك. مرت تارا بمجموعة من الأولاد يفرغون صفائح 
النحاس الأصفر من فوق متن إحدى عربات الشحن» وفتاة تقف على كومة من أكياس 
الخيش» ورجلين كبيرين في السن يلعبان الدومينو على جانب الطريق» وكلهم يحدقون 
بها. أثناء سيرها نطق رجل يقف على صقالة خشبية ببعض الكلمات غير أنها تجاهلته 
ومضت في طريقها وسط الازدحام وهي بالكاد تتنفس» وتحلم بلحظة عودتها إلى 
غرفتها بالفندق» حيث الهواء البارد والهدوء والأمان. 

بعد عثر دقائق» مرت تارا بأحد الجزارين وهو يذبح الدجاج على جانب 
الطريق» حيث يجذب الواحدة تلو الأخرى من القفص» ويمسك بمنقارهاء ويجذب 
رأسها نحو الأسفل»ء ويضع إيهامه على رقبتهاء ثم يذبحهاء ويضعها في برميل 
بلاستيكي أزرق بينما لا يزال جناحاها يرفرفان. اجتمع حشد كبير لمشاهدة الرجل 
وهو يفعل ذلك وانضمت إليهم تارا التي اشمأزت من الموقف» ولكن فضولها دفعها 
الى ذلك. 

لم تر تارا الرجال الذين يرقبونها من بعيدء» حيث ظلت تشاهد الرجل وهو يسلخ 
الدجاج» وبعد دقيقتين» لاحظت أن هناك رجلين ملتحيين يرتديان جلبابين أسودين 
ينظران إليها مباشرة. ظ 

نظرت تارا إليهما لوهلة» ثم صرفت نظرها نحو الجزار مرة أخرىء وبعد أن 
ذبح دجاجتين أخريين» نظرت مرة أخرى في اتجاه الرجلين فوجدتهما مازالا ينظران 
إليهاء وكانت تعابير وجهيهما حادة وقاسية. كان هناك شيء مريب في هذين الرجلينء 
ولهذا خرجت تارا من وسط الحشدء وسارت في الشارع. انتظر الرجلان لثوان» ثم 
تبعاها. 

بعد خمسين متراء توقفت تارا أمام أحد المحلات لشراء طاولة زهرء فتوقف 
الرجلان خلفها على بعد مسافة ثلاثين مترا دون أن تنزل أعينهم عنها. أسرعت 
تارا الخطى»ء وسارت في شارع آخرء وبعد عشرء خمس عشرة» عشرين خطوة 
كان الرجلان في إثرها. بدأ قلبها يخفق حيث كان هذا الشارع أضيق من سابقهء 
وكلما مشت فيه أكثرء ازداد ضيقاء وكأن المباني تطبق عليها كالفك المفترس. 
فضلا عن الازدحام الشديد المتزايد. شعرت تارا باقتراب الرجلين منها أكثر 
فأكثرء وفجأة ظهر أمامها شارع يؤدي إلى اليمين» فشقت تارا طريقها وسط 
الازدحامء ودخلت ذلك الشارع. 


111 


كان الشارع فارغا مما أشعرها بالراحة والسعادة للخروج من الازدحام؛ ولكن 
سرعان ما بدأت الوساوس تطاردها: هل هذا تصرف خاطئ؟ ففي هذا الشارع هي في 
العراء ولا يوجد من تستنجد به. أثار هذا الفراغ الهلع في نفسهاء ولهذا سارعت 
بالرجوع مرة ة أخرى والدخول وسط الازدحام» ولكن الرجلين كانا قد اقتربا منها أسرع 
مما توقعتء حيث كنا على بُعد عشرة أمتار فقط. لوهلة أخذت تنظر إليهماء ثم 
هرولت هرباء وهي تسمع وقع أقدامهما خلفها. 

صرخت تارا "النجدة". وصوتها خافت ومكتوم: وكأن هناك قطعة قماش على 
فمها. 

بعد خمسين متراء انعطفت إلى شارع على اليسار ثم إلى اليمين ومرة أخرى إلى 
البسار غير مكترثئة بالاتجاه الذي تسلكه؛ فكل ما تريده هو الهرب. 

كانت هناك أبواب خشبية ثقيلة على الجانبين» فطرقت تارا أحدهاء ولكن أحدا لم 
يجبهاء ولهذا استمرت في العدو خوفا من أن يمسكوا بها. كان صدى صوت وقع أقدام 
متعقبيها يدوي في كل مكانء وكأنهما سيأتيان من الأمام ومن الخلف. في هذه اللحظةء 
ضلت تارا طريقها تماماء وأصابها الدوارء وأشعرها الخوف بالإعياء» وكأنها جرت 
الدهر كله في هذه متاهة حتى وصلت أخيرا إلى ساحة صغيرة مشمسة بها شوارع 
تؤدي إلى اتجاهات مختلفة. كانت هناك شجرة نخيل وسط الساحة يجلس في ظلها 
رجل عجوزء فهرعت إليه طلبا للنجدة. 

"أرجوك» ساعدني!' 

نظر الرجل إليها وعيناه بيضاوان كالحليب» ورفع يده قائلا 'بقشيش› بقشيش . 

"لاء ليس معي» ساعدني أرجوك". 

ألح الرجل في طلبه» وهو يجذب كمهاء "بقشيش". 

حاولت تارا الابتعاد عن الرجلء؛ ولكنه أمسك بها وكأن أصابعه مخالب في 
ملابسها. 

'بقشيش» بقشسيس . 

كانت هناك صرخة:ء ووقع أقدام تجري. 

نظرت تارا إلى الشوارع الأربعة بما فيها الشارع الذي أتت منه لترى من 
أين يأتي هذا الصوت» وكان وقع الأقدام يدوي في أرجاء الميدان وكأن شخصا ما 
يقرع الطبول. ظلت تارا بلا حراك غير قادرة على تحديد وجهتهاء ولكن فجأة 
أعطاها هذا الخوف قوة لا يستهان بهاء فجذبت ذراعها من يد الرجل الأعمىء 


112 


وجرت بأقصى سرعة في الشارع المقابل للشارع الذي أتت منه. وما إن وصلت 
إلى هذا الشارع حتى وجدت رجلين ملتحيين قادمين نحوهاء فانعطفت إلى أحد 
الشوارع الأخرىء ولكن غريزتهاء أوحت إليها بالسير في الشارع المجاور لذاك الذي 
دخلته. 

توقفت تارا عند أول الشارع لالتقاط أنفاسها في حين دخل الرجلان الملتحيان 
إلى الساحة حيث بحثا عنهاء ونظرا إلى الشارع الذي دخلت إليه أولا قبل أن تغير 
وجهتها إلى الشارع الآخر. خيّم الصمت لفترة؛ وفجأة ظهر الرجل الضخم الذي رأته 
في سقارة وأمام الفندق. كانت حلته مجعدة ووجهه يتصبب عرقاء حيث ظل يحدق بها 
لوهلة وأنفاسه تتلاحق» ثم وضع يده في جيبه وأخرج ما يشبه مالجا صغيرا للبناء. 
اقترب الرجل منهاء "وسألها أين؟ أين القطعة؟" 

0 أدري ماذا تقصدء لا بد أنك مخطئ". 

'كرر الرجل سؤاله أين هي؟ القطعة المفقودة التي تحمل الرموز الهيروغليفيةء 
أين هي؟ 

كان الرجل في هذه اللحظة في وسط الساحة» تقريبا بجوار شجرة النخيل. 

كرر الرجل الأعمى 'بقشيش". وهو يمسك بالسترة الكتان التي يرتديها الرجل 
العملاق بيدء ويمسك بحفنة من النقود المعدنية باليد الأخرى ويردد 'بقشيش". 

حول الرجل العملاق التخلص منهء ولكنه لم يستطعء فرفع المالج» تم هوى به 
على أنف الرجل الأعمى؛ فهشمه؛ وأصدر الرجل صرخة مدوية من الألم. لم تنتظر 
تارا لترى المزيد»ء فاستدارت» وهربت وخلفها صوت وقع أقدام. 

أخذت تارا تجري وصوت الدم المتدفق الذي ينحدر إلى ما يشبه النفق حيث 
يوجد جمع من النساء اللواتي يغسلن الثياب يدوي في أذنيها. مرت بجوارهن ثم عبر 
بوابة تؤدي إلى شارع به عدد أكبر من الأشخاص. انعطفت تارا إلى أحد الشوارع 
الأخرى؛ المكتظ بالكثير من الناس والمحلات والطاولاتء فأبطأت لالتقاط أنفاسهاء ثم 
استأنفت الجري مرة أخرىء لكن فجأة شعرت بشخص يضع يديه عليها ويديرها وهي 
تردد "لاء لاء اتركني". والرجل يقول "تاراء تارا!" 

لقد كان دانيل وخلفه المنارتان والسماء الشاحبة والبوابة الحجرية الكبيرة القريبه 
من الفندق» حيث كانت تارا قد لفت دورة كاملة حول المكان. 

قالت تارا وهي تلهث "إنهم يحاولون قتلي» وأعتقد أنهم قتلوا والدي أيضا". 


'من؟ من بريد EC‏ 53 أ 


113 


استدارت تاراء وأشارت إلى الشارع المزدحم بالناس لدرجة يصعب معها 
التعرف على متعقبيها وإن كانوا وسط هذا الحشد. أخذت تارا تحدق بالحشد للحظة قبل 
أن تستدير نحو دانيل مرة أخرى واضعة رأسها على كتفه. 


بي 


الاقفصر 

في طريقه للخروج من المعبد مفكرا بما قاله سليمان» شاهد خليفة ولدين 
صغيرين يمتطيان جملين في طريق عودتهما من دار أبو النجا وهما يحثان الجملين 
على السير "هياء بسرعة". استدار خليفة» ونظر إليهماء وفجأة تذكر الأيام الخوالي مع 
أخيه علي في إسطبلات الجيزة قبل أن ينهار كل شيء. 

لم يتذكر خليفة على وجه التحديد مثى يتم التلاقي بين شخصيتي علي وسيف 
الثأر. فلم يكن الأمر فجأةء وإنما جاء تدريجيا حيث انسحب علي من بين أسرته 
وأصدقائه وانخرط في بؤرة العنف هذه. أخذ خليفة يفكر لو أنه أدرك مبكرا 
التغييرات التي طرأت على عليء لتمكن من فعل شيء ما للحيلولة دون ذلك» أو 
حتى كان ليقنع نفسه بأن الأمور لم تكن بهذا السوء. ولهذا السبب فقد عليء فقد 

كان الإسلام ومايزال مكونا أساسيا في حياتهم حيث تذكر خليفة كيف كان إمام 
مسجدهم ينقم على الصهاينة والأمريكيين والحكومة المصرية أثناء خطبة الجمعة» 
ويحذر من أن الكفار يحاولون تدمير الأمة الإسلامية. ولا شك أن ذلك قد أثر على 
تفكير علي. بل إنه أثر على تفكير خليفة أيضا لا لشيء إلا لأن هذه الكلمات بها كثير 
من الحقائق؛ فالعالم مليء بالشز والفسادء فضلا عن أن ما يقوم به الإسرائيليون في 
فلسطين هو أمر لا يمكن التسامح معه. وأخيرا نجد تجاهلا مؤسفا للفقراء والمحتاجين» 
بينما الأغنياء ينعمون برغد العيش. 

لكن خليفة غالبا ما كان يجد صعوبة في الربط بين هذه الحقائق واستخدام 
العنف» على عكس علي الذي ربط سريعا بينهاء وسار في هذا الدرب. 

بدأ الأمر بهدوء شديد؛ مجرد محادثة وقراءة واجتماعات بين الحين والآخرء ثم 
شرع في المشاركة في المظاهرات» وتوزيع المنشورات» والتحدث بين الجمهور. 
بالتدريج أخذ يتخلى عن مطالعة كتب التاريخ» وتوجّه شيئًا فشيئا إلى كتب الدين» وقال 
لخليفة ذات مرة 'ما هي أهمية التاريخ دون إيمان؟ والإيمان لا يوجد في أعمال البشر 
(أي كتب التاريخ) وإنما في كتاب الله'. 





114 


لم يكن شيء مما فعله علي يوحي بما ستؤول إليه الأمورء ولذا لم يشعر خليفة 
بالخوف جراء التغييرات التى طرأت على أخيه» حيث كان يجمع المال للفقراءء 
ويقضي الوقت في تعليم الأطفال الأميين» ويفسر ما يقوله البكم. 

لكن تزامن ذلك مع قسوة في الطباع وغلظةء وانضم إلى المنظمات المتطرفة. 
فكان ينضح لواحدة» ثم يتركها للانضمام إلى أخرى أكثر تطرفاء مما أزال الفارق بين 
الإيمان والغضب لديه» حتى أصبح في النهاية على ما هو عليه. 

عندما سمع خليفة اسم سيف الثأر من سليمان» تذكر أنه من حطم علي وأفسد 
عليه حياته» وجعله يقوم بمثل هذه الأعمال» وهو من أقضى عليه منذ أربعة عشر 
عاما. 

مع ظهور هذه القضية اكتملت الصورة:؛ فالآن لم يعد خليفة يحقق في حادثة قتل 
فحسب» وإنما يبحث عن الانتقام. كان خليفة يعرف أن سيف الثأر وراء هذه الحادثةء 
فالماضي يلاحقك دوما مهما حاولت الفرار منه. 

صدر صوت ما فقطع حبل أفكار خليفةء وعاد به إلى الزمن الحالي. نظر إلى 
الطريقء فوجد عربة بها سائحون متجهة نحوه والسائق يطلق الة التنبيه. سار خليفة 
على جانب الطريق» يحاول النظر إلى الولدين اللذين يمتطيان الجملين؛ غير أنهما 
تواريا عن نظره. أشعل خليفة سيجارة منتظرا مرور العربة حتى يعبر الطريق وسط 
حرارة الظهيرة. 


القاهره 
قال دانيل 'لقد ندمت على فراقك". 
'هل تقصد اليوم أم منذ السنوات الست الماضية؟" 
نظر إليها دون تعليق. ثم قال "أتحدث عن هذا الصباح على وجه التحديد". 


115 


17 
سقارة 


استقل دانيل وتارا سيارة أجرة» وتوجها إلى سقارة سالكين معظم الطريق التي 
سلكتها تارا منذ يومين. لم يكن حسن الرجل الذي اصطحب تارا عندما عثرت على 

جثة والدها موجوداء ولكن كان هناك رجل آخر تعرف على تاراء وأعطاها مفاتيح 
لمحفر» حيث توجهت هي ودانيل في سيارة الأجرة حتى وصلا إلى المحفرء وأخبرا 
السائق أن ينتظرهما حتى يخرجا منه. 

كان الجو مظلما وباردا عندما دخلاء فتح دائيل نافدتين؛ بينما كانت تارا تحدق 
بحزن في الجدران البيضاء والأرائك البالية ورفوف الكتب» وتفكر في مدى سعادة 
والدتها بهذا المكان وكيف أصبح يشكل جزءا من حياتها كما كان يمثل جزءا من حياة 
والدها. مسحت تارا دموعها بكمهاء واستدارت إلى دائيل الذي كان ينظر إلى صورة 
ذات إطار معلقة على الحائط. 

سألت تارا "ما الذي نبحث عنه بالضبط". 

اليس لدي ادن فكرة» ولکن ربما يجب أن نبحث عن شيء يبدو قديماء ويحمل 
رموزا هيروغليفية". 

بسدأ دانسيل ينظر فى وفوف الكتب» بينما دلفت تارا إلى إحدى الغرف المحتوية 
على سرير صغير في أحد الأركان» بالإضافة إلى خزانة ملابس مقابل الحائط» فضلا 
عن سترة سفاري معلقة على الباب حيث وضعت يدها في أحد الجيوب» وأخرجت منه 
محفظة كانت لوالدها. 

صاحت تارا قائلة "هذه غرفة والدي". 


116 


أتى دانيل» وأخذ الاثنان يبحثان في حاجيات والدها. لم يكن هناك الكثير باستثناء 
حافظة جلدية. كانت عناوين اليوميات مبهمة ولا توضح ماهية ما بداخلها حيث كانت 
مقتصرة على التقدم الذي حققه في عمله هذا الموسم» فضلا عن بعض الإشارات إلى 
تارا والتي كان يشير إليها بحرف التاء وذلك في أخر يوم قبيل وصولها إلى مصر 
وآخر يوم في حياته أيضا. 

"في الصباح سأتوجه الى القاهرة لاجتماع في الجامعة الأمريكية لمناقشة المنهج 
الجديد للعام القادمء وبعد نلك سأتناول الغداء في هبئة الاثارء ثم أتسوق في خان 
الخليلي استعدادا لقدوم تاراء وأخيرا ساعود الى سقارة بعد الله ر". 

كان هذا كل شيء في اليوميات دون مزيد من الضوء حول الأحداث التي وقعت 
مؤخرا ولهذا تركا اليوميات وقالت تارا "علهم وصلوا إلى ما نبحث عنه". 

"أشك في ذلكء وإلا لماذا كانوا يطاردونك؟" 

"كيف نعرف أنها هنا وليست في القاهرة؟" 

'أعتقد أنه بغض النظر عما تبحث عنه فإن والدك لم يستحوذ عليه سوى لبضعة 
أيام. ولمَا كان والدك يعيش في الشهور الثلاثة الماضية في سقارة فلا بد أن نبدأ 
البحث من هنا. هيا فلنشر ع في تفتيش الغرف الأخرى". 

قضيا ساعة يبحثان هنا وهناك في كل جارور وخزانةء حتى أنهما جثوّا على 
ركبهما للبحث أسفل الأسرة. وباستثناء معدات الكاميراء لم يكن بالمحفر شيء آخر 

'أعتقد أنني قد أخطأت في تخميني". 

كانت تارا في إحدى غرف النوم والأدرينالين يجري في مخها جراء البحث 
المضنيء وفجأة شعرت بوحشة شديدة وفقدان لا ينقطع لوالدها. وضعت تارا يدها 
على شعرهاء وألقت بجسدها على السريرء واتكأت على الوسادة حيث شعرت بشيء 
ما أسفلهاء فاعتدلت مرة أخرىء ورفعت الوسادة» وأخرجت من تحتها ورقة بردى 
مطوية تحمل اسمها ففتحتها وقرأتها. 

نادت تارا على دانيل قائلة 'فلتنظر إلى هذه يا دانيل". 

ثماني أحجيات» أولها وصلة فى سلسلة. 

في النهاية تصل الى جائزة» شىء خفي. 

117 


أهو كنز» أم مجرد عظام قديمة؟ 

قد تساعدك الآلهةء اذا ما استعنت بها. 

أمنحتب أو ربما ايبزيس أو سبتة. 

وأنا شخصيا كنت لأبحث بجوار المنزل. 

لأنه لا أحد يعرف أكثر من ماربيت. 

تساءل دانيل "ألست ناضجة بعض الشيء على هذه الأحجيات". 

"عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري ابتكر لي والدي أحجية كهذه كهدية 
لعيد ميلادي". قلالت تارا ذلك وهي تبتسم ابتسامة حزينة تنم عن افتقادها لهذه 
الذكريات. "وقد كانت هذه من المرات القليلة التي شعرت فيها أن والدي يهتم بيء 
وأعتقد أن هذه هي طريقته في معالجة الجروح القديمة كنوع من المصالحة بيننا". 

وضع دانيل يده على كتفهاء ونظر إلى ورقة البردى مرة أخرى. 

تساعءل دانيل.... 

'أتعتقدين أن...". 

"هل هدية والدك هي هذا الشيء الذي يبحثون عنه؟" 

اليست لدي فكرة» ولكن هو بالتأكيد شيء يستحق العثور عليه". 

عاد دانيل إلى الغرفة الرئيسية مرة أخرى. 

مارييت هو أوغست مارييت أحد المؤسسين لعلم المصريات حيث قام بالكثير من 
العمل هنا في سقارة؛ واكتشف أشياء كثيرة تتعلق بسيرابيس. 

سارت تارا خلف دانيل إلى الغرفة الرئيسيةء فوجدته واقفا أمام الصورة التي 
كان ينظر إليها في السابق. 

ردد دانيل "أوغست مارييت رجل ملتح يرتدي حلة وعمامة مصرية تقليدية كما 
توضح الصورة". أزال دانيل إطار الصورة من فوق الحائطء ونظر خلفه فوجد ورقة 
بردى أخرى مطوية وملتصقة بالخلف. 

لمعت عيناه وقال 'يا الله". 

أسرعت تارا والحماسة تملوهاء قائلة "افتحها". 

جذب دانيل مفتاح اللغز من الإطارء وفتحه. 

زوجة أحد الفراعنةء هي فرعون أيضا. 

حكمت فترة بين الزوج وابن الزوج. 


118 


اسمها نفرتيتي» أسم جميل . 

ومعها جاء الجمال. 

زوج منشق عن العقيدة» أخناتون اللعين. 

سامحته الألهة لأنه سامحها . 

عاشا معاء ولكن أبن عاشت هى؟ 

ربما تكون الإجابة في أحد الكتب. 

تساءلت تارا "ما هذا بحق الله". 

أجاب دانيل "كانت نفرتيتي هذه الزوجة الأساسية للفرعون أخناتون» وكان اسمها 
يعني لقد أتى الجمال. بعد موت أخناتون غيرت اسمها إلى سمنكرع وحكمت البلاد 
كفرعون» وجاء بعدها توت عنخ آمون وهو ابن أخناتون من زوجة ثانية". 

أومأت تارا قائلة 'بالطبء"'. 

'لعنت الأجيال التالية أخناتون لأنه هجر الآلهة المصرية التقليدية» وجعلها إلها 
واحدا اسمه أتون. وقام هو ونفرتيتي ببناء عاصمة جديدة على بعد مائتي متر غرب 
سقارة أسموها أخيتاتون أي أفق أتون وهي معروفة الآن باسم تل العمارنة» وقد قمت 
ببعض الحفريات هناك ذات مرة. 

توجّه دانيل إلى خزانة الكتبء وقال 'يبدو أننا بحاجة إلى البحث عن كتاب يتعلق 
بتل العمارنة". 

انسضمت إليه تارا باحثة عن هذا الكتاب في صفوف عديدة من الكتب الموجودة 
في الخزانة حيث يوجد العديد من العناوين المشتملة على كلمة عمارنة؛ ولكن لم يكن 
بأي منها مفتاح اللغز. كانت هناك خزانة كتب أخرى في إحدى غرف النوم» قاما 
بالبحث فيها أيضا دون أن يعثرا على ضالتهما. وضعت تارا يدها على رأسها تعبيرا 
عن الإحباط. 

"هذا هو طبع والدي» أقصد أنني وبمساعدة عالم مصريات لم نتمكن من حل 
اللغزء فكيف كنت سأفعل ذلك بمفرديء إنه لم يفهم قط أنني لا أكترث بعلم الآثار!" 

لم يكن دانيل يستمع إلى ما تقوله تاراء وإنما كان جاثيا على الأرض مرددا "أين 
عاشت؟ أين عاشت نفرتيتي؟" 

فجأة نهض على قدميه قائلا اللعنة 'يالي من أبله!" 

رجع دانيل مرة أخرى إلى الغرفة الرئيسية حيث جثا على ركبتيه أمام خزانة 
الكتب وإصبعه يجول في خزانة الكتب ثم أخرج مجلدا صغيرا. 


119 


'لقد حاولت أن ألعب دور الماهر هناء ولكن مفتاح اللغز كان أكثر وضوحا 
مما اعتقدت". أخرج دانيل الكتاب مشيرا إلى عنوانه "نفرتيتي عاشت هنا". قالها 
وهو مبتسم وسعيد بنفسه. 'ربما هذا الكتاب هو أفضل ما كتب في مجال الحفريات 
بواسطة ماري تشابء لقد قابلتها ذات مرة وهي سيدة رائعة» دعينا نرى ما مفتاح 
هذا اللغز". 

كان اللغز التالي أسهل من سابقه حيث قادهما إلى صورة لقناع موت توت عنخ 
آمون في المطبخ» أما الأحجية الخامسة فكانت داخل إحدى القوارير في غرف النومء 
والسادسة كانت مطوية بشكل سداسي في أنبوب المدخنة» والسابعة مخبأة خلف حوض 
المرحاضء والثامنة كانت داخلٌ لفة من ورق التنشيف في خزانة الأواني في الغرفة 
الرئيسية. وفي هذا الوقت كان الاثنان يقتلهما الفضول فقرأا معا الشطر الأخير لمعرفة 
نهاية الأحجية 

آخر الألغازء الثامن والأخير. 

أصعبها على الإطلاق» فاستخدم عقلك . 

بالقرب منك» ولكن ليست بالداخل. 

مقعد للموتى يرجع الى خمسة آلاف عام. 

خمس عش رة خطوة للجنوب (أو لليسار). 

اضرب بقوة في الوسطء واستخدم عينيك, 

ابحث عن أنوبيس اين أوى 

لأن أنوبيس هو من يحرس الهدية. 

سألت تارا "ما هو مقعد الموتى". ‏ 

أجاب دانيل "إنه المصطبة» إنها نوع من المقابر المستطيلة مصنوعة من الطوب 
الطيني وهي المرادف العربي للكلمةء هيا بنا". 

التقطت تارا حقيبة الظهر؛ وتبعته إلى الخارج» وهي تشعر بالحرارة الناتجة عن 
الخروج من الداخل البارد للمحفر. كان سائق سيارة الأجرة قد أوقف سيارته في الظل 
أمام المحفرء وغط في النوم بعد أن أرجع الكرسي للخلفء وأخرج قدميه العاريتين من 
النافذة. أخذ دانيل ينظر لوهلة هنا وهناك قبل أن بشير إلى أحد النتوءات المستطيلة 
وسط الرمال على بعد خمسين مذرا إلى اليسار. 

لابد أن هذه هي المصطبةء .فلا توجد مصاطب أخرى في المكان. عبرا الطريق 
معاء وأسرعا إلى النتوء المستطيل؛ حين اقتربت منه تاراء لاحظت أنه مصنوع من 


120 


اطسو الطيني المائل. ذهب دانيل إلى أحد أجوانب وح خمس عشرة خطوة؛ حيث 

صبح الجزء العلوي من المصطبة مساويا لرقبته تقر 

"لابد أنها في مكان ما هنا مشيرا! إلى وس الحائط» إننا نبحث عن صورة 
لحيوان ابن أوى". 

أخذا ينظران» ويمرران أيديهما على السطح غير المستوي للحائط حيث عثرت 
تارا على الصورة على الفور. 

صرخت تارا قائلة "وجدتها!" 

كانت تارا تنظر إلى أحد قوالب الطوب الذي يحمل وجها باهتا يشير إلى شكل 
ابن آوى مستلقيا ومخالبه بارزة وأذناه منتصبتان. كان من الواضح أن هذا القالب قد 
أزيح قبل ذلك لأنه خرج بسهولة تاركا فجوة عميقة خلفه. جمّع دانيل كمه» وأدخله في 
الفجوة ليتأكد من عدم وجود أي عقاربء ثم أخرج يده وبها صندوق من الورق 
المقوى وضعه على ركبته» وبدأ في فك الخيط المحيط به. 

سألت تارا "ما هذا؟' 

الست متأكداء ولكنه ثقيل للغايةء أعتقد أنه ربما يكون. 

فجأة خيّم ظل فوقهماء وصدر صوت طقطقة معدنيةء فنظرا فوقهما فإذا برجل 
ملتح يرتدي جلبابا أسود يقف فوق المصطبة وبيده مسدس» فأشار إليهما بالنهوض 
على قدميهماء وقال شيئا ما باللغة العربية. 

سألت تارا وصوتها يرتعش "ماذا يقول". 

'إنه يريد الصندوق" 

بدأ دائيل يتقدم بالصندوق ليعطيه للرجلء ولكن تارا جذبت ذراع دائيل. 

ل 

حملق بها دانيل» "ماذا؟" 

"لا لن نعطيه له حتى نعرف ما بداخله". 

تحدث الرجل مرة أخرى وهو يلوح بالمسدس. مرة أخرى حاول دانيل أن يعطي 
الضندوق للرجلء ولكن تارا جذبت ذراعه مرة أخرى 

'لقد قلت لاء ليس قبل أن نعرف لماذا يفعلون ذلك". 

'بالله عليك يا تارا أنها ليست لعبةء سيقتلناء أنا أعرف هؤلاء الناس!" 

استشاط الرجل غضباء ولوّح بالمسدس إلى رأس تاراء ثم إلى رأس دانيل؛ 
وأخيراء أطلق الرصاص على مقدمة المصطبة مثيرا كومة من التراب حول قدميه 

121 


وأمام وجهيهما. على الفور حرر دانيل ذراعه من تاراء ثم ألقى بالصندوق على 

المصطبة. 

"اتركيه يا تاراء أنا أريد أن أعرف ما بداخله مثلك تماما ولكن الأمر لا يساوي 
ذلك؛ ثقي بيء من الأفضل أن نتركه له". 

ظل الرجل يلوح بالمسدس نحوهماء ثم نزل على ركبتيه باحثا عن الصندوق 
يإحدى يديه. كان الصندوق موجودا إلى اليسار قليلاء ولكنه لم يتمكن من العثور عليهء 
فخفض عينيه لوهلة ناظرا إليه فما كان من تارا إلا أن أمسكت بجلبابه وجذبته فسقط 
الرجل» وغاص رأسه في الرمال بزاوية حادة. 

لم يتحركا لوهلة؛ ثم نظر دانيل إلى تاراء وجثا على ركبته ممسكا بيد الرجل 
متحسسا النبض. 

سألت تارا "هل فقد الوعي؟' 

'لقد مات!" 

يا اله". وضعت تارا يدها على فمهاء وقالت 'يا الله!" 

حملقت تارا بالجثةء ثم أزالت العمامة من فوق رأسه؛ فظهرت ندبة رأسية بطول 
جبهته. حدق بها دائيل» ثم اقترب منهاء وجذب ذراعهاء وقال 'هيا بنا نغادر هذا 
المكان". 

بدأدانيل يجذبهاء ولكن بعد مترين فقط» تراجعت؛ وتوجهت نحو المصطبة؛ 
وأمسكت بالصندوق. 

'بحق الله يا تاراء اتركيه هناك أشياء كثيرة تحدث هنا... أنت لا تفهمين.. 
سيأتي آخرون إلى هنا" ٠‏ 

دفعته تسارا قائلة 'لقد قتلوا والدي". وصوتها يملؤه التحدي. "افعل أنت ما يحلو 
لكء أما أنا فلن أتركهم يأخذون الصندوقء هل تفهم يا دانيل لن يأخذوه". توجهت تارا 
سی المحفر وهي تضع الصندوق في حقيبتهاء بينما وقف دائيل يحدق بها وهو يكظم 

استيقظ السائق على صوت الرصاصء ووقف على الطريق ينظر إليهما. 

۴ السائق مادا حددث؟" 

أجاب دائيل "لا شيء» هيا عد بنا إلى القاهرة". 

'لقد سمعت صوت رصاص!" 

"أدر المحرك اللعين...! 

122 


قاطعهما صوت الرصاص مجدداء وإذ برجلين يرتديان جلبابين أسودين يأتيان 
عبر الطريق تجاههم. من الناحية الأخرى كان هناك رجلان أخران يطلقان النار 
أيضاء وكأنهما نقطتان سوداوان وسط الرمال الصفراء. صرخ السائق» وانبطح على 
الأرض. 

'لقد أخبرتك أن هناك المزيد منهم". صرخ دانيل "هيا بنا إلى المحفر!" 

أمسك دانيل بذراعهاء واتجها إلى المحفر. أزّت إحدى الرصاصات خلف رأس 
تارا مباشرة» بينما أثارت الأخرى التراب أمامهما. ما إن وصلا إلى جانب المبنى 
حتى قفزا إلى السطيحة حيث يوجد منحدر رملي ثم طريق وبعدهما قرية يقف بها 
العديد من الأشخاص يحاولون استكشاف ما يحدث. 

"هيا إلى أسفل المنحدر يا تارا!" 

'وماذا عنك بأ دانيل؟" 

'اذهبي أنت» وسأتبعك". 

"لاء لن أتركك!" 

يا الله!" 

كان هناك صوت وقع أقدام» فنظر دانيل حوله» ووجد معولا بجوار المقعدء 
فأمسكهء وعاد إلى جانب المحفر مختبئا بجوار الحائط» وعندما سمع وقع الأقدام 
يقترب» رفع المعولء والتقط أنفاسه؛ ثم هوى على رأس أحد مطارديهما ويده لا تزال 
ترتعش» فتقدم دانيل للأمام» وأمسك بالمسدس. 

"هيا الآن» ما دامت الفرصة متاحة أمامنا". 

انطلقا معا إلى حافة السطيحة» وقفزا عبر المنحدر الرمليء وتارا متشبثة بحقيبة 
ظهرها. أسفل المنحدر كان هناك الرمال» ثم الطريق» ثم قرية تطل على واحة نخيل. 
ما إن وصلا إلى قاع المنحدر حتى شاهد دانيل سيارة تقترب منهماء فأشار إلى سائقها 
بالتوقف» فتوقف على الفور» ثم قفز من السيارة عندما رأى المسدس في يد دانيل. أخذ 
الرصاص ينهمر عليهما من فوق المنحدرء فاستدار دانيل» وأطلق الرصاص هو 
الآخضر. تعالت الصرخاتء وبدأ حشد القرويين في التفرق. ظل دانيل واضعا إصبعه 
على زناد المسدس مُطلقا الرصاص حتى نفد» فألقى المسدس» وقفز إلى السيارة خلف 
المقود» وصرخ في تارا هيا اركبي . 

قفزت تارا إلى المقعد المجاور له» فضغط دائيل بقدمه على دواسة البنزين؛ 
وانطلق بالسيارة على الطريق. هشمت إحدى الرصاصات الزجاج الخلفي بينما 


123 


اصطدمت الأخرى بغطاء محرك السيارة. انزلقت السيارة في إحدى الحفر على 
الطريق» وفقد دانيل السيطرة عليها لوهلةء وكان على وشك الاصطدام بأحد الجدرانء 
إلا أنه تمكن من السيطرة على المقود مرة أخرى وسط دوي الرصاص خلفهما حتى 
اختفى المحفر وسط غمامة الأتربة المنبعثة على الطريق. 

"لا أدري ما يحتويه هذا الصندوق» ولكن على كل حال» أتمنى أن يكون به ما 
يستحق هذا العناء يا تارا". 


124 


18 





gt 


في الوقت الذي وصل فيه خليفة إلى منزله وكان ذلك عند الظهيرةء كان متعباء 
وبالكاد يستطيع فتح عينيه. 

ماإن وصل إلى المنزلء» حتى قفز ابنه علي بين يديه» قائلا "أبي» أبي هل 
يمكنني الحصول على بوق للاحتفال بعيد أبو حجاج؟" 

كان عيد أبو حجاج على وشك البدء في غضون يومين. وعلى مدار أسابيع؛ كان 
علي ورفاقه في الدراسة يزيّنون موكب الأطفال» وكان الطفل لا يستطيع كتمان 
حماسته لهذا الاحتفال. 

"هل يمكنني ذلك يا أبي؟ أخذ علي يجذب سترة والده» ويقول 'لقد حصل 
مصطفى على واحد وكذلك سعيد". 

حمله خليفة؛ ومسح على رأسه؛ وقال له 'بالطبع يمكنك الحصول على واحد". 

ل الطفل يقفز فرحا بين ذراعي والدم 

"أمي» لقد أخبرني أبي أنه يمكنني الحصول على بوق للاحتفال بعيد أبو حجاج". 

رفع خليفة الطفل على كتفه» وشق طريقه وسط مواد البناء الموجودة في الردهة 
الأمامية» بينما كانت زينب جالسة برضيعها على الأريكة وبجوارها حي سماء 
وزوجها حسني. ما إن رأى خليفة زوج شقيقة زوجته حتى استاء في نفسه وقال "أهلا 
سماء» أهلا حسني". نهض حسنيء وعانقه خليفة بينما جرى عليء واختبأ خلف الأريكة. 

كان حسني وزوجته قد أتيا للتو من القاهرة. أخبرته زينب بذلك بنبرة يشوبها 
شيء من اللوم. فغالبا توسلت إلى خليفة لكي يصطحبها إلى القاهرة لبضعة أيام» ولكنه 
لم يتمكن من ذلك لسبب أو لآخر فضلا عن عدم قدرتهما ماديا على ذلك. 

125 


قالت سماء متباهية 'لقد سافرنا بالطائرة لأنها أسرع كثيرا من القطار". 

أضاف حسني 'لقد كنا ننجز بعض الأعمال فقد تعين علي لقاء مورد جديد . 

كان حسني يتاجر في زيوت الطعام» وقلما تحدث عن شيء آخر غيرها. 

"أتعرف يا خليفة؟ إننا نواجه صعوبة كبيرة في الوفاء بالطلب على زيوت الطعام 
حاليا. فالناس يريدون الأكل؛ والأكل يتطلب زيتا ولهذا فهو سوق لا ينضب . 

افتعل خليفة تعبيرا يفيد عن اهتمامه بما يقوله حسني. 

"لا أدري إذا ما كانت زينب قد أخبرتك بذلك أم لاء ولكننا على وشك طرح نوع 
جديد من زيوت الطعام أغلى من النوع التقليدي؛ ولكن جودته لا تقارن. ربما أرسل 
لكم صفيحتين إذا أردتم ذلك". 

قال خليفة "أشكركء بالطبع نود ذلك أليس كذلك يا زينب؟' 

نظر خليفة إلى زوجته التي اصطنعت ابتسامة لتوهم حسني أنها مهتمة بعمله. 

قالت زينب "هيا بنا يا سماء فلنترك الرجلين ليتحدثا. أتريد كوب كركديه يا 
حسني؟ ْ 

'بالتأكيد أنا أحب ذلك". 

'وأنت يا خليفة". 

انعم» أريد كوبا من فضلك". 

ذهبت زينب وسماء إلى المطبخ؛ وجلس خليفة وحسني يتجنبان أن تلتقي أعينهما 
وسط حرج شديد. 

خيّم صمت طويل قبل أن يتحدث حسني قائلا "كيف حالك عملكء هل أمسكت 
بمجرمين اليوم؟ 

كان حسني غير مكترث بعمل خليفة أكثر من عدم اكتراث خليفة بتجارته في 
زيوت الطعام. في الحقيقةء كان حسني يكره عمل الشرطة حيث يتعين عليك العمل 
على مدار اليوم مقابل راتب ضئيل! لا شك أن زينب تزوجت من شخص أقل منها 
مكانة. بالتأكيد كانت هناك خيارات أسوأء ولكن في نفس الوقت كان أمامها خيار 
أفضل كالارتباط بشخص يتاجر في زيوت الطعام مثلا في سوق لا ينضب» وتزداد 
فيه الأرباح كلما طرحت أنواع جديدة من الزيوت. 

أجاب خليفة "لاء ليس اليوم". 

ماذا تقصد؟' 

'أقصد أنني لم أقبض على أي مجرمين اليوم". 

126 


'حسناء هل هذا جيد أم سيئ؟" توقف حسني فجأة محاولا تجاذب أطراف الحديث 
مرة أخرى. 'سمعت أنك تقدمت بطلب ترقية؛ أتعتق تقد أنك ستحصل عليها؟" 

ومأ خليفة بالإيجاب. 

"أعتقد أن الأمر سيتم إذا أراد رئيسك!" 

ضحك حسني بصوت مرتفع على هذه المزحة وهو يضرب على ذراع الأريكة. 

نادى حسني بأعلى صوته قائلا "سماء لقد قال خليفة إنه سيحصل على الترقية؛ 
وأنا قلت له إذا أراد رئيسك". 

ضحكت سماء بصوت مسموع من المطبخ لأنها استمتعت بهذه المزحة تماما 
كزوجها. وفي هذا الوقت ظهر علي من وراء الأريكة ممسكا بالوسادة ويستعد لضرب 
حسني على رأسه بها غير أن والده نظر إليه فاختبأ الولد مرة أخرى. 

بعد صمت طويل سأل حسني "ماذا عن النافورة؟" 

'كل شيء على ما يرامء هل تود إلقاء نظرة عليها؟" 

ولم لا؟' 

ذهب الرجلان إلى الردهةء ووقفا أمام الأسمنت والدهان ينظران بأسف إلى 
الحفرة البلاستيكية التي يتمنى خليفة أن تنبثق منها نافورة ذات يوم. 

لاحظ حسني أن المكان ضيق على ذلك بعض الشيء. 

'سيتسع المكان أكثر وأكثر بعد أن نزيل هذه الأشياء". 

'من أين سيأتي الماء؟" 

سنعمل على مد وصلة من المطبخ. 

"لا أدري لماذا لم تقم ب....'" 

في هذه اللحظة تدخل علي الذي أتى مهرولا خلفهماء ويحمل في يده فرشاة ينقر 
بهافوق عبوة دهان أبيضء وإذا بالعبوة تسقط وتمتلىع الأرضية الخرسانية بدهان 


أبيض- رمادي. 
صرخ خليفة قائلا "اللعنة يا على". ثم نادى على زينب لتحضر قطعة قماش حتى 
يمسح الأرضية. 


نظرت زينب من المطبخ» وقالت إنها لن تلوث قطعة قماش من أجل ذلكء بل 
طلبت من خليفة أن يستخدم إحدى الجرائد القديمة. 
ليست لدي جرائد قديمة". 
قال حسني 'لدي نسخة قديمة من جريدة الأهرام في حقيبتي يمكنك استخدامها". 
127 


ذهب حسني؟ وأحضر الجريدة من الغرفة الأخرىء وبدأ يضع ورقة تلو الأخرى 
على الدهان. 

'هل ترى يا خليفة؟ إنها رائعة في امتصاص الدهان . 

أخذ حسني ورقة أخرى ليضعها على الدهان» ولكن خليفة جذب ذراعه وقال 
'انتظر !" 

جثا خليفة على ركبتيه» وسأله 'ما هو تاريخ هذه الجريدة؟؟ 

ما هو تاريخها؟" 

ارتبك حسني» وقال "أمس". 

كانت إحدى ركبتي خليفة في الدهان» ولكنه لم يكترث؛ وظل يميل أكثرء ويقرأ 
شيئا ما مكتوبا في أسفل يمين الصفحة وإصبعه يجول جيئة وذهابا على الكلام. جلس 
على بجوار والده» وجعل إصبعه يجول جيئة وذهابا مثله تماما. 

قال خليفة لنفسه "أمس! لقد لقي ناير حتفه يوم الجمعة» يبدو أنهما لقيا حتفهما في 
نفس اليوم...". 

نهض خليفة واقفا وإحدى ركبتيه عليها بقعة دهان» وقال "اللعنة". 

نهض علي هو الآخرء وقال "اللعنة". 

سأل حسني "ماذا هناك؟" 

تجاهله خليفةء وتوجه إلى المطبخ» وقد نسي التعب والإرهاق وقال لزوجته 
'يتعين علي الذهاب الآن". 

'إلى أين؟' 

"إلى القاهرة؟" 

"القاهرة!" 

لوهلة كانت زينب على وشك الدخول في مشاجرة معه. ولكنها سرعان ما 
اقتربت منه؛ وقبلته على جبينه» وأخبرته أن ينتظر حتى تحضر له بنطالا نظيفا. 

في الردهةء كان حسني يقرأ المقالة التي انتهى منها خليفة لتوهء حيث كانت هناك 
صورة لرجل عجوز ذي رقعة على عينه والخبر تحت الصورة على النحو التالي 
تاجر آثار بالقاهرة يلقى حتفه بصورة وحشية. هز حسني رأسه وقال "هذه الأشياء لا 
تحدث أبدا في تجارة زيوت الطعام". 


128 


19 
القاهرة 


لم يتحدث أي منهما في طريق عودتهما للقاهرة» حيث صب دائيل تركيزه على 
القيادة» وعيناه على المرآة باستمرار ليتأكد من أن أحدا لا يتبعهماء بينما كانت تارا 
تنظر بشغف إلى الحقيبة على رجليها. ولم ينكسر هذا الصمت إلا عندما دخلا إلى 
طريق القاهرة - الجيزة» وانحرفا إلى اليمين؛ لتجنب ازدحام المرورء والتوجه إلى 
وسط المدينةء عندها بدأ دانيل في الحديث. 

"متأسف يا تاراء ولكنك لا تدركين خطورة الأمرء فهؤلاء الرجال هم أتباع سيف 
الثأر كما يبدو من الندبة التي على جبين كل منهم". 

أخذت تارا تعبث في سحابة الحقيبة متسائلة "من هو سيف الثأر الذي أسمع اسمه 
باستمرار . 

قال دانيلء وهو يتفادى رجلا يركب دراجة» ويضع على رأسه لوحا من 
الخشب عليه خبز 'إنه زعيم أصولي ينادي بالقومية المصرية والتطرف الديني. 
وكل ما هو معروف عنه هو أنه ظهر في أواخر الثمانينيات» وأخذ يرتكب عمليات 
قتل منذ ذلك الحين» معظم ضحاياه من الأجانب» فضلا عن تفجيره لسيارة السفير 
الأمريكي منذ عام تقريباء ولهذا ترصد الحكومة مكافأة قدرها مليون دولار لمن يلقي 

التفت دانيل نحوهاء وابتسم ممازحا. 

'"هنيئا لك يا تاراء لقد صرت عدوا لأخطر رجل في مصر. يا الله". 

خيّم الصمت عليهما وهما يجتازان مسافة نحو كيلومترين متوغلين أكثر وأكثر 
في المدينة» قبل أن يعبرا جسرا علوياء ثم يتوقفا تماما في الازدحام المروري لمدة 


129 


خمس دقائق. انحرف دانيل بالسيارة للاتجاه المقابل» وأوقفها في شارع جانبي غير 
نظيفء ثم خرجا منها. 

"لابد أن نحاول الخروج من هذا الشارع فهو مكشوف تماما. لا أعتقد أنهم 
يتبعونناء ولكن لا يمكن التأكد من ذلك فلديهم أعين في كل مكان". 

بدأ دانيل وتارا يمشيان حتى وصلا إلى خط من السياج يحيط بمكان اعتقدت تارا 
في بادئ الأمر أنه مرآب كبيرء ولكن بعد وهلة اتضح أنه حديقة للحيوانات؛ يقع 
مدخلها على بعد ثلاثين مترا. أخذ دانيل بيدهاء وتوجها إلى الداخل قائلا 'لن يرانا أحد 
هناء كما أنه يوجد هاتف عمومي يمكن أن نستخدمه". 

دفع دانیل عشرين قرشا ثمن تذكرتي دخولء؛ وتوجّه نحو الأبواب الدوارة. هدأت 
ضوضاء المدينة قليلا حتى خيم هدوء تام» وتصاعد صوت الطيور ر 
الأفجارء والعائلات جالسة في كل مكانء والأحبة يمسكون بأيدي بعضهم البعض 
وسط صوت مياه جارية من مكان قريب. 

جلس الاثنان أسفل شجرة وارفة الظلء وأعينهما تجول جيئة وذهابا خوفا من 
وجود من يتعقبهما. مر الاثنان بجوار بركة وحيد القرن» وبيت القردة» وبركة كلب 
البحرء وبحيرة مليئة بالطيور المائية قبل أن يصلا إلى شجرة ضخمة أسفلها مقعد 
حجري جلسا عليه. كان الهاتف العمومي على بعد خمسة أمتار فقط؛ وأمامها قفص 
لأحد الأفيال العابسةء وقدمه موثقة بسلسلة كبيرة في السياج الحديدي. تفحص دانيل 
المماشي المجاورة ثم أخذ حقيبة ظهر تاراء وفتحهاء وأخرج الصندوق. 

أخذ يقرأ الأشياء الأولى أولا لقد عرفنا ما ذلك. 

نظر دانيل حوله مرة أخرىء ثم أزال الوثاق» ورفع الغطاءء حيث وجد داخل 
ایی د مما مارك في ررال جرائد وموضوعا على كومة من القش وقد 
أصقت به بطاقة صغيرة كتب عليها: 

تارا تخيلت أن هذه الهدية ستكون مناسبة لك. مع حبي دائماء والدك. 

نظر دانيل إلى تاراء ثم فتح هذا الشيء بعد أن أزال ورق الجرائد» وظهر ما 
يبدو وكأنه جزء من حجر جبسي شبه مستطيل بحواف غير مستوية» وسطحه أصفر 
باهت به ثلاتثة أعمدة من الأشكال الهيروغليفية السوداء تصل إلى نهاية القطعة 
الحجرية بينما يشكل جزء آخر من الحجر عمودا رابعا غير كامل. كانت الأشكال 
تشير إلى خط من الثعابين رؤوسها موجهة نحو الأسفل» وهو ما اعتقدت تارا أنه 
السبب وراء اختيار والدها لهذه الهدية؛ أي لمعرفته مدى حبها للثعابين. 


130 


رفع دانيل القطعة الحجريةء وأخذ يحدق بهاء وكأنه يتأكد من أنها غير مزيفة. 

سألت تارا "هل تعرف ما هي". 

لم يجب دانيل على الفور حتى أعادت تارا السؤال مرة أخرى. 

'إنه حجر جبسي من إحدى المقابرء وربما تكون هذه الرموز الهيروغليفية جزءا 
من نص أكبر حيث كما ترين هنا يوجد جزء مفقود تشير إليه هذه الكلمة المنقسمة إلى 
شطرين. إنها تحفة رائعة". قالها وهو يبتسم مزهوا بنفسه. 

سألت تارا "هل هي أصلية". 





'بالطبع؛ وهي ترجع إلى الحقبة الأخيرة كما يبدو من شكلها. ربما ترجع إلى 
العصر اليوناني أو الروماني. ومن الممكن أيضا أن ترجع إلى فترة الاحتلال الفارسي 
وليس قبل ذلك. أكاد أجزم أنها من الأقصر". 

"لماذا أنت متأكد هكذا؟" 

نظر إلى ورقة الجرائدء وكان مكتوبا عليها باللغة العربية الأقصرء "لا شك أنها 
جريدة محلية تصدر هناك". 

أخذت تارا القطعة الحجرية منه» وحدقت بهاء وهي تهز رأسها قائلة "لا أفهم 
لماذا اشتراها أبي طالما أنها أصلية» فقد كان يبغض الاتجار بالآثار وكثيرا ما كان 
يتحدث عن مدى إضرارها بالاثار”". 


131 


قال دانيل 'ربما اعتقد أنها مزيفة» فهي لا ترجع إلى الحقبة المتخصص بها والدك. 
فإن لم تكوني خبيرة في مقابر الأسر الأخيرة» فلن يمكنك التعرف على الفارق بينها وبين 
المزيفة. ولو أنها ترجع إلى حقبة المملكة القديمة لأدرك والدك على الفور أنها أصلية". 

تنهدت تارا قائلة 'يا لوالدي المسكينء لا بد أن هذ الحقيقة كانت لتصعقه". أعطت 
تارا القطعة الحجرية لدانيل مرة أخرىء وسألته ماذا تعني هذه الرموز الهيروغليفية؟ 

وضع دانيل الحجر على فخذيه»ء وأخذ يتفحض النص. 

'إنه يقرأ من اليمين إلى اليسار فدوما ما يكون النص موجودا على وجوه 
العلامات. فالعمود الأول يقول في الشهر الثالث من فصل الشتاء والعمود الثاني 
يحتوي على اسم ولكنه ليس اسم علم وإنما لقب على الأرجحء وهو بالتأكيد ليس جزءا 
من لقب ملكي أو على الأقل لقب لم أسمع به من قبل". 

أخذ دانيل يفكر للحظة»ء وهو يكرر الاسم, ثم حرّك إصبعه نحو العمود الثاني من 
النص» وقال 'ينص العمود الثاني أنه على بعد تسعين إيترو وهي وحدة قياس لدى 
المسصريين القدماء". أما العمود الثالث فيقول "كانت هناك عاصفة كبيرة» ويوجد في 
آخر العمود رقم ولكن من المستحيل قراءته. وهذا كل شيء". 

حملق دانيل للحظة بالقطعة الحجرية قبل أن يعطيها إلى تارا لتضعها في 
الصندوق ثم في الحقيبة. 

"لابد أنها ستكون نادرة للغاية لو أنها ترجع إلى مقبرة طيبة في الفترة الأخيرة. 
وحتى لو أن الأمر كذلك فهي لن تساوي سوى بضع مئات من الدولارات ولا تستحق 
القتل من أجلها". 

"إذاء لماذا بسعى هؤلاء الأشخاص وراءها؟" 

"الله أعلم؛ ربما يريدون تكملة النص. ولكن ما هي أهمية هدا النص؟ ليست لدي 
أدنى فكرة". أخرج دانيل سيجاراء وأشعله» ووقف وهو ينفث سحابة من الدخان. فجأة 
قال دائيل "انتظري هنا". 

تَوجّه دانيل إلى الهاتف العموميء ورفع السماعة؛ وأدخل بطاقة الهاتف في 
الفقتحة المخصصة لذلك» وأخذ ينظر إليها لوهلة قبل أن يستديرء ويبدأ في الحديث لمدة 
ثلاث دقائقء؛ وبدا للحظات يومئ بغضبء ثم وضع السماعة» وعاد إلى المقعد 
الحجري مرة أخرى وجبينه يتصبب عرقا. . 

بدأدانيل في الحديث 'لقد كانوا في الفندق» ثلاثة منهم قلبوا غرفتي رأسا على 
عقب» وقد كان مالك الفندق خائفا للغاية» يا اللهء يالها من فوضى". 


132 


انحنى دانيل للأمام» وهو يحك رأسه حيث أتت فتاة صغيرة ونظرت إليه» 
وضحكت» وانطلقت في طريقها بينما القرد يقفز في القفص المجاور. 
قالت تارا "لابد أن نذهب للشرطة". 
علق دانيل ساخرا 'بعد أن استولينا على سيارة» وقتلنا اثنين من المصريين؟ 
أعتقد أنه أمر غير مناسب". 
'لقد كنا ندافع عن أنفسناء فهم إرهابيون". 
'لن تنظر الشرطة إلى الأمر من هذه الناحية» صدقيني» أنا أعرف كيف يفكرون هنا". 
"أعتقد أن علينا...". 
قلت لا يا تارا إن ذلك سيزيد الأمر سوءا". خيّم الصمت لفترة حتى قالت تارا 
'هل سنظل قابعين هنا؟" 
أخيراء نطق دائيل قائلا "السفارة» سنذهب إلى السفارة البريطانية فهذا هو المكان 
الوحيد الآمنء فنحن عالقان هنا وبحاجة إلى الحماية". 
أومأت تارا برأسها إيجابا. 
سألها دانيل "هل لديك الرقه؟" 
أخذت تارا تبحث في جيبهاء وأخرجت البطاقة التي أعطاها إياها سكويرز في 
اليوم السابق. 
'حسناء اتصلي بهء وأخبريه ماذا حدث وأننا بحاجة إلى مساعدة عاجلة". 
أعطاها دانيل بطاقة الهاتف الخاصة به» وتوجهت تارا إلى الهاتف العمومي 
واتصلت بالرقم؛ حيث رد الطرف الآخر بعد رنتين فقط. 
جاء الصوت من الطرف الآخر على النحو التالي: 
تشارلز سکویرز . 
بصو ته الهادئ الحنون. 
سید سكویرز؟ معك تارا مولراي". 
'أهلا آنسة تارا". لم يبد على الرجل الدهشة لسماع صوتهاء "هل كل شيء على 
ما يراه؟" 
"لاء لا ليس على ما يرام. أنا مع صديق هنا وقد...". 


1 


صدبق؟" 
توضيح- الأمر عبر الهاتف» لقد وقع لنا شيء ما". 
133 


يبصع 


خيّم الصمتء ثم تحدث بعد وهلة. 

"هل يمكنك أن تكوني أكثر تحديدا؟' 

'شخص ما يحاول قتلنا". 

u 

'نعم» يريدون قتلناء ونحن بحاجة إلى حماية . 

خيّم الصمت لوهلة مرة أخرى. 

هل لهذا الأمر علاقة بالرجل الذي أخبرتنا عنه بالأمس؟ الرجل الذي كان يتعقبك؟" 
'نعم» لقد وجدنا شيئا وهم يريدون قتلنا من أجله". 

كانت تارا تدرك أن كلامها غير منطقي. 

قال الرجل بهدوء 'حسناء دعينا نتحلى بالهدوء. أين أنت الآن؟" 

في القاهرة» في حديقة الحيوانات . 

في أي مكان بحديقة الحيوانات؟' 

'بالقرب من قفص الفيل . 

'وهل معك القطعة الأثر ية؟" 

صمت الرجل للحظة؛ء وشعرت تارا كما لو أنه يتحدث إلى شخص بجواره وهو 
يده على السماعة. 

"حسناء سأرسل لك كريسبن على الفورء فقط ابقي أنت وصديقك في مكانكماء هل 


تفهمين؟ ابقيا في مكانكماء وسنحضر إليكما بأسرع ما يمكن". 


کل شيء سيكون على ما.يرام ٠.‏ 

"أشكرك". 

"أراك عما قريب» ووضع الرجل السماعة". 

عادت تاراء وجلست بجوار دانيل الذي سألها "ماذا فعلت؟" 

'سيرسلون شخصا ما إلى هناء لقد طلب مني البقاء في مكاننا". 

خَيّم الصمت لفترة قبل أن ينفث دانيل دخان السيجارء بينما تارا تنظر إلى 


حقيبتها وهي تأمل أن توضح هذه القطعة الأثرية غموض الأمر برمته» ولكن الأمر لم 
يكن كذلك حيث ظهر سطر رابع به رموز تزيد الأمر تعقيداء ولهذا شعرت تارا 
بالحيرة والخوف. 


134 


أخيرا نطقت تاراء ربما يمتطيع الدكتور جمال المساعدة. 

رفع دانيل حاجبيه متسائلاء "من هو الدكتور جمال". 

'إنه صديق قديم لوالدي التقيته بالأمس عندما كنت في السفارة» وربما يعرف ما 
هي أهمية هذه القطعة". 

هن دائيل كتفيه قائلا "لم أسمع به من قبل". 

'إنه نائب مدير المجلس الأعلى للآثار". 

إن محمد فيصل هو من يشغل هذا المنصب يا تارا . 

'حسناء إنه يشغل منصبا ما في إدارة الآثار'. 

صمت الاثنان لفترة قبل أن يسأل دانيل "من هو جمال؟' 

"اسمه شريف جمال تماما كاسم الممثل الشهير عمر الشريف". 

"لم أسمع به من قبل". 

'هل تعرف كل من يعملون في هذا المجال؟” 

'بالتأكيدء لو أنه يشغل منصبا مهماء فيجب أن أعرفهء فأنا أتعامل مع ذوي 
المناصب المهمة بشكل يومي". رفع دانيل السيجار أمام وجهه مرة أخرىء ولكن هذه 
المرة لم يدخنه وإنما أخذ ينظر إليه فقطء وسأل تارا "ماذا قال الدكتور جمال هذا؟"' 

لم يقل الكثير» فقط أوضح أنه عمل مع والدي في سقارة؛ وأنهما عثرا على 
مقبرة معا في العام 1972» أي في العام الذي ولدت فيه". 

'أي مقبرة". 

"لا أذكرء حتب أو شيء كهذا". 

'تباح حوتب؟” 

'نعمء هذه هي المقبرة التي أخبرني عنها". 

تساءل دانيل "مع من تحدثت؟" 

'ماذا؟”" 

مع من تحدنت في السفارة؟ 

'لماذا؟ ماذا هناك؟" 

زاد العرق على جبين دانيل» وظهرت نظرة غير مريحة في عينيه. القد عدر 
والدك على المقبرة في العام 1963ء أي في العام الذي ولدت أنا فيه» وكان ذلك في 
أبيدوس وليس في سقارة". فجأة ألقى دانيل بالسيجار» ونهض واقفاء "مع من تحدثت 
لتوك؟" سألها بنبرة سريعة. "'تحدثت مع تشارلز سكويرزء الملحق الثقافي". 

135 


'ماذا قال لك؟" 

أخبرني أن أنتظر هناء وأنهم سيرسلون شخصا ما ليصطحبنا". 

'هل هذا كل شيء؟ هل أخبرته أين نحن؟' 

'بالطبع أخبرته» بالله عليك كيف سيعثر علينا لو لم أفعل ذلك" 

'ماذا عن القطعة الأثرية؟ هل أخبرته عنها؟" 

"'نعم» لقد قلت إننا...". 

'ماذا؟" 

انتابها إحساس غير مطمئن. 

'لقد سألني هل لا نزال نملك القطعة الأثرية". 

'وماذا في ذلك؟" 

ازداد الإحساس سوءا. 

'أنا لم أخبره أن ما لدينا هو قطعة أثرية» لقد قلت إننا عثرنا على شيء ما". 

لم يحرك دانيل ساكناء ثم فجأة أمسك بذراعها وجعلها تنهض. "هيا سنخرج من هنا . 

اولكن هذا جنون» لماذا سيكذبون علينا في السفارة؟” 

"لا أدري»ء ولكن الدكتور جمال هذا ليس كما أخبرك» ولو أن ذلك صحيح 
فبالتأكيد لن يكون صديقك الملحق الثقافي ملحقا ثقافيا أيضا". 

'ولكن لماذا؟ لماذا؟" 

لقد أخبرتك» لا أدري لماذاء ولكن يتعين علينا مغادرة هذا المكان الان» هيا بنا". 

لم يكن دانيل مخطئا في حدسه. لذا أمسك بحقيبة ظهرهاء وانطلقا بسرعة بجوار 
قفص الفيل» وهرولا في طريق مؤدية إلى تلة تغطيها الأشجارء وعندما وصلا إلى 
أعلى التلة استداراء ونظرا خلفهما. 

"انظري!" 

أشار دانيل إلى ثلاثة رجال يرتدون زيا يتكون من حلة سوداء ونظارة سوداء. 
وقفوا بجوار المقعد الحجري الذي كانا يجلسان عليهء وتوجه أحدهم إلى كابينة الهاتف 
العمومي» ونظر بداخلهاء. ٠‏ 

تساءلت تارا "من هو لاء . 

"لا أدريء ولكنهم ليسوا هنا للتنزه» هيا دعينا نرحل عن هنا قبل أن يرونا". 

استدار الاثنان» وجريا عبر الجانب الآخر من التل. للخروج من حديقة الحيوانات. 
وما إن وصلا إلى الشار ع» حتى نادى دانيل على سيارة أجرة» وركبا فيها على الفور. 

136 


قال دانيل "أشعر أننا في خطر يا تارا". قالها وهو ينظر عبر الزجاج الخلفي 
للسيارة؛ مضيفا في خطر كبير . 
رفع سكويرز سماعة الهاتف قبل أن يكتمل الرنين الأول. 


آ1 1 


نعم 

جاء الصوت من الطرف الأخير سريعاء حيث استمع سكويرزء وهو يمسك 
السماعة بيده بينما كان يزيل غلاف قطعة حلوى. لم ينطق سكويرز بكلمة» وظل 
وجهه بلا أي انطباعات. ما إن انتهى الشخص الآخر من حديثه» حتى قال سكويرز 
'شكراء استمر في البحث". ووضع السماعة. 

الآن أصبحت الحلوى بلا غلاف» ولكن بدلا من وضعها في فمه» وضعها 
بحرص على المكتب أمامه» وأجرى ثلاث مكالمات متتابعة» وفي كل مرة كان يكرر 
نفس العبارة 'لقد حصلت عليها". ثم يضع السماعة. بعد أن انتهى من المكالمة الثالثةء 
أراح سكويرز ظهره للخلف» وأمسك بالحلوى» ووضعها في فمه. 

ظل الرجل بلا حراك للحظة» وعيناه شبه مغلقتين» وأطراف أصابعه ماتلة أمام 
وجهه وكأنه يتأمل. ما إن انتهى من قطعة الحلوى حتى اعتدل في جلسته» وفتح أحد 
الجوارير أمامهء وأخرج كتابا ذا غلاف سميكء وعلى الغلاف صورة لحائط ذي ألوان 
متعددة لرموز هيروغليفية تحت عنوان فن الدفن في الفترة الأخيرة في مقابر طيبة 
لمؤلفه دانيل لاكاج. 

سحب الرجل نظارته قليلا حتى صارت فوق أنفه تماماء واسترخى للوراءء وفتح 
المجلد واضعا قدما فوق الأخرى مزهوا بنفسه. 


137 


20 
الأقصر 


أصر” خليفة على أن هناك علاقة بين الحادتين. 

كان خليفة يجلس في مكتب كبير منظم للغاية في الطابق الأرضي بقسم شرطة 
الأقصرء وأمام طاولة فخمة خلفها كرسي جلدي غاية في الجمال يعود لرئيس المباحث 
عبد الله بن حساني» رئيس خليفة الذي كان جالسا على كرسي صغير. يعكس ترتيب 
لمكب المركز المرموق الذي يشغله الرجل في الشرطة والذي قلما فوت فرصة 
ليظهر أنه الشخص الذي بيده الحل والربط. 

تنهد حساني› وقال "حسناء أخبرني عن ذلك مرة أخرى ولكن بهدوء". 

لم يتفق الاثنان على شيء قط. وكان خليفة يبغضه لأنه يعتمد على الروتين في كل 
شيءء بينما لم يكن حساني يثق كثيرا في كفاءة خليفة كرجل شرطة نظرا لاستعداده الدائم 
للاستغراق في الخيال أكثر من الحقائق المجردة؛ وإعجابه الشديد بالعصور القديمة. كان 
حساني رجلا يؤمن بالحقائق فقط وليس لديه وقت للتفكير في الأشياء التي حدثت منذ ألاف 
السنين» إذ ينصب اهتمامه على حل الجرائم القائمة أمامه في التو واللحظة» ولا يتأتى ذلك 
إلا من خلال العمل الجاد» والاهتمام بأدق التفاصيل» واحترام الرؤساء وليس عن طريق 
تخيّل أشخاص يصعب نطق أسمائهم ماتوا منذ ثلاثة آلاف عام» فالتاريخ بالنسبة له تشتيت 
للفكر وانغماس في الماضيء وبناء على ما تقدم» إنه يعتبر خليفة رجلا مشتتا ومستغرقا 
في الماضي. لهذا السبب كان حساني يعارض ترقية خليفة؛ ويعتبره مفتقرا إلى مقومات 
العمل كمحقق وإنما كان من الأفضل له أن يعمل في مكتبة وليس في الشرطه. 

تحدث خليفة قائلا 'طبقا للتقرير الوارد في الجريدة» فإن هذا الرجل المدعو إكبار 
وُجد في محله الخاص ووجهه وجسده مشوهان تماما . 


138 


'ما هي هذه الجريدة؟” 

"الأهرام". 

أشار إليه حساني للاستمرار في كلامه. 

'فالجروح الموجودة على جسد الرجل هي نفسها الموجودة على جسد ناير. وناير 
كان يعمل في الآثارء وكذلك إكبار أو على الأقل لديه محل للآثار أي أنهما ينتميان إلى 
نفس المجالء ولقيا حتفهما بنفس الطريقة بفارق زمني هو يوم واحد. إذاء الأمر ليس 
محض صدفة. خاصة إذا ما تأكدنا من التذكرة التي عثرنا عليها في جيب ناير والتي تفيد 
أنه كان في القاهرة في اليوم السابق لمقتل إكبار. لا بد أن هناك علاقة بين الحادثين". 

'هل هناك دليل واضح على ذلك؟ أنا لا أريد تخمينات» أريد حقائق فقط". 

'"حسناء لم أقرأ التقرير الطبي القادم من القاهرة بعد..." 

'إذاء قد يكون هناك اختلاف في طريقة مصرع الرجلين؛ وأنت بالتأكيد على 
دراية بأن الجرائد دوما ما تبالغ في هذه الأمورء خاصة الجرائد التي هي من مستوى 
جريدة الأهرام". 

كرر خليفة كلامه مرة أخرىء 'لم أقرأ التقرير الطبي القادم من القاهرة بعد 
ولكنني متأكد أن الاثنين لقيا مصرعهما بنفس الطريقة". 

'حسناء ما هي نظريتك؟" 

"أعتقد أن ناير قد عثر على مقبرة..." 

"لا شك أنك ستزج بالمقابر في هذا الأمر". 

استأنف خليفة حديته "أو أن شخصا آخر قد عثر عليهاء وعلم ناير بالأمرء ولابد 
أنها مقبرة كبيرة. ذهب ناير إلى القاهرة» وباع بعض الأشياء إلى إكبار» وحصل على 
المقابل» وعاد إلى الأقصر. ولابد أنه أعتقد أن الحياة ابتسمت له غير أن شخصا ما لم 
تعجبه فكرة اقتسام الغنيمة". 

"هذه مجرد تخمينات يا خليفة» إنها محض تخمينات". 

تجاهل خليفة هذا التعليق» واستمر في حديته. 

'ربما أخذ ناير شيئا ثميناء وأراد هؤلاء الأشخاص استرجاعه مرة أخرى. ربما 
يكون مجرد معرفته بوجود المقبرة أمرا كافيا لقتله» أو ربما الأمران معا. بغض 
النظر عن السبب» فقد وصل هؤلاء الأشخاص إلى نايرء وعذبوه ليعترف بأسماء من 
يعرفون بأمر المقبرة» ثم ذهبوا إلى إكبارء وفعلوا به نفس الأمرء ولو لم نصل إليهم 
فسيفعلون ذلك بآخرين". 

139 


'من هم هؤلاء الأشخاص؟ من هم هؤلاء المجانين المستعدون لذبح أي شخص 
مقادل حفنة من الآثار الترابية؟" 

بدا الأمر وكأن حساني يحاول كبح جماح خيال طفل صغير. . توقف خليفة لوهلة 
قبل أن يجيب 

الدي ما يبرر تورط سيف الثأر في ذلك". 

صرخ حساني قائلا "ل١‏ با خليفةء وكأنك غير مكتف بوجود سفاح في القضيةء 
حتى تزج بسيف التأر أيضاء ما هو دليلك على ذلك؟ 

'لدي مصدر معلومات 

"من هو مصدرك؟ 

'أحد الأشخاص العاملين في الدير البحريء بالمعبد هناك حيث كان حارسا . 

کان ؟' 

القد أصيب بالمجزرة التي حصلت بالمعبد. 

'الآن؟ ماذا يعمل هذا الشخص؟' 

ضغط خليفة على شفتيه مدركا تعليق حساني على ما سيقوله. 'إنه ينظف دورات 
المياه". 

'با للروعة. مصدر معلوماتك عامل تنظيف دورات مياه'. 
' "إنه يعرف مأيدور في الأقصر بأسرها أكثر من أي شخص آخر. وهو رجل 

'بالتأكيد إنه محل ثقة طالما أن الأمر يتعلق بتنظيف دورات المياه» ولكن بالنسبة 
لعمل الشرطة فهو لا يصلح على الإطلاق . 

أشعل خليفة سيجارة» ونظر من النافذة المطلة على معبد الأقصر في أبهى منظر 
رو و ر ا أن يكون متاحا لهذا الرجل حساني. في هذا 
الوقت ارتفع صوت أذان الظهر من أحد حد المساجد المجاورة. 

اكل تجار الآثار في الأقصر خائفون» ولابد أن هذا يرجع إلى سبب ما يا 
سيدي . 

'"بالطبع هناك سببء وهو بالتأكيد يقبع في رأسك وحدك". 

الو أنني أستطيع التوجه للقاهرة ليوم واحد فقط لاستطلاع الأمر هناك...". 

"إنها محاولة عقيمة يا خليفة. فهذا النايدر أو أيا كان اسمه قد لقي مصرعه على يد 
أحد دائنيه أو أحد الأشخاص الذين سبهم. ألم تقل إن عليه ديونا وكثيرا ما يسب الأخرين؟ 

140 


أومأ خليفة بالإيجاب. 

'بينما لقي إكبار مصرعه على يد أحد اللصوصء هذا إن كان قد لقي مصرعه 
أصلاء ولم يكن ذلك خبرا كاذبا من الجريدة» ومن ثم فهما ليسا ضحيتين لنفس القاتل. 
إنلك تشغل بالك كثيرا بالربط بين الحادتين يا خليفة". 

'إنه مجرد شعور...". 
"المشاعر ليس لها دخل في عمل الشرطة:؛ لا بد أن نعتمد على الحقائق» والتفكير 

الواضح» والأدلة الساطعة أما المشاعر فهي تزيد الأمر غموضا". 

"أتقصد كما كان الأمر في قضية الحمدي؟" 

نظر حساني إلى خليفة بغيظ شديد. 

قضية أمية الحمدي هي إحدى القضايا التي أثارت دهشة كافة العاملين في قسم 
شرطة الأقصرء حيث عثر على جثة الفتاة البالغة من العمر أربعة عشر عاما عارية 
تماما في قاع إحدى الابار. 

تم القبض على أحد الشبان المتخلفين عقليا من أبناء القرية» وأرغموه على 
الاعتراف بارتكاب الجريمة. ولكن هذا الأمر لم يكن مقبولا لدى خليفة» ومن ثم عمل 
في القضية بشكل فرديء ونجح في التوصل إلى أن مرتكب الجريمة هو ابن عم الفتاة 
والذي كان مغرما بها غير أن أحدا لم يعترف بدور خليفة في حل غموض القضية. 
ولكن في نفس الوقت بدأ الجميع ينظرون إليه بمزيد من الاحترام. 

'حسناء ما الذي تريده على وجه التحديد يا خليفة؟ 

'أريد الذهاب إلى القاهرة". قال ذلك وهو يستشعر جانب اللين من رئيسه؛ 
'ومحاولة معرفة ما إذا كانت القضية هناك لها علاقة بقضيتنا هنا. كل ما أحتاجه هو 
يوم واحد فقط". 

استدار حساني بكرسيه نحو النافذة وأصابعه تضرب على المكتب» وكان هناك 
أحد الأشخاص يطرق على الباب. 

قال حساني لمن يطرق على الباب» "انتظر". 

'سأستقل قطار الليل حتى أوفر تكلفة الطائرة". 

"هل ستستقل قطار الليل. نحن لسنا شركة رحلات يا خليفة". واستدار مرة أخرى 
قبالة خليفة وقال له 'يوم واحدء فلتذهب الليلة ولتعد غدا على أن يكون أول شيء على 
مكتبي صباح بعد غد هو تقرير بما توصلت إليه» واضح؟” 

نعم يا سيدي؟' 

141 


نهض خليفة؛ وتوجه إلى الباب. 

'أتمنى أن تكون مصيبا في رأيك وذلك لأنني لا أريد أن أنظر إليك نظرة أقل 
مما أنظرها إليك الآن بالفعل". 

'وماذا إن كنت مصيبا؟" 

"اغرب عن وجهي يا خليفة". 


142 


21 
القاهرة 


سأل سائق التاكسي "إلى أين تريد الذهاب؟" 

أجاب دانيل "إلى أي مكان وسط المدينة". 

'ميدان التحرير؟ 

'نعمء هذا جيد". 

مضى السائق في طريقه. وبعد دقيقتين انحنى دانيل للأمام قليلا وقال له "لا أريد 
الذهاب إلى ميدان التحريرء فلنتوجّه إلى الزمالك إلى شارع عبد العظيم. 

أومأ السائق إيجاباء واسترخى دانيل للخلف مرة أخرى. 

سألت تارا "إلى أين نذهب". 

'سنزور المساعد الخاص بي محمد إسماعيل؛ إنه الشخص الوحيد الذي أثق به 
تقريبا في القاهرة» ولا أستطيع التفكير في أي شخص سواه قد يساعدنا الآن". 

جلس الاثنان معا ينظران من نوافذ السيارة» بينما شق السائق طريقه ببطء وسط 
الازدحام المروري. بعد دقيقتين» مرر دانيل يده حتى أمسك بيد تارا دون أن ينبس أي 
منهما بكلمة أو ينظر إلى الآخر. 

يعتبر حي الزمالك من الأحياء الراقية المليئة بالفيلات والمباني ذات الشقق 
الباهظة الثمن. توقفت السيارة أمام أحد المباني الحديثة ذات الحدائق البهية المنظر 
وردهة مكسوة بال زجاج.ء وبعد أن دفعا الأجرة للسائق» صعدا معا درجات السلم 
المؤدية إلى الباب الرئيسي حيث يوجد عليه جهاز اتصال داخلي ذو لون معدني لامع. 
ضغط دائيل على الزر رقم 43. 


143 


بعد ثلاثين ثانية» ضغط مرة أخرىء وانتظر فترة طويلة قبل أن يصدر صوت 
من لوحة الاتصال. 

"من هناك؟" 

'دانيل لاكاج". 

'يالها من مفاجأة رائعة يا دانيل". جاء الصوت ناعما وموسيقيا. 'مرة أخرى 
أتيت في وقت غير مناسبء؛ هل يمكنك أن..." 

"إنه أمر ملحء أنا بحاجة للتحدث معك". 

خيّم الصمت لفترة. 

"انتظر بالأسفل خمس دقائق» ثم اصعد إلى الطابق الرابع كما تعرف". 

صدر صوت نقرة؛ فدفعا الباب» ودخلا إلى ردهة ذات أرضية مكسوة بالسجاد 
ويسودها هواء بارد. انتظرا خمس دقائق كما طلب الرجلء ثم صعدا إلى الطابق 
الرابع حيث توجد شقة إسماعيل في وسط البهو ذي الأرضية المكسوة بالسجاد وبها 
العديد من صور الآثار القديمة المعلقة على الحائط. طرق دانيل الباب» وانتظر سامعا 
صوت وقع أقدام خفيف يقترب من الباب. 

همس دانيل لتارا "احذري في كل كلمة تقولينهاء وحافظي على الصندوق في 
حقيبتك فمن الأفضل ألا يراه لأنه قد يبيع والدته إذا كان سيربح من ورائها حفنة من 
الجنيهات» وكلما قلت التفاصيل التي سيعرفهاء كان أفضل". 

صدر صوت طقطقة أقفال عدة» تم فتحها واحدا تلو الآخر حتى انفتح الباب. 

'اعتذر عن بقائكما منتظرين» تفضلا بالدخول . 

كان إسماعيل رجلا طويل القامة» شديد النحافة» أصلعء وجلده يلمع وكأنه يضع 
كريما مرطبا. استدار الرجل» واصطحبهما إلى غرفة معيشة واسعة بها القليل من 
الأثاث» ذات أرضية خشبية باهتة وجدران بيضاء وبعض الأثاث الجلدي والمعدني هنا 
وهناك. قرب باب جانبي» لاحظت تارا وجود صبيين صغيرين يرتدي أحدهما رداء 
الاستحمام ولكن الباب أغلق على الفور. 

ابتسم إسماعيل لتارا قائلا "أعتقد أننا لم نلتق من قبل". 

قال دانيل "إنها تارا مولراي صديقة قديمة لي". 

'فرصة سعيدة . 

تقدم إسماعيل خطوة للأمام» وأمسك بيدهاء وقبّل أطراف أصابعها وكأنه يشم 
يدها بأنفه» ثم ترك يدها وأشار لهما بالجلوس على إحدى الأرائك الجلدية الكبيرة. 


144 


شر أب؟” 


انعم» مشروبي المفضل لو سمحت . 

'وأنت آنسة مولراي؟' 

نفس المشروب من فضلك . 

توجه إسماعيل إلى خزانة المشروبات» وسكب لهما كوبين» وأضاف مكعبات من 
الثلج» ثم أعطاهما المشروب» وجلس أمامهما. 

'تساءل دانيل ألن تشرب شيئا؟" 

"ل أفضل المشاهدة فقط". قال إسماعيل ذلك مبتسما. 

أضعل الرجل سيجارة» وأخذ نفسا عميقا. كان حاجباه رفيعين وداكنين للغاية 
حتى أن تارا لاحظت أنه يستخدم إحدى أدوات التجميل ليظهر على هذا النحو. 

"حسناء ما سبب هذه الزيارة المبهجة؟' 

نظر دائيل إلى الرجل» ثم أشاح بوجهه تجاه النافذة وأصابعه تطرق بعصبية على 
حافة الأريكة. ظ 
'نحن بحاجة للمساعدة". 
قال إسماعيل وهو لا يزال مبتسما 'ولكنك دوما من يقدم المساعدة . 
استدار الرجل نحو تارا واضعا قدما فوق الأخرى وهو يسوي أطراف ملابسه بيده. 
'أنا من يطلقون على المساعدء حيث أظل مبتسما حتى يحتاج شخص ما شيئا ما 


علبي 


فيلجأ إليّ وبعد ذلك لا يمكن الاستغناء عني. ولكنها مهنة مربحة". قالها وهو يشير بيده 
إلى الشقة الفاخرة ولكن الكثيبة. "إن رجلا في مثل مهنتي سريعا ما يتعلم أنه ليس 
مقصدا لزيارة اجتماعية فحسبء وإنما- ما هي الكلمة المناسبة - نعم لا بد أن يكون 
لديه جدول أعمال". 

ابتسم الرجل وهو يردد العبارة السابقة» غير أن شيئا في عينيه أوضح أنه يدرك 
تماما السبب من زيارتهما. استرخى الرجل للوراءء وأخذ نفسا عميقا من السيجارةء 
وهو يحدق بالسقف. 

'حسناء ماذا تريد يا دانيل؟ هل لديك مشكلة في تصريح الحفر؟ أو ربما يريد 
ستيفن سبيلبيرج تصوير أحد أعمالك» وترغب في الحصول على التصريحات 
اللازمة؟" 

ضحك الرجل على هذه المزحة» بينما وضع دانيل الكوب من يده وقال 'أنا 
بحاجة لمعلومات . 


145 


'معلومات! كيف يتأتى لرجل مثلى أن ينصح عالما شهيرا مثلك؟ أنا لا أدري ما 
هو هذا الشيء الذي يمكنني معرفته وأنت لا تعرفه» من فضلك ما هو هذا الشيء؟" 
تقدم دانيل للأمام قليلا والأريكة الجلدية أسفله تصدر صوتا إثر حركته؛ وعيناه 
تنظران إلى إسماعيل» ولكن سرعان ما أشاح بوجهه مرة أخرى نحو النافذة» وكأنه لا 
- يرغب في النظر إلى الرجل العجوز. 
<< 'أود معرفة معلومات عن سيف الثأر". 
خيّم الصمت لوهلة. ؤ 
"هل هناك شيء على وجه التحديد؟ أم تريد معلومات عامة فحسب؟' 
"أود معرفة علاقة سيف الثأر بالآثار؟" 
مرة أخرى ساد شيء من التردد في صوت إسماعيل. 
"هل لي أن أسأل لماذا؟" 
'من الأفضل عدم الخوض في التفاصيل لسلامتك وسلامتنا ولكن هناك قطعة 
آثار يريدها الرجل» ونحن نريد أن نعرف السبب وراء ذلك". 
ما هذه الألغاز يا دانيل؟' 
رفع إسماعيل يده اليسرىء وأخذ في تفحص أظفاره؛ بينما وصل إلى مسمع تارا 
صوت هامس من الغرفة المجاورة. 
"هل أنا مصيب إن قلت إن هذه القطعة الأثرية لديكم هنا في حقيبة الآنسة مولراي؟"' 
لم ينبس دانيل أو تارا بكلمة. 
'حسناء صمتكما يفيد بأنني محق". ونظر إلى تارا قائلا "هل يمكنني رؤيتها؟' 
حدقت تارا بالرجل» ثم نظرت إلى دائيل ثم إلى الحقيبة على رجليها بينما 
الصوت الوحيد المسموع هو الصوت الخشن لحنجرة إسماعيل. 
"لا شك أن الدكتور لاكاج طلب منك ألا تريني هذه القطعة. هناك درس آخر 
يتعلمه من يعملون في مثل مهنتي وهي أننا لسنا أهلا للثقة. 
لاداعي لرؤيتها طالما أنكما لا ترغبان في ذلك. ولكن الأمر سيصبح أكثر 
صعوبة عند الإجابة عن سوالكماء وكأنك تلعب الورق واللاعب الذي أمامك لا يظهر 
أيا من أوراقه". 
استمر إسماعيل بتفخص أظفاره. 
'حسناء أنت تريد معلومات عن علاقة سيف الثأر بالآثار؟ يا له من تساؤل» ما 
کے“ 
146 


نهض دانيل قائلا "ما أهمية ذلك بالنسبة لك؟ ثم توجّه إلى خزانة المشروبات» وسكب 
لنفسه كوبا آخرء ويداه ترتعشان. 'أنا اطلب منك مساعدتنا اعتمادا على طبيبة قلبك". 

رفع إسماعيل حاجبيه في تعجب قائلا "حسناء أولا دعني أؤكد أنني مصدر 
المعلومات. ثم .بعد ذلك أنا أكثر رجل محب للخير في العالم؛ ولكن مع انتهاء هذا 
الأمر يصعب علي تحديد شخصيتي". 

'سأعطيك ثلاثمائة أو أربعمائة دولارء لو أن هذا ما تريده'. 

'رجاء يادانيل ربما أكون رجلا عصامياء ولكنني قد وصلت إلى ما أنا عليه 
بعزة نفس؛ أي أنني لست شحاذا في الشارع ألهث وراء الأموال مقابل خدماتي. 
فلتحتفظ بأموالك". 

أخذ الرجل نفسا آخر من السيجارة مبتسماء وكأنه يستمتع بارتباك دانيل. 

"على الرغم من عدم وجود شيء مجاني تماما في هذه الحياة» وخاصة عندما 
يتعلق الأمر بمعلومات عن رجل في خطورة سيف الثأر فلنجعل الأمر دينا بيني وبينك 
على أن ترد لي الدين متى طلبت منك ذلك موافق؟' 

حدق الاثنان ببعضهما البعض لوهلة» حتى أنزل دانيل مشروبه من يده ٠‏ وقال 

موافق". ثم سكب لنفسه كوبا آخرء وعاد إلى الأريكة. 

في هذه اللحظة كانت سيجارة إسماعيل قد حرقت الحامل» فأطفأها في المنفضة 
المعدنية أمامه. 

ادعونا نتفق أولا على أنه لا تربطني أي صلة بسيف الثارء وأن كل ما سأقوله . 
هو محض أنباء تتردد هنا وهناك'. 

'حسناء فلتمض قدما . 

من الواضح أن الرجل كان يمول عملياته في السنوات الأخيرة من خلال اتجاره 

خفية في الآثار". شرع إسماعيل في وضع سيجارة أخرى في الحاملء» وقال 'إنه نه أعلم 
الناس بالآثار المصرية أكثر من معظم الخبراء» ومن ثم فهي مصدر أساسي للدخل 
بالنسبة له. وهي أيضا المصدر الأوحد نظرا لأن كل الجماعات الأخرى لا تجرؤ على ١‏ 
المساس بهذه التجارة؛ حتى مجموعة... نفسها . 

نهض إسماعيل؛ وتوجه ببطء إلى النافذة وأشعة الظهيرة تنعكس على رأسه 
الأصلع وكأن رأسه مصنوع من النحاس الأصفر. 

'تشير معظم الأخبار إلى أن لديه صناعة أكواخ صغيرة. وتأتي هذه الآثار 
الفسروقة من المحافر أو المقابر المكتشفة حديثا أو من مخازن المتاحف» ثم ترسل إلى 


147 


جنوب السودان» ثم إلى الوسطاء في أوروباء والشرق الأقصى لتباع لمن يرغب في 
شرائها. بعد ذلك يتم تسريب الأموال الناجمة عن ذلك إلى المنطقة مرة أخرى حتى 
تستخدم في... حسنا أعرف أنكما على دراية باستخداماتها". 

قالت تارا "هناك رجل ضخم الجثة على وجهه علامة خلقية". 

ظل إسماعيل ينظر من النافذة إلى الشارع ثم قال أخيرا "دافيتش أو دراكيتش أو 
درافيتش» شيء من هذا القبيل. إنه رجل ألماني على ما أعتقد وهو اليد اليمنى لسيف 
الثآأر في مصرء وأخشى أنني لا يمكنني إخباركما المزيد عنه خاصة أن الإشاعات 
التي تتردد حوله ليست جيدة". 

استدار إسماعيل إليهما قائلا "لا أدري ماذا لديكما في الصندوق يا دانيل» ولكن 
كما قلت أنت لو أن سيف الثأر يريده فسيأخذه عاجلا أو آجلا. فالاتجار في الآثار هو 
قوام حياته؛ ولا يعوقه شيء عنه على الإطلاق". 

قال دانيل 'ولكنها عديمة القيمة؛ فلماذا يرغب في الحصول عليها بهذا الإصرار؟"' 

'كيف يمكنني الإجابة عن ذلك دون أن أراها؟ كل ما يسعني قوله هو طالما أنه 
يريدها فسيحصل عليها". 

استرخى إسماعيل للوراءء وأخذ القداحة» وأشعل السيجارة. 

'أعتقد أنني سأجلب لنفسي مشروباء فالجو حار على غير العادة". 

توجه إسماعيل إلى خزانة المشروبات» وسكب لنفسه كوبا من مشروبه المفضل. 

سألت تارا "وماذا عن السفارة البريطانية". 

خيّم الصمت لوهلة» قبل أن يصدر صوت ارتطام مكعب الثلج بالكوب وقال 
اسماعيل "ماذا عنها؟" 

بدأ في صوته شيء خبيث. 

يبدو أنهم يريدون هذا الشيء أيضاء أو على الأقل الملحق الثقافي لدى السفارة". 

وضع إسماعيل ملقط الثلج» وحمل مشروبه؛ وعاد إلى الأريكة. 

"ما الذي دفعك إلى هذا الاعتقاد؟" 

قالت تارا "لأنهم كذبوا علينا". 

أخذ إسماعيل رشفة من مشروبهء وعاد مرة أخرى إلى النافذة» وصمت لوهلة. 

'سأعطيكما نصيحة مجانية» تخلصا من هذه القطعة الأثرية» وغادرا مصر على 
الفور اليوم قبل الغدء لأنكما إن انتظرتما فسيكون مصيركما الموت". 

148 


شعرت تارا بقشعريرة تسري في جسدهاء فأمسكت بيد دانيل وإذا بها مكسوة بالعرق. 

سأل دانيل 'ماذا تعرف يا إسماعيل". ‏ 

"لا أعرف الكثيرء وأنا سعيد بذلك. ولكن أتعرفان شيئا" 

قالت تارا "نعم من فضلك". 

خيّم صمت طويل حتى أنهى إسماعيل مشروبه» ونهض وهو ينفث دخان 
سيجارته والصمت مخيم على المكان دون أدنى صوت من الشارع؛ حتى أن الهمس 
الصادر من الغرفة المجاورة توقف أيضا. ظ 

"هناك... كيف أقول ذلك؟' أخيراء نطق الرجل» وقال "لو أن ما سمعته صحيح 
فإن السفارة البريطانية والأمريكية متورطتان في الاتجار بالاثارء ولكنها محض 
إاشاعات. حيث يتم أخذ الآثار من المتاحف» وتخرج من البلاد تحت غطاء دبلوماسي؛› 
وتباع بالخارج» ويتم إيداع حصيلة ذلك في حسابات خاصة". 

دانيل "يا الله!" 

استأنف إسماعيل "هذه ليست نهاية القصةء حيث تقوم السفارات بتنظيم عملية 
تصدير الآثارء ولكن في الأساس تقوم خدمات الأمن لدينا بترتيب سرقتها أو على 
الأقل أحد العاملبن بها . دانيل هؤلاء الأشخاص لديهم اتصالات في كل مكان» 
ويعرفون كل شيء ولربما يشاهدوننا ويسمعوننا الآن" 

فالت تارا "لابد أن نذهب إلى الشرطة". 

ابتسم إسماعيل ابتسامة خافتة» وقال 'يبدو أنك لم تسمعي ما قلتهء فهو لاء 
الأشخاص هم من الشرطة»ء ولديهم نفوذ لا حدود له. فهم يتلاعبون من حيث لا تدري» 
وعندما يتعلق الأمر بهم» فمن الأهون عليكما التعامل مع سيف الثأر". 

قال دانئيل 'ولكن لماذا؟ لماذا هذه القطعة؟" 

'ليست لدي إجابة عن ذلك فكل ما أراه هو السفارات والمخابرات السرية من 
ناحية": ورفع يده ممسكا بالكوبء 'وسيف الثأر من الناحية الأخرى'". رافعا يده 
بالسيجارة؛: "وفي الوسط من هم على وشك الهلاك... . 

همست تارا 'نحن". وأمعاؤها تضطرب. 

سألت تارا 'ماذا نفعل. إلى أين نذهب". 

لم يجب إسماعيلء بينما أخذ دانيل يحدق بالأرضء وفجأة سقط الصندوق من 
تارا لأنها لم تعد قادرة على حمله» فضلا عن أن رجليها قد تألمتا منه. وخيم الصمت 
على المكان. 

149 


قال دانيل "نحن بحاجة لوسيلة نقلء سيارة أو دراجة نارية أو آي شيء» هل 
يمكنك تدبير ذاك؟' 

نظر إليهما إسماعيل ورق لحالهما قليلاء ثم توجّه إلى الهاتف؛ وتحدث بسرعة 
مع صدى صوت من الطرف الآخرء حتى وضع السماعة. 

سأل دانيل "كم سيكلفنا ذلك؟" 

'إنه مجاني. فأنا لست مرتزقا إلى هذا الحد بحيث أحصل على مال من رجل في 
مأزق مثلك". 

على الرغم من حرارة جو الغرفةء إلا أن تارا كانت ترتعش. 

ما إن نزل دانيل وتارا حتى وجدا دراجة نارية من فئة جاوا 350 برتقالية اللون 
تماما كما أخبرهما إسماعيل. لم تكن هناك إشارة لوجود الشخص الذي وضع الدراجة 
في هذ المكان. قام دانيل برفع دواسة التشغيل؛ وشغل المحركء وقفزت تارا خلفه 
وحقيبتها على ظهرها. 

سألت تارا "إلى أين يا دانيل". 

"إلى المكان الوحيد الذي يمكننا فيه العثور على سر أهمية هذه القطعة الأثرية". 

“وما ها 

"الأقصر بالتأكيد". 

انطلق دانيل بالدراجة الناريةء وشعر تارا يتطاير خلفها. 

نظر إسماعيل من النافذة حتى تأكد من مغادرتهما ثم توجّه إلى الهاتف» ورفع 
السماعةء وقال 'لقد غادر!ا للتو ومعهما القطعة الأثرية". 


شمال السودان 

كانت المروحيّة تحلق فوق المخيم مباشرة» وهبطت على قطعة أرض منبسطة 
على بعد مائة متر من المخيم. ما إن هبطت المروحيّة» حتى أثارت مروحتها أكواما 
من الرمالء كادت تزيل الخيام من مكانها. كان هناك صبي صغير ينتظر الضيف» 
وعندما هبطت المروحية؛ استدار الصبي ووضع يده على وجهه لتجنب الرمال. ولكن 
ما إن توقفت المروحة حتى توجه الصبي» وفتح الباب الجانبي للطائرة. 

نزل من الطائرة رجل يرتدي حلة مجعدة» وفي يده حقيبة صغيرة وسيجار في 
اليد الأخرى. 

قال الصبي 'إنه في انتظارك يا دكتور". 

150 


توجه الاثنان إلى المخيم» والصبي لا يستطيع رفع رأسه سه والنظر إلى وجه الرجل 
الذي تعلوه علامة خلقية تبث الرعب في نفس الصبي. ئ 

سار الاثنان بجوار المخيم حتى وصلا إلى خيمة منفصلة إلى حدٌ ما عن سائر 
المخيم. رفع الصبي باب الخيمة ودخل» وتبعه الرجل بعد أن ألقى السيجار. 

'مرحبا دكتور درافيتش أترغب في كوب من الشاي؟" ٠ ٠‏ 

كان سيف الثأر جالسا القرفصاء في وسط الخيمة» ونصف وجهه تخيّم عليه 
الظلمةء وبجواره كتاب لا يمكن تمييزه بسبب الظلام. 

'أود مشروبا آخر من فضلك". 

كما تعرفه نحن لا نشرب هذا هنا. محمد أحضر بعض الشاي للدكتور 
درافيدس . 

'حسنا يا سيدي . 

تفضل بالجلوس يا دكتور”. 

جلس الرجل العملاق على السجادة غير مستقر لأنه غير معتاد على ذلكء ومن 
ثم أخذ يتحرك هنا وهناك حتى استقر على أنسب جلسة له» وإحدى قدميه أسفله 
والأخرى ملاصقة لصدره. 

همس درافيتش "لا أدري لماذا لا تحضر كرسيا إلى هنا؟' 

'نحن نفضئّل الحياة البسيطة". 

'حسناء ولكنني لا أفضيلها". 

'فلتحضر معك كرسيك في المرة القادمة". 

تحدث سيف الثأر بحدة دون غضب؛ وتمدم در افيتشس بشيء الا أنه لم يكمله حيث 
بدا عليه الخنوع في حضرة الرجل. أخرج الرجل الضخم الجثة منديلا من جيبه» وأخذ 
يمسح جبهته التي كانت تتصبب عرقا رغم أنه لم يمض على دخوله الخيمة سوى 
دقبفتين. 

تحدث سيف الثأر قائلا "هل حصلت عليها؟" وعلى عكس درافيتش كان الرجل 

جالسا مستقراء ويداه مستقرتان فوق ركبتيه. [ 

"لاء لم نحصل عليها بعد. لقد كانت في سقارة كما أخبرتك» ولكن الفتاة عثرت 
عليهاء وهربت بها بعد أن قتلت اثنين من رجالنا". 

'هل فعلت الفتاة ذلك؟" 

نعم» وبصحبتها شاب آخر يدعى دائیل لاکاج» عالم آثار". 

151 


"لاكاج؟ الرجل ذو العينين الخضراوين اللامعتين في الظلام! إن كتابه حول 
الأيقونات في فترة المقبرة الأخيرة يُعد من كتبي المفضلة". 

'لم أسمع بهذا الكتاب قط". 

أينبغي عليك قراءته» فهو من أروع ما كتب في هذا المجال'. 

خيم شيء من الضيق على وجه درافيتش» ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي 
بسأل نفسه فيها هذا السؤال: لماذا يجعلني هذا الرجل أعمل معه» على الرغم من أن 
معرفته بمصر القديمة لا يباريه فيها أحد؟ لا بد أنه يفعل ذلك لا لشيء إلا ليسخر 
مني. هذا العبثي لو أن مصر كانت تحت سيطرة رجال كهذا الرجل لوصلت عمليات 
الحفر إلى كل شبر فيهاء وبيعت آثارها لمن يدفع أكثر. أخذ الرجل يثني ويبسط قبضته 
مخلفا آثارا بيضاء عليها. 

وصل محمدء وأعطى درافيتش كوب الشايء بينما وضع الآخر إلى جوار سيف 
الثأر. ٠‏ 

غادر الصبي مرة أخرى دون أن ينظر إلى درافيتش. 

سأل سيف الثأر 'لماذا يساعدها هذا الشاب؟" 

'لست أدريء لقد كانت معه ليلة أمسء ثم ذهب إلى سقارة ظهر هذا اليوم حيث 
أخذا القطعة الأثرية واختفيا". 

'والان؟" 

'الآن لا أعرف". 

'هل ذهبا إلى الشرطة؟" . 

"لا كنا لنعرف لو فعلا". 

"هل ذهبا إلى السفارة؟" 

"لاء لقد كنا نراقبها طوال اليوم".. 

"إلى أين ذهبا إذا؟" 

"لا أدري؛ فقد اختفيا كما قلت لك» وربما يكونان في أي مكان". 

'هل يسعيان إلى الحصول على الجائزة بنفسيهما؟ هل هذا هو الأمر؟" 

الست أدري» فلست قارئا للافكار". 

ظهرت علامة من الامتعاض حول فم سيف الثأر. 

"من العار عليك أنك لم تكن حريصا في سقارة. فلو كنت أقل عنفا مع الرجل 

العجوز لتجنبنا كل هذه المتاعب". 


152 


'لقد أخبرتكء لم تكن غلطتيء لم ألمس الرجل. كل ما حدث أننا انتظرناه في 
المحفرء وقبل أن نسأله أصيب بأزمة قلبية حيث نظر نظرة واحدة إلى المالج» وسقط 
صريعا . 

'من العار عليك أنك لم تبحث في المحفر بدقة". 

لم تكن القطعة في المحفرء ولهذا لم نعثر عليها فقد خبأها الرجل في أحد 

حدق سيف الثأر في درافيتش» ومد يده دون أن يرفع عينيه عنهء وأمسك بكوب 
الشاي» وأخذ منه رشفةء ومرر لسانه على شفتيه»ء بينما رفع درافيتش كوبه هو الآخرء 
واحتسى منه رشفة محدثا صوتا مرتفعا والعرق يتصبب من جبينه» وهو يجد صعوبه 
في التنفس في هده الحرارة الشديدة. 

"سنعثر عليهماء إنها مسألة وقت فقط". 

"ليس لدينا وقت كافء فلا يمكننا إبقاء الأمر سرا للأبدء نريد هذه القطعة الآن يا 
دكتور در افيتش . 

"نحن نراقب محطات الحافلات والمطارات» ولدينا أعين في كل مكان» وسنعثر 

مرة أخرى» بدا وكأن درافيتش يتمالك أعصابه بشق الأنفس. وفي حركة مفاجأة: 

'يا إلهي! لو ظهرت هذه القطعة فسنصبح أغنياء". 

بدت هذه الملاحظة مثيرة لاهتمام سيف الثأر الذي انحنى للأمام قليلاء وقال "هل 
هذه أقصى أمانيك يا دكتور در افيتش» فكرة أن تكون غنيا؟' 

'هل تمازحني؟ بالطبع. أليس الأمر كذلك معك؟" 

"أن يكون معي مليون جنيه أنفقها على نفسي لأعيش في رفاهية بينما الأطفال في 
الأحياء الفقيرة يتضورون جوعا؟ ابتسم الرجلء "لا بالطبع ليست هذه أقصى أماني: 
هذه الفكرة ليست محببة إلى على الإطلاق» بل على العكس إنها تصيبني بالضيق". 

رفع سيف الثأر كوب الشاي مرة أخرىء وأخذ منه رشفة أخرى. 

استطرد سيف الثأرء قائلا "أن يكون معي مليون جنيه لأنفقها في سبيل اللهء أو 
لقهر الكافرين ونشر شريعة الله وتطهير الأرض من دنس الكفر وتنفيذ أوامر الله» هذه 
هي أقصى أماني. هذا هو ما يثير اهتمامي يا دكتور درافيتش". 

ضحك درافيتش قائلا "اللعنةء كل ما يهمني هو المال". 


103 


فجأة اختفت ابتسامة سيف الثأرء وحملق بدرافيتش ويده مطبقة على كوب الشاي 
الذي كاد يتحطم کې أي لحظة. 

'انتبه لما تقوله» فهناك بعض الكلمات التي ينبغي ألا تنطق بها". 

أخذ سيف الثأر ينظر إلى درافيتش بعينيه الخضراوين وكأنهما لا يوجد حولهما 
رموشء بينما درافيتش يمسح جبينه متجنبا التقاء عينيه بعيني سيف الثأر. ) 

'حسناء حسناء أنت لديك أولوياتك وأنا لدي أولوياتي؛ دع الأمر يجري على هذا 
اة 

'نعم» دعه يجري على هذا النحو . 

خيّم الصمت لوهلة قبل أن ينادي سيف الثأر على الصبي الواقف أمام الخيمة. 

'محمدء اصطحب الدكتور درافيتش إلى طائرته". ظ 

نمض در افيتش ببطء بسبب الألم الذي يعاني منه في قدميه جراء هذه الجلسة» 
وتوجه إلى الخارج شاعرا براحة شديدة لخروجه من هذا المكان. 

'سأتصل بك عندما أتوصّل إلى أي أخبار. سأكون في الأقصر منتظرا 
ظهورهما". 

"آمل ذلكء؛ فكل شيء هنا جاهزء ويمكننا عبور الحدود وتسوية الأمر برمته في 
بضع ساعات» يتعين علينا فقط معرفة مكانهما". 

أومأ درافيتش برأسه؛ وهمٌ بالخروج إلا أن سيف الثأر نادى عليه مرة أخرى. 

ا ا القطعة المفقودة يا دكتور درافيتش هذه فرصة العمر وينبغي 0 
تستغلهاء اعثر على القطعة". 

أوما درافيتش إيجاباء ومضى في طريقه. وبعد دقيقتين» صدر صوت تحرك 
المروحيّة محلقة فوق الصحراء. 

وقف سيف الثأرء وذهب إلى خزانة كبيرة في مؤخرة الخيمة» وأخرج المفاتيح 
من جلبابه؛ وفتح القفل» ورفع الغطاء. 

كان سيف الثأر يشعر بالعار جراء تعامله مع رجل كافر مثل درافيتشء» ولكن لم 
يكن لديه خيار آخر فعبوره الحدود بنفسه أمر في غاية الخطورة؛ فالشرطة تبحث عنه 
في كل مكان. ومن ثم لم يكن أمامه سوى الانتظارء على الأقل حتى يتم العقور على 
القطعة المفقودة. ولكن درافيتش وحده هو من يمتلك المؤهلات اللازمة. والأهم من 
ذلك أنه لا يتردد أبدا. ولهذا كان يعتمد عليه اعتقادا منه أن الطرق إلى الله قد تكون 
غامضة. 


154 


انحنى سيف الثار للأمام؛ واقترب من الجزء الأسود في الخزانة» وأخرج منه 
عقدا صغيراء ورفعه في الضوء. أخذ العقد الذهبي يلمع ويصدر صوتا موسيقيا كلما 
اهتز في يد سيف الثأر حتى وضعه» وأخرج بعض الأشياء الأخرى- صندل» وخنجرء 
ودرع للصدر لا يزال يحتوي علي الاحزمة الجلديةء وتعويذة فضية على شكل قطة - 
وكلما رفع قطعة منها أخذ يحدق بها ويستغرق في الخيال. 

لا شك أن هذه القطع قطع أصلية. لقد صدق ذلك الآن على عكس ما اعتقه 
عندما أخبره درافيتش في بادئ الأمر عن المقبرة . ففي ذلك الحين لم يصدقه لان 
الأمر غير معقول؛ فضلا عن بعض الأخطاء التي ارتكبها درافيتش قبل ذلك ومن ثم 
لم يعد سيف الثأر يعتمد على رأيه في هذه الأمور. 

لم يصدق سيف الثأر هذه الأخبارء إلا بعد أن أمسك هذه القطع بيديه» ونظر إليها 
بأم عينيه. وعندهاء تأكد من وجود هذه المقبرة ة التي كانت بمثابة منحة من الله له بل 

هي أعظم منحة على الإطلاق. 

أعاد سيف الثأر القطع إلى الخزانة مرة أخرى؛ ووضع الغطاء عليها وهو لا 
يزال يسمع صوت المروحيّة من بعيد. 

كان العثور على المقبرة يتوقف على العثور على القطعة المفقودة» أي أن 
مصيرهم يعتمد عليها. 

غادر سيف الثأر الخيمة حيث أغلق عينيه قليلا جراء أشعة الشمسء ولكنه لم 
يكترث بالحرارة الشديدة حيث سار في المخيم حتى وصل إلى ربوة مرتفعة؛ وأخذ 
ينظر إلى الشرق عبر التلال المتلاحقة حيث تظهر بقعة سوداء وحيدة في وسطها 
جميعا. أخذ سيف الثأ ر يفكر في مكان ما هناك؛ وسط هذا البحر المترامي من الرمال 
الحارقة. أغلق الرجل عينيه» وحاول تخيّل ما قد تبدو عليه هذه المقبرة. 


155 


22 
القاهره 


استغرقت الرحلة من الأقصر إلى القاهرة نحو عشر ساعات» وكان القطار 
مزدحما للغاية حتى أن خليفة أمضى الرحلة كلها ممددا في جانب من العربة بين سيدة 
تحمل قفص حمام ورجل مسن كثير السعال. على الرغم من ذلك» اأستغرق في نوم 
عميق حيث وضع سترته خلف رأسه كوسادة» وأرخى قدميه على كومة كبيرة من 
البلح الجاف. عندما استيقظء ارتطم رأسه بقضبان نافذة المقصورة فانتعش وأفاق 
تماما. همس خليفة مرددا أدعية الصباح» ثم أشعل سيجارة» وجلس يتناول الخبز 
والجبن الذي أعطته له زوجته بعد أن تقاسمه مع الرجل المسن الجالس بجواره. 

دخل القطار إلى أطراف مدينة القاهرة قبل السادسة صباحاء وكان من المتوقع 
أن يلتقي خليفة محمد عبد التواب الضابط المسؤول عن قضية إكبار في التاسعة 
صباحا. بدلا من الانتظار في محطة القطارء قرر خليفة استغلال هذه الساعات الثلاث 
في الجيزة فغادر المحطة؛ واستقل سيارة أجرة» وتوجّه إلى قريته القديمة نزلة السمان. 

كانت هذه هي المرة الثالثة له في الجيزة منذ رحيله عنها بعد فقدان أخيه ووالدته 
التي لم تعش طويلا بعد فقدان عليء فلم يعد يشعر بالانتماء إلى هذا المكان بعد وفاتهما. 
كلما مر بشارع أو منزل أو شجرة تذكر مدى سوء الوضع آنذاك» فلم يكن يستطيع العيش 
في هذا المكان دون الشعور بالوحدة والضياع لهذا قبل وظيفة الأقصر؛ وانتقل إلى هناك 
وكانت الزيارتان السابقتان اللتان قام بهما إلى الجيزة لا لشيء إلا لأداء واجب العزاء. 

استقل خليفة حافلة عند مفترق طرق مزدحم» وأخذ ينظر إلى هرم خوفو الذي 
يختفي نصفه وسط ضباب الصباح» وشق طريقه عبر أحد الشوارع الرئيسية المؤدية 
إلى القرية» وهو يشعر بالإثارة والعصبية. 

156 


كان المكان قد تغير عما كان عليه في الماضي. ففي أيام طفولته» كانت الجيزة 
فرية صغيرة» تضم مجموعة صغيرة من المحلات والمنازل المنتشرة في أرجائها 
تحت المنظر الصامت لأبي الهول. 

أما الآن» ومع ازدهار السياحة وزحف المدينة نحو الأطراف الغربيةء فقد فقدت 
الجيزة كثيرا من هويتها. أصبحت الشوارع مكتظة بالمحلات» واختفت المنازل الطينية 
القديمةء وحل محلها بنايات خرسانية بلا مظهر محدد. أخذ خليفة يجول بنظره هنا 
وهناك ليرى قليلا من المباني المألوفة» وكثيرا من المباني الجديدة. وأخذ يسأل نفسه: 
لماذا أتى إلى هنا؟ وكانت الاجابة إلى حدّ ما هي أنه كان بحاجة إلى هذا المكان القديم 
مرة أخرى. مر خليفة بمنزله القديم أو على الأصح بموقع منزله القديم حيث حل محله 
الآز فندق من أربعة طوابق» وأخذ ينظر إلى حظيرة الجمال التي كان هو وأخوه 
يعملان بها. وبين الحين والآخر كان يرى وجها مألوفا فيتبادلان التحية مرة بترحاب 
غير حار ومرة أخرى ببرود. كان مندهشا من ذلك بعض الشيء نظرا لما فعله علي. 

ظل خليفة هناك لساعةء وهو يشعر بشىء من الكآبة وتساءل: هل كان من الخطاً 
قدومه إلى هذا المكان؟ نظر خليفة إلى ساعته» تم مشى على أطراف الجيزة حتى 
وصل إلى الجزء الرملي» حيث أخذت الشمس في الشروق» وأخذ الضباب في 
الانزواء كاشفا عن قمم الأهرامات الثلاثة. في الجهة المقابلة لأبى الهول توجد مقبرة 
أسفل المنحدر . 

كان الجزء الأسفل من المقبرة عبارة عن أرضية منبسطة مظللة بالأشجار. بعد 
دلك» ترتقع الأرض قليلاء وتأخذ المقابر في الارتفاع أيضا دون وجود أي أشجار 
تظللهاء وكأنها ضواح فقيرة على أطراف مدينة مترفة. 

صعد خليفة إلى هذا الجزء من المقبرة مارا عبر كثير من القبور المستطيلة 
المنبسطة حتى وصل إلى الجزء العلوي من المكان أمام قبرين بسيطين قليلي الارتفاع 
خاليين من أي شيء باستثناء سنادة خرسانية على الجزء العلوي من كل منهما 
وسطرين من الايات القرآنية تلاشى بعضها. وكان هذان القبران لوالديه. 

جثا خليفة على ركبتيه؛ وقبّل قبر والدته» ثم قبر والده داعيا لهماء ثم نهض» وتحرك 

بصعوبة كما لو أن قدميه لا تحملانه» وصعد منحدرا آخر حتى وصل إلى أعلى جانب 
المقبرة حيث كان حائطها مهدماء وكانت الأرض مليئة بالقاذورات وروث الماعز. 

كان هناك قبر واحد في هذا الجانب من المقبرة» وكأنه منبوذ عن بقية القبور 
الأخرى» وكان أقل بساطة من قبري والديه. فقط شكل مستطيل من الأسمنت دون أي 

107 


آيات عليه. في هذه اللحظة» تذكر خليفة كيف توسل إلى المسؤولين عن المقبرة 
للسماح له بدفن الجثة هناء وكيف حفر القبر بيديه في الليل الدامس دون أن يراه أحد 
من القرية» وكيف بكى بمرارة. 

جثا خليفة على ركبتيه» ووضع وجنته على السطح البارد للقبر قائلا "آه يا علي 
يا أخي وحياتي لماذاء لماذا فعلت ذلك لماذا؟" 

- كان محمد عبد التواب الضابط المشرف على قضية إكبار يشبه المومياء. فهو ذو 

بشرة جافة:» ووجنتاه غائرتان» وفمه مغلق وعليه علامة دائمة» وكأن نصفه مبتسم 
ونصفه بائس. ظ 

سبل محمد عد التواب في مكتب متواضع بشارع بورسعيد في إحدى الغرف 
المشتركة مع أربعة ضباط آخرين وسط سحابة من الدخان. وصل خليفة بعد التاسعة 
صباحا بقليل» وبعد تبادل التحية وتناول الشاي» شرع الاثنان في العمل. 

استهل محمد الحديث وهو يطفئ سيجارة في المنفضة الممتلئة» بينما يشعل 
أخرى قائلا "أنت مهتم بقضية إكبار . 

"أعتقد أن هناك علاقة بين حمالم ديد أخرى لدينا في الأقصر". 

نفث محمد خطين من الدخان من أنفهء 'ياله من أمر سيئء لقد واجهنا العديد من 
القضايا هنا ولكن هذه القضية هي الأبشع على الإطلاق» لقد ذبحوا الرجل العجوز". توجه 
محمد إلى أحد الجواريرء وأخرج ملفاء ووضعه على المكتب؛ وقال "هذا هو التفرير الطبي. 
العديد من الجروح في الوجه والذراعين والجذع؛ بالإضافة إلى العديد من الحروق . 

'حروق سيجار؟” 

'ماذا عن الجروح؛ ما سببها؟' 

أجاب محمد "أداة غريبة لم يستطع الطبيب الشرعي تحديدها على وجه الدقةء 

ولكنها أداة معدنية أدق من السكين. ويعتقد الطبيب أنها مالج". 


'مالح؟” 
نعم» مالج. كذلك المستعمل في البناء ووضع الأسمنت بين الشقوقء هذا ما ورد 
في التفرير . 


كان تقرير الطبيب الشرعي مماثلا تماما لتقرير الطبيب أنور حول جثة ناير. 


158 


بالنسبة لطبيعة الأداة المسنخدمة في إحداث الجروح السابقة فهي غير معروفة 
وتوضح تحاليل الجروح أنها ليست ناجمة عن سكين. فالشكل والزاوية يوضحان أنها 
ربمسا تكون نتيجة لماج بذاء أو نتيجة لمالج كالذي يستعمله علماء الآثارء غير أنه لا 
يوجد دليل قاطع على 

توقف خليفة عند كلمة علماء الآثار لدقيقة» قبل أن يلتفت إلى محمدء ويسأله "من 
عنر على الجثة؟" 

أصاحب محل مجاور انتابته الشكوك عندما لم يفتح إكبار متجره. ذهب 
الرجل فوجد الباب مفتوحاء ووجد جثة إكبار على الأرض كما توضح الصور بين 
يديك '. 

متی کان دلک؟' 

اصباح السبث» ولا أدري كيف حصلت الصحف على الخبر بهذه السرعة". ثم 
قال مازحا "أعتقد أنهم يرتكبون نصف الجرائم حتى تزداد مبيعاتهم". 

ابتسم خليفة» وسأل "هل كان إكبار يتاجر بالآثار". ا 

كلهم يتاجرون بالآثار» ولكن ليس لديه ملف عندنا. فنحن نسعى وراء الرؤوس 
المدبسرة. وعسندما يتعلق الأمر ببضع قطع صغيرة فنحن نميل إلى ترك الأمر يمرء 
وإلا فإننا سنملاً بهم السجون من هنا وحتى أبو سميل". 

تصفح خليفة التقرير مرة أخرى» وتوقف عند كلمة عالم آثار. 

'هل سمعتم بأي شيء غير طبيعي في سوق الآثار مؤخرا؟" 

'غير طبيعي؟" 

"أقصد شيئا ثمينا يستحق القتل لأجله". 

لا يحضرني شيء الان. ولكن منذ شهرين تقريبا كان هناك شاب يوناني يصدّر 
الآثار على أنها مقلدة. ولا يحضرني شيء حصل في الفترة الأخيرة؛ إلا إذا كنت 
تقصد مأ حدث في سقارة". 

سقارة؟ 

'ظير أمس أطلق إنجليزيان النار على بعض الأشخاص» وهربا في سيارة أجرة 
مسروقة. من الواضح أن الفتاة قد أخذت شيئا من المحفر هناك". 

نادى محمد على صديق له في الغرفة» فأتى رجل سمين يتصبب عرقا. 

'أهلا حلمي؛ إنه صديق لي من شرطة الجيزة:؛ ما هي آخر أخبار حادثة إطلاق 
النار في سقارة؟" 

159 


أجاب حلمي» وهو يقضم قطعة كبيرة من الحلوى 'ليس الكثيرء فلا أحد يدري 
ماذا حدث هناك باستثناء أن هذه الفتاة قد أخذت شيئا ماء صندوقا أو ما شابه ذلك'. 

"ألديك فكرة عمن تكون هذه الفتاة؟" 

قضم حلمى مزيدا من الحلوى؛ ثم قال 'إنها ابنة أحد علماء الآثار» حيث تعرف 
عليها أحد موظفى التفتيش» اسمها مولراي أو شيء كهذا". 

'أتقصد مولراي؟ مايكل مولراي؟" 

'نعم هذا هو الاسمء وقد توفي الرجل منذ يومين نتيجة أزمة قلبية» وعثرت ابنته 
على الجثة". 

أخرج خليفة مفكرة وقلما من جيبه» وشرع في تدوين بعض الملاحظات. 

'حسناء دعني استوضح الأمر بدقة. عثرت الفتاة على جثة والدها منذ يومين» ثم 
حضرت مرة أخرىء وأخذت شيئا من المحفر". 

'يعتقد سائق التاكسي الذي كان معهما أنهما حصلا على الصندوق من إحدى 
المقابر حيث خرجا إلى الصحراءء ثم عادا بشيء في أيديهما يشبه علبة البيتزا". 

صرخ أحد زملاء حلمي "لابد أنك تفكر في الطعام بداخله". 

رد حلمي "عليك اللعنة يا عزيز . 

استأتف حلمي قائلا "أخذا الصندوق» وعادا الى المحفرء إلا أن شخصا ما أخذ 
يطلق النار عليهماء ولكن القرويين قالوا إن الشاب الذي كان بصحبة الفتاة هو من كان 
يطلق النار. كما قلت لك» فالأمر غامض ولا أحد يدري ماذا جرى هناك". 

"هل تعرف من هذا الشاب"" 

هز حلمي رأسه»ء بينما جلس خليفة صامتا لبعض الوقت وهو يفكر. "هل هناك 
أي إمكانية للتحدث مع صديقك من الجيزة؟' 

'بالطبعء ولكنه لن يخبرك شيئا إضافيا عما أخبرتك به» فضلا عن أنه قد ترك 
القضية برمتهاء وتولت المخابرات القضية منذ ليلة أمس". 

"المخابرات!" بدت الدهشة على خليفة. 

امن الواضح أنهم يريدون الإبقاء على الأمر سرا لان ذلك يعد بمثابة دعاية سيئة 
لمصرء فضلا عن تورط أحد السائحين في القضية. حتى أن القضية لم تتناولها 
الأخبار". 

ظل خليفة يكتب في المفكرة. 

'هل هناك شخص آخر يمكنني التحدث معه؟" 


160 


أجاب حلمي وهو يزيل بقايا الحلوى من على مكتبه "هناك شخص في السفارة 
البريطانية يعرف هذه الفتاة» يُدعى اورتس أو شيئا كهذاء وهو ملحق صغير. هذا كل 
ما أعرفه". ظ 

سأل محمد عبد التواب "هل تعتقد أن هناك علاقة بين القضيتيت؟" 

أجاب خليفة 'ليست لدي أدنى فكرة: ولكنني لا أرى صلة واضحة» غير أنني 
أشعر...' توقف فجأة دون أن يكترث بتكملة الجملةء ثم أمسك بالتقرير الطبي الخاص 
بإكبار وقال "هل هناك نسخة اخرى؟ 

'أود الذهاب إلى محل إكبار إن أمكن؟' 

"لا توجد مشكلة". 

بحث محمد عبد التواب في مكتبه» وأخرج ظرفا به العنوان والمفاتيح الخاصة 
بالمحل؛ وقال "إنه في خان الخليلي» وقد انتهينا من كل الأمور المتعلقة برفع البصمات 
والأدلة الجنائية". 
2 أخذ خليفة الظرف» ثم نهض واقفا. 

'سأعود في غضون ساعتين". 

'خذ وقتك فسأتأخر هنا على أي حالء غالبا ما أتأخر هنا". 

صافح خليفة محمد عبد التواب» وغادر المكتب» قبل أن ينادي عليه محمد. 'لقد 
نسيت أن أسألك يا خليفة؛ إن أسرتك ليست من نزلة السمان أليس كذلك". 

صمت خليفة لوهلةء تم قال "لاء من بورسعيد". ثم توجه إلى الممر. 


الأقصر 
كان أكثرم شيء ندم عليه درافيتش في حياته هو أنه لم يقتل الفتاة. فبعد أن 
اغتصبها كان يتعين عليه قتلها ودفنهاء ولكنه لم يفعل ذلك وإنما تركها تذهب إلى 
الشرطة وتخبرهم بما حدث» وكان ذلك بمثابة النهاية المؤلمة لمستقبله المهني. 
حصل در افيتش على محام ماهر نجح في إقناع القاضي بأنها كانت علاقة متبادلة 
بين درافيتش والفتة. ولكن ذلك لم يبرئ ساحة الرجل ثماماء فالعاملون في علم 
المصريات عددهم صغير للغاية ومن ثم انتشر الخبر بينهم كالنار في الهشيم. لقد 
اغتصب در افیش إحدى المتطوعات معه؛ وأفلت بفعلته. ومن هنا نبذه الجميع» فلم يعد 
161 


العقد الثالث من عمره دمّر مستقبله المهنيء لماذا لم يقتلها وينتهي الأمر؟ ولكن هذا 
الخطأ قد تداركه في كل أفعاله بعد ذلك. 

هن درافيتش رأسه حتى يستيقظ من هذه الخيالات ويعود إلى أرض الواقع ملوحا 
بيده لصاحب المقهى حتى يحضر له مزيدا من القهوة. 

ظل العاملون في المقبرة طوال الليلة الماضية يخرجون القطع الأثرية: الأعمدة 
الخشبية المنقوشةء وأحجار البازلت»ء والأوعية الفخارية المرمدية» وكل ما تبقى هو 
التابوت نفسه الذي يحمل نقوشا براقة ونصا هيروغليفيا غامضا. قام العاملون بإخراج 
كل هده الأشياء ليلا وحملها إلى السودان حتى يتم نقلها إلى الأسواق الأوروبية 
والشرق الأقصى. 

لقد كانت غنيمة رائعة» بل هي الأروع على الإطلاق لأنها تحتوي على مئات 
القطع الأثرية للأسرة السابعة والعشرين من الفترة الأخيرة. كلها تحف رائعة في حالة 
جيدة» ولابد أنها ستدر مئات الآلاف أو أكثرء يحصل منها درافيتش على عشرة بالمائة 
وهو ما يُعد مكسبا رائعا له» ولكن مقارنة بالجائزة الكبرى فهي لا تساوي شيئاء بل إن 
كل الآثار التي قام بتهريبها لا تساوي شيئا مقارنة بالجائزة الكبرىء فهذه الجائزة هي 
الأكبر على الإطلاق» إنها الفرصة التي طالما انتظرها حتى تنتهي كافة مشاكله. 

كل ما يتعين عليه للحصول على الجائزة الكبرى هو العثور على القطعة الأثرية 
المفقودة» ولهذا كان مستقبله معلقا بين يدي تارا ودانيل» أين هما الآن؟ وما الذي 
يخططان له؟ وما الذي يعرفانه؟ 

كان قلقه في بادئ الأمر يتمثل في أنهما قد أخذا القطعة» وتوجها بها إلى 
الشرطة. ولكنهما لم يفعلا ذلك» مما أشعره بشيء من الارتياح. ولكن القلق لا يزال 
قائما فلا زالت أمامهما فرصة للعثور على الجائزة الكبرى. 

هذا ما بخشاه درافيتش الآن والوقت يمر كما قال سيف الثأرء ولا يمكن الانتظار 
للأبدء وكلما زادت مدة بقاء القطعة معهماء زادت إمكانية إفلات الجائزة الكبرى من 
بين يديه» وبالتالي تتلاشى كل آماله وأحلامه. 

سأل درافيتش نفسه: ما الذي تفعله هنا عليك اللعنة؟ 

وصلت القهوة» وأخذ درافيتش يرشف منهاء وهو يحدق بئلال طيبة الماثلة أمامه 
بنية اللون» والتي تمتد حتى تتشابك مع اللون الأزرق للسماء. 
كنن أكشر مايزعجه ويدفعه للتساؤل هو إن كان دانيل وتارا يسعيان وراء 
الجائزة الكبرىء فهل يمكنهما الوصول إليها من خلال هذه القطعة الأثرية الصغيرة؟ 

162 


نعم» من المفترض أن دانيل أحد أفضل علماء الآثارء ويمكنه إدراك الأمر كله من. 
خلال رموز هذه القطعة. ولكن الشك لدى درافيتش كان أكبر من ثقته في قدرة دانيل 
على ذلك. لا بد أنهما سيحتاجان إلى أشياء أخرىء ولهذا يتعين عليهما الحضور إلى 
الأقصرء حيث سينتظرهما درافيتش المتأكد من أنهما سيأتيان والأمر كله لا يعدو عن 
كونه مسألة وقت. غير أن هذا الوقت كان يمضي بسرعة. 

أنهى در افيتش قهوته» وأخرج سيجارا من جيبه» ووضعه بين إصبعيه مستمتعا 
بصوت طقطقة التبغ الجاف تحتهماء ثم وضعه في فمه»ء وأشعله شاعرا براحة عميقة 
وفكر أهدأ. نهض در افيتش» وأخذ يفكر في تارا وما سيفعله بها عندما يجدها. 


163 


03 
القاهرة 


يقع محل إكبار في شارع ضيق متفرع من شارع المعزء وهو شارع حيوي 
يجري كالشريان وسط القاهرة الإسلاميةء ولذا استغرق خليفة بعض الوقت 
للوصول إلئ الشارع؛ ثم وقتا أكثر للعثورعلى المحل» حيث وجده مغلقا بمصراع 
حديدي متسخ خلف كشك لبيع الحلوى. فتح خليفة المحلء ودخل وسمع صوت 
الأجراس فوق رأسه. 

كان المحل مظلما ومكدسا بالتحف من الأرض إلى السقف؛ من المصابيح 
النحاسية إلى الأثاث وغير ذلك من الأشياء الأخرى المنتشرة في أركان المحلء أما 
على الجدران فتوجد أقنعة خشبية وطيور محنطة:» بينما تملا المحل رائحة الجلد 
والمعادن القديمةء وكأنك تستشعر الموت ذاته. 

نظر خليفة في المكان لدقيقة» حتى بيدأت عيناه تتأقلمان على هذه الظلمةء 
حيث توجه إلى المنضدة الموجودة في مؤخرة المحل» وإذا بقطعة من الأرض 
عليها علامات بالطبشور داخلها علامات أصغر توضح مكان مصرع إكبار؛» فضلا 
عن بعض العلامات القاتمة نتيجة لآثار الدماء التي نزفها الرجل وبعض آثار رماد 
سيجار . 

لم يكن خليفة يضع أمالا عريضة في العثور على شيءء» فلو أن إكبار قد حصل 
على بعض القطع الأثرية من ناير فإما أنها بيعت أو أخذها من قتلوه» بل حتى إن كان 
هناك شيء منها في المحل» فإنه من الصعب العثور عليه لأن تجار الأثار في القاهرة 
ماهرون الغاية في إخفاء هذه الأشياء القيّمةء وعلى الرغم من ذلك لم يتمالك خليفة 
نفسهء وأخذ يبحث هنا وهناك. 


164 


فتح خليفة بعض الجواريرء وأخذ يفتش فيهاء ثم رفع مرآة كبيرة لعله يجد 
وراءها خزانة أو ما شابه ذلك» ثم بحث في سلتين في جانب المحلء وبعد ذلك توجّه 
إلى الغرفة في مؤخر المحل محاولا إضاءة الأنوار. 

كانت الغرفة صغيرة ومكدسة كسائر المكان» وبها صف من الخز انات المكدسة 
بجوار الحائطء وفي الجانب تمثال خشبي ذو حجم صغير من اللونين الأسود والذهبي 
وهو تقليد للتماتيل الحارسة لمقبرة توت عنخ أمون. 

كانت الخزانات مكدسة بأوراق كثيرة. وبعد عشرين دقيقةء فقد خليفة الأمل في 
العقور على أي شيء» وعاد مرة أخرى إلى مقدمة المحل. 

بدا وكأنه يبحث عن إبرة في كومة قشء غير أنه ليس متأكدا حتى من وجود هذه 
الإبرة. فلو أن هناك أي إشارات حول مصرع الرجلء فستكون قد ضاعت وسط هذه 
الفوضى من الأشياءء ولن يستطيع العثور عليها إلا بعد تفريغ المكان تماما. نظر 
خليفة نظرة أخيرة خلف المنضدة. ثم أطفأ الأنوار في الغرفة الخلفية» وأخذ المفاتيح: 
وتوجّه لإغلاق الباب الأمامي للمحل بعد أن نفد لديه الأمل في العثور على أي شيء. 

وجد خليفة وجها صغيرا ينظر إلى داخل المحل عبر الزجاج. وجه فتاة صغيرة 
ذات شعر أشعث لا تزيد عن الخامسة أو السادسة من العمر. خرج خليفة إليهاء 
وانحنى قليلا تجاهها قائلا "أهلا". 

لم تلق له الفتاة بالا بسبب تركيزها الشديد على داخل المحل. 

أخذ خليفة بيدهاء وقال 'أهلاء اسمي خليفةء ما اسمك؟" 

نظرت الفتاة بعينيها البنيتين إليه قبل أن تشيح بهما إلى المحل مرة أخرى 

سحبت الفتاة يدهاء وأشارت إلى الظلام قائلة "هناك تمساح في هذه الصدرية 

ابتسم خليفة قائلا "هل هذا صحيح؟" وتذكر حينها عندما كان صغيراء واعتقد أن 
هناك طنينا أسفل سرير والديه» سألها خليفة 'وكيف عرفت ذلك" 

تجاهلت الفتاة السؤال؛» وقالت "إنه أخضرء ويخرج ليلا ليأكل الناس". 

كانت الفتاة هزيلة الجسدء ومنكمشة الخصرء حيث اعتقد خليفة أنها فتاة مشردة. 
أرسلها أهلها للبحث عن شيء تقتات عليه. أزاح خصلة من الشعر من فوق جبينها 
شاعرا بالأسى لأجلها. تعجب خليفة في نفسه: لا شك أن هؤلاء المتطرفين يحصلون 
على دعم كبير لا لشيء سوى لأنهم يفكرون في مساعدة هؤلاء الأشخاص على الرغم 
من انتهاجهم طرقا غير مقبولة. 

165 


نهض خليفة على قدميهء وسأل الفتاة "هل تحبين الحلوى؟' 

لأول مرة أعارته الفتاة إنتباهها الكامل» وأجابت 'نعم". 

'"انتظري هنا دقيقة". 

توجّه خليفة لكشك الحلوى أمام المحل» واشترى لها قطعتين» وعندما عاد 
وجدها قد دخلت المحلء فأعطاها الحلوى» وأخذت الفتاة تأكلها. 

سألت الفتاة "هل تعرف ماذا بداخل هذا المصباح النحاسي". 

"ل" 

"جنيء يوجد بداخله جني يسمى الغول يبلغ عمره عشرة ملايين عام» ويمكنه 
التحول إلى أشكال كثيرةء وعندما أتى الرجال إلى هناء طلبت منه مساعدة إكبارء 
ولكنه لم يفعل". قالت الفتاة هذه الجملة ببراءة شديدة» حتى أن خليفة لم يدرك على 
الفور مدى أهميتها. وضع خليفة يده برفق على كتف الفتاة» وأدارها ناحيته. 

"هل كنت هنا عندما أتى هؤلاء الرجال وآذوا إكبار؟" 

كانت الفتاة منشغلة بالحلوى في يديها ولم تجب. بدلا من الضغط عليهاء تركها 
خليفة حتى تنتهي من الحلوى. 

بعد أن انتهت الفتاة من الحلوى» سألته مرة أخرى "ما اسمك؟' 

'خليفة» وما اسمك أنت؟" 

'مايا". ٌْ 

'ياله من اسم جميل". 

أخذت الفتاة تنظر إلى قطعة الحلوى الأخرىء؛ وسألته "هل يمكنني الاحتفاظ بهذه 
القطعة؟" 

توجّهت الفتاة خلف المنضدة» وأخرجت قطعة ورق شفافة» ووضعتها حول 
الحلوى؛ ثم داخل جيبها. 

'هل توذ رؤية شيء ما؟" 

نعم . 

"حستاء أغمض عينيك". 

أغمض خليفة عينيه» وسمع الفتاة وهي تسرع إلى الغرفة في مؤخر المحل. 

'افتحهما الآن". 

فتحهماء وإذا بالفتاة قد اختفت. 


160 


انتظر خليفة لوهلة قبل أن يتوجّه ببطء إلى الغرفة» وهو ينظر يمينا ويسارا في 
الظلام؛ حتى رأى رأس الفتاة خلف إحدى السلال. 

"إنه مكان رائع للاختباء". ثم أمسك بها. 

نظرت إليه الفتاة مبتسمة حتى تلاشت الابتسامة تماماء وحل محلها بكاء مرير: 
وجسدها الهزيل يرتعش بشدة. أخذها خليفة بين ذراعيه قائلا "اهدئي يا عزيزتي, 
اهدئي يا ماياء كل شيء سيكون على ما يرام". 

حملها خليفة على كتفه؛ و أخذ يتجول بها في المكان مرددا أغنية كانت والدته 
ترددها له فى صغره. 

أخيراء أخذت الرعشة في الفتورء وبدأت الفتاة تتنفس بشكل طبيعي. 

'هل كنت مختبئة خلف السلال: عندما أتى هؤلاء الرجال وآذوا إكبار؟" 

أومأت الفتاة برأسها إيجابا. 

"هل يمكنك إخباري عنهم؟ 

صمتت الفتاة لمدة طويلة؛ ثم قالت 'كان هناك ثلاثة رجال". ثم صمتت مرة 
أخرىء وقالت بعدها "أحدهم به ندبة في جبينه". 

ابتعدت الفتاة قليلا عن خليفة» وقالت وهي تشير إلى جبهة خليفة "هناء وكان 
الرجل الآخر يبدو كعملاق كبير أبيض البشرة ووجهه مضحك". 

'مضحاك؟" 

"أقصد أنه أرجواني اللون من جهة وأبيض من جهة أخرىء وكان معه شيء 
يشبه السكين ضرب به إكبار. والاثنان الآخران كانا يمسكان بإكبار» وأخذت أرجو 
الغول أن يأتي ويساعده؛ ولكنه لم يأت". 

أخذت الفتاة تتحد تتحدث بسرعة» وهي تروي القصة» وكيف أخذ خذ الرجال يسألون 
إكبار العديد من الأسئلة» وكيف قتلوه بعد أن أخبرهم بكل شيءء ومدى الرعب الذي 
شعرت به بعد رحيلهم لوجود أشباح في المحل» ولهذا هرولت إلى منزلها دون أن 
تخبر أحداء لأن والدتها لو علمت أنها كانت تجلس مع إكبار بدلا من استجداء الأموال 

من المارة لضربتها ضربا مبرحا. 

استمع خليفة إلى الفتاة بهدوءء تاركا إياها تسرد القصة بحسب كلماتها البسيطة: 
محولا الربط بين ما تقوله من معلومات مشنتة. بعد أن توقفت فجأة وسط جملة دون 
أن تكملهاء وكأنها لعبة قد نفد الشحن الخاص بهاء رفعها خليفة على المنضدة» وأخرج 
منديلاء ومسح دموعها وأنفهاء وبدأت الفتاة تأكل قطعة الحلوى الأخرى 

167 


"أرجو ألا تحزني لما فعله الغول» فأنا واثق أنه كان يريد المساعدة» ولكنه لم 
يستطع الخروج من المصباح» فلابد من فرك المصباح أولا حتى يخرج الجني". 

تجهمت الفتاة» وهي تتلقى هذه المعلومةء ثم ابتسمت وكأنها بدأت تثق بخليفة. 

سألت الفتاة "هل نفرك المصباح الآن؟"' 

نعم يمكننا دلك» ولكن لا بد أن تدركي أنك لا يمكنك استدعاء الجني سوى ثلاث 
مرات فقطء ولذا لا تستدعيه إلا في حالات الضرورة فقطء أليس كذلك"" 

'بلى". ثم قالت الفتاة بعد قليل من التفكير "أنت تعجبني". 

"وأنت أيضا يا ماياء فأنت فتاة شجاعة". 

سكت خليفة لوهلة قبل أن يقول "هل يمكئني الاستفسار عن شيء يا مايا؟" 

لم تجب الفتاة على الفورء بل استمرت في أكل الحلوى» وهي ترفع قدميها 
وتنزلهما على جانب المنضدة. 

'إنني أريد القبض على هؤلاء الرجال الذين قتلوا العم إكبارء وأعتقد أنك يمكنك 
مساعدتي» أليس كذلك؟" 

'بلى". 

صعد خليفة» وجلس إلى جوار الفتاة التي التصقت به. 

'لقد قلت إن هؤلاء الأشرار كانوا يريدون شيئا من إكبار هل تذكرين ما هو هذا 
الشيء؟" 

فكرت الفتاة لوهلة؛ نم هزت رأسها دلالة على تذكرها. 

"هل تذكرين ما قاله إكبار لهؤلاء الأشرار؟" 

لقد قال "إنها بيعت . 

ولمن باعهاء أتذكرين؟ 

فكرت الفتاة» ثم رفعت رأسها معتذرة عن الإجابة. 

'حسناء لا عليك؛ فأنت تبلين بلاء حسنا". 

كان خليفة يرغب في نساعدة الفتاة على التذكرء كان يعطيها بعض مفاتيح 
الإجابة لتنشط ذاكرتها. 

ظل خليفة يسترجع الحوار الذي دار مع محمد عبد التواب؛» وقرر محاولة قطع 
شوط طويل في هذا الأمر. 

"هل قال إكبار إنه باعها لرجل إنجليزي؟ 

هزت الفتاة رأسها متعجبة. 

168 


"هل باعها لرجل إنجليزي يعمل في مكان يسمى سقارة؟" قال كلمة سقارة حرفا 
حرفا. سكتت الفتاة لوهلة قبل أن تهز رأسها مرة أخرى متعجبة. وعندها قرر خليفة 
تغيير طريقته في الحديث. 

'ماياء هل تذكرين قدوم رجل إلى المحل منذ بضعة أيام؟" 

كان خليفة قد رأى البروفيسور مولراي في بعض المحاضرات بالجامعة 
الأمريكية منذ عدة سنوات» وحاول الان وضع صورة للرجل في مخيلته. 

'إنه رجل طويل يا مايا وعجوز ذو شعر أبيض» ويضع نظارة مستديرة 
ومضحكة وء..اء 

قاطعته الفتاة قائلة "ويستطيع إخفاء إيهامه؛ إنه رجل مضحك. 

كان البروفيسور مولراي قد حضر إلى المحل منذ بضعة أيام» وأخذ يداعب 
الفتاةء بينما كان إكبار يبحث عن شيء ما بالخلف» حيث سألها "هل تريدين رؤية 

فلعب معها لعبة إخفاء الإبهام مما أثار ضحك الفتاة الصغيرة. 

وهل اشتری شیئا من إكبار؟" . 

لعم» صورة . 


f‏ رة 


أخذت الفتاة ترسم بطرف إصبعهاء ورسمت مربعا فوق سطح المنضدةء وقالت 
كانت الصورة على هذا النحو". وراحت ترسم ثعابين وأشكالا. 

أشكال؟ أخذ خليفة يفكرء ربما تكون رموزا هيروغليفية» قطعة أثرية عليها 
رموز هيروغليفية. 

استأنفت الفتاة "وقد ساعدت العم إكبار في لف الصورة» ووضعها في صندوق› 
فغالبا ما كنت أساعده في لف الأشياء". 

تابعت الفتاة تناول الحلوىء بينما خليفة يجول في المحل جيتة وذهابا. 

راح خليفة يفكر في كيفية ربط الأحداث ببعضها: أتى ناير إلى القاهرة» وباع 
بعض القطع لإكبارء ثم اشترى مولراي قطعة من إكبارء وأخذها معه إلى سقارة؛ ثم 
لقي ناير مصرعه» وكذلك إكبارء بينما مات مولراي جراء أزمة قلبية» وهي ربما 
تكون أحداثا متزامنة وربما لاء بعد ذلك أتت ابنة مولراي إلى سقارةء وأخذت القطعة 
الأثرية في الوقت الذي حاول فيه بعض الأشخاص إيقافها. 


169 


بدلا من أن تتضح الأمورء وجدها خليفة تزداد تعقيداء فماذا كان مولراي يفعل 
بهذه القطع الأثرية المسروقة؟ وما الذي حدث بالضبط في سقارة ليلة أمس؟ وكيف 
تورطت ابنة مولراي في ذلك؟ 

القطعة الأتريةء لا شلك أنها مفتاح كل ذلك؛ لماذا يرغب الجميع في العثور 
عليها؟ ما هي هذه القطعة؟ ما هي؟ 

استدار خليفة نحو الفتاةء وهو يدرك تماما أنه لا فائدة من سؤالها عن الصورة 
مرة أخرىء» فمن الواضح أنها أخبرته بكل ما تعرفهء والشيء الوحيد الذي ربما تكون 
على دراية به هو القطع الأثرية الأخرى التي أخذها إكبار من ناير والتي ربما لاتزال 
في المحل. 

سألها خليفة برفق "مايا هل لدى العم إكبار مخبأ يضع فيه الأشياء المهمة؟" 

لم تجب الفتاة» وتجنبت أن تلتقي عيناها بعينيه» ولكن بدا عليها أن لديها إجابة 
عن السو ال. 

"أرجوك» ساعديني يا مايا: لا بد أن العم إكبار كان ليطلب منك إخباري بذلك'. 
أمسك خليفة بيدهاء وقال لها "لو لم تخبريني» فلن أتمكن من القبض على هؤلاء 
اللأشرار". 

صمتت الفتاة لوهلة» ثم نظرت إليه. 

'هل تعطيني مصباح الجني لو أخبرتك بمكان المخباً؟ 

ابتسم خليفة» وأنزلها من فوق المنضدة إلى الأرض. 

'إنها صفقة عادلة بالنسبة لي» أريني مكان المخبأء وسأعطيك مصباح الجني'. 

قفزت الفتاة فرحةء وأخذت بيد خليفة» وتوجهت إلى الغرفة في مؤخر المحل. 

'أنا الشخص الوحيد في العالم الذي يعرف هذا المكان". ارتفعت الفتاة لتصل 
إلى التمثال الخشبي في جانب الغرفة "ائلة "حتى الأشباح لا تعرف هذا المكان» إنه 
سر“ ؤ 

كسان التمثال أسودء ذا رأس وزينة وصندل ذهبي فضلا عن قبعة ذهبية أيضا. 
وضعت الفتاة يدها في أسفل القبعة» وضغطت عليهاء فصدرت طقطقة»ء وائفتح جارور 
صغير ببطءء فأخرجته الفتاة من مكانه» ووضعته على الأرضء وعادت إلى التمثال 
مرة أخرىء وبعناية شديدة أدارت أحد أصابعه» فظهرت فجوة؛: أخرجت منها مفتاحا 
معدنيا صغيراء أدخلته في خزانة بالجارورء وأدارته مرتينء» فانفتحت الخزانة. 

"أليس رائعا؟" 

170 


انقسم الجارور إلى خزانتين في إحداهما أموال وبعض الوثائق القانونية وعبوة 
مليئة بمعدن الفيروزء أما الخزانة الأخرى فاحتوت على قطعة قماش مربوطة ففتحها 
خليفة» ووجد بداخلها شيئا أدهشه تماما. 

كان بداخلها سبع قطع أثرية: خنجر حديدي على مقبضه جلد خشنء وتعويذة 
فضية على شكل عمود»؛ وصدرية ذهبية» وعبوة مرهم مصنوعة من مادة التراكوتا 
تحمل وجه المعبود القزم بس» وثلاثة أشكال أثرية أخرى. تفحص خليفة هذه القطع 
الأثرية الواحدة تلو الأخرىء ثم استدار نحو الفتاةء فوجدها قد اختفت. 

نادى خليفة على الفتاة دون أدنى إجابة منهاء فقد اختفت الفتاة» وأخذت معها 
المصباح النحاسيء فتوجّه إلى خارج المحل يبحث عنها فلم يجد لها أثرا. 

'الوداع يا مايا أسعد الله أوقاتك'. 


الأقصر 

كان سليمان نائما على سجادة في ظل دورة المياه» عندما سمع صوت خطوات 
داخل دورة الميأه. 

عادة» كان الرجل ينهض واقفا عند سماعه مثل هذا الصوت ليرى ما إذا كان 
هذا الشخص يحتاج إلى مناديل ورقية للحمام» وأيضا ليحصل على الإكرامية متى 
أمكن ذلك. لكن حرارة الظهيرة جعلته يظل في مكانه ورأسه فوق ذراعه وصوت وقع 
الأقدام يأتني من أعلى» غير أنه لم يشعر بأي شيء غريب. كان هناك صوت يشبه 
رش المياهء فاعتقد سليمان أن أحد الزائرين يسكب بعض المياه ليطهر المكان» على 
الرغم من أنه يحافظ عليه نظيفا دوماء ولكن بعض السائحين وخاصة الألمان يحتاطون 
لذلك» ويسكبون بعض المياه للتأكد من نظافة المكان. 

شم سليمان رائحة بنزين» وسمع صوت شيء ألقي من دورة المياه على الرمال 
المجاورة. نهض الرجل على قدميه» وقال "من هناك" ولكن ضربة قوية من خلفه 
جعلته يرتطم بدرجات السلم الحديدي. حاول النهوض فإذا بشخص يمسك به من أعلى؛ 
وآخر يمسك به من الأسفل وهو لا يستطيع الحراك؛ فضلا عن أن رائحة البنزين 


قب هناك بماسورة» فادا بشيء صلب يلتف حول يده ثم حول الماسورة. 
'الآن اسكبوا عليه البنزين". 


قام المجرمون بسكب البنزين على وجهه وجلبابهء فحاول التملص» ولكن القيد 
171 


كان أقوى منه. أخذت عيناه وفمه يؤلمانه من أثر البنزين عليهماء فلم يستطع رؤية 
المجرمين» ولكنه لم يكن بحاجة لرؤيتهم على كل حال» فهو يعرفهم. 

توقف المجرمون عن سكب البنزين» وألقوا الوعاء بعيدا في الرمال» ثم قفزوا 
من فوق السلم» وخيّم الصمت لوهلة قبل أن يسمع سليمان صوت عود ثقاب يشتعلء لم 
يشعر الرجل بالخوف وإنما شعر بالغضب والأسى على أسرته» فمن سيتولى أمرهم 
بعده؟ 

'عليك اللعنة أيها الخائن؛: هذا جزاء من يُدلي بمعلومات عن سيف الثأر !' 

ساد الصمت لفترة قبل أن يسمع سليمان صوت لهيب يتجه نحوه من الارضية 
الخشبية المشتعلة. 

'رحمكم الله وعفا عنكم". 

لم يمض إلا وقت قليل حتى التهمته النيران» ولم يتبق منه سوى صرخات الألم. 

القاهرة 

بعد ساعة من مغل راتكه محل إكبارء كان خليفة يجلس أمام كريسبن أوتيس بمكتبه 
في السفارة البريطانية. لم يهتم خليفة بالاتصال قبل الذهاب لتحديد موعدء وإنما توجه 
مباشرة إلى السفارة. لم يكن أوتيس سعيدا بهذا اللقاء» ولكن لم يكن أمامه خيار آخر 
سوى السماح للمحقق بالدخول إلى مكتبه» وعمل جاهدا على عدم مساعدته؛ ولكن 
بادب إنجليزي جم. 

سأله خليفة "ألا تعلم أين ذهبت تارا مولراي؟" 

"لا يا سيدي» ليست لدي أدنى فكرةء فكما أوضحت لك منذ دقائق قليلة أنا لم 
أعرف عنها شيئا منذ غادرت مكتبى بعد أن اصطحيتها من الفندق منذ يومين". 

لاحظ أوتيس أن خليفة على وشك إشعال سيجارة» فسارع قائلا 'يؤسفني القول 
إن التدخين في هذا المكان ممنوع". فوضع خليفة السجائر في جيبه مرة أخرى متكئا 
قليلا للأمام والقطع الأثرية التي أخذها من متجر إكبار تثقل جيوبه. 

'هل كانت الآنسة مولراي تتصرف بغرابة؟" 

"الآنسة مولراي؟ ما الذي تعنيه بالتصرف الغريب؟' 

"أقصد هل بدت مشغولة البال؟' 

'لقد عثرت على جثة والدهاء وأعتقد أن أي شخص سيبدو مشغول البال في مثل 
هذه الحالات» أليس كذلك؟" 


12 


"إن ما أقصده هو... سامحني على ضعف لغتي الإنجليزية... ولكن... . 

اعلسی العكس يا سيدي» إن لغتك الإنجليزية رائعة وأفضل كثيرا من لغتي 
العربية". 

'ما أقصده هو: في المرة الأخيرة التي رأيت فيها الآنسة مولراي» هل بدا وكأنها 
تعاني من مشكلة» وكأنها خائفة؟ أو أنها تحت التهديد؟' 

أجاب أوتيس "لاء حسبما رأيته منها فهي لم تكن تعاني أبا من هذه الأشياء: 
أخبرت رجال شرطة الجيزة بكل ذلك» وإنه ليسعدني التعاون معك؛ ولكنني أشعر أن 
هذا تكرار لا طائل منه ٠.‏ 

أجاب خليفة "اعذرني» وسأحاول ألا أضيع وقتك". 

استمر خليفة جالسا مع الرجل لعشرين دقيقة أخرىء وكلما سأله مزيدا من 
الأسئلة تأكد أنه يخفي شيئاء ولكنه يجهل السبب وراء ذلك. أخيراء قرر خليفة الذهاب 
لأنه لن يحصل على مزيد من المعلومات» فأبعد الكرسي» ونهض واقفا. 

"أشكرك يا سيد أورتيس وأعتذر عن مضايقتك". 

"لا عليك يا سيد خليفة؛ كان ذلك من دواعي سروريء ولكن اسمي هو أوتيس 
وليس أورتيس". 

بالتأكيدء أعتذر عن خطئي". 

تصافح الرجلان بحرارة» وتوجّه خليفة ناحية الباب. ولكن» بعد خطوتين توقف› 
وأخرج مفكرته» وتصفحها حتى وصل إلى صفحة شبه فارغة. 

'سؤال أخيرء هل هذا يعني أي شيء لك؟" 

أظهر خليفة صفحة بها مربع» كانت قد رسمته الفتاة في محل إكبار يحتوي على 
بعض الرموز الهيروغليفية وصف من الثعابين» نظر أوتيس إلى الصفحة وتجهم 
وجهه! 

"لو ل أدري ما هدا '. 

قال خليفة في نفسه بالك من كاذب. 

نظر خليفة الى عد عيني أوتيس لوهلة» ثم أغلق مفكرته؛ وأعادها إلى جيبه. 

استأنف خليفة قائلا 'محاولة فاشلة أخرى؛ أشكرك على مساعدتك يا سيد أوتيس". 

قال أوتيس "أشعر أنني لم أقدم أي مساعدة تذكر". 

"لاء على العكس» لقد قذمت لي معلو مات رائعة'. 

ابتسم خليفة»؛ ثم خرج من الباب. 

173 


كان تشارلز سكويرز جالسا في مكتبه يستمع إلى جهاز الاتصال الداخلي» ويتابع 
الحوار بين خليفة وأوتيس. ظل الرجل هادئا لبضع دقائق محدقا بالسقف» وتبدو على 
وجهه أمارات التجهم؛ ثم ما لبث أن رفع سماعة الهاتف» واتصل بسرعة بأحد 
الأرقامء وبعد ثلاث رنات رفع الطرف الآخر السماعةء وتحدث سكويرز قائلا "أعتقد 
أننا في مشكلة يا جمال". 


174 





24 


في 


الافصر 


وصل الاثنان إلى الأقصر بعد أن قطعا المسافة في حوالى عشرين ساعة» وهو 
ما كان يمكن أن يختصراه إلى ثلث الوقت» غير أن دانيل أصر على الاحتياط وسلوك 
طرق غير مألوفة لتجنب المرور بوسط مصر. 

قال دانيل لتارا "إن بني سويف مليئة بأتباع سيف الثأرء ولن نتنفس هناك دون أن 
يعرف ذلك» فضلا عن وجود نقطة تفتيش في كل مفترق طرق» ومن المفترض ألا 
يسافر الأجانب دون حماية» ولذا كانوا سيوقفوننا بعد عشرة كيلومترات فقط'. 

بدلا من الذهاب إلى الجنوب مباشرة كما يفعل كل المسافرين واتباع الطريق السريعة 
بمحاذاة نهل النيل ثم التوجه نحو الأقصرء اتجه دانيل إلى شرق الواسط عبر الصحراء. 

قال دانيل لتارا 'سنعبر البحر الأحمر طبقا للخريطة التي أمامناء ثم نسير بمحاذاة 
جنوب الساحل إلى القصيرء ثم نعود أدراجنا براء ونعبر النيل مرة أخرى من خلال 
بلدة قوص لواقعة في شمال الأقصرء وبهذه الطريقة نتجنب المنطقة الوسطى التي 
تنتشر فيها الأعين الساعية إلى مر اقبتنا". 

أجابت تارا "أعتقد أنها طريق طويلة". 

نعمء إنها كذلكء ولكن هناك العديد من الفواتد» منها على سبيل المثال أننا 
سنصل إلى الأقصر حيّيْن". 

على الرغم من هذه الظروف القاسية إلا أن تارا استمتعت بالرحلة كثيراء فلم 
يكن هناك ازدحام مروري كثيفء وكان دانيل يسير بسرعة 140 كيلومترا في الساعة. 
انزوت الشمس خخفهماء وحل الظلام فجأة» وأصبحا بمفردهما في الصحراء حيث 
الهواء العليل البارد وفوقهما نجوم كديرة. 

175 


صرخت تارا 'يا له من منظر جميل! أنا لم أرَ كل هذه النجوم من قبل". 

أبطأ دانيل قليلاء وقال "اعتقد المصريون القدماء أن هذه النجوم ابنة المعبود نت 
إله المساء حيث يمدها بالحياة كل ليلة» ويأخذها منها بحلول النهارء وكانوا يعتقدون 
كذلك أنها أرواح الموتى تنتظر في الظلام حتى يعود رع إله الشمس". 

أحكمت تارا يديها حول خصر دانيل» وفجأة نسيت كل ما حدث على مدار 
اليومين السابقين. 

نزل الاثنان في غرفة صغيرة بإحدى قرى الصيد المجاورة للبحرء ذات سريرين 
ونافذة تطل على البحر. 

غرق دائيل في نوم عميق على الفورء بينما ظلت تارا مستيقظة حتى وقت 
متأخر تستمع إلى صوت البحرء وتحدق بوجه دائيل الذي ينعكس عليه ضوء القمر» 
وجبهته المتأثرة بحرارة الشمس» والتي يبدو عليها بعض التجاعيد التي توحي بأنه 
يفكر في أشياء غير مريحة» بينما أخذ يهذي ببعض الكلمات. انحنت تارا قليلا تجاهه 
لتسمع ما يقول» فوجدته يردد كلمة مارياء فشعرت بالضيق والحزن» وأخذت تنظر من 
النافذة. 

لم تقل تارا كلمة واحدة عن ذلك في الصباح التالي» وبعد أن تتاولا فطور هما 
بسرعة؛ أستمر الاثنان في سيرهما جنوبا مع بزوغ الفجرء حيث مرا بالغردقة وميناء 
سفاجا والحمراوين حتى وصلا أخيرا إلى القصيرء وتوجها غربا مرة أخرى والرياح 
تصفع وجهيهماء والصحراء إلى جانبيهما. استمر دانيل في سيره بأقصى سرعة» بينما 
كانت تارا تخبئ وجهها حيث ينتابها خوف من ألم الشعور بالفرقة بعد نهاية هذه 
الرحلة. 

وصل الاتنان إلى قوص عند الساعة الثانية ظهراء وإلى غرب الأقصر بعد 
نصف ساعة. ومع ازدحام الشوارع بالسيارات والأشخاص من حولهماء وضعت تارا 
رأسها على ظهر دانيل وكأنها تخلصت من عبء كبير كان يؤرقها. 

سألت تارا مع دخولهما إلى مرآب صغير عند أطراف المدينة 'ماذا سنفعل الآن؟!" 

سندهب إلى عمر '. 

اعم ؟ 

'إنه صديق قديم لي» وكان رئيس العمال لدي في وادي الملوك. ومنذ مائة عام 
كانت عائلته من أكثر العائلات سرقة للمقابرء أما الآن» فهي عائلة تخدم البعثات 
الأثرية» وتدير بعض متاجر الهداياء وهي على دراية بما يدور في هذه الأنحاء". 

16 


'ماذا لو لم بتمكن من مساعدتنا؟" 

أمسك دائنيل بيدهاء وقال 'سيكون كل شيء على ما يرام» سنخرج من هذا 
المأزق» ثقي بي". 

لم يبد دانيل مقتنعا تماما بما يقوله. 

كان عمر يعيش في منزل كبير من الطوب الطيني؛ ملاصق تماما لبقايا قصر 
شهير يسمى مالقطة» وعندما وصلا كان يعمل في الحديقة» ويجمع بعض سعف 
النخيلء بينما كان هناك حمار يعبث في الأوراق الصفراء لهذا السعف. ما إن 
رآهما الرجل حتى هلل فرحا قائلا 'مرحبا دكتورء لقد مضى وقت طويل مند 
لقائنا". 

تعائق الرجلانء وقبّلا بعضهماء وقدم دانيل تارا موضحا من هي. 

قال عمر 'لقد سمعت بما حدث لوالدك»ء وحزنت لذلك كثيراء أسأل الله أن يكون 
في سلام الآن". 

نادى الرجل على شيء ما بداخل المنزل» واصطحبهما إلى طاولة في ظل إحدى 
شجر ات الموز . 
لقد قمت بحفريات كثيرة مع دكتور دانيل لسنوات عديدة» وعملت كذلك مع 

علماء آغار آخرين» ولكن دكتور دانيل هو الأفضل على الإطلاق» فلا أحد يعرف 

وادي الملوك مثله". 

أجاب دانيل "عمر يقول ذلك لكل من يقابله". 

غمز المصري بعينه قائلا 'ولكنني أعني ما أقوله يا دكتور". 

ظهرت فتاة جميلة من المنزل» وبيدها ثلاث زجاجات من مشروبهم المفضل؛ 
وضعتها على الطاولة» ثم نظرت إلى دانيل» وأسرعت عائدة للمنزل. 

أوضح عمر "إنها ابنتي الكبرى» وقد تلقت عرض زواج من شابين ينتميان 
لعائلتين كبيرتين هناء ولكنها لا ترغب في الزواج سوى من شخص واحد فقط'. قالها 
وهو يومئ إلى دانيل. 

علّق دانيل 'تناول مشروبك اللعين» واصمت يا عمر". 

تجاذب الاثنان أطراف الحديث لوهلةء قبل أن تظهر الفتاة الجميلة مرة أخرىء 
وبيدها وعاء به حساء من العدس» وبعد أن انتهيا منه» أحضرت لهما دجاجا مشويا 
وأرزا وملوخية. 


177 


بعد ذلك»ء خرجت زوجة عمر ومعها الشيشة؛» حيث وضعتها بين الرجلين» 
ورحلت مباشرة بعد أن شكرها دانيل وتارا على هذا الطعام الشهي. 

استطرد عمر وهو ينفث الدخان من أنفه قائلا "أنت هنا لسبب ما يا دكتور دائيل 
فالأمر لا يقتصر على زيارة صديق فقطء أليس كذلك؟" 

ابتسم دانيل» وقال "لا يمكن إخفاء شيء عن آل الفاروق". 

لقد عملت عائلتي مع علماء آثار إنجليزيين لما يزيد عن مائة عامء فجدي الأكبر 
عمل مع بتري» والذي يليه عمل مع كارترء ثم عمل عمي مع بندلبري في منطقة 
العمارنة» وبالتالي نحن نعرف الإنجليز تماما". مرر الرجل الشيشة إلى دانيل» وقال له 
'حسنا أخبرني يا صديقي» هل يمكنني مساعدتك بشيء»ء فأنت جزء من عائلتي". 

صمت دانيل لوهلة ثم استدار ناحية تاراء وقال لها "أريه القطعة". 

ترددت تارا لوهلةء ثم انحنت قليلاء وأخرجتها من حقيبة ظهرهاء وأعطتها 
للرجل. فتح الرجل غطاء الصندوق» وأمسك بالقطعة في يديه. 

قال دائيل "أعتقد أنها مستخرجة من مكان قريب من هناء مقبرة أو ما شابه. هل 
رأيتها من قبل؟ هل تعرف أي شيء عنها؟' 

لم يجب عمر على الفورء وإنما قلب القطعة في يديه» حتى أعادها مرة أخرى 
إلى الصندوقء وأغلق الغطاء. 

أخيراء سأل الرجل 'من أين حصلت عليها!" 

'"اشتراها والدي لي". ثم سكتت تارا قليلا قبل أن تستطرد قائلة "إنها قطعة يريدها 
سيف الثأرء وكذلك بعض الرجال في السفارة البريطانية". 

شضعرت تارا أن دانيل لم يكن سعيدا بهذه الإضافة» وكأنه لم يرغب في ذكرها 
لذلك. 

أوماً عمر برأسه»ء ثم أخذ الشيشة مرة أخرىء وأخذ منها نفسا ببطء» وقال "ألهذا 
السبب قطعتما كل هذه المسافة من القاهرة؟' 

أجاب دانيل 'نعم اعتقدنا أنه من الأفضل لنا تجنب وسط مصر. أنت تعرف شيئا 
يا عمر أليس كذلك؟" 

نفث المصري سحابة كبيرة من الدخان؛ وكأنه يفكر في الأمر. 

بالأمس استدعتني الشرطة للتحقيق معي. لم يكن الأمر غريباء حيث إنه وبعد كل 
جريمة آثار تحدث هنا تقوم الشرطة باستدعائنا على الفورء على الرغم من تأكيدنا لهم أننا 
لم نعد نتاجر في هذه الأشياءء ولكنهم لا يقتنعون» ويستدعوننا مرة تلو الأخرى. 

178 


هذه المرة على وجه التحديد كانت مختلفة يا دكتورء فلم يسألوني أسئلة سخيفة 
كالمعتادء وإنما كانت هناك جريمة قتل راح ضحيتها أحد أبناء القرية» وقد اعتفد 
المحقق أنه ربما يكون قد اكتشف مقبرة» وأخذ منها بعض الأشياء» مما أثار غضب 
بعض الأشخاص ممن لهم سطوة. وكان المحقق يريد معرفة إذا ما كنت أعلم شيئا عن 
ذلك". ۱ 

انحنى المصري للأمام قليلاء وهو ينفخ في حجر الشيشة» وقال "لم أخبر الشرطة 
بشيء طبعا فهم ملعونون. في الحقيقة» لقد سمعت بعض الأشياء عن مقبرة جديدة 
هناك في أعلى التل» ولا أدري مكانها بالضبطء ولكنها مقبرة كبيرة» ويقول البعض إن 
سيف الثأر يريد الحصول عليها مهما كلفه الأمر". 

قال دائيل "أعتقد أن هذه القطعة جزء منها؟" 

'ربما نعم وربما لاء لا أعرف. فكل ما يمكنني قوله هو أنها لو كانت جزءا منها 
فأنتما في خطر كبيرء فليس من السهل الوقوف بوجه سيف الثأر". 

أخذت عينا الرجل تتنقل جيئة وذهابا من دانيل إلى تاراء بينما توقف الحمار عن 
العبث في ورقات السعف الصفراءء وتوجّه ليشمّ أحجار الفرن الطيني الموجود في 
جانب المنزل» وخيّم صمت طويل على المكان. 

قطع دانيل هذا الصمت قائلا "أريد معرفة من أين أتت هذه القطعة» ونود معرفة 
لماذا هي مهمة هكذاء أرجوك ساعدنا يا عمر". 

لم ينطق المصري بأي كلمةء وإنما ظل ينفث دخان الشيشةء ثم وقف ببطءء 
وعاد إلى منزلهء» حيث اعتقدت تارا لوهلة أن وقتهما انتهى معهء ولم يعد يرغب في 
وجودهماء ولكن ما لبث أن عاد مرة أخرى. 

'بالطبع سأساعدك با دكتور دانيل فأنت صديقي› وعندما يطلب صديق المساعدة 
لا يمكن لآل الفاروق خذلانه. سأقوم ببعض التحريات» ولحين الانتهاء منها ستحلان 
ضيفين علي هنا". 

أمسك الرجل بذراع دانيل» وأشار إليهما بالدخول إلى المنزل. 


179 


25 
الفأاهرة 


تمنى خليفة لو أن لديه مزيدا من الوقت ليقضيه في هذا المكان الجميل» حيث 
دخل بهو المتحف المصريء ونظر إلى سقفه المكسو بالزجاج وإلى التماثيل المنتشرة 
في المكان. كان قد مضى على آخر زيارة له للمتحف عامان» وأحب إلقاء نظرة 
خاطفة على المكان» والتمعّن في القطع الأثرية المفضلة لديه مثل التوابيت الخاصة 
بيويا وتجوجوء وكنوز توت عنخ آمون» والتمثال الجيري المزين للمعبود القزم 

مضى الوقت سريعاء وكان يتوجب عليه الرحيل بقطار الظهيرة. لذا استدار إلى 
اليسار مارا بمكان العرض المخصص للمملكة القديمة وبعض الآثار الأخرى؛ ولكنه 
قاوم كل هذه الإغراءات» ومضى في طريقه سريعا. 

في أعلى السلم» فتح خليفة بابا مكتوبا عليه خاص»ء وصعد سلما آخرء لكنه من 
الخشب هذه المرةء وسار في ممر طويل ضيق» حتى وصل إلى باب مكتوب عليه 
البروفيسور محمد الحبيب» فطرق الباب» وإذا بصوت يقول "ادخل". 

كان أستاذه القديم منحنيا فوق مكتبه وظهره مواجها للباب» بينما كان يتفحص 
انها باليهية المكر .. 

أغلق خليفة الباب» وهو ينظر بشغف إلى ظهر أستاذه» مدركا تماما أن شيئا لن 
يصرف انتباهه عما يتفحصه. فعندما يكون الحبيب عاكفا على فحص قطعة أثرية» فلن 
ينتبه حتى لو مر بجواره قطيع من الفيلة. 

كان الأستاذ على نفس هيئته القديمة. رجل ممتلئ الجسم» يرتدي سترة من 
الصوف» وبنطال جينز قصيرا إلى حدّ ماء غير أن كتفيه أصبحتا أكثر تحدباء ورأسه 

180 


الأصلع أكثر تجعداء ولم يكن ذلك مستغرباء لأنه وصل إلى الخامسة والثمائين من 
عمره. 

تذكر خليفة اليوم الذي التقيا فيه هو وعلي بالبروفيسور الحبيبء منذ خمسة 
وعشرين عاما في المتحف. فبينما كانا واقفين أمام منضدة من المرمرء يتجادلان عن 
ماهيتهاء إذا به يقف ويخبرهما بماهية المنضدة. 

حظي الرجل بإعجاب الولدين على الفورء لظهوره المفاجئ أمامهماء وأسلوبه 
الشيق في الحديث,ء وحديثه عن المنضدة وكأنها كائن حي» وليست مجرد جماد. 
وبدورهء كان البروفيسور معجبا باهتمام الولدين بالتاريخ بالرغم من كونهما فقيرين» 
وأخيرا كما عرف خليفة بعد ذلك فإن علي كان في نفس سن ابن البروفيسور الذي لقي 
مصرعه في حادثة سيارة قبل عدة أعوام. 

بعد ذلك أصبح البروفيسور هو المرشد غير الرسمي لهماء حيث كانا يلتقيان به 
كل نهار جمعة عندما يزوران المتحف لساعة أو ساعتين» وبعد ذلك كان الرجل يذهب 
ويشتري لهما مشروبين وقطعتين من الحلوى وهو ما تحول بعد ذلك إلى وجبة غداء 
دسمة في منزل البروفيسور بصحبة زوجته التي كانت ممتلئة الجسم أكثر منه. وكثيرا 
ما كان يعيرهما كتباء ويجعلهما يتعاملان مع القطع الأثرية» ويسمح لهما بمشاهدة ِ 
التلفازء وهو السبب الأساسي لرغبتهما في الذهاب إلى منزله» غير أنهما لم يصرحا 

إلى حدٌ ماء كان البروفيسور يملا الفراغ الذي خلفه موت والدهماء وغالبا ما كان 
ينظر إليهما بعين الأب. وكانت فرحته بخليفة عندما حصل على مكان له في الجامعة: 
أكثر من فرحة الأب بابنه» وأكثر من صديق لصديقهء وكذلك كان البكاء المر الذي 
بكاه عند سماعه بما حدث لعلي. 

وضع البروفيسور العدسة المكبرةء ثم استدار. 

صرخ الرجل فرحا 'خليفة". والبسمة تملأ وجهه 'لماذا لم تقل أنك هنا أيها 
الأحمق؟" 

الم أرغب في مقاطعتك". 

"أبله". 

تقدم خليفة للأمام» وتعانق الرجلان. 

'كيف حال زينب والأولاد". 

'بخيرء ويرسلون إليك تحياتهم". 


161 


'كيف حال علي الصغيرء هل يبلي بلاء حسنا في المدرسة؟' 

كان البروفيسور بمثابة الجد لأولاد خليفة» ويهتم للغاية بتعليمهم. 

'رائع". 

"كنت أعرف أنه سيكون على عكس والدهء وسيكون له عقل يفكر به". استدار 
الرجلء وتوجّه إلى المكتب» ورفع سماعة الهاتف قائلا 'سأتحدث مع أرواء وأخبر ها 
اك سارل لاء معنا" 

'متأسف» لا يمكنني ذلك» يتعين علي العودة إلى الأقصر الليلة". 

"أليس لديك وقت لوجبة خفيفة؟” 

ضحك خليفة لأنه في منزل البروفيسور فإن الوجبة الخفيفة تعني عشرة أصناف 
من الطعام بدلا من خمسة. 

"لاء فليس لدي وقت. إنها زيارة عاجلة". 

وضع الحبيب السماعة:» وقال 'ستستشيط أروا غضبا لأنها افتقدتك كثيرا يا 
خليفة» وس تلومني لأنني لم أصطحبك معيء وستقول لماذا لم تبذل معه مزيدا من 
الجهدء أو ربما ستقول: كان يجدر بك تخديره وإحضاره معك إلى المنزل. أنت لا 
تدري ما هي المشاكل التي ستواجهني يا خليفة". 

'متأسف يا عزيزيء فأنا في زيارة قصيرة للغاية". 

'حسناء فلتأت مرة أخرى فنحن لا نراك كثيرا". 

جلس الحبيب على كرسيه» وأخرج شرابه المفضلء وسكب لنفسه كوباء بعد أن 
اعتذر خليفة عن مشاركته الشراب. 

"انظر يا خليفة إلى المنضدة. 

نظر خليفة» فوجد قصاصة من ورق البردى موضوعة على ورقة لامتصاص 
الحبر. كانت ورقة البردى بالية وتتكون من ستة أعمدة من الرموز الهيروغليفية 
السوداءء وفي جانبها ما تبقى من رسم لرأس صقر عليها رمز قرص الشمس. أعطاه 
الحبيب العدسة المكبرة؛ وقال له "انظر يا خليفة. ما رأيك؟" 

كانت هذه لعبة غالبا ما لعباها في الماضي» حيث يقدم الحبيب قطعة أثريةء 
ويحاول خليفة تحديد كنهها. انحنى خليفة للأمام» وحدق بالبردى. 

الم تعد قراءتي للرموز الهيروغليفية دقيقة كما كانت في الماضيء» فلست بحاجة 
إليها في عملي بالشرطة". 

نظر خليفة إلى السطور متفحصا إياها. 

182 


"إنها ورقة بردى من إحدى كتب الحياة الأخرىء أليس كذلك" 

'جيد جداء ولكن أي كتاب؟* 

رجع خليفة ونظر إلى الورقةء وقال "كتاب أمروات". ولكن قبل أن يجيب الحبيب 
قال خليفة "كتاب الموتى". 

'رائع يا خليفة أنا سعيد بك. ولكن هل يمكنك تحديد تاريخه؟' 

سؤال صعبء فالصلوات والشعائر استمرت كما هي في كتاب الموتى منذ 
ظهوره في الأسرة الثامنة عشرة ولم تتغير على مدار 1500 عام. ولكن الرموز نفسها 
قد توحي بالتاريخ- من حيث طريقة كتابة العلامات لأنها تغيرت بمضي القرون- 
ولكن خليفة لم يكن خبيرا لدرجة تمكنه من ذلك. كانت المفاتيح الوحيدة لهذا السؤال 
هي رأس الصقر التي يعلوها قرص الشمس واسم آخر يوجد بين الرموز وهو 
أمنمحب. 

قال خليفة "المملكة الجديدة؟" 

'لماذا؟" 

'بسبب وجود شكل المعبود رع - هركيتي وهو الإله المعبود في المملكة 
الجديدة» فضلا عن أن اسم أمنمحب هو أحد الأسماء الشائعة في المملكة الجديدة". 

أومأ الحبيب برأسه إيجابا. 

"أسباب مقنعة؛ على الرغم من أنك مخطئ. هيا حاول مرة أخرى". 

'ليست لدي فكرة يا بروفيسورء ربما هي الفترة المتوسطة؟ 

"لا" 

'الفترة الأخيرة؟" 

'لا. كان البروفيسور مستمتعا للغاية بهذا الحوار". 

"هيا يا خليفة محاولة أخيرة!" 

'هل هي من الحقبة اليونانية - الرومانية؟" 

أخشى أنك مخطئ مرة أخرى. ربت البروفيسور على كتف خليفةء وقال له "إنها 
من العشرين . 

'الأسرة العشرون» لكنني قلت بالفعل إنها تنتمي للملكة الجديدة". 

ليست الأسرة العشرين يا خليفة؛ بل أقصد القرن العشرين". 

اندهش خليفة "أهي مزيفة؟ كيف ذلك؟ إنها تبدو أصلية". 


183 


ضحك الحبيبء؛ وقال 'لقد أصبح المزيفون ماهرين للغاية هذه الأيام ليس فقط في 
التقليد وإنما في استخدام المواد أيضا. فأصبحت لديهم طرق يستخدمونها ليجعلوا الحبر 
والبردى يبدوان وكأنهما يرجعان إلى آلاف السنين» إنها مهارة رائعةء ولكن للأسف› 
من العار أنهم يستخدمونها لخداع الناس". 

سكب البروفيسور كوبا آخر من شرابه المفضل. 

"هناك العديد من الاختبارات التي يمكنك من خلالها التعرف على ذلكء؛ منها على 
سبيل المثال استخدام الكربون - 14 لكشف ما إذا كانت ورقة البردى أصلية أم لا؛ 
واستخدام الميكروسكوب لتحليل الحبر. لكن في الورقة التي معنا لست في حاجة إلى 
استدعاء العلماء فيمكنني التعرف عليها بمجرد فحصها. اذهب وألق عليها نظرة أخرى 

انحنسى خليفة؛ وتفخص البردى بالعدسة المكبرة مرة أخرىء ولكنه لم يجد ما 
يقوله» فالبردى مصنوعة بعناية فائقة. 

'لقد خدعتني البردى يا بروفيسورء إنها رائعة للغاية لا يوجد بها خطأ واحد". 

ابالضبطء وهذا هو طريقك في التعرف على زيفها. انظر إلى أي مخطوطة 
مصرية والجدران المزينة بالنقوش. لم تكن قط خالية من الأخطاءء فكثيرا ما تجد بقعة 
حبر هنا أو رمزا هيروغليفيا مطموسا هناك؛ أو شكلا موضوعا على نحو معاكس. 
فعلى الرغم من الدقة» إلا أنها ليست خالية من الأخطاء وذلك على عكس القطع 
المزيفة التي دوما ما تكون خالية من الأخطاء وهذا هو السبيل الوحيد للتعرف على 
زيفهاء أن تجدها بلا أخطاء. فالمصريون القدماء لم يكونوا قط على هذه الدرجة من 
الدقة» على عكس المزيفين الدين ينتبهون لكل كبيرة وصغيرة؛ مما يتسبب في كشفهم'. 

أخذ البروفيسور ورقة البردىء وألقى بها في القمامة» ثم جلس على كرسيهء 

وأخرج ل م وأشعله بينما أشعل خليفة سيجارة» وأخرج من جيبه 

القطع الأثرية التي أخذها من متجر إكبار» ووضعها على المكتب أمام الحبيب. 

ابتسم خليفة؛ وقال "حسناء ؛ دورك الآن يا بروفيسور. ما الذي يمكنك إخباري به 
عن ذلك؟" 

نظر الحبيب إلى القطع من خلال سحابات الدخان الزرقاء»؛ وتجهّم وجهه أمام 
القطع السبع التي أحضرها خليفة من متجر إكبار. انحنى البروفيسور قليلاء ومرر 
يديه المجعدتين برفق فوقهاء وكأنه يحاول طمأنتها: ويكسب ذقتها. 

أرائع» رائع يا خليفة من أين أتث هذه الأشياء؟' 


184 


"هذا ما أنتظر أن تخبرني به . 

صب البروفيسور تركيزه على القطع مرة أخرىء وأضاء المصباح إلى جواره» 
والتقط العدسة المكبرة وأخذ يرفع قطعة تلو الأخرى» ويتفحصها والأنسجة الحمراء 
في عينيه تبدو ضخمة من وراء العدسة المكبرة. خيّم الصمت على المكتب باستثناء 
رجع صدى أنفاس البروفيسور. 

بعد خمس دقائق» سأل خليفة "ما رأيك يا بروفيسور؟' 

وضع البروفيسور القطعة التي كان يتفحصهاء ثم قضى دقيقة يعيد ملء غليونه 
مرةأخرىء وبدت على وجهه أمارات السعادة» وكأنك سألت شخصا: ما هو هذا 
المشروب» وبعد أن شرب منه عرفه عن ثقة. 

أجاب البروفيسور "الاحتلال الفارسي". 

رفع خليفة حاجبيه قائلا "الاحتلال الفارسي؟' 

خيّم الصمت لوهلة» ثم قال خليفة "الأول أم الثاني؟' 

"يا لك من شخص عنيدء لن تدعني أفلت بهاء أعتقد أنه الاحتلال الأول؛ ولكن لا 
يمكنني ذكر تاريخ محدد باستثناء أنه في الفترة ما بين 525 و404 قبل الميلادء 
وبالنسبة لتماثيل حراس المعبد» فأعتقد أنها من فترة لاحقة". 

'فترة لاحقة؟" 

"الاحتلال الثاني على الأرجحء ويمكن أيضا أن ترجع إلى الأسرة الثلاثين» فمن 
الصعب التعرف على تاريخ محدد لمثل هذه الأشياء» وخاصة عندما لا تحمل شعارا 
أو نقشاء حيث لا توجد علامات تميزهاء فالأمر يعتمد أولا وأخيرا على إحساسك". 

"وإحساسك يقول إنها تعود لفترة الاحتلال الثاني". 

"أو الأسرة الثلاثين". 

صمت خليفة لوهلة مفكراء ثم قال "هل هي أصلية؟' 

'بالطبع لا شك في ذلك؛ إنها أصلية تماما". 

فجأة نطق النظام الصوتي للمتحفء معلنا أن المتحف سيغلق أبوابه بعد عشر 
دفائق . 

"هل لديك تعليق آخر يا بروفيسور”" 

'هذا يتوقف على ما تريد معرفته. بالنسبة لعبوة المرهم المصنوعة من التراكوتاء 
فعلى الأرجح هي لأحد الجنود» ونحن لدينا هنا في المتحف الكثير منهاء وعلى الأرجح 
هي من بين المعدات المنتشرة بين الجنود في تلك الحقبة. أما الخنجر» فيشير إلى 

185 


وجود علاقة بحملة عسكرية» فيمكنك أن ترى هنا الشفرة المسننة والبالية التي توضح 
أنه لم يكن لغرض الزينة أو قضاء نذر وإنما يستخدم فعليا. أما بالنسبة للصدرية فهي 
رائعة» فهي ذات جودة أكثر من بقية هذه القطع الأثرية". 

'ماذا يعني ذلك؟" 

"إما أنها أتت من مكان آخر أو أن الشخص الذي امتلك هذه الأشياء أراد أن يزيد 
ثروته من هده المقتنيات . ظ 

ضحك خليفةء وقال "كان الأولى بك الانضمام للشرطة؛ فلديك قدرة رائعة على 
الاستنتاج» ولابد أنك كنت ستصبح رئيسا للمباحث في هذه السن". 

'ربماء ولكن لم أكن لأتحدث على النحو الذي أريده» وهذا هو ما يجعلني أحب 
الآثارء فيمكنك قول ما تشاء دون أن يحجر أحد على رأيك لأنها مسألة تفسيرية بحتة. 
حسناء أخبرني يا خليفة من أين أتت هذه الأشياء؟" 

أخذ خليفة آخر نفس من سيجارته» وأطفأها في المنفضة. 

من الأقصر على ما أعتقد. من مقبرة جديدة هناك". 

'شيء ما يتعلق بقضية تعمل على حلها؟ 

أومأ خليفة. 

. 'لن أسأل عن مزيد من التفاصيل يا خليفة". 

أخرج الحبيب قلماء وأخذ ينظف الغليون» في الوقت الذي صدر فيه تنبيه آخر 
بقرب إغلاق أبواب المتحف. جلس الاثنان لوهلة دون أن ينبثا بكلمة. 

الأمر يتعلق بأخيك علي أليس كذلك يا خليفة؟" 

'ماذا؟" 

"القضية وهذه القطع الأثرية لها علاقة بعلي". 

'ما الذي جعلك...". ظ 

قاطعه البروفيسور» قائلا "أرى ذلك على وجهك» وأسمعه في صوتكء فأنا لم 
أمض عمري كله أدرس الموتى› دون أن أتعلم ولو قليلا عن الأحياء أيضا. أعتقد أن 
الأمر يتعلق بأخيك". 

لم يجب خليفة. نهض البروفيسورء ومشى ببطء حول المكتبء ثم وراء خليفة» الدي 
أعتقد أنه توجّه إلى خزانة الكتب في الجانب الآخر من الغرفة» ولكن فجأة» شعر خليفة بيد 
الرجل على كتفه؛ قبضة قوية على الرغم من كبر سنهء بدأ البروفيسور يتحدث وصوته 
مهتز 'أنت تعرف أنني وأروا... عندما قدمت أنت وعلي إلى حياتنا...". 


186 


توقف الرجل وسط الجملة» ثم استدار خليفة» وأمسك بيد الرجل؛ وقال "أعرف ما 
ترید قوله يا بروفیسور . ) 

"توخ الحذر يا خليفةء هذا ما أطلبه منك»ء رجاء توخ الحذر'. 

ظل الوضع كذلك لوهلةء قبل أن يعود البروفيسور إلى كرسيه مرة أخرىء قائلا 
ادعنا نلقي نظرة أخرى على هذه الأشياء؛ هل يمكننا ذلك؟" قال ذلك وهو يحاول أن 
يبدو سعيدا. 'دعنا نرى ما الذي يمكنني أن أخبرك به عنها. أين وضعت هذه العدسة 
المكبرة اللعينة؟" 


187 


26 
الأقصر 


اص طحبهما عمر إلى غرفة صغيرة في الطابق العلوي للمنزل» ذات أرضية 
خرسانية خشنة» وبدون زجاج على النافذة» وقامت زوجته وابنته الكبرى بإحضار 
الو سنادات والمفارش» بينما وقف أولاده الثلاثة الآخرون على باب الغرفة؛ يشاهدون 
الضيفين. كان الصبي الصغير ينظر إلى تارا معجبا بشدة بشعرهاء فحملته» وإذا به 
يعبث بخصلة من شعرها بين أصابعه الصغيرة؛ ويقول شيئا ما لأمه. استفسرت تارا 
عما قاله الصبيء فعرفت أنه يقول إن شعرها يشبه ذيل الحصان. ابتسمت تاراء 
وداعبت أنف الفتى» وأنزلته على الأرض» شعرت تارا بارتياح شديد وسط هذا الجو 
الأسريء وكأنه واق لها من شرور العالم الخارجي. 

ماإن اطمأن عمر عليهماء حتى أشار لأفراد عائلته بالخروج؛ وقال لهما 
اسأذهب الآنء وأرى ما يمكن عمله حيال هذا الأمرء وفي أثناء ذلك هذا منزلكماء 
وستكونان آمنين هناء فعلى الأقل» ما زال اسم آل الفاروق يؤمن بعض الحمايه . 

بعد أن ذهب عمر» استحم دانيلء ثم تارا. وبعد ذلك» صعدا إلى سطح المنزل» 
حيث الملابس ترفرف على أحد الحبالء وإلى جوارها ثمار البلح الجاف على قطعة 
قماش. ظل الاثنان يحدقان بتلال ذيبان التي تبدو وكأنها موجة بنية اللون» ثم استداراء 
ونظرا شرقا تجاه النيل والدخان يتصاعد من حقول الفلاحين الذين يحرقون أعواد 
الذرة وقصب السكر. وفي أثناء ذلك» مرت عربة محملة بالأرزء تجرها مجموعة من 
الأبقار المائية. في المقادل» كان هناك مجموعة من طيور البلشون البيضاء فوق بركة 
طبنية؛. وبعض الصبية الذين يداعبون كلبا مقيداء ومن بعيد يتهادى صوت خافت 
لمضخة ميأه. 


188 


بعد صمت طويلء قالت تارا "أشعر أنه يتعين علينا فعل شيء" 

"مثل ماذا؟" 

"لا أدري» ولكنني أرى من الخطأ أن نقطع كل هذه المسافة» ثم نقف هنا لنستمتع 
بهذا المنظر". 

اليس هناك الكثير لنفعله يا تاراء على الأقل حتى يعود عمرء لأن خطوتنا التالية 
تعتمد على ما سيتوصل إليه". 

'"أعرفء أعرفء ولكنني لا أستطيع الجلوس هكذاء وكأننا تحت رحمة الظروف» 
فقد مات والدي» وهناك أشخاص يريدون قتلناء ولهذا أود القيام بشيء ما والعثور على 
بعض الإجابات". 

تقدم دانيل للأمامء وقال لها 'أنا أفهم ما تقصدين يا تاراء ولكن لا خيار أمامنا". 

صمت الاثنان لبرهة» وهما ينظران إلى رجل عجوز يمتطي جملا بالأسفل» ثم 
استدار دانيل» ونظر إلى التلال» وعيناه تتبعان حائطا من الصخورء وهو غارق في 
أفكاره. فجأة» وكأنه توصل إلى قرارء جذب يد تاراء وتوجّه بها ناحية السلم. 

"هيا بناء ربما لن يحل هذا الأمر كل مشاكلناء ولكن على الأقل سيشغل وقتنا". 

"إلى أين سنذهب؟" 

"إلى هناك". وأشار بيده إلى حافة مستوية» وكأنها شفرة في أعلى التلال. "لا 
يوجد مكان في مصر يمكنك منه مشاهدة غروب الشمس كهذا المكان" 

نزل الاثنان» وقال دانيل "أحضري الصندوق معك". 

'لماذاء أتخشى أن يسرقه عمر؟" 

"لاء ولكنني لا أود أن يلقى الرجل مصرعه لأجلهء إنها مشكلتنا نحن يا تاراء 
ولذا ينبغي أن نحتفظ به معنا". 

استغرق الأمر قرابة الساعةء للوصول إلى أعلى الحافة؛ حيث صعدا بضع 
درجات سلم خرسانية» قبل أن يصلا إلى طريق ترابية غير مستقيمة» تقود إلى أخدود 
ضيقء» ثم إلى قمة التلال. كان الصعود شاقاء حتى أنهما غرقا في عرقهما فور 
انتهائهما من الصعودء حيث وصل دانيل أولاء وجلس على صخرة كبيرة» وهو 
يضرب بأطراف أصابعه على فخذه في انتظار تارا. 

خلعت تارا حقيبة ظهرهاء وجلست إلى جوار دانيل» مندهشة من هذه المناظر 
الخلابة» حيث غروب الشمس بلونها الأحمر الذي يعائق السماء الزرقاءء؛ ثم الشريط النيلي 
الأزرق الذي يلمع في ضوء الشمسء ثم التلال اللامتناهية وسط الهدوء والسكون. 

189 


قال دانيل 'إنهم يسمونها رأس القرنء لأنها تبدو من كافة الاتجاهات» وكأنها 
حافة تجري عبر قمة التلال؛ أما إذا نظرت إليها من الشمال؛ أي من وادي الملوك؛ 
فستبدو وكأنها هرم. لقد سماها قدماء المصريين الحاجب» ولهذا اختاروها لتكون مقبرة 
لموتاهم". 

"إنها هادئة للغاية". 

"نعم يا تاراء لقد رأوها كذلك منذ أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام» فكانت 
هذه القمة مقدسة ومخصصة للمعبودة ميريت - سيجر؛ أي المرأة التي تحب الصمت". 

نهض دانيلء وأشار إلى جزء مستطيل إلى اليمين» وقال "هذا هو المعبد 
الجنائزي لرمسيس الثالث؛» أحد أجمل الآثار المصرية قاطبة؛ ثم هناك عند أشجار 
النخيل يوجد منزل عمر أترينه؟' 

نظرت تارا للأسفل متتبعة إصبع دانيل» وقالت 'نعم أعتقد أنني أراه". 

إذا ما نظرت إلى الشمال عند هذه الطريق المتجهة نحو النهرء فسترين التماثيل 
الضخمة لممنونء وإذا ما نظرت أبعدء فسترين مجمع المباني هذاء وهو المعبد 
الجنائزي لرمسيس الثاني . 

نظرت تارا إليه» وقالت "أتريد قول شيء يا دانيل؟' 

'أنا...". ثم صمت وكأنه لا يجد الكلمات التي يستطيع بها التعبير عما يجول 
بداخله. 

'ماذا يا دانيل؟" 

'أردت أن..." 

فجأة صدر صوت ضوضاء من خلفهماء فنظرا هنا وهناك» وهما محاطان 
بجوائب الأخدود الذي صعده منذ قليل» فوجدا رجلا ذا وجه أشعث» ووجنتين 
غائرتين» وعينين حمراوين. 

همس دانيل» "يا اشء ما هذا بحق الله؟" 

'أهلاء أرجوك". رددها الرجل ذو الملابس الرثة» وهو يقترب منهماء قائلا 
"انتظرا سأريكما شيئًا جميلا هناء هنا انظر"". 

تقدم الرجل نحوهما وفي يده النحيفة جعل كبير مصنوع من الحجارة السوداء. 

"أعرف أنكما أتيتما من مكان بعيدء انظراء إنها قطعة رائعة» كم تدفعان فيها؟" 

أجاب دائيل "لا ليس الآن". 

"إنها ذات جودة عالية". 


190 


أجاب دانيل» بصوت أكثر حدة "قلت لاء لا أريدها". 

أعطني سعراء هل تدفع عشرين جنيها مصريا؟" 

"لا أريدها". 

'"خمسة عشر. عشرة؟" 

"ل هيا أذهب من هنا . 

"أرجوكماء أنا لم آكل وأشعر بالجوع؛ أتوسل إليكما". 

'حسناء حسنا". أعطاه دانيل بعض النقودء فابتسم مظهرا أسنانه الصفراءء ثم أخذ 
يقفز فرحا على قمة الجبل. 

أخذ الرجل يغني قائلا 'رجل طيب» رجل طيب» صديقي رجل ذو قلب كبير". ثم 
نظر إلى تاراء وقال 'سيدة جميلة» أتودين رؤية بعض المقابر؟ حتشبسوت» وادي 
الملوك» وادي الملكات؛ مقابر سرية لم يرّها أحد من قبل؟' 

نهره دانيل» قائلا 'كفى؛ لقد حصلت على ما تريده هيا اذهب الآن". 

'لكن سأريكما أشياء خاصة والعديد من الأسرار". 

'اغرب عن وجهي". 

توقف الرجل عن الرقصء ثم توجّه ناحية الأخدودء وهو يعد النقود في يديه 
ويهمس ببعض الكلمات . 

هبط الرجل للأسفل» ولم يتبق سوى رأسه» الذي أطل به» ونظر مباشرة إلى 
عيني تاراء وقال لها 'لقد أخبرتني الأشباح أن الأمر ليس كما تعتقدين فهناك العديد من 
الأكاذيب". 

اختفى الرجل عن الأنظارء تاركا إياها ترتعش من وقع هذه الكلمات. 

"ما الذي يقصده يا دانيل؟" 

توجّه دانيل للنظر إلى أسفل التل إلى وادي الملوكء قائلا "لا أدري» إنه رجل 
مجنون» فقد بدا وکأنه لم یأکل منذ شهر ". 

خيّم الصمت لوهلةء ودائيل ينظر إلى وادي الملوك» بينما تارا تنظر إليه. 

نظر إليها دانيل» وقال 'لم يكن بالأمر المهم. اقتربي» وانظري إن هذا هو أفضل 
وقت تشاهدين فيه وادي الملوك» حيث يكون خاليا تماماء وكأنه يعكس الحياة في مصر 
القديمة". 

قفزت تارا إلى جانب دانيل» ونظرا إلى الأسفل حيث يقع الوادي هادئا وساكنا 
وتنقسم عنه وديان أصغر وكأنها أصابع منبسطة عن راحة اليد. 

191 


ل 9 


سألت تارا "أين مقبرة توت عنخ أمون". 

أشار دانيل» وقال "أترين عنق الوادي هناكء في الوسط حيث توجد مقبرة 
رمسيس السادس» وبعدها مباشرة تقع مقبرة توت عنخ أمون؟" 

'وأين الموقع الذي تنقب به؟" 

صمت دانيل قليلا قبل أن يجيب. 

"لا يمكنك رؤيته من هناء فهو يقع بعيدا باتجاه معبد تحتمس الثالث". 

'أتذكر أنني أتيت إلى هنا في صغري بصحبة أبي وأميء عندما كان أبي يلقي 
محاضرة على سطح إحدى الباخرات في النيل؛ وكان مهتما للغاية باصطحابنا معه إلى 
كل المقابرء ولكنني كنت أفضل العودة إلى الباخرةء والمكوث في حمام السباحة. أعتقد 
أن أبي أدرك في ذلك الوقت أنني لم أكن البنت التي يريدها". 

نظر إليها دانيل» وقال 'لقد أحبك والدك للغاية يا تارا". 

'ربما". 

"صدقيني يا تارا لقد أحبك» ولكن بعض الناس لا يمكنهم البوح بمكنون صدورهم'. 

أمسكيردانيل_ببدهاءودون وأن ينسرع أحدهما بكلمة؛ و الشمس تغيب خلفهماء وأخذ 
الضوء ينزوي. ظهرت نجمتان» وبدأت الأنوار أسفل الوادي تنيعث من المنازل. في 
الجهة المقابلة» شاهدا جنديين بالقرب من أحد الأكواخ حيث يخدمان في إحدى النقاط 
الأمنية التي تم إنشاؤها بعد مذبحة الدير البحري. 

اشتدت الريح قليلاء وسألت تارا "هل هناك شخص في حياتك؟" 

ابتسم دانيل» واستفسر "أتقصدين محبوبة؟ لاء ليس هناك ما يستدعي ذكره؛ وماذا 
عنك يا تار !؟" 

"نفس الشيءء ليس هناك ما يستدعي ذكره". 
صمتت تارا لوهلة؛ ولكنها لم تتمالك نفسها من التوجه بالسؤال التالي "من هي 
ماري؟" ئ 

'ماري؟" 

"لا أعرف أحدا بهذا الاسم". 

بدا دانيل صادقا في إجابته. 

القد ذكرت هذا الاسم مرارا وتكرارا ليلة أمس ماريء ماري". 

فكر دانيل للحظة وهو يكرر الاسم في نفسه» ثم انفجر في الضحك. 

"ماري يا للروعة! هل أصابتك الغيرة يا تارا؟ اعترفي". 


12 


دافعت تارا عن نفسها قائلة "لاء أنه مجرد فضول". 

'يا الله! إنها ميري يا تارا ميري- امون محبوب أمون. لا تقلقي فهو اسم رجل 
على كل حال» وقد مات منذ أكثر من ألفين وخمسمائة عام". 

ظل دانيل يضحك» وانضمت إليه تارا شاعرة بالخجل» ولكنها سعيدة في نفس 
الوقت. 

شعرت تارا وكأنها نسيت كل ما تعرضت له من أذى على يد دانيل عندما 
هجرهاء بل ونسيت أيضا كل ما حدث لها على مدار اليومين السابقين» وظلت جالسة 
بجواره مغمضة العينين» حتى أفاقت فجأة» ووجدت الظلام يخيم على المكان. نظرت 
تارا إلى الممر الذي صعدا من خلاله إلى قمة التل» فإذا به سلسلة من الأضواء 
المتناثرة» ومزيد من الأضواء هناك أسفل السفح معظمها أبيض» وفي وسطها أضواء 
خضراء ترمز الى مادذن المسأجد. 

سألت تارا "من ميري هذا؟' 

ابتسم دانيل» وقال "إنه ابن الفرعون أماسيس» عاش في عام 550 قبل الميلاد 
تقزيباء وأعتقد أنه مدفون هنا في وادي الملوك»ء وهو ما كنت أبحث عنه على مدار 
السنوات الخمس الماضية» لاقتناعي التام بأن مقبرته هنا لم يلمسها أحد'. 

أخرج دانيل سيجارا من جيبه» وأشعله. 

استطردت تارا قائلة 'متى استأنفت حفرياتك ثانية؟" 

أخذ دانيل نفسا عميقا من السيجارء ونفثه ببطء حيث حملته الريح بعيداء وكأنه 
قطعة قماش بالية. صمت الرجل كثيرا قبل أن يتحدث ونبرة صوته مختلفة الآن» فبها 
شيء من المرارة والامتعاض. 

'لم أستأنف الحفر ثانية". 

'هل تقوم ببعض الحفريات في مكان آخر؟" 

'ربماء ولكن ليس في مصر . 

أخذ دانيل ينظر نحو الأسفل إلى قدميهء وشفتاه شاحبتان» وقبضته مستديرة وكأنه 
على وشك أن يضرب شخصا ما. استدارت تارا في جلستها بحيث أصبحت تنظر إلى 
جانب وجهه حينداك. 

"لا أفهم يا دانيل! ما الذي تقصده بأنك لا تحفر في مصر؟' 

اما أقوله يا تارا هو أن كل أماني وأحلامي كعالم آثار مصري قد تلاشت› 
وذهبت أدراج الرياح". 

13 


كان الإحساس بالمرارة ظاهرا في صوته. رفع دانيل رأسه» ونظر إلى عيني 
تارا التي رأت عينين سوداوين خاليتين من كل معنى للحياة» ثم أخفض رأسه مرة 
أخرى. 

'لقد سحبوا الترخيص الخاص بيء السفلة أخذوه. وفي ضوء الظروف الحالية 
ليس من المحتمل أن أحصل عليه مرة أخرى". 

'يا الله!" لقد نشأت تارا في بيئة بها العديد من علماء الآثارء وتدرك تماما معنى 
سحب الترخيص من عالم الآثار. أمسكت تارا بيده» وقالت له 'ماذا حدث؟ أخبرني؟' 

أخذ دانيل نفسا من السيجارء ثم نفثه بعيداء ووجهه متجهمء وكأنه يوجد في حلقه 
شيء ذو مذاق سيئ. 

"لا يوجد ما أخبرك بهء ولكن على أي حال» عثرنا على آثار لما يبدو وكأنه بقايا 
جدار قديم في موقعناء وأردت الحفر مع طول الجدار لمعرفة إلى أين يؤدي. للأسف 
كان الجدار يمتد إلى الموقع المجاور لنا وهو موقع يحفر فيه فريق بولندي. وأنت 
تعرفين أنه من غير المسموح الحفر في موقع ينتمي لفريق آخر. ولكنهم لم يكونوا 
موجودين على مدار أسبوعين» فقررت أن أحفر. كان يتعين علي الاتصال بهم أو على 
الأقل بالسلطات المصريةء ولكن لم أستطع الانتظارء لم أتمالك نفسي من المضي قدما 
في الحفر". 

في هذه اللحظة» بدأت أطراف أصابعه تطرق بغضب على سطح الصخرة. 

"عندما عاد البولنديون» حدثت مشادة كبيرة» حيث اتهمني رئيس الفريق بانعدام 
المسؤولية» وعدم احترامي للماضي. لقد كرست حياتي كلها لمصر يا تاراء ولا أحد 
يحترم تاريخها أكثر مني. عندما قال هذه الأشياءء لم أتمالك نفسيء ولم أنتبه إلا وهم 
يرفعونني من فوقه» لقد كدت أقتله. ذهب الرجل وقدم شكوى بذلك للسفارة البولنديةء 
التي رفعتها بدورها للسلطات المسؤولة» وانتهى الأمر بسحب الترخيص مني. لم يقف 
الأمر عند هذا الحدء وإنما أنا ممنوع من العمل مع أي بعثة أخرى في أي مكان 
بمصرء فهم يقولون عني بأني غير متزن» وشخص خطر على نفسه وعلى رفاقه. 
اللعنة على هؤلاء الحمقى أود لو أقتلهم جميعا". 

كان دانيل يتحدث بسرعة؛ وكتفاه ترتعشان» ثم نزع يده من يد تارأء ونهض 
واقفاء ومشى حتى وصل إلى مقدمة حافة التل محدقا بالوادي أسفله. وعلى الرغم من 
الظلام إلا أن السهل الأبيض للوادي كان واضحاء وكأنه نهر من الحليب. بعد فترة هدأ 
دانيل» وتوقفت الرعشة. 


194 


'متأسف لقد أصابتني نوبة...". 

مسح دانيل جبهته» وتنهد بعمقء وقال 'منذ ذلك الحين» وأنا أقوم ببعض الجولات 
السياحيةء وأبيع بعض اللوحات المائية على أمل أن تتغير الظروفء ولكنها لم تتغير. 
في مكان ما بالأسفل هناك توجد مقبرة لم يمسها أحد تنتظر من يكتشفهاء ولن يسمحوا 
لي أبدا بذلك. هل تدركين مدى صعوبة ذلك؟ إلى أي مدى يصيبني ذلك بالإحباط؟ يا 
الله !" 

"لا أدري ماذا أقولء؛ أنا آسفة يا دانيل» أنا أعرف ماذا يعني هذا المكان بالنسبة 

استطرد دانيل قائلا 'لقد حدث نفس الشيء مع كارتي في العام 1905 فقد طردته 
سلطة الآثار لدخوله في عراك مع بعض السائحين الفرنسيين في سقارة» وانتهى به 
الحال كمرشد سياحي ورسام. ولذا إلى حد ما يوجد وجه شبه بينناء ولكن ليس على 
النحو الذي تمنيته". 

ذهبت المرارة من صوته» وحل محلها غضب ويأس. وقفت تارا إلى جواره 
تحاول مساندته. 

"مل تدرين ما هي المفارقة الكبرى يا تارا؟ اتضح أن هذا الجدار ما هو إلا 
جدار بناه أحد علماء الاثار منذ مائتي عام". ضحك دانيل ضحكة باهتة. 

كررت تارا "أنا آأسفة يا دانيل". 

'هل أنت حزينة لأجلي". استدار دانيل» وأصبحا وجها لوجه؛ وقال 'لقد اعتقدت 
أنك ستسعدين لذلك» إنها عدالة السماء لما فعلته بك". 

'بالطبع لست سعيدة يا دانيل؛ أنا لم أتمن أن يلحق بك سوء على الإطلاق". 

قال دانيل "أتودين رؤية مكان جميل؟' 

حمل دانيل حقيبة ظهرهاء وتوجها أعمق وسط التلال بعيدا عن السفح» والهدوء 
يخيّم على المكان باستثناء صوت وقع أقدامهما على الصخر. بعد عشرين دقيقةء 
وصلا إلى مكان اتسعت عنده الطريق» وأصبحت على شكل قرص به أربعة أشكال» 
وكأنها فواصل في صفحة فارغة. عندما اقتربا منهاء وجدتها تارا عبارة عن جدران 
صغيرة تصل إلى ركبتيها. 

أوضح دانيل قائلا "إنها مصدات للريح» كان جنود الدوريات الذين يحرسون هذه 
التلال في العصور القديمة يحتمون بها . 

195 


أمسك دانيل بأحد الأحجار» ووضعه في ضوء القمر» وقال لها "انظري إنه من 
الفخار '. 
كان المكان جميلاء بحيث نسيا كل ما حدث لهما مؤخرا! 


196 


2 
القاهرة 


كانت الساعة تقترب من السابعة مساء»ء عندما عاد خليفة إلى مكتب محمد عبد 
التواب الذي كان جالسا خلف مكتبه» تحت ضوء المصباح» يكتب بإصبعين فقطء على 
ما يبدو وكأنه آلة كتابة يدوية قديمةء والأرضية حوله مكسوة برماد السجائر فوق 
السجادة» وكأن هناك ثلجا يتساقط في هذا الجانب من المكتب. 

أعطى خليفة المفاتيح لمحمد عبد التواب» وأخبره بما أخبرته به الفتاةء وأخبره 
أيضا عن القطع الأثريةء فاندهش عبد التواب. 

قال خليفة "أعرف أن ذلك يخالف القواعد» ولكنني تركت القطع الأثرية لدى 
صديق لي في المتحف ليفحصهاء على أن يعيدها صباح الغدء وأرجو ألا تمانع في 
ذلك". 

"لاء على الإطلاق» لا توجد مشكلة» فلن أفعل شيئا بها قبل صباح الغد على كل 

القد أعطتني الفتاة وصفا جيدا للأشخاص الذين هاجموا إكبارء ويبدو أن اثنين 
منهما من أتباع سيف الثأر". 

'يا للهول". 

'أما الثالث فليس مصرياء وأعتقد أنه أمريكيء فهو ضخم الجثة» وعلى وجهه 
ندبة أو علامة خلقية". 

'درافيتش؟" 

"هل تعرفه؟" 


197 


'كل رجال الشرطة في الشرق الأدنى يعرفونه. أنا مندهش لأنك لا تعرفه؛ إنه 
مجرم ألماني لعين". 

نادى عبد التواب على أحد رفاقه في الغرفة» فشرع في البحث في مكتبه؛ 
وأخرج ثلاثة ملفات حمراءء أعطاها لعبد التواب. 

أخرج عبد التواب صورة بالأبيض والأسود لدرافيتشء وأعطاها لخليفة. 

استطرد عبد التواب» 'لقد قضى شهرين في سجن طرة منذ فترة» لتورطه في 
حيازة بعض الآثار. ولكن لم يستطع أحد أبدا إدانته بشيء ذي قيمةء فهو ماهر للغايةء 
ويجند أشخاصا آخرين لأداء أعماله القذرة» ونظرا لعمله مع سيف الثأرء فلا يستطيع 
أحد الوشاية به» والفتاة الوحيدة التي أوشت به بعد أن اغتصبها حدث لها ذلك". 

أظهر عبد التواب صورة مروعة لجثة الفتاة. 

قال خليفة "يا الله!" ظ 

لقد أخبرتك إنه مجرم لعين". 

رجع عبد التواب بكرسيه لنخلف قليلاء وبسط قدمه على جانب المكتب» وأشعل 
سيجارة؛ بينما خليفة يبحث في الملفات. 

'لقد ذهبت للملحق الثقافي في السفارة البريطانية". 

'وماذا وجدت؟' 

"لا شيء يذكرء فلم يخبرني بجديدء ولكن لدي إحساس أنه يخفي شيئا. هل لديك 
فكرة عن سبب ذلك" 

أجاب عبد التواب 'لماذا تعتقد أنه يخفي شيئًا؟" 

أجاب عبد التواب عن سؤاله بنفسه "إنهم لم ينسوا قط ما فعلناه بهم عند تأميم 
القناة» وحين طردناهم إلى بلادهم. ولذا لن يترددوا في إلحاق أي أذى بنا". 

'الأمر أكبر من ذلك يا عبد التواب» إنه يعرف شيئا عن هذه القضية؛ ولا يريد 
إطلاعي عليه". 

"أتقصد أن السفارة البريطانية متورطة في هذا الأمر؟' 

إبصراحة»ء لا أعرف. فلم أعد أعرف أي شيء. هناك أمر ما يحدثء وأنا لا 
أعرفه". ؤ 

أنزل سكويرز نظارته قليلا بحيث أصبحت الآن على أنفه» وبدأ يقرأ قائمة 
الطعام. خيّم الصمت لدقيقتين قبل أن يضعها جانبا وهو راض عن اختياره. 

198 


'سأطلب السمان إنه رائع في هذا المطعم»ء وسأبدأ وجبتي بفطيرة ثمار البحرء 
ألبس كذلك يا جمال؟" 

الست جائعا". 

هيا يا رجل» لن تجلس معنا دون تناول شيء! 

"أتيت إلى هنا للحديث لا للاأكل". 

أومأ سكويرز بامتعاضء والتفت إلى الشخص الجالس إلى يساره. وهو رجل 
ممتلئ الجسم» أصلع الرأس» يطوق معصمه بساعة رولكس كبيرة الحجم. 

'ماذا عنك يا ماساي؟ بالتأكيد لن تتركني أتناول الطعام وحدي؟' 

نظر الرجل الأمريكي إلى قائمة الطعام وهو يضع منديلا خلف رأسه الذي 
يتصبب عرقا على الرغم من أن المطعم مكيف الهواء. 

'هل يقدمون لحم البقر هنا؟" أوضحت لكنة الرجل أنه من جنوب أمريكا. 

أشار سكويرز في قائمة الطعام» وقال له "أعتقد أن هذه الشرائح ستعجبك". 

'هل عليها صلصة؟ لا أريد صلصة على شرائح اللحم". 

نادى سكويرز على النادل "هل وجبة شرائح اللحم تحتوي على الصلصة؟" 

'نعم» نقدم معها صلصة الفلفل". 

"لاء لا أريد صلصة معها". 

'حسناء يا سيدي سنقدمها بلا صلصة". 

'حسناء وأعطني معها بعض المخلل والبطاطا المحمرة". 

'ماذا عن المقبلات يا سيدي؟' 

"لا أعرف» ما الذي طلبته يا سكويرز؟' 

'فطيرة تمار البحر'. 

'حسناء سآخذ فطيرة» وبعض المخلل مع شريحة اللحم". 

قال سكويرز 'حسنا بالنسبة لي سآخذ فطيرة ثمار البحر والسمان» وأحضر لي 
قائمة المشروبات من فضلك". 

تلقى النادل الطلبات» وتراجع منحنيا. 

قطع ماساي نصف رغيف الخبزء ووضع به الزبدة» وألقى به في فمه» وسأل 
وهو على هذه الحال 'يبدو أن صديقيناء قد ظهرا في الأقصرء أليس كذلك يا جمال؟" 

'نعم» لقد وصلا ظهر اليوم". 

199 


"إن الأمر برمته لا يستحق هذا العناء» فنحن نعرف أين القطعة ة الأثرية؛ فلماذا لا 
نذهب ونحضرهاء ونكف عن هذا الهراء؟" 

"لأن الأمر خطير للغاية» ولذا من الأفضل أن نبقى بعيدا حتى يتعين علينا التدخل". 

"نحن لا نمرح هناء لدينا الكثير من الأشياء لننتهي منها". 

'أنا أقدر ذلك» ولكن في الوقت الراهن» أفضتل أن نظل في الخلفء فلماذا نتحمل 
مخاطر يتحملها عنا لأكاج والفتاة؟" 

أجاب ماساي "لا يروق لي الأمر". 

'سيكون كل شيء على ما يرام". 

'سيف الثأر سوف...' 

كرر سكويرز الجملة مرة أخرى 'سيكون كل شيء على ما يرامء طالما أننا 
نحتفظ بهدوء أعصابنا". قال ذلك» وصوته به شيء من الضيق. 

عاد النادل بقائمة المشروباتء فأخذ سكويرز ينظر إليهاء بينما شق ماساي طريقه 
لينهي نصف رغيف الخبز بتناوله مع الزيدة. 

تحدث سكويرز دون أن يرفع عينيه من على قائمة المشروباتء "أعتقد أن لدينا 
مشكلة بسيطة!" 

علق ماساي "ما هي؟' 

'ضابط شرطة الأقصر يبدو أنه عرف شيئا ما عن القطعة الأثرية" 

'اللعنة! هل تعرف مدى خطورة ذلك؟" 

أجاب سكويرز وصوته يعكس مدى الضيق الذي يعانيه 'نعم أعرف كل شيء»› 
وفي نفس الوقت لن أتجاهله". 

"لا تعاملني على هذا النحو أيها اللعين...' 

هنا تدخل جمال» وهوى بقبضتيه على المنضدة» حيث اهتز كل ما عليها من 
ادو ات وأكواب» 'توقفا. هذا لن يؤدي إلى شيع" . 

صمت الثلاثةء وكلهم غاضبون. ماساي يتناول ما تبقى من الخبز» وسكويرز 
يعبث بالشوكة على المنضدة» بينما جمال يعبث بالمسبحة في يديه. 

أخيراء نطق سكويرز "جمال على حق. والسؤال الآن: ما الذي سنفعله مع هذا 
الشرطي؟' 

'اعتقدت أن ما يجب أن نفعله واضح". همس ماساي مضيفا "إن الأمر مهم جدا 
بالنسبة لنا لدرجة عدم السماح لهذا الشرطي الأخرق بإفساده برمته". 


200 


همس جمال 'يا الله! أتقصد أن نقتله؟ نقتل شرطيا؟" 

"لاء أقصد أن نشتري له حلة جديدة» ونصطحبه إلى مرقص! عليك اللعنةء 
بالطبع أقصد قتله". 

نظر جمال بغضب إلى الرجل» وقبضته تنبسط وتنقبض» بينما يضع سكويرز 
رأسه على أطراف أصابع يديه المتشابكتين . 

'أعتقد أن القتل في هذه الظروف سيأتي بنتائج مروعة؛ وكأنك تستخدم مطرقة 
لكسر حبة بندق. ألا توجد طريقة نحل بها هذه المشكلة دون اللجوء إلى العنف يا 
جمال؟' 

'حسناء لا مشكلة» يمكنني اقصاؤه عن القضية". 

أجاب سكويرز "أعتقد أن ذلك أفضل شيء فمقتل رجل شرطة سيسبب لنا العديد 
من العوائق غير الضروريةء ولكن تأكد من أن تراقبه بعد إقصائه عنها". 

أومأ جمال إيجابا. 

علق ماساي "ما زلت أرى أن نقتله؛ وننجز كل شيء بهدوء". 

' أجاب سكويرز 'قد نلجأ إلى ذلك في النهايةء ولكن في الوقت الراهن أفضتل أن 

نحافظ على هدوئناء فقد وقع الكثير من القتلى حتى الان"'. 

سخر منه ماساي قائلا "إذا كنت تريد الحمصول على جائزة نوبل للسلام: ؛ فأنت 
في المكان الخاطئ يا صديقي . 

تجاهل سكويرز هذا التهكم» وعاد يقرأ قائمة المشروبات مرة أخرىء مستمعا إلى 
الموسيقى التي يعزفها الرجل على البيانو في آخر المطعم. 

أضاف سكويرز "هناك شيء مهم حول هذا الشرطيء وهو أن لديه علاقة سابقة 
بسيف الثأرء أليس كذلك يا جمال؟" 

'نعمء لديه أمر يريد تصفيته مع سيف الثأر أمر عائلي". 

علق ماساي "اللعنة!" 

ابتسم سكويرز قائلا بعد أن استعاد هدوءه» 'يبدو أنها حالة خاصة. إنه عالم 
صغير ! أعتقد أن هذه الفطائر الآتية هي فطائر ثمار البحر الخاصة بناء ولابد من 
وجود مشروب إلى جوارها حتى يسهل الهضم". 

وضع سكويرز المنديل على فخذيه في انتظار وجبته الشهية. 

أخذ البروفيسور محمد الحبيب يضع يده على عينه ماسحا إياها بأصابع قبضته 
التي تغوص في مقلتيه الغائرتين» فيذهب الألم للحظة» ولكن سرعان ما يعود مرة 


201 


أخرى متى نظر البروفيسور بالعدسة المكبرة إلى القطع الأثرية مرة أخرىء مما يجعل 
جبهته تنبض بالألم» وهي مشكلة كان يعاني منها على مدار الأيام الماضية. كان 
البروفيسور قد بلغ من العمر عتياء ولم تعد عيناه قادرتين على تحمل هذا الضغطء 
وكان يعرف أنه يتعين عليه أخذ بعض الراحة» ولكنه لا يستطيع. ليس قبل أن يكتشف 
كل شيء حول هذه القطع الأثريةء ليخبر بها صديقه خليفةء لقد شعر أن من واجبه 
القيام بذلك لأجله ولأجل علي أيضاء علي المسكين. 

سكب البروفيسور آخر قطرة من مشروبه المفضل في الكوب» وأشعل غليونهء 
وأمسك بالعدسة المكبرة» واستمر في فحص الصدرية الذهبية. 

کان هناك شىء محير في هذه القطع التي أحضرها خليفةء ليس في مظهرها؛ 
وإنما في إحساس البروفيسور بها. فالآثار بالنسبة للبروفيسور تعد نفوسا حية ترسل 
إشارات وتتواصل معه. فلو كنت تستطيع سماعهاء لأخبرتك بهذه الأشياء المشوقة: 
ولكن في هذه الحالة كلما استمع البروفيسور إليهاء زادت حيرته بشأنها. 

عندما قام البروفيسور بفحصها حال وجود خليفة» لم يشعر بشيء غريب فيهاء 
فهى مصنوعة ببساطة وتصميم عادي. وبالتأكيد» لقد فحص الرجل عشرات القطع 
المشابهة قبل ذلك» وهي قابعة في المتحف بالأسفل. 

لكن بعد رحيل خلبفةء بدأت الشكوك تحيط بالرجل دون سبب محدد. فقد كان 
لديه شعور بأنها تحاول إخباره بشيء خاص. 

همس البروفيسور "ماذا تقولين؟ وأخذ ينظر إلى وجه الصدرية الذهبية» 'ما الذي 
تريدينني أن أ 

كان المكتب مظلما تماماء باستثناء المصباح الصغير على مكتب البروفيسور. 
وكالعادة» كان البروفيسور يسمعء وقع قدمي الحارس في الممر الخارجيء وباستثناء 
ذلك لم يكن هناك صوت في جنبات المتحف. 

أخذ البروفيسور نفسا عميقا من الغليون» ونفث سحابة من الدخان الأزرق فوق 
رأسهء وكأنها سحابة ممطرة. 

وضع البروفيسور الصدرية» ورفع الخنجر ممسكا بشفرته» وحرك المقبض جيئة 
وذهابا تحت الضوء. كان الخنجر عبارة عن قطعة أثرية بسيطة ومألوفة للغاية؛ بول 
2 إنشاء وكان مصنوعا من الحديدء ومزخرفا ببعض البرونز الخام على مقدمته 
ومزودا بقطعة جلد بنية اللون حتى تحكم القبضة عليه. تذكر البروفيسور أنه قد فحص 
خنجرا مشابها له منذ بضعة أشهر. 


202 


استرخى الرجل قليلاء وأخذ نفسا من الغليون» ونفث الدخان نحو الخنجرء بحيث 
انحجبت الرؤية عنه تماماء وبعد أن زال الدخان» وظهر الخنجر مرة أخرى لاحظ 
البروفيسور أن القطعة الجلدية لم تعد محكمة الربط كما كانت عند أسفل المقبض. 
ضغط الحبيب على المقبض» فأخذ الرباط الجلدي ينحل ببطء. ظ 

اعتفد البروفيسور في بادئ الأمر أنها مجرد خدوشء ولكنه عندما أدار المقبضص› 
وجعله قبالة الضوء مباشرة» وأمسك بالعدسة المكبرة؛ اكتشف أن هذه الخدوش هي 
علامات لأحرف. لم تكن هذه الأحرف مصرية أو فارسية كما كان يتوقع وإنما كانت 
يونانية ومنقوشة على معدن المقبض. 

دياماكوس ابن منديز. اتسعت عينا البروفيسور من الدهشة! 

'حسناء أنت سر صغيرء أليس كذلك؟" 

كتب البروفيسور الأحرف واحدا تلو الآخرء وأخذ يتأكد من ترتيبها الصحيح» ثم 
وضع الخنجر جانباء ورفع الورقة التي كتب عليها الأحرف» واسترخى على كرسيه. 

أين رأيت هذا من قبل؟ أين؟ أين؟ 

جلس الرجل لمدة عشرين دقيقة دون حراك» يحدق في السقفء ويرفع كوب 
المشروب» ويضعه قرب فمه على الرغم من أن الكوب فارغ. فجأة وضع البروفيسور 
الورقة جانباء وهرول إلى المكتبة الموجودة في الجانب البعيد من الغرفة» وهو يتحرك 
بخفة ورشاقة» لا تدلان على أنه في الخامسة والثمانين. 

'"مستحيل! لا يمكن!" 

حرك البروفيسور إصبعه بسرعة بين صف الكتب أمامه؛ ثم أخرج مجلدا مكسوا 
بجلد قديمء وقد نقش عليه بالذهب النقوش اللاتينية لمقابر طيبة» ثم أسرع به إلى 
مكتبه» مفسحا فراغا للكتاب» ليكون تحت المصباحء وأخذ يتصفح بسرعة. 

من الخارج أتى صوت الحارس 'مساء الخير يا بروفيسور". لكن الرجل لم ينتبه 
لذلك. وظل غارقا في أفكاره مع الكتاب. في هذه اللحظة بدأ سكون الغرفة يتلاة 
أمام الأنفاس المتلاحقة للبروفيسور. 

"مستحيل؛ مستحيل. ولكن يا الله ماذا لو كان ذلك ممكنا...!". 


203 


28 
الأقصرء تلال طيبة 


اشتد البرد عليهماء حتى وهما خلف هذا الجدار المرتفع» ولاحظت تارا أن رأسه 
يدور هنا وهناكء وعيناه تفحصان المنحدرات المظللة فسالته تارا "ما الذي تبحث 

همهم دانيل» ثم أضاف "لا شيء» لا يعدو الامر عن أنني لم آت إلى هنا منذ 
فترة طويلة". 

"أنادم على قدومنا إلى هنا يا دانيل؟" 

"لاء على الإطلاق. هل أنت نادمة؟" 

"على العكسء لقد أسعدني ذلك كثيرا". 

انطلق الاثشنان أعمق وأعمق داخل التلال الساكنة» باستثناء وقع أقدامهما على 
الصخرء ونباح الكلاب من بعيد بين الحين والآخر. 

بدأت الصورة تتضح أمام تارا بعد أن وصلا إلى مكان فسيح أعلى الجبل» حيث 
تنحدر الأرض إلى اليمين نوعا ماء حاجبة أي شيء في هذا الاتجاه. أما على اليسارء 
فتنبسط لعدة مئات من الأمتارء قبل أن تتحول إلى مجموعة من المنحدرات والوديان» 
وفوقهما تحلق قمم الجبال الشاهقة بلونها الأسود الذي يعانق السماء الزرقاء - 
الرماديةء ولم تكن تارا تدري أين هماء بل إنها لم تكترث لذلك في الأصل» فقد كانت 
سعيدة للغاية بالتواجد مع دانيل بعد فترة الفراق الطويلة. 

بعد أن مشيا لما يزيد عن الساعة» أبطأ دائيل» ثم توقف» وأصبحت الطريق 
الآن أكثر انحدارا عبر ممر مائي حا خدل مجدر عن البفين إلى الشعال» كانه 
مسار للتعابين. 


204 


كسرت تارا حدة الصمتء وقالت "أنت ترتعش يا دانيل". 
'أشعر بالبرد فقط»؛ فقد نسيت إلى أي مدى يكون الجو باردا هنا ليلا". 
'أعتقد أنه من الأفضل أن نعود أدراجنا يا دانيل» فقد مضى علينا هنا ما يزيد 
عن الثلاث ساعاتء وربما يقلق عمر علينا". 
'نعم» أعتقد أنه ينبغي علينا العودة". 
فجأة» ظهر ضوء فوقهماء فلم يحرك أحدهما ساكنا. 
استطرد دانيل قائلا "لو كان هناك ضوء لسرنا في اتجاه آخر للعودة» فهناك 
طرق عديدة هناء ولكن ينبغي ألا نخاطرء وسط هذا الظلام الدامس» فهذه التلال مليئة 
بحفريات للمقابر القديمة» ولو سقط شخص في أحدهاء فلن يتمكن من الصعود مرة 
أخرى. منذ عدة سنوات سقطت امرأة كندية في إحدى الحفريات بالدير البحري» ولم 
يسمع أحد صراخهاء حتى ماتت جوعاء وعندما عثروا على جثتها...". هنا توقف _ 
دانبل فجأةء وبدا عليه الاضطراب. 
سار عت تارا قائلة "ماذا هناك يا دانيل؟" 
"أعتقد أنني سمعت صوتا... اسمعي". 
أطلرقت تارا السمع» ولكن دون جدوىء فلم يكن هناك أي صوت,. باستثناء 
صوت الهواء العليل. 
كررت تارا سؤالها "ماذا هناك يا دانيل؟" 
'إنه هناك... اسمعي". 
سمعت تارا الصوت الآن. إلى يسار المنحدرات يصدر صوت طقطقة أحجارء 
وكأن هناك شخصا يضرب عليها بمطرقة. من الواضح أن شخصا ما في طريقه 
اليهماء ولذا حاولت تارا جاهدة أن ترى من هناكء ولكن الظلام الدامس حال دون 
ذلك. 
علق دانيل 'ربما تكون دورية شرطةء من الأفضل أن نختبى". 
اصطحبها دانيل عبر الممر المائي» واختبا خلف صخرة ضخمة. 
همست تار ١‏ "ما المشكلة يا دانيل؟' ظ 
'إنهم يشكون في أي شخص يتواجد هنا بعد حلول الظلام؛ ويعتقدون أنه يخطط 
لشيء سيئ» ولكن بوصفنا أجانب فهذه ليست مشكلة بالنسبة لناء أما في ضوء الموقف 
الراهن فمن الأفضل أن نتجنب الاحتكاك بهم". آ 
نظر الاثنان فوق الصخرة:؛ وقالت تارا "ماذا لو رأونا؟' 


205 


'ابقي في مكانك؛ واحرصي على أن يعرفوا أنك سائحةء فهم عديمو الخبرةء 
ومن واقع ما سمعت؛ يسعدهم كثيرا إطلاق الرصاص.. 

ارتقع صوت وقع الأقدام الآن» فضلا عن بعض الأصوات الآدمية الخافتة؛ 
وعلى ما يبدو صوت شخص ما يغني. أخذت الأفكار تطارد مخيلة تاراء فبعد كل ما 
عانياه يتم قتلهما خطا! في هذا الو قت» بدأت تارا تشعر بمدى قلق دانيل. 

بعد دقيقة بدأت الصورة تتضح نوعا ماء فبدأات بعض ! الأشكال في الظهور 
وسط أضواء خافتة» وهم يتحركون بطول الممر المائي الجاف. في بادئ الأمرء بدوا 
وكأنهم صف واحدء ولكن تدريجيا اتضح الأمر أكثر وأكثر في ضوء القمر» تسعة 
أشخاص يمشون في صف واحد» ويحملون في آخر الصف ما يبدو وكأنه تابوت؛ 
وأمام الصف رجل ضخم الجثةء يرتدي حلة شاحبة اللون. . فى هذه اللحظةء أخذت تارا 
ترتعش من الخوف. 

'با ال إنه هو يا دانيل". 

انحنت تارا نحو الأمام؛ لترى بشكل أوضح. وإذا بالأحجار تتفتت تحت قدميها 
وتتهاوى إلى الممر المائي الجاف» محدثة صوتا رهيبا وسط هذا السكون القاتل. جذبها 
دانيل» ووضع يده على فمها خلف الصخرة الضخمة. 2 

ظل الاثنان بلا حراك» يكتمان أنفاسهما مع اقتر قتراب وقع الأقدام أكثر فأكثرء حتى 
أن تارا أصبحت الآن تميّز صوت الرجال واحدا واحداء وباتت متأكدة من أنها ودانيل 
لن يستطيعا الاختفاءء ومن ثم تجهزت للجري. ولكن ما إن وصل الرجال فوق 
الصخرة مباشرة» ورائحة سيجار درافيتش تملا المكان» حتى تراجعوا مرة أخرى نحو 
الطريق؛ وساروا إلى اليمين نحو الممر المائي بعيدا عن وادي النيل» مع اختفاء وقع 
أقدامهم» كلما تقدموا أكثر في عمق الوديان. 

تتحرك تارا ودانيل من مكانهما لوهلة» ثم نهض دانيل ببطء وحرصء ونظر 

من فوق الصخرة ونهضت تارا إلى جواره تشاهد صف الرجال وهو ينزوي في 
الظلام. 

همست تارا "ما الذي يفعلونه هنا؟ 

'لقد كانوا في المقبرة". 

ارتسمت علامات الدهشة على وجه تارا. 

بحق الله» ماذا سيفعلون هنا في هذا الليل الدامس وهم يحملون تابوتا؟ 

صعد دائيل على سطح الصخرة؛ وأخذ ينظر إلى الرجال 


206 


'لابد أنهم يعرفون طريقا أخرى للنزول من التل؛ طريقا يمكنهم فيها تجنب 
الحراس المحيطين بوادي الملوك. فكما قلت لك هذه الوديان مليئة بالممرات لو بحثت 
جيدأا . 

وقف دانيل لوهلة يحدق في الظلام» ثم أخذ نفسا عميقاء ووضع يده على حقيبة 
الظهرء ورفعها. 

قال دانبل "أريدك أن تعودي إلى منزل عمر مرة أخرى". وأخذ بيدها ليرشدها 
إلى الطريق قائلا "اتبعي الطريق حتى تصلي إلى قمة القرن» ثم اهبطي إلى الطريق 
التي جتنا منهاء ولا تحيدي عنها حتى تصلي إلى بيت عمرء وابقي هناك". 

"وماذا ستفعل أنت؟" 

"لا تقلقي بشأني ٠‏ اذهبي أنت". 

جذبت تارا يدهاء وقالت 'ستبحث عن المقبرة» أليس كذلك؟" 

'بالطبع سأبحث عنهاء فنحن هنا لهذا السبب أليس كذلك؟ الآن اذهبي» وسألحق 


حاول دانيل جذب ذراعها مرة أخرىء ولكنها أبعدت يده قائلة '"سأذهب معك". 

تارا أنا أعرف هذه الوديان» ومن الأفضل أن أذهب وحدي'. 

'سنذهب معا يا دائيل» فأنا أود معرفة ما في هذه المقبرة مثلك تماما". 

باش عليك يا تارا ليس لدي وقت لهذا الجدلء فضلا عن أن هؤلاء الرجال قد 
يرجعون ثانية . 

لذا من الأفضل أن نمضي سريعا يا دانيل". 

مضت تارا في طريقهاء وتبعها دانيل» وأمسك بكتفهاء وأدارها بعنف قائلا 

'أرجوك يا تاراء أنت لا تفهمين أن هذه التلال خطيرة»ء لقد عملت هناء وأعرف 
طريفي جيداء أنت فقط سوف...". 

'سوف ماذا يا دانيل؟ سأكون عائقا في طريقك؟ هل هذا ما أمثله بالنسبة لك؟" 

"لا لست عائقا... فقط لا أريد أن يصيبك مكروه". 

كان صوته يشوبه شيء من اليأس. وعلى الرغم من الرياح» إلا أن جبهته كانت 
تتصبّب عرقاء وكانت تارا تشعر برعشة جسده خلفها. 

كرر دانيل نفس الجملة مرة أخرى "لا أريد أن يصيبك مكروه ألا تفهمين؟ إنها 
ليست لعبة يا تارا'. 

وقف الاثنان لوهلة في صمت ينظران إلى بعضهماء ثم جذبت تارا يدها من يده. 


207 


"أنت لا تدين لي بشيء با دانيل» ونحن هنا متساويان» فإذا ذهبت سأذهب معك» 


موافق؟” 
كان دانيل على وشك الجدال معهاء ولكن نظرات عينيهاء أظهرت مدى 


"أنت لا تعرفين ما أنت مقبلة عليه". 

'بغض النظر عمّا أنا مقبلة عليه» فأنا بالفعل عالقة فيه» ولذا ليس هناك ما 
أخشاهء وأعتقد أن علينا المضي الآن". 

أخيراء قال دانيل "لا أريد أن يصيبك مكروه يا تارا" قالها باستسلام هذه المرة. 

'وهل خطر ببالك يا دانيل أنني لا أريد أن يصيبك مكروه أيضا؟" 

سار الاثنان في الممر المائي الحاف» بقتفيان أثر درافيتش ورجاله. كان الجو 
بارداء وبدأ الندى يتساقط» ويلمع في ضوء القمرء كالأضواء التي تظهر على أرضية 
الطرق ليلا. ) 

كان الممر المائي يحيط بالأرض المنبسطة للثل لمسافة مائتي مترء ثم بدأت 
الأرض تضيقء وكذلك الممر المائي باتجاه الحافة الجنوبية لمركز التل. 

قال دانيلء وهو يحدق بعينيه وسط الظلام الدامس "إن التلال في هذا الجانب 
تنتهي إلى سلسلة من المنحدرات. وعلى الأرجح توجد المقبرة في أحد هذه المنحدرات 
بالقرب من خط الممر المائي» ولكن لا أحد يعرف أين هي على وجه التحديدء وقد لا 
نتمكن من الوصول إليها بدون معدات تسلق مناسبة". 

استمر الاثنان في سير هما نحو الأسفل» والممر المائي يأخذ شكلا شديد الانحدارء 
وجانباه يمثلان حائطين إلى اليمين واليسارء وأرضيته مليئة بصخور كبيرة وصلصال. 
تعبّن عليهما السير بمنتهى الحرص» حيث تتفتت هذه الصخور مع كل خطوة 
يخطيانهاء وكأنها قطع بسكويت صغيرة. أخرج دانيل من جيبه مصباحا قائلا الو بدا 
هذا الجانب في الانهيار فسنلقى حتفناء إذ سينجرف نحو المنحدرء وكأنه شلال مياه. 
لذالو زاد التفتت تحت أقدامنا فسيتعين علينا الرجوع. أنا مندهش كيف صعدوا بهذا 
التابوت إلى هنا . 

كلما مضيا في طريقهماء ازداد المنحدر انخفاضاء وازدادت تربته تفتتاء واقترب 
الحائطان من بعضهما البعض بحيث يمكن ملامستهما بذراعين مبسوطتين. 

ألح دانيل على تارا مرتين أن ترجع؛ ولكنها أصرت على المضي معه. 

'لقد قطعت شوطا طويلاء ولن أعود الآن". 


208 


خير وصل دانيل وتارا إلى نقطة ينحدر فيها الأخدود رأسيا لمسافة ستة أمتار 
في منحدر من الصلصال مرتقع ومنزلقء» ثم بعدها ينحدر لمسافة عشرين مترا أخرى, 
وأخيرا وكأن هناك بابا فتح على مصراعيه يختفي الجداران» ويظهر من بعيد سهل 
منبسط ومنزلق. 

قال دانيل هده هي حاف المنحدر". وأشار بالمصباح في يده وبعدهأ مباشرة 
متحدر مستقيم بعمق مائة مترء ولذا لن نتمكن من | المضي قدما أكثر من ذلك". 

أمسك دانيل بجزء من حجارة ا الأخدود لمعرفة ما إذا كانت ستتحمله عندما 
يتسلقء ثم استلقى فوق الحافة مسلطا ضوء ا المصباح نحو الأسفل. 

سألت تا را "هل هناك شيء بالأسفل". 

قال دانیل نعم هناك فتحة ما تشكل تجويفا للمكان الذي نقف فيه الآن". 

انحنى دانيل نحو الأمام أكثر. 

كشي رؤب المزيد من هناء فهناك أحجار وركام كثير. لا بد أنه مدخل 
لشيء ما". تراجع دانيل للوراء قليلاء وأعطاها المصباح قائلا "أمسكي هذاء وسلطي 
الضوء نحو الأسفل". 

استدار دانيل» وارتكز على حائطي الأخدود, وأرجح نفسه فوق الحافة» ونزل 
على ترية لصلصال بالاسفل؛ وتحرك بسرعة؛ وكأنه معتاد على السير في مثل هذا ظ 
النوع من التربة» وفي غضون ثلاثين ثانية» كان قد وصل إلى الأسفل. 

سارت تارا خلفه ببطء. وهي نتحسس كل خطوةء ومتشبثة بأصابعها في الصخور. 

بالأسفل رأت دانيل يقف أماء مدخل صغير مستطيل الشكل قبالة المنحدر. ` 

همست تارا "هل هذه هي المقبرة؟" 

أخذ دانيل المصباح منها وقال إنها مقبرة بالتأكيد. هل ترين لقد قطعت الأحجار 
لتشكل مدخلاء ويمكنك هنا رؤية أثر أدو ت النحت القديمة". 

كان نصف المدخل مسدودا بأحجار وركام» مخلفا فتحة فى الجزء العلوي 
بعرض متر تقرببا. أدخل دائيل رأسهء وأضاء المصباح في الظلام الدامس حيث 
حدنت حركة مفاجئة» وشعر أن شيئا ما يتقدم نحوه. 

صرخت تارا "ما هذ!؟" 

ابتسم دانيل قائلا 'خفافيش. إنها تحب المقابرء لا تقلقي". 

تسلق د اسيل حتسى وصل إلى الفتحة» ونهضت تارا لتتبعه» ولكن فجأة تفتت 
الحجارة أسفل قدمهاء فسقطت فسقطت وهي متشبثة بجدا ر الأخدودء ولكن سرعان ما تهاوت 


209 


الأحجارء ووقعت تارا على ظهرهاء وجرفتها الأحجار نحو حافة المنحدرء والأحجار 
الصغيرة تجري أسفلها كالمياه أسفل الشلال. 

صرخ دانیل 'تارا!" 00 

لم تنجح تارا في التشبث بشيءء وكان رجع صدى الأحجار التي تتهاوى نحو 
أسفل المنحدر فظيعاء وكأنها سقطت في وابل من الحجارة. تساقطت الأحجار من 
أسفلهاء واختفت في عمق المنحدر بينما دائيل يقف عند باب المقبرة لا يمكنه فعل 
شيء» وهي تنحدر أكثر وأكثر نحو الأسفل» حتى وصلت إلى حافة المنحدرء حيث 
تشبثت بهاء واستطاعت رفع قدمها على مقدمة الصخرة دون أن تسقط. 

خيّم الصمت لوهلة» حتى هدأ صوت ارتطام الأحجار المتساقطة بالجزء السفلي 
من المنحدر. 

همست تارا "اللعنة". 

ظلت تارا راقدة لبعض الوقت؛ تلتقط أنفاسها بصعوبة؛ ثم نهضت بحرص شديد» . 
وقدماها مثبتتان بإحكام بحائطي الأخدودء في مكان ذي صخور صلبة. 
نادى عليها دائيل "هل أنت بخير؟' 


f 


"ابقى مكانك ولا تتحركي". 

تسلق دانيل باب المقبرة ممسكا بالمصباح» ومسلطا الضوء على الأحجار» وشق 
طريقه بحرص شديد نحو تاراء وأمسك بيدهاء وجذبها من ظهرها حتى استقرت على 
سطح المنحدر مرة أخرى. تلونت ملابسها ووجها بلون رمادي جراء الأتربة العالقة 
بهماء بينما تمزّق قميصها أسفل المرفق وتلطخ بالدماء. 

'لقد تأذيت يا تارا". 

"۷ء أنا بخير". ثم نفضت التراب من على شعرها قائلة "هيا بنا نرى ما في هذه 
المقبرة". 

أبتسم دانيل على عكس ما يوحي به الموقف قائلا "كنت أظن أنني وحدي من 
تسيطر عليه هذه الأفكار» أعتقد أنه كان يجدر بك أن تكوني عالمة آثار يا تارا". 

"لاء فهي مهنة ليست مشوقة بما فيه الكفاية . 

داخل المقبرة» وجدا نفسيهما في ممر منحدر ضيق» فسلط دانيل المصباح على 
جانب الباب» فرأى أن النصف الأسفل منه مسدود بأحجار وطوب طيني» وظل دانيل 
يحدق طويلا بالمكان من حوله. 


210 


أخيراء قال دانيل "من المفترض أن يكون الباب بأكمله مسدودا بهذا الطوب الطيني. 
ولكن بمضي السنين تراكمت الأحجار عليه حتى لم يعد يظهر سوى الجزء العلوي فقط. 

أدار دانيل المصباح إلى الجانب الآخرء وقال لها "انظري.. هذا هو الطوب". 

بجوار حائط الممر توجد كومة من الطوب الطيني» بعضه كامل وبعضه مهشم. 
فأخذ دانيل طوبة منهاء فوجد على سطحها رسما لتسعة رجال راكعين وأيديهم موثقة 
خلف ظهورهم؛ وفوقهم يجلس حيوان ابن أوى. 

قالت تارا "ما هذا؟' 

'إنه ختم المقبرة تسعة أسرى وفوقهم ابن أوى. أتدرين» لو كان الباب كما هو 
وعليه هذا الختم» فمعنى ذلك أن المقبرة لم تمس» أي أنها كما هي منذ القدم'. 

ظل دانيل ينظر إلى الطوبة بين يديه لبعض الوقت» ثم وضعها بهدوء على 
الأرضء ووجّه الضوء إلى الممر مرة أخرى» حيث ظهرت حفرة ضيقة وسط الظلام 
الدامسء تنحدر تدريجيا لمسافة ثلاثين مترا حتى تصل إلى ما يبدو وكأنه غرفة. كان 
الظلام الدامس في هذا المكان لا يقارن بأي ظلام آخر رأته تارا في حياتها. بدأ الاثنان ‏ 
يتقدمان للأمام رويدا رويداء بينما دائيل يحرك ضوء المصباح على الجدران والسقف. 
بعد عدة خطوات قليلة توقف دانيل. 

سألت تارا "ماذا هناك؟" 

اهناك شيء ما يتحرك'. 

"لاء شيء ما على الأرض'. 

وجه دانيل الضوء نحو الأسفل» وإذا بشيء يأتي نحوهما مسرعا. 

قالت بصوت رقيقء» وكأنها تطمئن دائيل» "ابق كما أنت ولا تتحرك". 


بين القاهرة والأقصر 
كان قطار الليل المتوجه نحو الأقصر أقل ازدحاما منه وهو قادم إلى القاهرة. 
حتى أن خليفة كان وحده تقريبا في العربة بأكملهاء فخلع حذاءه» وأشعل سيجارة: وبدأ 
يتصفح الملفات الخاصة بدرافيتش» وخلفه في مؤخرة العربة شاب وفتاة يلعبان الورق. 
لم تكن قراءة الملفات بالأمر الممتع حيث توضح أن درافيتش ولد في العام 1951 
في ألمانيا الشرقية سابقا لرجل يعمل بالمخابرات» ومن ثم انضم إلى الحزب الشيوعيء 
وارتقى منصبا بارزا. 


211 


في طفولته؛ كان درافيتش متفوقا في الدراسة» وخاصة في مجال اللغات؛ وعندما 
بلغ السابعة عشرة» نجح في الحصول على مقعد في جامعة روستوك» حيث حصل 
هناك على دكتوراه في علم آثار الشرق الأدنى» ونشر كتابه الأول وهو في العشرين 
من عمره حول تحليل النقوش القديمةء وأتبعه بمجموعة من المؤلفات أحدها حول 
المستوطنات اليونانية في الفترة الأخيرة في دلتا النيل وهو لا يزال حتى الان كتابا 
مرجعيا في هذا المجال. 
أنهي خليفة سيجارته» وأشعل أخرىء» وهو يتذكر أنه قرأ هذا الكتاب أثناء 
دراسته في الجامعة. نظر لوهلة من النافذة إلى الفراغ والظلام المحيط بالمكان 
باستثناء بعض الأنوار بين الحين والآخر تنبعث من منازل القرويين على جانب 
لطريق» ثم عاد إلى الملفات بين يديه مرة أخرى: 

منذ الوهلة الأولى كانت إنجازات درافيتش الأكاديمية يعكر صفوها ميله 
لاستخدام العنف. ففي الثانية عشرة من عمره فقأ عين زميل له في عراك معهء ونجا 

من المحاكمة بفضل تدخل أحد أصدقاء والده. وبعد ذلك بتلاث سنوات» اتهم في 
ales: All nO iu‏ رمم روط في جريمة 
اغتصابء وفي كل مرة كان يفلت من العقاب بفضل اتصالات والدهء وهو ما جعل 
خليفة يهز رأسه مندهشا. 

. بدأ درافيتش عمله في الحفريات في مستهل العشرين من عمره في سورياء ثم 

في السودان» ثم في مصر حيث عمل لخمسة مواسم متواصلة في نوكراتيس بالدلتا. 
ول الر ع مي الشكوك المتواصلة حول ضلوعه في تهريب الأثارء إلا أن أحدا لم 
يفلح في إمساك شيء عليه» مما جعل مستقبله المهني ينمو ويزدهر. وفي الملف كانت 
هناك صورة له وهو يصافح الرئيس السادات» وأخرى وهو يتلقى جائزة من إيرك 
هونكر. 

كان من المتوقع أن يكون مستقبله باهراء ولكن سرعان ما تورط في حادث 
اغتصاب الفتاة التي تطوعت للحفر معه. وعلى الرغم من وقوع الحادث في مصر إلا 
أن الفتاة كانت ألمانية» ولذا تمت محاكمته في ألمانياء ونجح في الإفلات من العقوبةء 
ولكن هذه المرة تأثر مستقبله المهني» حيث تم سحب منحة البحث الخاصة بهء وكذلك 
ألغيت تصريحات الحفر» وتوقفت دور الطباعة عن نشر كتبه. 

كل ذلك حدث منذ عقدين من الزمنء ومنذ ذلك الحين» وهو يتكسب من عمله في 
سوق الآثار» مستخدما خبرته في الحصول على الآثار» والتأكد من أنها أصلية» ليبيعها 


212 


للأشرياء. في العام 1994 تم إيقافه في الإسكندرية لحيازته آثارا مسروقة؛ وأمضى 
حكما بالسجن لمدة ثلاثة أشهر في سجن طرة بالقاهرة. وكما توضح أخر صورة 
التقطت له وهو يقف قبالة الحائط ويمسك بيده قطعة عليها رقم يضعها على صدره 
وهو يحدق بالكاميرا؛ رجل ضخم الجثة وعنيف إلى أقصى درجة.. 

بعد إطلاق سراحه من السجن» أصبح يدخل إلى مصر ويغادرها بطرق غير 
قانونية» وهو ينظم تهريب الآثارء ويبيعها في السوق السوداء بأوروبا والشرق 
الأقصى. على الرغم من صدور أوامر بالقبض عليه في سبع دولء فضلا عن العديد 
من محاولات القبض عليهء إلا أنه دوما ما كان يسبق القضاء بخطوة. 

لم تكن هناك تفاصيل واضحة عن الأحداث الأخيرة في حياته» فكل ما هو 
معروف عنه حتى الآن أنه بدأ في العمل لدى سيف الثأر في منتصف التسعينيات. 
هناك إشاعات كثيرة حول وجود حسابات سرية له في بنوك سويسرية» وصلات مع 
منظمات نازية جديدة وتورطه مع وكالات مخابرات غربية» ولكن معظم هذه 
الإشاعات هي مجرد قيل وقال. بعد العام 4 ضعف نشاط در افیتش» ولکن ظلت 
هناك حقيقة واحدة وهي أنه لا يزال على نفس قدر السوء كما كان قبل ذلك. 

بعد أن أنهى خليفة قراءة الملف» نهض ليريح قدميه قليلاء وتوجه إلى مؤخرة 
العربةء حيث وجد الشاب والفتاة قد توقفا عن لعب الورق ويستمعان إلى بعض 
الموسيقىء فألقى عليهما التحية» وسألهما إلى أين سيذهبان. تجاهلاه معتقدين أنه 
يحاول بيع شيء ماء فابتسم وعاد إلى كرسيه مرة أخرىء وأشعل سيجارة أخرىء 
وبدأيقرأ تقرير الطب الشرعي عن مقتل إكبار. وفي هذا الوقت» بدت الموسيقى 
الصادرة من العربة متوافقة مع صوت عجلات القطارء وشعر خليفة بالنعاس 
يغلبه. 

توقف القطار عندما وصل إلى جنوب بني سويف لمدة خمس دقائق» وكأنه يلتقط 
أنفاسه» ثم مضى في طريقه ثانية. بعد دقيقة سمع خليفة صوت باب العربة يُفتح» ثم 
عم الهدوء لوهلةء قبل أن يكسره صوت الصرخات والضرباتء وتوقفت الموسيقى 
الصادرة من الخلف. 

نظر خليفة» وإذا بثلاثة رجال يرتدون جلاليب سوداء يقفون أمام الشاب والفتاة 
بينما المذياع ملقى على الأرض مهشما. أمسك أحد الرجال بشعر الشاب وأرجع رأسه 
للوراءء وأخرج سكيناء وقطع رقبته في حركة خاطفة بالكاد لاحظها خليفة» وإذا 
بالدماء تسيل على أرضية العربة. 


213 


نهض خليفة و اقفا ليبحث عن مسدسه» ولكنه اكتشف أنه نسيه في الأقصرء فأخذ 
ينظر هنا وهناك باحثا عن شيء ما يستخدمه كسلاح» فوجد كومة من الكتب قد نسيها 
شخص ما على الكرسي المقابل» فبدأ يلقى بها على الرجال. 

"ألقوا أسلحتكم» أنا شرطي". 

ضحك الرجال» وتقدموا نحوه» ولكنه ظل كما هو لوهلةء ثم استدار» وأخذ يعدو 
حتى وصل إلى الباب الخلفي للعربة ومنه إلى العربة التالية والتي بها أشخاص 
كثيرون منهم مجموعة من الأطفال الذين كانوا يحملون مصابيح سحرية. 

أخذ خليفة يعدو وسط المقاعد حتى اصطدم بعبوة زيت طعام» فسقط على 
الأرضء وإذا بيد تجذب رأسه بعنف إلى الخلف» فأخذ خليفة يردد "يارب ساعدنيء 
يارب احمني . 

نظر خليفةء فوجد رجلا ضخم الجثة» وجهه نصفه أبيض ونصفه أحمرء ويمسك 
بيده مالجا مستقيما ذا أضلاع حادة. ضحك بصوت مرتفع؛ وهوى على رقبة خليفة. 

سقط تقرير الطب الشرعي على الأرضء فاستفاق خليفة من هذا الكابوس 
وانحنى يجمع الأوراق بينما صوت الموسيقى يأتي من مؤخرة العربة. نظر إلى 
الشابين فوجدهما نائمين» فهز خليفة رأسه وتابع جمع الأوراق من على أرضية 
العربة. 


214 


29 





الأقصرء تلال طيبة 


تَويجّه الثعبان مباشرة أعلى الممر ناحية دانيل وتاراء وعيناه تلمعان في ضوء 
المصباح. 
كررت تارا نفس الجملة مرة أخرى "ابق ساكنا". 
'با اش! ما هذا يا تار !؟" 
"الكوبرا سوداء الرأس". 
"هل هي سيئة؟' 
'ماذا تقصد بسيئة؟ لو لدغت أحدنا فلن ينجو منهاء إنها عدائية وسامة للغاية وهي 
من النوع الذي ينفث السم أيضاء لذا لا تقم بأي حركات فجائية". 
كانت بطن الكوبرا تحدث صوت طقطقة مع احتكاكها بالأرض» وحاول دانیل 
تسليط الضوء عليها. 
توقفت الكوبرا على بعد عدة خطوات منهماء واتخذت وضعية الانقضاض» 
وعيناها السوداوان تلمعان» ويظهر فيهما غضب شديد. لقد كانت الكوبرا كبيرة» ويزيد 
طولها عن المترين» ذات جلد سميك يشبه خرطوم المياه. شعرت تارا بأن دائيل بدأ 
يرتعش. 
همست تارا "حاول أن تبقى هادئاء وكل شيء سيكون على ما يرام". 
أخذت الكوبرا تتأرجح د يمينا ويساراء ثم نزلت على الأرضء وزحفت للأمام 
قليلاء ثم صعدت على حذاء دانيل ولسانها الذي يشبه الشوكة يلمس جلد الحذاءء ثم 
تر اجعت قليلاء وبدأت تستكشف كعب القدم» والتفت ببطء حول قدمه. 


215 


قالت تارا "أطفىء المصباح". 

'ماذا؟” 

"أطفىء المصباح الآنء إنه يثيرها". 

في هذه اللحظة كان لسان الكوبرا يداعب جلد دانيل» وأصبح بالكاد يلتقط 
أنفاسةه. 

همس دانيل "لا يمكنني البقاء معها في الظلام' 

'افعل ذلك با دانيل". 

با اش" 

وبالفعل» أطفا دانيل المصباح» وخيّم ظلام دامس» وكأن أعينهما قد اكتست 
بغطاء غليظ. خيّم صمت ر هيب باستثناء صوت ذيل الكوبراء وأنفاس دانيل. 

'إنها تصعد على قدمي". 

"ابق هادئا قدر المستطاع". 

'لن تفعل إذا بقيت هادثا". 

'إنها كلها حول قدمي الآن؛ ولا يمكنني تحمل ذلك. افعلي شيئا يا تارا أرجوك 

بدأ الرعب يتسرب إلى نفس دانيل؛» بحيث بدأت الكوبرا تشعر بذلك أيضا وهو 
ما جعلها أكثر استعدادا للدغ. 

همست تارا "أخبرني عن ميري آمون”. 

'اللعنة على ميري آمون". 

"أخبرني عنه با دانيل . 

نطق دانيل والرعب يملؤهء 'إنه ابن الملك أماسيس» وعاش في العام 550 قبل 
الميلاد تقريباء وعمل ككبير كهنة آمون بمعبد الكرنك'. 

"استمر يا دانيل . 

'عثر كارتر على اسمه مكتوبا في الوادي» ومشيرا إلى مكان المقبرة الخاصة به 
بجو ار الطريق الجنوبية على بعد عشرين مترا من المياه في السماء وهو ما نعتقد أنه 
منحدر في الجزء العلوي من الوادي". 

صمت دانيل؛ ولم يعد هناك صوت سوى صوت الهواء من حولهما. 

سألت تارا "ماذا يحدث"" 


216 


إنها ليست على قدمي» ولكنني أشعر بها". 

أخذت تارا تفكر لدقيقة. 

'ماذا هناك يا تار!؟' 

'حسناء أريدك أن تضيء المصباح ثانية» ولكن سلط الضوء نحو الأعلى وليس 
على الأرضء وافعل ذلك ببطء شديد» وتجنب الحركات المفاجئة". 

أضاء دانيل المصباح» وسلط الضوء نحو الأعلى» وتمكنت تارا من رؤية 
الكوبرا واقفة بين قدمي دانيل ورأسها موازية للمنطقة المنفرجة أعلى قدميه. 

"إنها معجبة بك يا دانيل . 

نطق دانيل وأسنانه مطبقة على بعضها البعضء "أعتقد أنني أهل لهذا الإعجاب". 

انحنت تارا ببطءء وذيل الكوبرا يتراقص خلف حذاء دانيل. 

"أخفض الضوء ببطء يا دانيل". 

فعل دانيل ذلك بهدوءء فى الوقت الذي تأرجحت فيه الكوبرا جيئة وذهاباء 
ورأسها يتمدد» وهي علامة ليست جيدة» فمعنى ذلك أنها مغتاظة الآن. ببطء شديدء 
وضعت تارا يدها في جيبهاء وأخرجت منديلاء وأمسكت به بعيدا عنهاء محاولة جذب 
انتباه الكوبرا التي أخذت تنظر إلى المنديل مرة وإلى تارا مرة أخرىء ثم تراجعت 
نحو الوراءء وأصدرت صوتا وكأنها تعطسء ثم نفثت سمها على المنديل الأبيض» 
وشعرت تارا ببعض هذا السم على يدها وذراعها اللتين أخذتا تؤلمانها حينذاك. 

نطق دانيل وهو ينظر نحو الأسفل دون أن يحرك رأسه "ماذا يحدث؟' 

"ابق بلا حراك يا دانيل» إنني أحاول إبعادها". 

"لا تخبريني أنك ستلمسينهاء رجاء لا تلمسيها يا تارا". 

'سأكون بخيرء فلدينا كوبرا في الحديقة أتعامل معها طوال الوقت". 

فكرت تارا قائلة في نفسهاء ولكنني أتعامل معها بالمقبض وليس عارية اليدين 
هكذاء بالإضافة إلى استخدامي القفازين والنظارة الواقية. حاولت تارا طرد ذكريات 
عضة الكوبرا في الحديقةء واستمرت في التلويح بالمنديل بيدها اليسرى» وبدأت في 
تحر بك يدها اليمنى للامساك بالكوبرا عند النقطة السوداء تحت الرأس مباشرة. 

همس دائنيل "يأ الله". ظ ظ 

تجاهلته تاراء وركزت انتباهها على الكوبراء التي نفثت سمها على المنديل 
مرتين. وفي كل مرة» كانت تارا تجمّد يدها اليمنى» وتغلق عينيهاء وتنتظر بضع توان 
قبل أن تحرك يدها مرة أخرىء وتبسط أصابعها أسفل رأس الكوبراء وهي تتوقع في 

217 


أي وقت أن تغرس أنيابها في جلدها. أخذت تارا تفكر: لا بد أن أفعل ذلك على النحو 
الصحيح. فلو انخفضت يدي قليلاء فسيكون لديها فراغ واسع لتلتف وتلدغنيء» وإذا 
ارتفعت يدي قليلاء فسأضعها بين أنيابها مباشرة» لا بد أن أضبط المسافة بدقة. 

همس دانيل "مادا بيحدث؟" 

'لقد أوشكت على الانتهاء". 

كانت يدها على بعد سنتمترات قليلة عن رقبة الكوبراء وقطرات العرق تتساقط 
على عينيهاء وأطراف أصابعها ترتعش بشدة» وكأنها تلوّح بها. 

"أرجوك با تاراء ماذا يحدث؟" 

نفثت الكوبرا السم مرة أخرىء على المنديل وليس على يد تارا. وبغريزتها فقط 
قامت تارا بحركة خاطفةء حيث أبعدت يدها اليسرىء» وفي نفس الوقت» قدمت يدها 
اليمنى ممسكة بالكوبرا من تحت الرأس مباشرة:؛ فما كان من الكوبرا إلا أن أخذت 
تتلوى في يدها وذيلها يصطدم بقدم دانيل. 
انتفض دانيل» وعاد إلى الوراء قائلا 'يا اللهء وسقط المصباح من يده". 

'كل شيء على ما يرام يا دانيل» لقد أمسكت بها". 

التوت الكوبراء والتفت حول ذراع تاراء وهي تناضل باستماتة» ولكن قبضة تارا 
كانت ثابتة» ولم تستطع الكوبرا الفرار . التقط دانيل المصباح وأضاءه» وإذا بفم الكوبرا 
مفتوحا وأنيابها تشبه الإبر. 

'يا اشء لا أصدق أنك فعلت ذلك يا تار!". 

"ولا أنا با دائيل". 

مرت تارا من وراء دائيل» وتسلقت نحو الخارجء والكوبرا تتأرجح في يدها 
وكأنها علم يرفرف» وشقت طريقها بحرص عبر الأخدود» حتى وصلت قرب نهايتهء 
وأسقطت الكوبرا في الهواءء التي بدت وكأنها خيط يتهاوى من السماء حتى غابت عن 
الأنظار. 

رجعت تارا إلى المقبرة مرة أخرىء وهي تلتقط أنفاسها بسهولة. 

قالت تارا بصوت أهدأ كثيرا مما تشعر به بالفعل "حسناء دعنا نرى ما في هذه 
المقبرة» أيمكننا ذلك؟" 

كانت الغرفة في نهاية الممر مستطيلة الشكل وصغيرة:؛ لا تزيد عن ثمانية أمتار 
طولا وأربعة أمتار عرضاء وجدرانها مزينة بأعمدة من الرموز الهيروغليفية ذات 
مشاهد خلابة بالالوان الحمراء والخضراء والصفراءء ويوجد أسفل الجدران خط 

218 


متواصل من الثعابين رؤوسها موجهة نحو الأسفلء» تشبه تلك الموجودة على القطعة 
الأثرية التي وجداها في سقارةء وباستثناء ذلك كان المكان خاويا تماما. 

كانت هناك منطقة منخفضة بطول متر تقريبا تصل بين الممر وأرضية الغرفة. 
هنا وهناك» ثم قفز إلى جوارها. مرر دانيل ضوء المصباح على الأرضء ثم رفعه 
ببطءء وسلطه على الجدران» حيث ظهرت أشكال عديدة. أخذ يجول بعينيه هنا وهناك: 
ولكنه شعر بالهدوء عندما بدأ يركز تدريجيا على الأشكال المرسومة بالألوان الزاهية 
والوجوه الغريبة وصفوف الرموز الهيروغليفية» وظهرت ابتسامة واسعة على وجههء 
ولمعت عيناه. 

همس دانيل لنفسه إنها جيدة» بل جيدة جدا. 

سلط دانيل المصباح على أحد الرسومات؛ شكل يعكس صورة حيوان ابن آوى 
بقود رجلا إلى مجموعة من الموازين» وفي الناحية المقابلة شكل آخر لأيبيس يمسك 
بلوح وقلم بيده. 

سألت تارا "ما .هذا". 

'إنها صورة من كتاب الموتى» توضح أنوبيس إله الموت» وهو يقود أحد الموتى 
إلى موازين الحساب» حيث يتم وزن قلبهء ويكتب الإله توت النتيجة» وهو مشهد 
متكرر في كل المقابر المصرية كهدا المشهد هناك»: ووجّه المصباح تجاه منظر أخر 
لرجل أحمر البشرة» يعتمر قبعة بيضاءء ويمد يده بما يشبه برطمانء؛ وأمامه سيدة ذات 
بشرة صفراءء وعلى رأسها قرنا ثورء ووسطهما قرص مستدير. 

قال دانيل 'في هذا الشكلء يقدم الميت القرابين إلى الإله إيزيس» حيث يرمز 
اللون الأحمر لبشرة الرجل والأصفر لبشرة المرأة؛ والشكل مرسوم بعناية فائقة. 
اننظري إلى الدقة في الخطوط وكترة الألوان» إنه شكل رائع؛ لا أكاد أصدق ما ترى 
عيناي". 

أخذ دانيل ينظر إلى الأشكال مندهشا مما يرى. 

سألت تارا 'وما هذه الأشكال؟" وأشارت إلى مشهد مرسوم على أحد الجدران 
الجانبية» رجلان قباله بعضهما البعض يضعان لحى وشعرا مستعارا في شكل ضفائر. 

وجّه دانيل المصباح إلى المشهدء وقال "أنت محقة» إنهما مختلفان من ناحية 
الأسلوبء» فهما فارسيان» و ايسا مصر یں > وييدو ذلك من الشعر واللحى المستعارة؛ 

219 


وإذا ما ذهبت إلى المناطق الأثرية في سوسة والأماكن المجاورة لهاء فستجدين مشاهد 
كثيرة مشابهة لهذا المشهدء وعلى العكس لا يوجد لهما أثر في المقابر المصرية". ثم 
وجّه المصباح لمشهد آخرء وقال لها "نفس الشيء تجدينه هنا على الجدار المقابلء 
رجل ملتح ويرتدي توبا أبيض» يقف أمام منضدة مليئة بالفاكهة". 

قال دانيل "هنا نجد أن الأسلوب أصبح يونانياء ويتضح ذلك من خلال ارتدائه 
للتوجه (ثوب روماني فضفاض)» فضلا عن أن بشرته شاحبة ولحيته أقصر وأشعث؛ 
وهو أمر غير مألوف في المقابر المصرية؛ ولكنه موجود في مقبرة بيتوسيريز في 
تونا الجبل؛ وكذلك مقبرة سي آمون في سيوةء غير أنه أمر نادر للغاية. ياله من مشهد 
فريد» وكأن هناك ثلاثة أشخاص مختلفين قد ذفنوا هناء إنه أمر لا يصدق!' 

استدار دانيل ببطءء وهو يسلّط الضوء على الجدران؛ مأسورا تماما بكل ما يراه 
وكأنه هو من اكتشفهاء بينما كانت تارا تنظر إلى الفجوة في مؤخرة الغرفة. 

قترب دانيل من تارا قائلا "إنه المكان الخاص ببرطمانات حفظ أعضاء الموتى. 
فعندما يموت الشخصء ويتم تحنيطه» تؤخذ أعضاؤه وتوضع في أربع حاويات. واحدة 
للكبدء وأخرى للمثانة» وثالثة للمعدة» ورابعة للرئة ثم يتم وضعها جميعا في هذا 
المكان . ) 
بدا الأمر وكأن دانيل يصطحبها في جولة سياحية» مما جعلها تبتسم في داخلهاء 
وهي تتذكر عندما كان يصطحبها إلى المتحف البريطاني حين كانا حبيبين في . 
الماضي» ويوضح لها باستفاضة كل التفاصيل الخاصة بالاثار هناك. 

أشارت تارا إلى إحدى اللوحات المرسومة قائلة 'وماذا عن هذه يا بروفيسور؟ 

سلط دانيل المصباح نحو اللوحة المنقسمة إلى ثلاثة أجزاء فوق بعضها البعض» 
ففي الجزء العلوي يوجد خط من الأشكال تسير فوق صفحة صفراء» وأسفلها تظهر 
الأشكال تتعثر أسفل عربة تجرها الخيول» يقودها مخلوق بجسد رجل ورأس حيوانء 
ويمسك بصولجان في يده. أما المشهد الأخير فيحتوي على شكل واحد فقط موجود 
على الصفحة الصفراء حيث يوجد رجل طويل يحمل علامة مفتاح الحياة في يده 
ويعتمر قبعة على شكل زهرة اللوتس. 

قال دانيل "هذه اللوحة تروي قصةء فالجزء الأول منها يظهر بعض الجنود» أما 
الشكل الثاني فيرمز للإله سيث إله الحرب والصحراء أيضا وهو يضرب هؤلاء 
الجنودء مما يعني أنهم لقوا هزيمة في المعركة على الرغم من عدم وضوح العدو 
الذي يقاتلهم» وأخيرا يشير الجزء السفلي إلى الإله نفرتام إله البعث . 

220 


"وما معنى هذا يا دانيل؟" ظ 

'أعتقد أن ذلك ربما يشير إلى بقاء روح الجيش حتى بعد هزيمته أو أن بعضا 
من الجنود قد نجا من القتل. من الصعب يا تارا التأكد من رموز قدماء المصريين فقد 
كانوا يفكرون بطريقة مختلفة تماما عن الآن". 

ظِل دانيل ينظر إلى الأشكال قليلاء ثم سلط الضوء على الجدران على جانبي 
فتحة الممر حيث كانت مغطاة برموز هيروغليفية صغيرة» ولاحظ وجود فجوة 
صغيرة في وسط الجدار الأيسر. 

قال دانيل "هذا هو مكان القطعة الأثرية التي معناء أترين كيف تكتمل الصورة 
بالأسفل مع رؤوس الثعابين الموجودة على القطعة؟" 

انحنى دانيل قليلا وتارا إلى جواره؛» والظلام يخيم حولهماء وكأنهما قد غرقا في 
بحر من الظلمات» حتى أن تارا كانت تسمع صوت نبض قلبها. 

قالت تارا "فلنضع القطعة مكانها فهذا ما أتينا لأجله". 
نظر إليها دائيل» ثم أخرج القطعة من حقيبة الظهرء ووضعها بعناية في الفجوةء 
بحيث إنك إذا نظرت إليهاء لم تكن لتتخيل قط أنها انتزعت من مكانها قبل ذلك. 

سألت تارا "ما معنى ذلك". 

نظر إليها دانيل مرة أخرىء ثم تراجع قليلا للخلف» وسلط الضوء على الرموز 
الهيروغليفية» وبدأ يقرأ بترجمة سريعة وواثقة. وعندما وصل إلى أطراف النص» بدا 
صوته؛ وكأنه صادر من مكان بعيد يرجع إلى عصر قدماء المصريين»ء مما جعل تارا 
تشعر وكأن الشعر على كتفيها بدأ ينتصب. 

انا - أب - وير - أميئتي أرقد هنا في العام الثاني عشر من حكم ملك مصر 
العليا والسفلى ستوت - رع - ثار - يي - يوش.. هذه هي المقبرة الملكية للامب راطور 
الفارسى داريوس.. في اليوم الرابع من شهر أخيت. أنا محبوب داريوس وخادمه 
المخلص وحاميه وتابعه ونائبه على الجيشء العادل والمخلص والصادق. كنت الى 
جواره في اليونان وليديا وفارس واشكالون . 

توقف دانيل لوهلة عندما وصل إلى أسفل العمود الثالث. 

سألت تارا "ما معنى هذا". 

'إن هذا يشير إلى أن المقبرة ترجع إلى الفترة الأولى من الاحتلال الفارسيء فقد 
غزا الفرس مصر تحت قيادة قمبيز في العام 522 قبل الميلاد» وهذا الشخص هنا قد 
مات في العام الثاني عشر من حكم داريوسء أي أنه مات في العام 510 قبل الميلاد". 


221 


كانت تارا تشعر وكأن عقل دانيل يطن طنينا. 

استطرد دانيل "لايد أن هذا الرجل كان أحد جنرالات داريوس» وهو م يتضح 
من الألقاب التي يتمتع بها فهو تابع الملك ونائبه على الجيش. ليست لديك فكرة عن 
مدى أهمية ذلك يا تاراء إنها مقبرة أحد جنرالات الملكء فضلا عن أن المقبرة ترجع 
الى القرن السادس» ولم يسبق أن اكتشفت مقابر من هذه الفترة قبل ذلك في طيبة. إنه 
أمر لا يصدق!" 

قالت تارا "أكمل با دانيل ماذا صن البقية؟" 

اط دال وه المصباح إلى أ سفل العمود الرابعء وقرأ 

'لقد دمّرت النوبيين بأمر من سيدي» وحواتهم الى تراب متنائر» وحصلت على 
شهرة واسعة» وأخضعت اليونانيين» وتخلصت من الليبيين» وأذقتهم الموت جرعات 
جرعات» وكان سيفي ماضياء وقوتي هائلة دون نرة خوف واحدة بفضل مساعدة الالهة". 

أخفض دائنيل ضوء المصباح نحو الأسفل لوهلة» وقال "من هنا تبدأ القطعة 
الخاصة بنا مع بداية العمود التالي". 

"فى العام الثالث تحت قيادة ملك مصر العليا والسفلى مس - يو تي - رع كم - 
بت - جت... مر ة أخرى أحد الملوك الفرس وهو قمبيز هذه المرة... وقبل أن أحصل 
على هذه الشهرة الواسعة وفى الشهر النالت من بيربت ذهبت الى الصحراء الغربية 
الى سبخيت - أميت لتدمير أعداء الملك'. 

توقف دانيل مرة أخرىء؛ وأمارات الدهشة تبدو على وجهه. 

سألت تارا "ماذا هناك يادانيل". 

"سيخيت - أميت إنه..." 

توقف دانيل لوهلة» وهو يفكرء ثم استكمل الترجمة دون أن يكمل الجملة؛ 
وصوته أبطأ الآن وأكثر تركيزاء وكأنه يفحص ويتأكد من كل كلمة ينطقها. 

"عند الهرم على بعد 90 ايترو الى جنوب وشرق سيخيت- أميت في وسط وادي 
الرمال حيث كنا نتناول وجبة الظطهيرة هبت عاصفة شديدةء وخيّم الظلام على العاله 
بأسرهء واحتجبت الشمس تماما. ووارت الرمال 50,000 جندي» وقد نجوت وحدي» 
برحمة من الألهةء حيث سرت مسافة ستة ايترو في الصحراء جنوبا وشرقا حتى 
وصلت الى أرض الأبقار. وكم عانيت من الحرارة والغلما والجوع حتى أنني أوشكت 
على الموت في مرات عديدة. ولكن أخيراء وصلت الى أرض المقابر بفضل من الأله 


222 


بدأ صوت دانيل يتلاشى» فنظرت إليه تاراء ووجدت أن شفتيه تتحركان دون 
صوت» ولاحظت مدى الدهشة على وجهه حتى وسط هذا الظلام الدامس. 

كانت يداه ترتعشان» وضوء المصباح يهتز. 

همس دانيل 'يا الله". وكأن حلقه مختنق. 

'ماذا". 

لم يجب دائيل. 

'ماذا هناك يا دائيل؟" 

اتسعت عيناه وسط شعور بالدهشة والانتصار. 

ما هو جيش قمبيز؟” 

لم يجب دانيل على الفور» وإنما ظل محدقا بالجدران غير مكترث بسؤالهاء وكأنه 
في فترة نشوة. بعد دقيقة تقريباء هز دائيل رأسه» وكأنه يحاول ايقاظ نفسه؛ وأخذ بيد تارا 
متوجها عبر الغرفة إلى اللوحة مرة أخرى» وسلط ضوء المصباح على الجدران. 

بدا دائيل يشر ح الموقف لتارا قائلا "في العام 525 قبل الميلادء غزا قمبيز ملك 
الفرس مصرء وضمها للامبراطورية الفارسيةء وبعد ذلك بقليل أي قرابة العام 523 
قبل الميلاد أرسل جيشين من طيبة قاد هو الأول وتوجّه به جنوبا لقتال الأثيوبيين. أما 
الثاني فتوجّه إلى الشمال الغربي عبر الصحراء لتدمير مقر أتباع أمون في واحة 
سيوة» وهي ما يطلق عليها المصريون سيخيت - أميت أي مقر أشجار النخيل". 

سلط دانيل ضوء المصباح على العمود الأول من الأشكال الثلاثة الموجودة على 
اللوحة» وهو ما يوضح سير مجموعة من الأشخاص في الصحراء. 

'طبقا لما أورده المؤرخ اليوناني هيرودوس الذي كتب عن هذه الحادثة بعد 
وقوعها بخمسة وسبعين عاماء وصل الجيش إلى واحة تسمى جزيرة المبارك» وهي 
تعرف الآن باسم الخارجة؛ في مكان ما بين مكاننا هنا وواحة سيوة» ولكنها تقع في 
بحر الرمال الأعظمء وقد هبت عاصفة رملية شديدة اكتسحت الجيش بأكمله» والتهمت 
جيشا من 50 ألف جندي في لمح البصر". 

سلط دائيل ضوء المصباح على الشبكل الثاني الذي يوضح هزيمة الجنود تحت 
صولجان سيث. 

'لم يعرف أحد على الإطلاق مدى صحة هذه القصة» ولكن هذا النص الذي بين 
أيدينا يؤكد ذلك. ليس ذلك فحسبء وإنما يؤكد أيضا أن شخصا واحدا على الأقل قد 


223 


نجا من العاصفة. لا أعرف كيف نجاء ولكن النص يؤكد ذلك". سلط دائيل الضوء على 
الشكل الثالث والذي يوضح صورة إله البعثء وهو ما يعني أن الجيش قد فني عن 
آخره باستثناء الشخص المدعو آب - وير - أمينتي. 

سألت تارا 'ولكن ما هي أهمية ذلك". 

أجاب دانيل دون أن يرفع رأسه عن الجدارء وبعد أن أخرج سيجارا من جيبهء 
وأشعله مضيئا الغرفة بأكملها "إن مجرد تأكيد صحة قصة هيرودوس له أهمية كبيرة: 
ولكن هناك المزيد يا تارا . ظ 

أخذ دانيل بيدهاء وعادا إلى النض مرة أخرىء وقال انظري "إن هذا الشخص لا 
يخبرنا فقط بنجاته من العاصفة الرملية» وإنما يوضح بدقة موقع الجيش. انظري هنا 
في مكان الهرم على بعد 90 إيترو جنوبا وشرقا من سيخيت- أميت. أنا لا أدري 
شخصيا ما هو مكان الهرم هناء ولكن أعتقد أنه نتوء جيري على شكل هرمء ونعرف 
أيضا أن إيترو هي وحدة قياس قديمة تساوي كيلومترين تقريبا. وقد أضاف الرجل أنه 
سار في الصحراء لمسافة 60 إيترو إلى الجنوب والشرق حتى وصل إلى أرض 
الأبقار» وهي المعروفة الآن باسم واحة الفرافرة الواقعة بين الخارجة وسيوة. الآن أما 
زلت لا تدركين مدى أهمية ذلك؟ إن لدينا هنا خريطة مفصلة لمكان جيش قمبيز. 60 
إيترو شمال غرب واحة الفرافرة» و90 إيترو جنوب شرق سيوة في موضع الهرمء يا 
للروعة". 

كان الجو حارا في المقبرة» وأخذ وجه دائيل يتصبب عرقا. أخذ دائيل نفسا 
عميقا من السيجارء وقال "هل لديك أي فكرة عما يعنيه ذلك؟ لقد ظل علماء الآثار 
يبحثون عن جيش قمبيز المفقود لسنوات طويلة؛ فقد كان حلما يراودهم جميعاء ولكن 
المساحة الشاسعة للصحراء الغربية حالت دون تحقيق ذلك. فقد ذكر هيرودوس أن 
الجيش ذفن في وسط الصحراء وهو أمر مبهمء أما بواسطة هذه المؤشراتء فيمكننا 
تحديد موقعه على وجه الدقة في مسافة لا تعدو بضعة أميال مربعة. ولو قمنا بمسح 
جوي لهذا الموقعء فلن يكون من الصعب تحديد هذا الشكل الهرمي وسط الكثبان 
الرملية المنتشرة هناكء فوسطها سيبدو الشكل الهرمي كأنه نار على علم؛ ولا شك أننا 
سنعثر عليه في خلال يومين أو أقل. فقط إذا كانت لدينا القياسات» هل بدأت تفهمين 
الآن؟” 

'بالطبعء؛ ولهذا تعتبر القطعة التي بحوزتنا مهمة للغاية» لأنها تحتوي على 
القياسات من سيوة وجزء من الفرافرة» فبدونهما لن تزيد فرصك في الوصول للموقع 

224 


عن رص * مئات من علماء الاثار الذين حاولوا سابقا الوصول إليه. ومن هنأ يسعى 
سيف الثأر بشتى الطرق للحصول عليها". 

صمت دانيل لو هلةء وهو ينظر إلى الجدار بينما الأفكار تجول بخاطر تارا. 

استطرد دانيل 'جيش كامل يتكون من 50 ألف جندي بكامل عتادهم تحت رمال 
الصحراء! يا الله! سيكون ذلك أعظم اكتشاف في تاريخ الآثار. حتى أن مقبرة توت 
عنخ أمون مقارنة به ستبدو محلا صغيرا للهدايا. . لقد بيع درع صدرية ترجع إلى نفس 
فترة هذا الجيش منذ سنتين تقريبا مقابل مائة ألف دولارء على الرغم من أنها بيعت 
قطعة قطعة. يا الل! إن إكتشافا كهذا سيجعل سيف الثأر أغنى رجل في الشرق 
الأوسطء ولا يمكنني تخيل مقدار الشر الذي سيسببه للعالم لو امتلك هذه الثروة". 

وقف الاثنان في صمت» بينما بدأ ضوء المصباح يضعف. 

'ماذا عن السفارة البريطانية؟ سكويرز وجمال؟ 

أجاب دانيل "لابد أنهما عرفا شيئا عن المقبرة» ولو كان ما قاله إسماعيل 
صحيحاء فلابد أنهما يريدان الحصول على القطعة المفقودة كسيف الثأر تماما". 

"إن الخطورة كبيرة هناء كبر كثيرا مما كنت أتوقع'. 

وقف الاثنان في صمت» وتارا ترتعش على الرغم من حرارة الغرفة. 

أخير اء سألت تارا 'وماذا عن البقيةء بقية النص الذي توقفت عن قراعته". 

'حسناء أيسن توقفنا؟ نعم توقفنا هنا". بدأ دانيل يقرأ بتركيز ثانية وبدت الكلمة 
التالية وكأنها اسم. اقترب دانيل أكثر وأكثر وهو يحدق بالجدار قائلا "أعتقد أنه اسم 
مصري مأخوذ من أصل يوناني ومن الصعب تحديده لأن المصريين كانوا يستخدمون 
حروف ساكنة فقط". 

نطق دائيل الكلمة ببطء. 

"ديمكوس أو ديماكوس شيء كهذا. ديماكوس هو اسمي ابن...' ثم توقف ثانية . 

"... منديز من ناكوس عندما ذاع صيتي أطلقوا عليّ اسم آب - وير - أمينتي . 
علق دائيل ضاحكا بالطبع. 

'ماذا هناك يا دانيل؟" 

'إنه تلاعب بالكلمات» وهي تعني القلب العظيم من الغربء وفي نفس الوقت 
يمكن قراءتها على أنها الظمأ الشديد؛ وهو ما يصدق على رجل سار عشرين كيلومترا 
وحده في الصحراءء ولابد أنه من أصل يوناني» مرتزق على الأرجح» فمصر كانت 
مليئة بهم في هدا الوقت. جندي يوناني في خدمة حاكم فارسي بلقب مصري . 

225 


سلط دانيل ضوء المصباح على الأشكال التي نظر إليها من قبل؛ الرجل ذو 
البشرة الباهتة أمام المنضدة المليئة بالفاكهة» والرجل ذو الشعر واللحية المستعارة 
راكعا أمام الملك» وأخيرا الرجل أحمر البشرة الذي يقدم القرابين لإيزيس. 

'لهذا لدينا ثلاثة أساليب مختلفة هنا توضح ثلاثة جوانب مختلفة لنفس اا 
أحدها يوناني والآخر فارسي والثالث مصري. إنه أمر رائع» رائع للغاية". 

سلّط دانيل الضوء مجددا على الجدارء وبدأ يقرأ في الأعمدة الخمسة الأخيرة. 

"عندما ذاع صيتيء» وكيف عدت من بين الأموات» قربني قمبيز منهء وجعلني بده 
اليمنى» وقدمني وجعلني صديقه ومحبوبه لأثني عدت حيا من الصحراءء ولأنه علم أن 
الالهة ساعدتني. ) 

لقد أعطاني الكثير من الأراضي والألقاب والأموال وفي ظل حكم داريوس 
عشت سنوات مديدة في رخاء وعظمة» وتفوقت على سائر أقراني» وحصلت على كل 
أوسمة الكرامة والثراء. تزوجت وكان لي من الأولاد ثلاثة» وتبوأت مكانا عظيما في 
مجلس الملكء وكنت دوما مخلصا وشجاعا وصادقاء واحتللت مكانة عظيمة في مجلس 
النبلاء . ظ ظ 

ضسيعتي كانت في واسط.. واسط هي الاسم المصربي القديم لطيبة والمعروفة 
حاليا بالأقصر ... وهناك كنت سعيدا وقانعا وعشت سنوات مديدة ولم أعد قط الى 
ناکسوس مکان مولدي. 

إلى كل بني البشر الذين سيمرون بجوار هذه المقبرة» ويحبون الحياة» ويك ر هون 
الموت. رددوا معي فليش أوزيريس... 

بدأ صوت دانيل يخفت شيئا فشيئاء كما خفت ضوء المصباح. 

'البقية يا تارا هي مجرد أدعية من كتاب الآخرة". هز دانيل رأسه»ء وأخذ نفسا 
عميقا من السيجار الذي اتقدت مقدمته بلون برتقالي وسط الظلام. يالها من قصة 
رائعة» أحد المرتزقة اليونانيين من جيش تمبيز» عاد من بين الأموات» وأصبح صديقا 
وشخصا مقربا من الملوك» وكأنها أسطورة من أساطير هوميروس» وكنت أمضي 
حياتي كلها...". 

فجأة ظهر صوت ارتطام بعض الأحجار في الأخدود بالخارج. نظر دانيل إلى تارا 
منزعجاء وأطفأ المصباح والسيجارء وخيّم الظلام على المكان. كان هناك صوت همس 
خافت يأتي من أعلى الممرء ثم صوت تسلق شخص ما للمقبرة. اختبأ دانيل وتارا في أحد 
الجوانب بجوار الجدارء وهي متشبثة بكتفه تريد الصراخ ولكنها لا تستطيع. 

226 


ارتفع الصوت تدريجياء وظهر شعاع ضوء في الممر في الغرفة» وتزايد 
الممسء ثم صوت وقع أقدام متجهة نحوهما. عشرون متراء عشرة» خمسة ثم ظهر 
الرجال على مدخل الغرفة. خيّم الصمت لوهلة؛ ثم قفز رجل يرتدي جلبابا أسود من 
الممر إلى الغرفة. 

انقض دانيل على الرجل صارخاء ثم طرحه أرضا. 

'اهربي يا تارا بحق اللهء اهربي". 

قفز رجلان آخران إلى الغرفة» وطرحا دانيل أرضا. 

صرخت تارا "دانيل". 

أسرعت تارا نحو دانيلء إلا أن أحد الرجلين أمسك بهاء وطرحها أرضاء 
فسارعت بالنهوض مرة أخرى تضربه بقبضتيهاء ولكنه ضربها ضربة أسقطتها 
أرضاء وأص بحت بالكاد تتنفس. ظل الصراخ والحراك في المكان» ثم فجأة امتلات 
الغرفة بالأضواءء ولم تستطع تارا الرؤية للوهلة الأولى»ء لأن عينيها لم تعتادا على هذا 

الضوء. 

نطق شخص ما بلهجة يكسوها الضحك "لقد سقط الفئران في المصيدة". 

فتحت تارا عينيها تدريجياء ورأت. أربعة رجال يقفون أمامها. اثنان منهم يحملان 
بنادق رشاشة؛ وثالث يحمل بندقية» والأخير يحمل هراوة» وفي أعلى الممر وقف درافيتش 
ممسكا بمصباح» وخلفه الكثير من الرجال. نهضت تارا غير متزنة إثر الضربة» في نفس 
الوقت الذي نهض فيه دانيل أيضا وأنفه ينزف دما حيث توجّه إلى جوارها. 

سألته تارا "هل أنت بخير؟" 

أومأ دانيل بالإيجاب. نظر درافيتش إلى أرضية الغرفةء ثم أعطى المصباح 
للرجل الواقف بجواره» وقفز إلى الغرفة. 

'أنالا أرى الكوبراء صديقتنا لم تكن حارسا أمينا كما اعتقدت» وللأسف لن 
تمكن من رؤيتكما تموتان ببطء وسمها يسري في جسديكما". 

تقدم درافيتش نحوهما وخيال جسده الضخم يملا نصف الغرفة حاجبا الضوء. 
انزوت تارا في ركن الغرفةء ووجنتها تؤلمها إثر الضربة التي تعرضت لها. 

نطق دانيل بصوت غليظ وفمه ينزف دما "كيف عرفت أننا هنا؟" 

ضحك درافيتش قائلا "هل تعتقد أننا سنحمي المقبرة بكوبرا لعينة؟ يالكما من 
غبيين» لدينا مخبأ سري في أعلى الأخدود به أحد رجالناء أخبرنا بقدومكما على الفورء 
فعدنا إليكما". 


227 


سألت تارا بصوت مرتجف "ماذا ستفعل بنا". 

'بالطضبع سأقطعكما". قالها درافيتش بصوت واثقء 'ولكن الأمر يتوقف على 
الطريقة والوقت وما سأفعله بك أولا يا تارا". 

همست تارا 'لقد قتلت والدي". 

'آهء لكم تمنيت ذلك» ولكن للأسف سقط الرجل سريعا قبل أن أفعل ذلك؛ وكنت 
حزينا مثلك تماما". 

لاحظ درافيتش الألم في عيني تاراء فتضاعفت ضحكته. 

القد كان واقفا أماميء ثم سقط على الأرض فجأة يرتعش كحيوان مريضء لم أر 
شخصا يموت على هذا النحو من قبل'. 

استدار درافيتشء وقال شيئا ما بالعربية للرجال الذين انفجروا في الضحك 
أيضا. 

على الرغم من خوفهاء إلا أنها استجمعت قواهاء ثم بصقت في وجهه بكل ما 
أوتيت من قوة. توقف الضحك فجأة في الوقت الذي استعدت فيه تارا لتلقي ضربة 
محتومة. 

لم تحدث هذه الضربة على أي حال» حيث ظل درافيتش في مكانه بلا حراك 
واللعاب يتساقط من على وجنته الحمراء» تم رفع يده ومسح وجنته. 

سألها بهدوء شديد "هل تعرضت للاإيذاء قبل ذلك؟ لا! تأكدي أن ذلك سيحدث 

صرخ دانيل "لا تفعل دلك يا درافيتس . 

"لا تحزن يا دانيل» لن نتركك دون إحداث شيء بك". مسح درافيتش وجنته دم 
أخرج مالجاً معدنيا ذا أطراف حادة تلمع في ضوء المصباح. 

هوى درافيتش بالمالج على ذراع دائيل» الذي صرخ متألماء وسط الدماء المراقة 
من در اعه. 

أعاد درافيتش المالج إلى جيبه مرة أخرىء وقال "هناك ك أشياء معينة لا بد من 
الانتهاء منها أولاء ثم استدارء ونظر إلى الرموز الهيروغليفية على الجدارء وأشار 
للرجل الذي يحمل المصباح بالاقتراب . 

'أخيرا لدينا القطعة المفقودة» لم يكن من المفترض أخذها من مكانها أصلاء فلو 
لم يتم أخذها لجنبنا أنفسنا نا الكثير من المتاعب والوقت الضائع والألم". 

نظر درافيتش إلى تارا متهكماء ثم توجّه ناحية الجدارء وانحنى قليلا ليتفخص النص. 

228 


'عادة ما نكون أول من يعرف باكتشاف مقبرة جديدة في هذه التلال. فالسكان هنا 
يعرفون أن من مصلحتهم إخبارنا بذلك» وإلا فسيتعرضون لبطش سيف الثأرء وبطشي 
أنا أيضاء وهو أمر ليس باليسير. 

ولكن في حالتنا هذه» اكتشف رجل ما المقبرة» وأرادها لنفسه» ولذا فقد دفع 
حياته ثمنا لطمعه؛ ولكن قبل أن يُقتل» أخذ منها بعض القطعء بما فيها هذه القطعة 
المهمة". 

خلع درافيتش القطعة من مكانها مرة أخرىء وأمسكها بيده. 

'يالها من مفارقة عجيبة أن ينتزع هذه القطعة على وجه التحديد دون أن يدرك 
مدى أهميتهاء فقد كان يريد أي شيء ليبيعه» ولو كان لديه مزيد من الوقت لانتزع كل 
شسي ء في هذه المقبرة. وللأسف بدأ بانتزاع القطعة التي توضح بدقة موضع الجيش› 
مما عاد عليه وعلى اخرين بنهاية مؤسفة". 

كانت تارا على بعد ثلاثة أمتار كاملة من در افيتش» ولكن رائحة عرقه كانت 
تصل إليها لدرجة تجعلها تريد أن تتقيا. 

كل ذلك ليس مهما الآن» فقد حصنا على القطعةء وغدا سنعثر على الجيش» ثم 
بعد ذلك.. نظر بتهكم إلى تارا... نبدأ باللهو". 

قال درافيتش شيئا بالعربية: ‏ فقفز رجلان يحملان مطرقتين» ثم أشار إلى النص. 
وإذا بهما يبدأان في طمس معالمه تماما. 

صرخ دانيل 'يا الله!" وحاول التقدم لمنعهماء ولكن فوهة البندقية التي ارتطمت 
بمعدته» أسقطته على الأرض. 

نطق دانيل وهو يسعل "لا يمكنك ذلك؛ بحق الله لا يمكنك". 

أجاب درافيتش 'للأسف يتعين القيام بذلك» ولكننا سنبقي على البقيةء فلا يمكننا 
المخاطرة بترك هذا النص ليقرأه شخص آخرء ويعرف مكان الجيش". 

خيّم على المكان تراب أبيض نتيجة تدمير الرموز الهيروغليفية على الجدارء 
وبينما كان أحدهما لا يزال يدمر الجدارء كان الآخر يهشم الأجزاء المتساقطة على 
الأرض مما جعل دانيل يخفض رأسه في حسرة ويأس. 

بعد أن انتهى الرجلان من تدمير الجدار» أشار إليهما در افيتش بالانصر اف› 
وبدأت تارا تسعل هي الأخرى بعد أن امتلأت ١‏ الغرفة بالتراب. 

همس دانيل» وهو لا يقوى على رفع عينيه من على ركام الحجارة المهشمة 'ماذا 
الان يا در افيتش؟” 

229 


توجّه درافيتش ناحية مدخل الغرفة والقطعة الأثرية بيده» فأعطاها لأحد الرجالء 
وصعد إلى فتحة الممر. 

استدار قائلا "الآن سيحدث لك شيء غير سار". 

أشار درافيتش بيده؛ ثم اختفى من الممرء فرفع الرجل إلى جوار دانيل البندقية. 

صرخت تارا "لا”. معتقدة أنه سيطلق الرصاص على دانيل» ولكن الرجل أدار 
البندقيةء وضرب دانيل بمؤخرتها في جانب رأسه؛ فسقط على الأرض فاقدا الوعي 
والدماء تسيل على رقبته. أسرعت تارا إليه» وجثت على ركبتيها تلمس وجهه» ولكنها 
سمعت حركة ما خلفهاء وكأن شيئا سيهوي فوق رأسها. وإذا بها تفقد وعيهاء وكأنها 
غرقت في محيط من المياه الراكدة. 


شمال السودان 


أسرع الصبي نحو المخيم؛ وبيده البرقية؛» مفرقا جمعا من الماعز في طريقه. 
حتى وصل إلى خيمة سيده؛ حيث رفع غطاء الخيمة» وهو يتصبب عرقا. 

كان المدخل مظلما إلى حدٌّ ماء باستثناء مصباح كيروسين. وكان سيف الثأر جالسا 
القرفصاء على السجادة» وممسكا بكتاب بالقرب من وجهه» وكأنه تمثال بلا حراك. 

توجه الصبي ناحية سيف الثأر قائلا 'لقد عثروا عليهما يا سيدي. لم يستطع 
الصبي كتمان فرحته» لقد عثر دكتور درافيتش على القطعة يأ سيدي . 

وضع سيف الثأر الكتاب على قدميهء ونظر باتجاه الصبي دون أي إشارات على 
وجهة. 

ان تعاليمنا تأمرنا بالاعتدال في كل شيء يا محمد سواء في فرحنا أو حزنناء 
ولذا ليست هناك حاجة للصراخ". 

أخفض الصبي رأسه خجلاء وقال "حسنا يا سيدي". 

'كذلك تأمرنا تعاليمنا بأن نبتهج بكرم الله عليناء ولذا لا تخجل من نفسك يأ 
محمد. فقط حافظ على الاعتدال» لأنه الفطرة التي فطرنا الله عليهاء وبها ستصبح سيدا 

مد سيف الثأر يدهء فأعطاه الصبي الرسالة» وبعد أن انتهى من قراءتها وضعها 
في جيب جلبابه. 

"ألم أخبرك يا محمد أن الله اختارنا لهذه المهمة. طالما أننا واثقون في قدرته 
فسنحصل على كل شيء. إن اليوم يوم عظيم يا محمد . 

230 


ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه سيف الثأرء وكأنها مياه تروي أرضا جرزا. 
كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الصبي سيده يبتسم على هذا النحوء وأراد 
أن يقبّل قدم سيده ليعبر له عن مدى حبه وامتنانه لما فعله لأجله. 

كبح الصبي جماح هذه الرغبة» متذكرا الكلمات التي قالها سيده للتوء فقد تعلم 
الصبي الدرسء ومن ثم اقتصر الأمر على مجرد ابتسامة على الرغم من أن قلبه 
يتراقص فرحا. 

بدا أن سيف الثأر يفهم تماما ما يختلج في قلب الصبي»› فنهض واقفاء ووضع يده 

"أحسنت يا محمدء فالله يكافئ دوما الطالب المطيع؛ ويعاقب المسيئ» اذهب الآن: 
وأخبر الرجال أن يستعدوا فسنرحل فور معرفة الموقع". 

أومأ الصبي إيجاباء ثم خرج من الخيمة. 

رجع الصبي مرة أخرى قائلا 'سيدي» هل سنقضي على كل شرور العالم الآن؟ 


هل سيندثر الكفر؟" 
أزدادت ابتسامة سيفب الثآزء وقال 'بالطيع بأ محمد» كيف لا ولدينا جيش كامل 
يساعدنا؟" 


صرخ الصبي قائلا "الله أكبرء أكبر من خيال أي منا". 

عندما غادر الصبي» رجع سيف الثار إلى مكانه بجوار مصباح الكيروسينء 
وأمسسك الكتاب» وبسطه برفق على كلتا يديه. لم يكن نص الكتاب عربيا ولا إنجليزيا 
وإنما كان يونانيا كما يوضح العنوان تاريخ هيرودوس. 

زاد سيف الثأر ضوء المصباح قليلاء ورفع الكتاب ناحية وجهه؛ وهو يتنهد 
بسعادة مستغرقا في محتوى الكتاب. 


23 


30 


بو 


الإافصر 


وصل القطار الذي يستقله خليفة إلى الأقصر قبل الثامنة صباحا بقليل» وفي هذا 
الوقت كان التعب والنعاس قد غلباه. ولأنه لم يستطع النوم بعد الكابوس الذي رآه لذا 
قرر الذهاب إلى منزله أولاء لينعش نفسه» قبل أن يذهب إلى المكتب. 

كانت المدينة مزدحمة بالفعل بسبب الاحتفال بعيد أبو الحجاج المقرر ظهر اليوم. 
ولكن الجميع كان يستعد له منذ الصباح الباكر. وكان الناس ينظرون إلى الأكشاك 
المزينة بالألوان الباهرة على جانبي الطريق» حيث تباع الحلوى والكعك وقبعات 
الاحتفال. عادة» كان خليفة ينتظر هذه الاحتفالات بفارغ الصبرء ولكن اليوم كان لديه 
الكثر من الأشياء لينجزهاء لذا أشعل سيجارة» وسار في شارع المحطة غير مكترث 
بالصخب الدائر حوله. ) 

كانت شقة خليفة على بعد خمس عشرة دقيقة سيرآ على الأقدام من وسط 
المدينة» في إحدى البنايات الخرسانية التي تشبه لعبة الدومينو» وسط مجموعة 
أخرى من المباني الخرسانية. ما إن وصل خليفة إلى منزله» حتى وجد بطة وعلي 
قد غادرا بالفعل إلى المدرسة؛ بينما يوسف الصغير يغط في نوم عميق. اغتسل 
خليفة» وأحضرت له زينب القهوة والخبز والجبن. أخذ خليفة ينظر إليها كلما أتت 
أو راحت» وشعرها الأسود الداكن تفوح منه رائحة العطرء وهو يتدلى حتى 
خصرهاء وتذكر كيف كانت معارضة أهلها لهذه الزيجة» فقد كان طالبا مفلسا ومن 
عائلة فقيرة ولكنها كانت فتاة ذات شخصية قوية. لم يتمالك خليفة نفسه من 
الابتسام عندما تذكر ذلك. 

أنتت تت زينب وبيدها طبق به قطع من الطماطم وسألته "ما الذي بضحكاك؟”" 


232 


القد تذكرت كيف تم زواجناء وكيف كان أهلك غير راضينء ولكنك قلت لهم إر 
لم أتزوجه فلن أتزوج غيره'. 

ناولته زينب طبق الطماطمء وجلست عند قدميه. 

'كيف كانت رحلتك إلى القاهرة؟" 

"جيدة» وقد قابلت البروفيسور الحبيب هناك". 

"هل هو بصحة جيدة؟ ما هي القضية التي تعمل عليها حاليا؟ إنها قضية مهمة: 
أليس كذلك؟" 

'إنها مهمة جدا". 

"إنها معقدة". 

أدركت زينب أنه لا يريد التحدث في هذا الأمرء فلم تضغط عليه أكثر من ذلك. 

توجّه الاثنان ليأخذا سنة من النوم» ولكن قاطعهما صوت الهاتف وبكاء الصبي. 
توجهت زينب إلى الصبيء وأخذته من مهدهء بينما رفع خليفة السماعة حيث وجد 
البروفيسور الحبيب يقول "أتمنى ألا أكون قد أزعجتك يا خليفة". 

'على الإطلاق يا بروفيسور". 

'"اسمعني يا خليفة هناك شيء ما لا بد أن تعرفه حول هذه القطع التي أحضرتها 
لي بالأمس". 

أخرج خليفة علبة السجائر من جيبه وقال له "هات ما عندك يا بروفيسور". 

القد تفحصت القطع بالأمس» ووجدت نقشا خاما على مقبض الخنجر تحت 
الرقعة الجلدية مباشرة مكتوب باللغة اليونانية'. 

"اليونانبة؟" 

انعم» وأعتقد أنه اسم صاحب الخنجر". 

"حسناء أكمل يا بروفيسور". 

الاسم هو ديماكوس أبن منديز”. 

فكر خليفة في الاسم» وسأل البروفيسور "هل يعني هذا الاسم أي شيء بالنسبة 
لك؟" 

أجاب الحبيب "هذا هو الأمر المضحك يا خليفةء فقد كنت متأكدا أنني رأيت هذا 
الاسم من قبل» وأخذت أفكر حتى تذكرت أين رأيته". توقف البروفيسور لوهلةء وكأنه 
يثير شوق خليفة لمعرفة ما تبقى. 


233 


'حسناء وأين كان ذلك يا بروفيسور؟' ؤ 
'في وادي الملوك؛ في مقبرة رمسيس السادسء فالجدران مليئة بالنقوش اليونانية 
والقبطية» وأحد هذه الجدران يحمل نقشا باسم ديماكوس أبن منديز من ناكسوس وقد 
بحثت عن ذلك حتى تأكدت منه". 
"هل هو نفس الرجل صاحب الخنجر؟ 
"لا يمكنني الجزم بذلك» ولكن من المستغرب وجود رجلين يحملان نفس الاسم 
على الرغم من عدم شيوعه . 
أطلق خليفة تنهيدة صغيرة قائلا "أمر لا يصدق". 
بالتأكيد» ولكن ما يلي أكثر عجبا". 
صمت البروفيسور مرة أخرى حتى حثّه خليفة على الكلام. 
'لم يترك ديماكوس اسمه فقط في المقبرة وإنما ترك نقشا قصيرا أيضا". 
'وماذا يوضح هذا النقش؟" 
'يبدو أن النقش غير كامل لعله انطمس أو أن شيئا ما قاطع ديماكوس أثناء 
الكتابة". ٠‏ 
فتح البروفيسور ورقة أمامهء وقرأً منها ما بلي "أنا ديماكوس ابن منديز من 
ناكوس قد رأيت هذه العجائب» وغدا سأمضي في طريقي إلى أتباع أمون... وعند هذه 
النقطة بتوقف النص يا خليفة". 
لم يكن خليفة قد أشعل سيجارته بعدء وأخذ يفكر بصوت مرتفع قائلا "أتباع 
آمون» اليس هذا هو الاسم الذي أطلقه اليونانيون على سكان سيوة؟' 
ابالضبط» فهو اسم مشتق من اسم الإله أمون الذي يقع مقره في هذه الواحة. 
وعلى حد علمي لم تكن هناك سوى حملة عسكرية واحدة ضد أتباع آمون في هذه 
الفترة". 
'ما هي؟" 
مرة أخرى صمت البروفيسور ثم أجاب. 
"جيش قمبيز المفقود في الصحراء؟' 
'نعم» حسبما أوردته القصص". 
'ولكنّ أحدا لم ينج منه: فكيف نحصل على خنجر لأحد جنود هذا الجيش؟' 
"هذا هو السؤال» أليس كذلك؟" 


234 


سمع خليفة صوت البروفيسور وهو يشعل الغليون؛ فأخرج سيجارة» وأشعلها بعد 
أن تلفت الأخرى من كثرة إمسكاها في يده؛ ثم خيّم الصمت لفترة. 

سأل البروفيسور قائلا "لابد أن هذا الخنجر قادم من إحدى المقابر في تلال 

أجاب خليفة 'نعم؛ » أعتقد ذلك". 

"أعتقد أن هناك بعض الإيضاحات هذا الأمر فر بما لم يذهب ديماكوس مع 
الجيشء أو لعل الخنجر بيع لشخص آخرء أو ربما يكون هيرودوس قد أخطأ وأن 
الجيش لم يفنَ في هذه العاصفة الرملية". 

وربما يكون الجيش قد فني؛ ولم ین سوى ديماكوس". 

صمت البروفيسور لوهلة. 

"هذا أقل الاحتمالات قابلية للحدوث؛ ولكنه أكثرها غموضا في نفس الوقت". 

أخذ خليفة نفسا عميقاء ثم تذكر أنه من غير المسموح له التدخين في غرفة النوم 
لأن الصبي الصغير ينام داخلها ففتح النافذة وهو يفكر بسرعة لدرجة يصعب معها 
مواكبة الأحداث أو الربط بينها. 

'أتعتقد أن اكتشاف مقبرة لأحد الجنود من جيش قمبيز يُعد اكتشافا مهما؟" 

أجاب البروفيسور 'لو ثبت ذلك فبالتأكيد سيكون اكتشافا مهما". 

"هذه هي المشكلةء أليس كذلك؟ اكتشف أبو ناير مقبرة هذا الجندي من جيش 

قمبيز المفقودء وكما قلت بروفيسور فهو اكتشاف ضخم» بل وأحد أهم الاكتشافات في 
مصر في السنوات الأخيرة» ولكن ذلك لا يوضح سبب سعي درافيتش فيتش للحصول على 
هذه القطعة الأثرية الصغيرة التي تحمل الرموز الهيروغليفية» فهو لم يكن يكترث 
لشىء غيرها في محل إكبار. لا بد أن هناك حلقة مفقودة هنا. ٠‏ 

جرت الكلمات على لسان خليفة حتى قبل أن يفكر بهاء فقال 'وماذا عن الجيش؟' 


'ماذا تقصد؟ 
'جيش قمبيز المفقود» ما هي أهمية اكتشافه؟" 


أجاب البروفيسور "أعتقد أننا بدأنا ندخل إلى عالم الأحلام الآن» فالجيش مدفون 
في مكان ما وسط الصحراء الغربية» ولن يتم اكتشافه أبدا". 
الکن مادا ادا د تم اكتشافه؟" 
خيّم الصمت مرة أخرى؟ 
235 


"أعتقد أنك لست بحاجة إلى توضيح مدى أهمية اكتشاف كهذا". 

"لاء لا أحتاج إلى توضيح". 

ألقى خليفة السيجارة من النافذة» ولوّح بيده مزيلا بعض الدخان من الغرفة. 

'متأسف يا بروفيسور» لقد كنت أفكرء ما الذي تعرفه عن الجيش يا بروفيسور؟' 

ليس الكثيرء فهو لا ينتمي إلى العصر الذي أتخصص به»ء ولكن يمكنك الرجوع 
إلى البروفيسور إبراهيم الزهيرء فقد قضى معظم حياته في دراسة هذه الفترة . 

< 'وأين أجده؟" ظ 

'في الأقصرء فهو يمضي ستة أشهر كل عام هناك؛ ولكنه أصيب بسكتة دماغية 
العام الماضي» وبدأت ذاكرته تضعف". 

صمت الاثنان قليلاء قبل أن يشكر خليفة البروفيسورء ويعده بأن يتناول معه 
الغداء في المرة القادمة التي يزور فيها القاهرة. ثم أغلق الهاتف» وتوجّه إلى غرفة 
المعيشة؛ حيث كانت زينب تهدهد الطفل برقة. 

'لابد أن أذهب إلى المكتب الآن يا زينب". 

'وأنا هنا سأبذل قصارى جهدي حتى يخلد الصبي للنوم مرة أخرى'". 

'أنا متأسف ولكن...": 

'أعرف ما ستقوله يا خليفة". ابتسمت زينب» وأخبرته ألا ينسى حضور احتفال 
الأولاد بعيد أبو الحجاج عند الساعة الرابعة عصرا. 

"لا تقلقي» لن أتأخرء أعدك بذلك". 


الصحراء الغربية 

أفاقت تارا مرتين أثناء الرحلة لفترات قصيرة قبل أن تغوص في بحر النسبان 
مرة أخرى. 

ففي المرة الأولى شعرت بنفسها في مكان حار وضيقء يهتزء» وتفوح منه رائحة 
البنزين. وعلى الرغم من الظلمة» إلا أنها أدركت أنها في صندوق سيارة بمفردهاء 
ويداها موثقتان بقدميهاء وعلى فمها شريط لاصق» وشعرت أنهم يسيرون في طريق 
ممهدة» لأنه على الرغم من السرعةء إلا أن الاهتزازات لم تكن عنيفة. أخذت تارا 
تفكر في كل الأحلام التي شاهدتها قبل ذلك وتتناول قصص أشخاص مخطوفين في 
صناديق سيارات» وكيف تمكنوا من الإفلات عن طريق الاهتمام بالأصوات المحيطة 


236 


بالمكانء؛ وحاولت القيام بنفس الشيء الآن لمعرفة مكانها. إلا أنه باستثناء صوت آلة 
التنبيه وصوت موسيقى صاخبة بين الحين والآخرء لم يكن هناك شيء يذكر. وسرعان 
ما فقدت وعيها مرة أخرى. 

أما في المرة الثانية التي استيقظت فيهاء فكان هناك صوت مرتفع يأتي من 
أعلىء ففتحت عينيهاء ووجدت نفسها موثقة في كرسيء وإلى جوارها دانيل» ورأسه 
ملقى على صدره» والدم متجمد على وجنته ورقبته. للأسف لم تشعر تارا بأي اهتمام 
به» فقد كان اهتمامها منصبًا على معرفة مكائها. نظرت تارا أمامهاء فوجدت صفحة 
صفراء لا متناهية» فتخيلت أنها تنظر إلى كعكة صفراء كبيرة» وبدأت تضحك ولكن 
سرعان ما سمعت أصواتا حولهاء وشعرت أن كيسا كبيرا هوى على رأسهاء فغاصت 
في بحر من النسيان مرة أخرى بعد أن أدركت أنها في مروحية تطير فوق الصحراء 
باتجاه موقع جيش قمبيز المفقود ثم تاهت في عالم النسيان» ولم تتذكر شيئا آخر. 


بير 


الافصر 
كانت هناك مفاجأتان بانتظار خليفة عندما وصل إلى المكتب. أولاهما عندما قابل 
رئيس المباحث في البهو الأمامي وبدلا من الصراخ فيه لقدومه متأخرا قابله بترحاب 
شديد. ) 
'أنا سعيد لعودتك يا يوسف". كانت هذه هي المرة الأولى التي يناديه فيها باسمه 
الأول. [ ؤ 
استطرد رئيس المباحث قائلا "هلا تمر على في مكتبي متى سمح وقتك» ولا 
داعي للقلق فلديّ أخبار جيدة لك". 
ربت الرجل على كتف خليفة» ومضى قدما في طريقه. 
أما المفاجأة الثائية» فكانت وجود عمر عبد الفاروق منتظرا في مكتبه. 
أوضح محمد سارية» أنه لم يجعله ينتظر بالأسفل حتى لا يراه أحد. 
أضاف سارية أن عمر يدّعي معرفة بعض المعلومات عن قضية أبو ناير. 
كان عمر جالسا في جانب من المكتب» يضرب بأطراف أصابعه على ركبتيه. 
غير مرتاح للجو المحيط به. 
دخل خليفة إلى المكتب» وتوجّه إليه قائلا "حسناء حسناء لم أتوقع يوما أن يحضر 
أحد أبناء آل الفاروق إلى قسم الشرطة بمحض إرادته". 
'صدقني لم يكن الأمر سهلا علي". 
23/7 


"أتشرب شايا؟" 

هز عمر رأسه إيجاباء وقال "اطلب من صديقك الخروج فما سأقوله خاص بك 
وحدك . 

'إنه صديقي وهو...” 

'سأتحدث معك فقط أو سأرحل". 

تنهد خليفة؛ وقال لسارية "اخرج وسأطلعك على الأمر لاحقا". 

خرج سارية» وأغلق الباب وراءه. 

انحنى خليفة للأمام قليلا» وعرض على عمر سيجارة؛ ولكنه رفض قائلا 'لست 
هنا لشيء إلا للتحدث في أمر مهم". 

هز خليفة كتفيه» وأشعل سيجارة لنفسه» وقال له "حسناء تحدث". 

'"أعتقد تقد أن صديقيّ في خطرء لقد قدما بالأمس إلى منزلي طلبا للمساعدة» وقد 
اختفيا الآن". 

'وما علاقة ذلك بقضية أبو ناير؟" 

نظر عور_جوله: وكلنهيتأكد من _عهموحود أحد آخرء ثم قال منذ يومين عندما 
استدعيتني إلى هناء وسألتني عن اكتشاف أي مقبرة جديدة في تلال طيبة... 

قاطعه خليفة قائلا "وأنت قلت إنك لا تعرف شيئاء هل تذكرت فجأة؟" كانت هناك 


نبرة تهكم في صوته. 
حدق به عمرء وقال "لابد أنك مستمتع بذلك» أن يأتي إليك فرد من عائلة الفاروق 
اا الخو" 


ريداق e a‏ السيجارة. 

استطرد عمر قائلا 'لقد عثر أبو ناير على المقبرة» ولكني لا أعرف مكانهاء فلا 
تبادرني بهذا السؤال؛ وأخذ منها قطعة من الجدارء وكانت لدى صديقي عندما قدما 
إلي» ولكنهما اختفيا الان . 

في هذه الأثناء كانت الألعاب النارية تدوي بالخارج مما أصاب عمر بالرعب. 

من هما صديقاك؟" 

'عالم آثار يُدعى دكتور دانيل لاكاج وسيدة إنكليزية". 

'تارا مولراي؟" 

"هل تعرفها؟" 

'لقد تورطا فى حادث إطلاق نار في سقارة منذ يومين . 

238 


'أعرف ما تفكر فيه يا خليفة» ولكنني عملت مع لاكاج لست سنوات وهو رجل 
"أصدقك يا عمر". توقف خليفة لوهلة» ثم أضاف 'لم أعتقد أنني سأقولها يوما 

لأحد أفراد آل الفاروق". 

لم ينطق عمر على الفورء ولكن ابتسامة رقيقة علت وجههء واستراح في جلسته. 
وقال "الآن يمكنني أن آخذ منك السيجارة". 

انحنى خليفة للأمام قليلاء وقدّم له علبة السجائر متسائلا 'حسناء ماذا حدث 
بالأمس يا عمر". 

'كما أخبرتك؛ لقد حضرا إلى منزلى طلبا للمساعدة» وكانت معهما القطعة 
المزخرفة في صندوقء وقالت الفتاة إن والدها اشتراها لأجلهاء وأن سيف الثأر يريد 
الحصول عليهاء وكذلك السفارة البريطانية". 

"السفارة البريطانية؟" ٠‏ 

'نعم» لقد قالت إن هناك بعض الأشخاص في السفارة البريطانية يسعون وراءها 
أبضا". 

أخرج خليفة قلما من جيبه» وبدأ يدوّن هذه الملاحظات مرددا 'ما الذي يجري هنا 
بحق الثه؟" 

كان الاتنان يريدان معرفة من أين أتت القطعة» وقد أخبرتهما بمدى خطورة 
ذلكء وأنه يتعين عليهما تركهاء ولكنهما لم يصغيا إلي. إن دكتور لاكاج صديق لي› 
وطلب مني المساعدة» ولم أتمكن من رفض ذلكء ولذا أخبرتهما أنني سأستطلع الأمرء 
ولكنني عدت لأجدهما قد اختفياء ولم أرّهما منذ ذلك الحين". 

"ألا تدري أين ذهبا؟' 

القد أخبرا زوجتي أنهما ذاهبان إلى قمة القرن. أنا قلق عليهما للغاية» وخاصة 
بعدما حدث لأبو ناير وسليمان الرشيد". 

توقف خليفة عن تدوين الملاحظات» وقال 'سليمان الرشيد؟ 

'لقد أحرقوه كهذه السيجارة". 

تجهم وجه خليفة؛ وقال 'مات؟” 

أومأ عمر برأسه إيجابا. 

ابتأس خليفة للغاية» وقال" يا اللهء ليس سليمان". 

'ألم تعرف بالخبر؟' 

239 


"لاء لقد كنت في القأاهرة . 

أخفض عمر رأسهء وتأسف لإفصاحه عن هذا الخبرء وقال "اعتقدت أنك على 
دراية بالأمرء ثم أضاف الجميع يعرف ما فعلته لأجل سليمان". 

وارى خليفة وجهه بيديه» وقال 'سأخبرك بما فعلته لهء لقد تسببت في قتله. يا الله . 
كيف كنت بهذا الغباء؟" 

خیم الصمت لوهلةء قبل أن يقول عمر "أعتقد أنه من الأفضل أن أذهب الآن. 
فليس من المعقول إرهاقك وأنت في هذه الحالة". وبدأ يتوجّه نحو الباب. 

قال خليفة 'ماذا عن القطعة؟" 

'معذرة؟» 

"هل رأيت القطعة المزخرفة؟" 

نعمء رأيتها". 

'أبها ثعابين بالأسفل وبعض الرموز الهيروغليفية؟" 

"هل تتذكر العلامات الهيروغليفية؟" 

فكّر عمر للحظة» ثم اقتربء وأخذ القلم من خليفة» ورسم على الورقة أمامه. 

نظر خليفة إلى الورقةء وقال "هل أنت متأكد أن هذا هو ما رأيته؟" 

"أعتقد ذلك. هل تعرف ما هو أيها المحقق؟" 

'نعم» إنها علامة هرم . 

نظر خليفة إلى الورقة» ثم وضعها في جيبه. 

'شكرا لك يا عمرء أنا مقدر تماما لما فعلته اليوم". 

'أرجوك أيها المحقق اعثر على صديقي» هذا كل ما أرجوه منك". 

بدا الأمر وكأنه سيمد يده ليصافح خليفة» ولكنه تراجع» واكتفى بإيماءة بسيطةء 
وغادر الغرقة. 

أمضى خليفة عشرين دقيقة يطلع سارية على ما حدث في القاهرة» ويستمع منه 
لتفاصيل مقتل سليمان؛ ثم صعد إلى مكتب رئيس المباحث؛ كما طلب منه في الصباح. 

كان حساني عادة يحب أن يجعل خليفة ينتظره بضع دقائق» ولكن هذه المرة 
سمح له بالدخول على الفورء وأيضا جعله يجلس على كرسي جيد في وسط 
الغرفة. 

بادره خليفة بإجابة عن الأسئلة التي توقع أن يطرحها رئيس المباحثء فقال 

240 


سأقدم تقريري ظهر اليوم يا سيدي". ولكن الرجل أزاح يده غير مكترث. 

"لا تقلق بشأن ذلك يا خليفة فلديّ أخبار جيدة لك". 

جلس حساني ويده عند ذقنه» وهو يشبه إلى حذ كبير الصورة المعلقة على 
الجدار خلفه. 

'يسعدني إخبارك أنك حصلت على الترقية التي أردتهاء تهاني". 

ابتسم الرجل» ولكن شيئا ما بداخله أوضح عكس ما يظهره. 

'أتمزح يا سيدي؟' 

تلاشت الابتسامة تدريجياء وقال حساني "'أنا لا أمزح فأنا رجل شرطة". 

'متأسف يا سيدي". لم يدر خليفة ما يقول في هذه اللحظةء فقد كانت هذه الترقية 
آخر ما يتوقع حدوته. 

'أريدك أن تأخذ بقية اليوم إجازة» واذهب إلى بيتك» وأخبر زوجتك» وابتهج بهذه 
المناسبة» وفي الغد عليك التوجه إلى الإسماعيلية لحضور مؤتمر هناك . 

'الإسماعيلية؟" 

'نعمء هناك اجتماع حول الشرطة الحضرية في القرن الحادي والعشرين لمدة 
ثلاثة 4 فليساعدك اللهء ولكن هذه هي طبيعة الأشياء التي يتعين عليك التعامل معها 

لم ينطق خليفة» وشعر بسعادة غامرة» ولكن في نفس الوقت كان هناك شيء 


r 


آخر. 

"وماذا عن القضية يا سيدي؟' 

'يمكنها الانتظار ليومينء اذهب أنت إلى الإسماعيليةء وعندما تعود استأنف 
عملك فيها". 


"لا يمكنني ذلك يا سيدي". 
"أعرف» ولكن.. ' 
بدأ حساني يضحك حتى ملأ صوته الغرفة كاتما كلمات خليفة. 
'الوضع معكوس الآن يا خليفة» أنا أطلب منك ألا تجهد نفسك في العمل ' أتمنى 
منك ألا تخبر أحدا بذلك. فسيضر ذلك بسمعتي . 
ابتسم خليفة» ولكنه لم يتراجع عن موقفه. 
241 


القد لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم يا سيديء واختفى اثنان آخران» ولدي دليل 
دامغ على تورط سيف الثأر والسفارة البريطانية في ذلك؛ ولذا لا يمكنني تجاهل الأمر 
برمته بهذه البساطة". 

استمر حساني في الضحكء ولكن عينيه كان بهما شيء من الضيق يعبر عن 
غضب دفقين. 

ألا تريد هذه الترقية يا خليفة؟" 

أسيدي". 

يبدو أنك غير سعيد بها أو دعني أقول غير ممتن!' 

ركز الرجل على كلمة ممتن. 

'أناممتن لك ياسيديء ولكن أرواح الناس في خطرء ولا يمكنني التوجه 
للإسماعيلية» وتركهم ثلاثة أيام". 

'أتقصد أننا لن ننجح في إدارة الأمور في فترة غيابك؛ أليس كذلك؟' 

'لا يا سيدي» ما أقصده هو ...". 

أتعتقد أن الشرطة لن تعمل في غيابك؟' 

'أتعتقد أنك الشخص الوحيد المهتم بالقانون والنظام والخطأ والصواب". 

ارتفع صوت الرجل الآن»؛ وبرز عرق في رقبته» وقال 'دعني أخبرك يا خليفةء 
أنني أمضيت حياتي كلها أعمل لصالح هذا الوطن» ولن أجلس هنا استمع إلى شخص 
تافه مثلك يخبرني أنه الوحيد الذي يهتم بذلك. لقد حصلت على ترقيتك اللعينة» وأريدك 
غدا في الإسماعيليةء ولا تجادلني أكثر من ذلك". 

نهض رئيس المباحث من على كرسيه؛ وتوجّه نحو النافذة وظهره لخليفة 
وهو يطرق بأصابعه على النافذة. أشعل خليفة سيجارة دون أن يطلب الإذن من 
الرجل. 

من طلب منك ذلك يا سيدي؟' 

'لهذا السبب حصلت أنا على هذه الترقيةء أليس كذلك؟ لقد توسط لديك شخص 
ماء شخص يريد إزاحتي عن هذه القضية". 

التزم حساني الصمت. 


242 


"إنها محاولة» أحصل أنا على الترقية وأنسى هذه القضيةء هذا هو العرضء» أليس 
كذلك؟ هذه هي الرشوة. ظ 

كانت أصابع حساني تطرق على النافذة بسرعة أكبر الآن» وكأنه على وشك 
كسرها. 

استدار حساني ببطء» وقال "أنا لا أحبك يا خليفة. لم ولن أحبك يا رجل» فأنت 
متعال ومتعجرف وتسبب لي إزعاجا شديدا". ظ 

تقدم حساني خطوة للأمام» وكأنه مصارع في حلبة. 'ولكنك أيضا يضا أفضل محقق 

فى الشرطة» الكل يعرف ذلك» وأعتقد أنك لن تصدقني إن أخبرتك أني لم أتمنَ لك 
ضررا يوماء لذا استمع إل بإنصات» احصل على هذه الترقية؛ وتخل عن القضية؛ 
لأنك إن لم تفعل فليس لدي ما أحميك به". 

نظسر حساني إلسى عيني خليفة لوهلة» ثم استدار ٠‏ نحو النافذة مرة أخرى قائلا 
'أغلق الباب خلفك 


243 


31 


الصحراء الغربية 


أول ما لاحظته تارا هو الحرارة وكأنها تغوص في أعماق بحيرة من الفحم 
المتأجج؛ وكلما ارتفعت نحو الأعلى شعرت بمزيد من الحرارةء حتى وصلت إلى 
السطح» وشعرت وكأنها على سطح بركان» وأيقنت أنها لو ظلت في هذا المكان 
فستحترق حتى الموت» فحاولت الغوص نحو الأسفل مرة أخرى. لكن جسدها لم 
للغوص نحو الأسفل دون فائدة» توقفت عن المحاولة» واستلقت على ظهرها عائمة في 
اتجاه ألسنة اللهب» وعند هذه اللحظة استيقظت من هذا الكابوس المزعج. 

وجدت تارا نفسها داخل خيمة» وإلى جوارها دانيل ينظر إليهاء ثم تقدم نحوهاء 
ومسح على شعرها قائلا "حمدا لله على سلامتك”. 

كان رأسها يؤلمهاء وكان فمها جافا للغاية وكأنه محشو بالورق. استرخت لوهلة: 
قبل أن تجلس وترى رجلا مسلحا يجلس على بعد مترين عند مقدمة الخيمة. 

دلت در ا نحن" 

أجاب دانيل "نحن في وسط الصحراء الغربية في بحر الرمال الأعظمء في منطقة 
وسط بين واحة سيوة وألفرافرة". 

كانت تارا بالكاد تلتقط أنفاسها بسبب حرارة المكان الشديدة؛ وكان الهواء الساخن 
يلفح فمها وحلقها وكأنها تشرب حمما بركانية. لم تستطع تارا رؤية الكثير من باب 
الخيمة باستثناء الرمال الكثيرة المنتشرة في المكان» وسمعت بالقرب من الخيمة صوت 
صراخ وصوت مولدات كهربائية وكان الظمأ على وشك الفتك بها. 

'كم الساعة الآن؟" 


244 


نظر دانيل إلى ساعته؛ وقال "الحادية عشرة". 
استطردت تارا قائلة 'لقد كنت في صندوق سيارة". وكأنها تحاول تذكر ما حدث. 


"ثم في مروحية". 
أحاب دانيل "أنا لا أتذكر شيئا عن الرحلةء كل ما أتذكره هو المقبرة". 
تحسس دانيل موضع الدم عند رأسه ورقبته بحرص شديدء ولاحظت تارا عدم 


وجود أقر له حتى اعتقدت أنها كانت تحلم عندما رأت هذا الدم. حركت تارا يدها 
ببطء على السجادة حتى أمسكت بأطراف أصابع دانيل» وقالت "أسفة على توريطك في 
هذا الأمر". 

ابتسم دائيل وقال 'لقد ورطت نفسي بنفسيء» هذا ليس خطأك يا تارا". 

"لا يا دانيل» كان يتعين علي ترك القطعة الأثرية في سقارة كما أخبرتني". 

'ربما أنت محقة يا تاراء ولكن لو فعلت ذلك ما كنا لنحظى بكل هذه المتعة» فلم 
أشضعر بمثل هذه الإثارة في حياتي؛ بالإضافة إلى أننا سنشهد لحظة أعظم اكتشاف 
أثري على الإطلاق» وهو أمر يستدعي بعض التضحية". ٠‏ 
أدركت تارا أنه يريد تخفيف الأمر عليهاء وأنه في الحقيقة يشعر بالخوف واليأس 
مثلها تماماء وهو ما رأته بوضوح في عينيه واستسلامه. 

'سيقتلوننا يا دانيل» أليس كذلك؟" 

'ريما تكون لدينا فرصة للبقاءء فبعد اكتشاف الجيش سيفومون.... 

نظرت تارا إليه» وقالت 'سيقتلوننا يا دانيل» أليس كذلك؟" 

سكت دانيل لوهلةء ثم نظر إلى الأرضء وقال 'نعمء أعتقد أنهم سيفعلون ذلك 
على الأرجح". 

خيّم الصمت لوهلة؛ قبل أن ينكمش دانيل في جلسته» ويضع ذراعيه حول قدميه 
وذقنه على ركبتيه؛ بينما نهضت تاراء وبسطت عضلات جسدها والألم يعتصر رأسها. 
ظل الحارس يحدق بهما دون حراك»ء وهو ما أغرى تارا بالتفكير في إمكانية التغلب 
عليه بمساعدة دانيلء ولكنها تجاهلت الفكرة على الفورء لأنهما لو فعلا ذلك فأين 
سيذهبان؟ إنهما وسط الصحراءء وبات واضحا أن هذا الحارس ليس شيئًا مهماء 
فالحارس الحقيقي متمثل بالرمال والحرارة. أرادت تارا البكاء» ولكن عينيها افتقرتا 
إلى الدموع. 

"أنا ظمانة". همست تارا لدانيل. 

رفع دانيل رأسه»ء ونادى على الحارس. 

245 


'نريد ماء . 

حدق بهما الحارسء ثم نادى على شخص ما دون أن يرفع نظره عنهما. بعد 
بضع دقائق» جاء رجل وبيده جرة بها ماء أعطاها لهما. شربت تاراء وشعرت 
بسخونة الماءء ولكن ذلك لم يمنعها من تناول نصف الجرة قبل أن تعطيها لدانيل 
ليشرب هو الآخر»ء في غضون ذلك» صدر صوت مروحية وتلاعب الهواء المنبعث 
من مروحتها بالخيمة ومحتوياتها. 

اشتدت الحرارة مع دخول وقت الظهيرة؛ حتى أن قطرات العرق على وجه 
ورقبة تارا كانت تجف على الفورء بينما كان الصوت لا يزال يشير إلى هبوط المزيد 
من المروحيات. 

بعد ساعة» حل حارس آخر مكان الحارس الأول» وقدم لهما شرابا وطعاما 
مؤلفا من بعض الخضار النيئة والجبن وقطع خبز جافةء جاهدت تارا لابتلاعها دون 
فائدة» وهو ما حدث مع دانيل أيضا. كان الحارس الجديد صامتا وبلا حراك كسابقه. 

غالب النعاس تاراء وعندما استيقظت لم تجد الطعامء ولاحظت أن الحارس الأول 
قد.عاد مرة أخرى. حاولت تارا النظر إلى الرجل علها تجد طريقة للتواصل معهء 
ولعن ذلك ذهب دون فائدة. 

قال دانيل "ليس هناك فائدة من التواصل معهمء فهم يعتبروننا أقل من الحيوانات: 
نهم ينظرون إلينا على أننا كقار". 

استلقت تارا مرة أخرى» وظهرها للحارس» وحاولت التفكير في شقتهاء وبيت 
الزواحف» وجيني» وليالي ديسمبر الباردة» وصديقة بروكويل» وفي أي شيء يبعدها 
عن الحاضر. لم تستطع تارا تخيّل هذه الأمورء لأنها كلها تتلاشى متى ظهر وجه 
درافيتش في مخيلتها. اعتدلت تارا جالسة» ووضعت يدها على وجهها واليأس يغمرها. 

بعد قليلء عندما وصلت حرارة الشمس إلى ذروتهاء ولفحها الهواء الساخنء 
وشعرت أنها لن تحتمل المزيدء عندها انفتح باب الخيمة» وظهر رأس رجل ماء طلب 
من الحارس اصطحابهما للخارج تحت تهديد السلاح» فنظر الاثنان إلى بعضهماء نم 
نهضاء وخرجا تحت ضضوء الشمس وأعينهما لا تحتمل هذه الأشعة المفاجئة. بعد أن 
خرجا من الخيمة» اكتشفا أنها جزء من مخيم كبير» وسط واد محصور بين اثنين من 
الكثبان الرملية المرتفعة» أحدهما ينحدر بشدة بينما الآخر أقل انحدارا. كان المكان يعج 
بالبراميل وأكوام الحبال والقش والعربات الخشبية؛ وفي الجهة المقابلة مروحية تحمل 
مزيدا من البراميل والعرباتء تنزلها إلى الوادي وحولها الكثير من الرجال يرتدون 
جلاليب سوداء ويفرغون حمولة المروحية. 

246 


لم تلحظ تارا كثيرا من هذه الأشياءء لأن أول ما وقع عليه نظرها كان صخرة 
كبيرة على شكل هرم تحجبها الخيام والعربات» ولم يظهر منها سوى الجزء العلوي 
فقط الذي يوضح مدى ضخامة هذه الصخرة الهرمية الشكل. كانت هذه الصخرة تثير 
في النفس إحساسا مخيفاء فهي كقطعة سوداء صامدة وسط الرمال جعلت القشعريرة 
تسري في بدن تاراء بل والغريب أن الرجال كانوا يتجنبون النظر إلى هذه الصخرة. 

شق الاثنان طريقهما وسط المخيم يتقدمهما حارس ويتبعهما أثنان» حيث توجها 
جنوباء وصعدا قمة أحد المنحدرات ليجدا نفسيهما أمام درافيتش الذي كان جالسا تحت 
إحدى المظلات»› ومعتمرا قبعة من القش. [ 

بادرهما درافيتش بابتسامة» وقال "أتمنى أن تكونا قد نمتما جيدا". 

أجابه دائيل "عليك اللعنة يا درافيتش". 0 

من مكانهما هذاء أمكنهما رؤية الوادي بأكمله ينحدر تدريجيا نحو الشمال» وكأنه 
حوض صغير وسط أمواج عاتية من الرمال. كانت الصخرة الكبيرة أمامهما مباشرة؛ 
يحجبها الكثيب الرملي على اليسارء وكأنها رأس إبرة يطل من هذه الصفحة الصفراء. 
بالأسفل تواجد حشد كبير من الرجال الذين كانوا يحفرون إلى جوار خمسة أنابيب 
تغوص في الرمال من ناحيةء وتظهر رؤوسها في الناحية الأخرى من الكثيب الرملي 
حتى تختفي عند الجزء العلوي منه. كان صوت المولدات الكهربائية قويأً ويملا المكان 
ضجيجاء وكأن آلاف الأجنحة ترفرف في المكان. 

قال درافيتش "اعتقدت أنكما ستسعدان برؤية هذاء خصوصا أنه لن تكون لديكما 
فرصة لتخبرا به أي شخص". 

كانت هذه النبرة المخيفة في صوته تثير رعب تاراء حتى أنها تراجعت خطوة 
وراء دانيل» مما جعل در افيتش يتراجع؛ وينظر إلى الوادي» ويخرج سيجارا من 
جيبه؛ ويضعه في قمه. 

استأئف درافيتش حديثه 'لقد عثرنا على المكان بسهولة كبيرة؛ فقد كنت متخوفا من 
عدم دقة القياسات في المقبرة» كما هي العادة في النصوص القديمة» ولكن صديقنا 
ديماكوس أشار إلى المكان في محيط لا يتعدى كيلومترات: وهو ما أدهشنيء إذا أخذنا في 
الاعتبار عدم وجود أي أدوات تكنولوجية متطورة في ذلك الوقت". أشعل درافيتش 
السيجارء وراح ينفث الدخان» مثيرا صوت طقطقة كلما انطبقت شفتاه على السيجار. لقد 
أجرينا بحثا جويا على المنطقة في الصباح الباكرء وحددنا المكان في غضون ساعة. لقد 
كانت الأيام الأربعة الماضية خالية من الإثارة» وكنت أتوقع مزيدا من الأحداث الدرامية". 

247 


إلى اليمين كان هناك دراجتان ناريتان أسفل الكثيب الرملي تخترق إطاراتهما 
الرمال. 

استطرد درافيشش قائلا "كل شيء سار كما هو مخطط له". ثم ابتسم ابتسامة 
عريضة متباهيا بنجاحه "بل أفضل مما هو مخطط له» فقد أحضرنا معدات كافية: 
وهناك المزيد في الطريق» وقد عثرنا بالفعل على بعض النقوش على الصخرة» ولابد 
أن الجيش بالقرب من هنا. كل ما علينا فعله هو العثور عليه» وهو ما سيحدث في 
غضون بضع ساعات حسبما أعتقد". 

أجاب دانيل 'ربما الأمر ليس بهذه السهولة» فأنت تعرف أن هذه الكثبان تتغير 
دوماء والله وحده يعلم مقدار الرمال الموجودة فوق هذا الجيش بعد مرور أكثر من 
لفين وخمسمائة عام عليه في هذه الصحراءء ربما يكون على عمق خمسين مترا أو 
أكثرء وهو ما قد يجعلك تحفر أسابيع طويلة دون أن تتمكن من العثور عليه". 

قال درافيتش "'ربما تكون محقا إذا ما استخدمنا الطرق التقليدية» ولكننا نملك 
معدات حديثة هنا". وأشار إلى الأنابيب الخمسة الموجودة في الأسفل بجوار الصخرة 
الكبيرة. لاحظت تارا أن هناك رجلين يقفان عند طرفي كل أنبوب حيث يشفط الأنبوب 
الرمال من ناحية ويخرجها من الناحية الأخرى. 

أوضح در افيتش "إن هذه الأنابيب هي شفاطات للرمالء ويستخدمونها في الخليج 
لتنظيف ممر ات الطائرات وخطوط البترولء» وهي تعمل كالمكنسة العادية تمامأ» حيث 
تشفط الرمال وتخرجها من الناحية الأخرى إلى الجانب الآخر من الكثيب الرملي. 
ويعمل الأنبوب الواحد بسعة مئة طن في الساعة» ولذا أعتقد أننا سنعثر على الجيش 
أسرع مما تعتقد يا دانيل". ئ 
سنرى يا درافيتش» لن تتمكن من إخفاء عملية بهذا الحجم لفترة طويلة". 

ضحك در افیتش» وعقد ذراعيه خلف ظهره:ء وقال "من عساه يرانا هنا؟ نحن في 
وسط الصحراءء وتقع أقرب منطقة مأهولة على بعد مائتين وعشرين كيلومتراء ولا 
توجد رحلات تجارية تمر من هنا. إن حججك واهية يا دانيل. أنت تناقض نفسك. 
فجزء منك يتمنى لي الفشل في هذه المهمةء ولكن الجزء الآخر بداخلك كعالم آثار 
يريد لي النجاح . 

'أنا لست مهتما بهذا الجيش اللعين". 

'أنت تكذب يا دانيل» فأنت مهتم مثلى تماما بمعرفة ما يوجد أسفل هذه الرمال؛ 
فنحن نشبه بعضنا تماما". 


248 


"لا تخدع نفسك يا درافيتش". 
'نعمء يا دائيل نحن كذلك. فنحن نعيش للماضي» ونسعى كثيرا لكشف أسراره؛ 
وبالأسفل يوجد جيش مدفون. ولابد من العثور عليه ليكون ملكنا لأننا لا نتحمل بقاء 
هذه الأشياء مختفية. أنا أدرى منك بنفسك يا دانيل» فأنت مهتم بهذا الجيش أكثر من 
اأهتمامك بحباتك وحباة صديقتك” . 

'ما هذا الهراء؟" 

'أتعتقد ذلك يا دانيل؟ يمكنني قطع رقبتها أمامك الآن» وستجد أن جزءا بداخلك لا 
يزال يريد لي النجاح في مهمتي. نه إدمان يا دانيلء إدمان لا علاج منه» ونحن 
الاثنان نعاني منه". 

أخذ دانيل يحدق به لوهلة» حتى شعرت تارا أن درافيتش قد لمس جانبا في 
شخصبة دانيل غالبا ما حاول كتمانه» ولكن سر عان ما أفاق دانيل من هذه الحالةء 
وقال "عليك اللعنة يا درافيتش". 
ظ ابتسم درافيتشء وقال "دعني أؤكد لك أن أي لعنة ستنزل هنا سأكون أنا من 

أنزلها". 

اقترب درافيتش من تاراء ثم أشار للحراس باصطحابها ودانيل إلى الخيمة مرة 
أخرى. 

نادى عليهما درافيتش بصوت مرتفع قائلا "لا تفكرا بالهروبء فلو لم تقتلكما 
الحرارة فستموتان غرقا في الرمال المتحركة المنتشرة في المكان؛ وربما هذه هي 
الطريقة التي أفضلها لموتكماء فهي أكثر إمتاعا من مجرد رصاصة تخترق رأسيكما". 

استدار درافيتش مرة أخرى نحو مكان الحفرء حيث بدأ الرجال يسلون أنفسهم 
بالغناء أثناء عملهم. 


249 


32 


الأقصرء تلال طيبة 


كان هناك مكان يذهب إليه خليفة دائما عندما يريد التفكيرء وهو مكان يقع في 
تلال طيبة» أسفل ظل مرتفع القرن» اكتشفه منذ سنوات عديدة عندما أتى إلى الأقصر 
للمرة الأولى» إنه عبارة عن مكان على شكل كرسي محفورة في الصخر في منحدر 
منخفض وسط الجبل يطل على وادي الملوك. غالبا ما كان يجلس هناك لساعات 
طويلة؛ يفكر في سكون تام» حتى يتخلص مما يؤرقه؛ ويصفي ذهنه» وترتفع روحه 
المعنويةء ولذا كان يطلق على هذا المكان اسم كرسي التفكيرء وهو أكثر مكان في 
العالم كان يشعر فيه بالقرب من نفسه ومن الله. 

كانت حدة أشعة حرارة الشمس قد خفت عندما توجّه إلى هناك؛ فجلس وظهره 
إلى الحجر الجيري البارد ينظر إلى التلال المكسوة بأشعة الشمس الصفراء. بالأسفل 
كان يرى الأشخاص يتجولون في الوادي وهم أشبه بالنمل. 

بعد لقائه حساني» شعر خليفة بضيق شديدء وقرر أن يرفض الترقية» ويستمر في 
عمله على القضية» حيث إن حياة شخصين في خطرء هذا إن كانا لا يزالان على قيد 
الحياة أصلاء فضلا عن عدم قدرته على نسيان مصرع الثلاثة الآخرين ناير وسليمان 
وإكبار بالإضافة إلى موضوع أخيه علي أيضا. 

على الرغم من هذه الحقائق» إلا أن الشكوك وجدت طريقها إلى نفسه؛ فالأمر 
ليس فيلما سينمائيا سينتهي نهاية سعيدة» بل إنه حقيقة واقعة يراها ماثلة أمامه» ولا 
يتمالك نفسه من الشعور بالخوف حيالها. 

لا شك أن مواجهة سيف الثأر هي خطر داهم في حد ذاتهاء فما بالك بمزيد 
من الأعداءء لا يعرف من هم وماذا يريدون؟ ولكن من المؤكد أن لديهم نفوذا 
واسعا لدرجة أرعبت حساني نفسه. ( 


250 


لقد قال حساني ليس لدي ما أفعله لحمايتك يا خليفة» وبالطبع لم يكن يقصد حماية 
مستقبله المهنيء وإنما يقصد حياته وحياة أسرته على الأرجح. هل سيكون أمرا 
صحيحا تعريض حياة أحبائه للخطر؟ فهو لا يدين بشيء لناير أو إكبار أو سليمان أو 
تارا أو دانيل» ولكن ماذا عن علي؟ بالطبع. > كان ذلك مؤلما له» ولكن هل يستحق عناء 
ذلك؟ ربما يتعين عليه التخلي عن القضية» وقبول الترقية» والذهاب إلى الإسما 
بالتأكبد سيكر ه نفسه إن فعل ذلك» ولكنه على ل م ل ألقى 
خليفة بسيجارته بعيداء ثم أخذ ينظر إلى بعض الرموز الهيروغليفية المنقوشة على 
جانب المنحدر بجوار الكرسي. كانت هناك ثلاثة أشكال واحد لحورمحب وآخر 
لرمسيس الأول وثالث لسيتي الأول» وأسفلها مباشرة نقش لشخص ما يدعو نفسه كاتب 
آمون» ابن إبوء وهو على الأرجح أحد العاملين في المقابر القديمة الذي جلس في نفس 
هذا المكان منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام مستمتعا بهذا المنظر - مثل خليفة تماما - 
وهذا الهدوء الكامل»ء وربما كان يشعر بنفس الأحاسيس. انحنى خليفة للأمام قليلا؛ 
ولمس النقش قائلا "أخبرني أين الحقيقة أخبرني يا ابن إبو أعطني علامة لأنني...". 

توقف خليفة عن الحديث؛ عندما سمع وقع أقدام على الصخورء فاستدار ونظر› 
وإذا برجل رث الثياب والهيئة يُحدّق به من فوق صخرة على بعد عدة أمتار. 

"أسف» آسف". قال الرجل بالعربية وهو يضرب رأسه. كان الرجل يربط طرف 
جلبابه على شكل أنشوطة عند حصره» ويحرك قدميه الرفيعتين على حافة الصخرة 
في طريقه نحو خليفة فوق الصخور الصغيرة المهشمة. 

قال الرجل "أتتحدث إلى الأشبا-؟ أنا أتحدث إليها أيضاء فالتلال مليئة بالأشباح. 

آلاف الأشباح بل ملايين الأشباح» بعضها طيب وبعضها شرير وبعضها مثير للمتاعب 
كما رأيت". 

جثا الرجل على الأرض» وأخذ يتقدم حتى وصل تحت قدمي خليفةء وقال "أنا 
أعيش مع الأشباح» وأعرفها جيداء فهي منتشرة في کل مکان". وأشار خلف رأس 
خليفة قائلا 'فهنا واحدء وهناك آخرء وذاك ثالث". وأخذ يشير في كل الاتجاهات» ثم 
أشار بيده قائلا "مرحبا أيتها الأشباح» إنها تعرفني وهي جائعة مثلي» جائعة للغاية". 
فتش الرجل في طيات ملابسه؛ ثم أخرج شيئا ملفوفا في ورقء وقال "أتريد جعلا ذا 
جودة عالية؟" 

ليس اليوم يا صديقي . 

"انظر» انظرء إنه الأفضل فى مص اد انظر أرجوك". 

251 


كرر خليفة نفس الجملة مرة أخرى" ليس اليوم يا صديقي". 

نظر الرجل حوله؛ ثم اقترب من خليفة» وتحدث بصوت خافت "أتحب الآثار؟ 
لدي آثار جيدة للغاية". 

قال خليفة "انتبه لما تقوله يا رجل» فأنا شرطي'. 

تلاشت ابتسامة الرجلء وقال "إنها مزيفة» لقد صنعتها بنفسي . 

أومأ خليفة برأسه؛ ثم أخرج سيجارة» وأشعلها. أخذ الرجل يحدق بهء وكأنه كلب 
ينتظر طعامه. شعر خليفة بالأسى لحال الرجلء فأعطاه علبة السجائر. 

'خذهاء وارحل فأنا أريد الإختلاء بنفسي". 

أخذ الرجل السجائرء وشكر خليفة قائلا "أنت رجل طيبء إن الأشباح تحبكء لقد 
أخبرتني بذلكء إنها تحبك جدا". ووضع يده عند أذنه» وكأنه يستمع إلى الأشباح 'إنها 
تقول إنه يمكنك المجيء إليها عندما تواجه أي مشكلة» وستعطيك حلولا لهاء وستحميك 
أيضا". وضع الرجل السجائر في جيبه» ثم نهض قائلا "أتريد مرشدا سياحيا؟" 

"لاء أريدك أن تتركني وحدي". 

سكك 1363م انطترقك تك امتكد غير مكتزاث الللشخزر! الحادة أسفل قدميه 
العا ن 

'أتريد رؤية وادي الملوك» وحتشبسوتء ومقابر النبلاء أنا أعرف كل الأماكن 
هناء وسأرشدك إليها بثمن رخيص للغاية". 

ربما مرة أخرى يا صديقي» ليس اليوم". 

'سأريك أماكن لم يرّها أحد من قبلء أماكن رائعة وذات خصوصية". 

أشاح خليفة بوجهه نحو التلال الخاوية» بينما مضى الرجل المجنون في 
طريقه» حتى انزوى خلف صخرة مرتفعة» وهو يردد 'يمكنني اصطحابك إلى 
أماكن سرية". 

لم يعره خليفة اهتماما. 

'مقبرة جديدة لم يرها أحد؛ إنها رائعة". 

اختفى الرجل خلف الصخرة المرتفعة. 

خيّم الصمت لوهلة؛ قبل أن ينهض خليفة فجأة» وينادي على الرجل "انتظر". 
تردد دوي الصوت في المكان الهادئ؛ "انتظرء انتظر !" 

هرول خليفة وراء الرجل الذي توقف عند سماع النداء. 

"هل قلت مقبرة جديدة لم برها أحد من قبل؟" 


252 


صفق الرجل بيديه قائلا "أنا من اكتشفهاء إنها سر؛ وقد اصطحبتني الأشباح 

إليها. أتريد رؤيتها؟" 
. قال خليفة» ونبضات قلبه تتسابق 'نعم أود ذلك» اصطحبني إليها". 

ربت خليفة على كتف الرجل» ومضيا في طريقهما عبر التلال. 

في بادئ الأمرء لم يكن خليفة متأكدا مما إذا كانت هذه المقبرة هي نفسها التي 
اكتشفها ناير أو لاء فكما أوضح البروفيسور المصري فهذه التلال مليئة بحفريات 
قديمة وربما يكون الرجل المجنون قد رأى مقبرة أخرى مختلفة تماما عما يريده 

بعد تفكير طويلء أقنع خليفة الرجل بأن يريه القطع الأثرية التي بحوزته. 
وعندها تلاشت كل الشكوك. لقد كانت ثلاثة تماثيل طبق الأصل عن تلك التي وجدها 
خليفة في محل إكبارء بالإضافة إلى وعاء من التراكوتاء يحمل وجه إيبيس ومطابقا 
تماما لما وجده في المحل. أرجع خليفة القطع الأثرية للرجل» وأخذ يبحث عن علبة 
السجائر حتى تذكر أنه أعطاها له قبل قليل. 

٠‏ "هل لي بسيجارة؟" 

"لاء إنها لي". 

استغرقهما الأمر ساعة للوصول إلى أعلى الأخدود؛ وثلاثين دقيقة أخرى 
للوصول إلى مدخل المقبرة» وكان الجزء الأخير الذي نزله ... على بعد ستة أمتار 
من الصخرة المقابلة لمدخل المقبرة هو الأصعب عليه لأنه دوما ما كان يكره 
المرتفعات على عكس الرجل المجنون الذي هبط دون أدنى خوف» أما خليفة فقد 
استغرقه الأمر خمس دقائق حتى يستجمع شجاعته»ء ويبدأ في الهبوط ببطء شديد 
متحركا كالسلحفاة. 

أخذ خليفة يقول وهو يهبط "اللهم احمنيء اللهم ارحمني". 

'هياء هيا". ردد الرجل المجنون» وهو يضحكء ويهبط بسرعة شديدة "ها هي 
. المقبرة ألا تريد رؤيتها؟" 

أخيرا» وصل خليفة إلى مدخل المقبرة عبر حائط الممرء وهو بالكاد يلتقط 
أنفاسه. 

'أعطني سيجارة» ولا تجادلنيء وإلا ألقيت القبض عليك بتهمة حيازة آثار مسروقة". 

لم يتردد الرجل في إعطائه السيجارة» فأشعلها خليفة» وأخذ منها نفسا عميقاء 
وهو يغمض عينيه لدقيفتين؛ ثم فتحهما تانية. 

203 


كان شعاع ضئيل من الشمس يشق المقبرة عبر المدخل منيرا المدخل غير أن 
الظلام كسا غرفة الدفن بالأسفل. 

سأل خليفة» وهو ينظر حوله 'كيف عثرت عليها؟' 

القد أرشدتني الأشباح إليها منذ سبعة أو عشرة أيام فقطء وأخبرتني أن بها شيئا 
خاصاء ولذا أتيت إلى هنا لأجد هذه المقبرة الرائعة التي هي في غاية السرية 
والخصوصية". 

قفز الرجل المجنون إلى المدخل» وأشار إلى الفتحة التي دخلا منهاء وقال "انظر 
هناء عندما أتيت للمرة الأرلىء كان هناك حائط كبيرء يغطي الباب حتى أنك لم تكن 
لترى ما بالداخل» ولكنني حفرت أسفل الجدارء وتمكنت من الدخول تماما كما أخبرتني 
الأشباح. إنها مقبرة سرية ورائعة» ولكنني لم أتمالك نفسي من الدخول أكثر وأكثر". 

أصبح الرجل المجنون يتحدث بوتيرة أسرع حينئذء وسار عبر الممرء وخليفة 

"هناك غرفة مظلمة كالليل البهيم بالأسفل» قمت بإشعال عود ثقاب» ورأيت الكثير 
من الأشياء بالداخلء مئات الأشياء الرائعة والساحرةء إنها مسكن للأشباح؟" 

في تلك الأثناءء كان الاثنان يقفان عند باب غرفة الدفنء واستطاع خليفة بعد أن 
اعتادت عيناه على الظلام في المقبرة رؤية بعض الألوان والأشكال على الجدار 
المقابل. 

"إنها مليئة بالكنوزء وقد مكثت هنا ليلة كاملة» ونمت مع هذه الكنوزء» وشعرت 
وكأنني ملك متوج تنتابني الكثير من الأحلام وتتلاعب الأفكار برأسيء وكأنني فوق 
العالم بأسرهء وأرى كل شيء". قفز الرجل إلى الغرفة» وقال "أخبرت صديقي بهذه 
الأشياء بعد ذلك". 

ر ا 

انعم» أحيانا يأتي إلى هناء عندما يكون متعباء ونمشي معاء ويعطيني سجائر. هذه 
هي صورته . 

أشار الرجل المجنون إلى معصمه الأيسرء فوجد خليفة نفس الوشم الذي كان 
على معصم ناير» وحينها بدأ خليفة يدرك الأمور. 

القد أخبرت صديقي عما أخبرتني به الأشباح» فطلب مني اصطحابه إلى المقبرة: 
فضحك كثيراء وقال سنصبح أنا وأنت من الأغنياء» وسنعيش كالملوك. أخبرني 
صديقي أنه سيأخذ منها بعض الأشياء ليريها لرفاقه» وسيشتري لي تلفازاء ولكنني لابد 


204 


أن أتوقف عن المجيء إلى هنا وأن لا أنبس ببنت شفة عن هذه المقبرة» ولكن صديقي 
لم يعد مرة أخرى» ثم أتى آخرون ليلاء وأنا وحدي أنتظره ليحضر لي لتلفاز ؛ وأشعر 
بجوع شديد؛ وليس لي مؤنس إلا الأشباح". 

دخل الرجل المجنون إلى لغرفة» وأخذ يضع يده على الجدران؛ ثم تبعه خليفة 
ملاحظا الدمار الذي أصاب الجدار الأيسر من الباب وانحنى ليلتقط بقايا الأحجار: 
وهو يشعر بالأسى على هذا التخريب الوحشي. 

الآن اتضحت الصورة لخليفة تماماء فقد عثر الرجل المجنون على المقبرة» ثم 
أخبر ناير بالأمرء الذي أخذ منها بعض القطعء؛ ومن بينها على الأرجح قطعة من 
الجدار المّهدّم؛ ثم علم سيف الثأر بالأمرء وقتل ناير والبقية لا تخفى على أحد. 

بعد أن اعتادت عيناه على الظلمة» أصبح خليفة قادرا على رؤية النقوش بوضوح 
الآن»ء على الرغم من الظلام الذي يغطي جانبي الغرفةء وكأنهما مكسوان بستاثر سوداء. 
جلس الرجل المجنون على الأرضء وهو ينظر إلى خليفة» ويتمتم ببعض الكلمات. 

سأله خليفة "هل عدت إلى هنا مرة أخرى بعد أن عثرت على المقبرة؟" 

هن الرجل رأسه وقال 'لقد كنت مختبئا وسط الصخورء وكأنني صخرة تماماء 
ورأيت كل شيء» فقد أتوا ليلاء وأخذوا أشياء كثيرة من المقبرة» كل ليلة كانوا يأخذون 
منها شيئا". 

'وماذا عن ليلة أمس؟' 

'لقد حضروا بالأمسء ثم ذهبواء وحضر شخصان أآخران. رجل وسيدة بيضاء 
البشرة كنت قد رأيتهما من قبل» دخلا إلى المقبرة ثم اختفيا". 

'أتقصد أنهما لقيا مصرعهما؟" 


6 هر الرجل كتفيه. 
كرر خليفة السؤال مرة أ 

"لا أدري: ربما هما عل 8 قيد الحياة أو لاء الرجل الذي رأيته..." 
'ماذا؟" 


لم يكمل الرجل جملته» وأخذ يرسم أشكالا على الأرض بإصبعه. 
استدار خليفةء ونظر إلى الجدران مرة أخرى مستخدما القداحة ليرى النقوش 
التي تصعب رؤيتها في ضوء الشمس. أمضى خليفة وقتا طويلا ينظر إلى اللوحة التي 
أعجبت دانيل» ثم نظر إلى حاويات الأعضاء وإلى أشكال الرجلين الفارسيين واليوناني 
الواقف أمام منضدة الفاكهة» بينما أنوبيس يزن قلب الميت. 
255 


ظسل خليفة يتفحص كل بوصة على الجدار» حتى بدأت القداحة تخفت وما لبث 
ضوؤها أن تلاشى تماما مع انتهائه من فحص النقوش. وضع خليفة القداحة في جيبهء 
ثم عاد مرة أخرى إلى الجزء الذي تضيئه أشعة الشمس. 

همس خليفة 'إنها رائعة» رائعة للغاية". 

نظر إليه الرجل المجنونء» وقال 'لقد كان هناك جيش غرق في الرمال". 

أجاب خليفة» وهو يربت على كتف الرجل "أعرف ذلك يا صديقيء والآن أريد 
معرفة مكانه . 

كان مقر جامعة شيكاغو للبعثات الأثرية يقع وسط ثلاثة فدادين من الحدائق 
الزاهرة على كورنيش النيل بين معبدي الأقصر والكرنك. كان المبنى يشبه المزرعة 
المليئة بالساحات والممرات وصفوف الأشجار حيث يتم فتح المقر ستة أشهر في العام 
لاستضافة علماء المصريات والفنانين والدارسين والباحثين. كان بعضهم يجري 
دراسات خاصة: بينما الأغلبية يعملون في بهو معبد جينيت حابو» حيث تمّ تسجيل 
النقوش والرسوم على مدار أكثر من 75 عاما. 

كان الوقت يشير إلى الظهيرة؛ عندما وصل خليفة إلى البوابة الأمامية» وأظهر 
للحارس بطاقته» فقام الحارس بإجراء مكالمة هاتفية» وما هي إلا بضع دقائق حتى جاءت 
فتاة أمريكية» وقابلت خليفة الذي أوضح لها أنه يرغب في رؤية البروفيسور الزهير. 

دخل خليفة إلى المقرء وقالت له الفتاة الأمريكية "إن البروفيسور الزهير شخص 
عزيز علينا جميعا يأتي إلى هنا كل عام» ويحب الجلوس في المكتبة حتى أننا نعتبره 
جزءا منها". 

'لقد سمعت أنه مر بأزمة صحية". 

'إنه يعاني صحيا في بعض الأوقات» ولكنه بخير الآن". 

مر خليفة وبجواره الفتاة عبر ممر مليء بالأشجار عند مقدمة المبنى» والهواء 
تفوح منه رائحة نبات الخباري والياسمين والعشب المجزوز حديثا. على الرغم من 
وجه الشبه بين المقر والطريق المرصوفة إلا أن المقر كان أكثر هدوءا. فلم يكن هناك 
من صوت سوى تغريد الطيور وصوت رشاشات المياه التي تروي العشب. 

اصطحبت الفتاة خليفة عبر صفوف الأشجار إلى ساحة كبيرة تطل على 
مجموعة من الحدائق في مؤخر المقر. 

أشارت الفتاة إلى رجل يجلس في ظل شجرة سنط طويلةء وقالت "إنه وقت 
قيلولته» ولكن لا بأس إن أيقظته فهو يحب الزوارء سأحضر لكما بعض الشاي". 


290 


استدارت الفتاة» وعادت مرة أخرى إلى المقرء بينما توجّه خليفة إلى الرجل الذي 
كان غارقا في كرسيه» وذقنه يلامس صدره. كان الرجل صغير الحجم» أقرع» ومجعد 
الوجه» وعلى يده وفروة رأسه بقع حمراءء ولديه أذنان كبيرتان تلمعان بشدة تحت 
أشعة الظهيرة. على الرغم من الحرارةء إلا أن الرجل كان يرتدي حلة صوفية. جلس 
خليفة إلى جواره» وهز دراعه برفق قائلا 'بروفيسور الزهير؟ | 

همس البروفيسور ببعض الكلمات» ثم سعل» وبعد ذلك فتح عينيه ببطء واحدة تلو 
الأخرى» واستدار نحو خليفة ببطءء وكأنه سلحفاة. 

قال البروفيسور بصوت ضعيف "أهذا وقت الشاي؟" 

'سيحضر ونه الآن يا سيدي". 

'ماذا؟" 

كرر خليفة نفس الجملة؛» ولكن بصوت أعلى هذه المرة. 

رفع الزهير معصمه الأيمن» ونظر إلى الساعة قائلا "ما زال الوقت مبكرا على 
الشاي"'. 

'لقد أتيت للتحدث معك في أمر ماء وأنا صديق للبروفيسور الحبيب". 

قال الرجل "إنه يعتقد أنني عجوز خرفء وهو محق". بسط الرجل يده المهتزة 
وقال "أنا البروفيسور الزهير". 

بسط خليفة يده أيضاء وقال "أنا يوسف خليفة» وقد درست على يد البروفيسور 
الحبيب» و أعمل محققا الآن". 

استدار الزهير في كرسيه قليلا ويده اليسرى فوق قدمه لا تتحرك؛ مما لفت انتباه 

لاحظ الرجل نظرة خليفةء فقال له "إنها من أثر السكتة الدماغية التي تعرضت لها". 

"أسف» لم أقصد أن...". 

"لا عليك فهناك أمور أسوأء كأن تتعلم على يد الحبيب مثلا". ابتسم الرجل 

ابتسامة عريضة حتى ظهر فمه الخالي من الأسنان. "كيف حال الحبيب؟' 

'ابخيرء ويبعث لك بتحياته". 

'أشك في ذلك". 

أشى رجل يحمل كوبين من الشاي» وضعهما على منضدة بين الرجلين» ولم 
يستطع البروفيسور بسط يده لأخذ كوبه»ء فناوله خليفة إياه. أخذ الرجل العجوز يرتشف 
الشاي بصوت مرتفع ومن خلفهما يصدر صوت مباراة كرة مضرب. 


257 


"ما اسمك مرة أخرى؟" 

بو سف خليفةء وأود التحدث معك عن جيش قمبيز". 

رشف الرجل رشفة أخرى بصوت مرتفعء وقال "جيش قمبيز؟ 

'لقد أخبرني البروفيسور الحبيب أنك أقدر شخص على إخباري بذلك". 

بالطبع» أنا أعرفه أكثر منه» ولكن ليس لهذه الدرجة". 

أنهي البروفيسور الشاي» وأعطى الكوب لخليفة ليضعه على المنضدة. جلس 
الاثنان في صمت لوهلة:؛ نم بدأ النعاس يبدو على الرجل مرة أخرى؛ وكأنه مصنوع 
من الشمع الذي يذوب تحت حرارة الشمس. فجأة عطس الرجلء واستقر جالساء 
وأخرج منديلا من جيبه» ونظف أنفه» ثم قال 'ما الذي تريد معرفته عن جيش قمبيز؟ 

أخرج خليفة علبة السجائر التي اشتراها من الضفة الغربية في طريقه للمقرء 
وأشعل سيجارة: وقال "أريد معرفة ما لديك إنه مفقود في بحر الرمال الأعظم» أليس 
كذلك؟" 

أومأ البروفيسور إيجابا. 

"هل يمكن أن نكون أكثر تحديدا". 

"طبقا لما أورده هيرودوس» فالجيش المفقود في مكان ما بين الواحة وأرض 
أتباع آمون". عطس الرجل مرة أخرىء ثم استطرد قائلا 'والواحة هذه تشير إلى واحة 
الخارجة على الرغم من أن البعض يؤكدون أنها الفرافرة» في الحقيقة» إنني لا أعرف 
أيهما الصواب. بالنسبة لأرض أتباع آمون فهي واحة سيوة في بقعة ما بين المكانين» 
هذا على حد قول هيرودوس . ؤ 

"هل هيرودوس هو مصدر المعلومات الوحيد؛ 

'للاسف نعمء ويردد البغض أن هذا الأمر من بنات أفكاره". 

أخذ الرجل يحاول وضع المنديل في جيب السترة مرة أخرى دون فائدة حتى نفد 
صبره؛ فوضعه في كم السترة الأيسر. كان هناك وقع أقدام خلفهماء حيث أنهى 
اللاعبان مباراة كرة المضربء وتوجها عائدين إلى المقر. قال البروفيسور 'لعبة 
س خبفةء ما الفائدة من ضرب الكرة جيئة وذهابا فوق شبكة؟ هذه هي طبيعة الأشياء 
التي يخترعها الإنكليز ". 

أخذ البروفيسور يهز رأسه المتجعدء وخيّم الصمت لوهلة. 

أخيرا قال البروفيسور "لا أمانع بأخذ سيجارة منك". 

'متأسف» كان يتعين علي تقديمها لك منذ البداية". 


258 


أعطاه خليفة السيجارة؛ وأشعلها له» وأخذ الرجل العجوز نفسا عميقا. 

ارائع» لقد منعني الأطباء عنها بعد السكتة الدماغيةء ولكنني أعتقد أن واحدة لن تضر". 

في البدايةء أخذ الرجل نفسا تلو الآخر في صمت تام وعلى وجهه علامات 
التركيز التامء ولم يتحدث إلا بعد ان أوشكت السيجارة على الانتهاء. 

'على الأرجح أن رياح الخماسين هي التي قضت على هذا الجيشء أو ما 
يدعونها رياح الصحراءء فهي عاتية وخاصة في فصل الربيع. حاول الكثيرون -العقور 
على هذا الجيش منذ لحظة فقدانه» بدءا من قمبيز نفسه ووصولا إلى الاسكندر الأكبر 
والرومان ولكن الأمر كان أشبه بالإلدورادو المفقودة". 

'وهل بحثت أنت عنه يا بروفيسور؟" 

نظر الرجل إلى خليفةء وقال "كم تعتقد أنني أبلغ من العمر؟ 

شعر خليفة بالحرجء ولم ينبس بكلمة. 

'هياء قلها . 

أسبعون ؟" 

'أنت تجاملنيء أنا أبلغ ثلاثة وثمانين عاماء قضيت منها خمسة وستين عاما في 
الصحراء الغربية» أبحث عن هذا الجيش اللعين» وهل تعرف ماذا وجدت طوال هذه 
السنين؟" 

'رمال! هذا هو ما وجدتهء آلاف الأطنان من الرمال» لقد عثرت على رمال أكثر 
من أي عالم آثار في التاريخ» ولذا أصبحت خبيرا بها". 

أخذ الرجل النفس الأخير من السيجارةء ثم أطفأها في يد الكرسي قبل أن يلقي 
بها في كوب الشاي . 

'ينبغي ألا تترك بقايا السجائر على الأرض فستضر بالمنظر الجميل للحديقةء 
اليس كذلك؟” ظ 

'بالطبع يا سيدي . 

"إن الوقت الذي أقضيه هنا رائع. إن المكتبة رائعة» ولكنني أحب الحديقة فهي 
هادئة للغاية» وأتمنى الموت بها إن أمكن". 

"أنا متأكد...". 

قاطعه البروفيسور قائلا "اسمعني أيها الشاب» إنني رجل عجوز ومريض› 
وأتمنى أن أموت هنا على هذا الكرسي في ظل هذه الشجرة الجميلة". 

259 


أخذ البروفيسور يسعلء بينما عاد الرجل الذي أحضر لهما الشاي قبل قليل وأخذ 
الكوبين مرة أخرى. 

سأل خليفة 'لم يتم العثور على أثر لهذا الجيش؛ وليست هناك أي علامة تشير 
إلى مكانه» أليس كذلك؟" ظ 

بدا البروفيسور غير مكترث بما يقوله خليفة فقد كان مشغولا بحك دراعه بيد 
الكرسي وهو يهمس بشيء ما. 

'بروفيسور الزهير” 

نعم . 

لم يتم العثور على أثر لهذا الجيش» اليس كذلك؟' 

"هناك كثيرون يقولون إنهم يعرفون مكانه» وكانت هناك بعثة منذ عدة سنوات 
اعتقد أفرادها أنهم عثروا عليهء ولكن الأمر لا يعدو عن كونه محض قيل وقال» مجرد 
نظريات بالية متى أخضعتها للأدلة العملية ثبت فشلها”. أدخل البروفيسور إصبعه في 
إذنه عابثا بهاء وقال الم يكن هناك سوى هذا الأمريكي". 

"الأمريكي؟' 

"إنه رجل لطيف تغمره روح المغامرة» ظل يعمل هناك بمفرده» حتى وضع 
نظرية تفيد بوجود هرم بجوار الجيش . 

'هر؟" 

اليس هرما بالمعنى الحرفي» وإنما مجرد بروز مرتفع لصخرة على شكل هرم» 
هذا هو ما قاله وأكد كلامه بعثوره على بعض النقوش على هذه الصخرة»ء وكان مقتنعا 
تماما بأن هذه النقوش رسمها جنود الجيش المفقود. لقد اتصل بي من سيوة» وأخبرني 
أنه اكتشف بعض الآثار» وأنه أرسل لى بعض الصور؛ ولكنها لم تصلني قط. بعد ذلك 
بشهرين» عثروا على سيارته الجيب محترقة وهو بداخلها. كان أسمه جون كادي 
رجل لطيف تسيطر عليه روح المغامرة. 

"هل تتذكر أين كان يحفر هذا الرجل؟" 

'في مكان ما في الصحراء". بدت علامات التعب على البروفيسورء ولكنه استمر 
في الحديث» "إنه مكان فسيح هناك؛ وقد أمضيت هناك وقتا كافيا. لقد أكد أن الجيش 
مدفون بجوار الهرمء وقد اعتقدت لوهلة أنه اكتشف شيئا ذا قيمة» ولكن للأسف 
تعرض الرجل لهذه الحادثة المفجعة. ياله من أمر مؤسف» لن يتم اكتشاف هذا الجيش 
أبداء إنه حلم زائف وخيال زائل". 


260 


أخذ صوت الرجل يخفت أكثر وأكثر حتى تلاشى تماماء وغط الرجل في نوم 
عميق. ظل خليفة ينظر إليه لوهلةء ثم نهض وعاد إلى المقر مرة أخرى. 

تعتبر مكتبة مقر جامعة شيكاغو أفضل مكتبة لعلم المصريات خارج القاهرة 
حيث تتكون من حجرتين مطليتين باللون الأبيضء تقعان في الطابق الأرضي. وهي 
ذات سقف مرتفع»› ورفوف معدنية» وتسود بها رائحة طلاء وأوراق قديمة. أظهر 
خليفة بطاقته للمسؤول عن المكتبة» وأخبره بسبب قدومه. 

كان المسؤول عن المكتبة شابا أمريكيا كث اللحيةء يضع نظارة ذات عدستين 
مستديرتين: أخبره خليفة عمّا يبحث عنه» فأخذ يحك لحيته» وهو يفكر بعمق» ثم قال 
'بالتأكيد لدينا هنا أشياء مفيدة لكء هل تجيد الألمانية؟" 

نطق الرجل اسم كتاب بالألمانية» وقال لخليفة "هذا الكتاب من أفضل الكتب عن 
الصحراء الغربية على الرغم من أنه يعود إلى مئة سنة مضتء ولكن لم تتم ترجمتهء 
ولذا لن يكون ذا فائدة. هناك بعض المؤلفات بالعربية والإنكليزية ولدينا كذلك بعض 
الخرائط الرائعة والمسوحات الجويةء دعني أرى ما يمكنني تقديمه لك". 
دخل الرجل إلى غرفة جانبية؛ بينما خليفة يقف إلى جوار رف مليء بالمجلدات التي 
تتناول علم المصريات منذ أيامه الأولى؛ أبحاث بيلزوني في مصر والنوبة وكتاب 
روزاليك عن الآثار في مصر والنوبة» والمجلدات الاثنا عشر ليبسوس وينكمالار عن 
مصر وأثيوبيا. مرر خليفة أصابعه وسط هذه المجلدات» وأخرج نسخة من كتاب درافيتش 
عن الرسوم المصرية القديمة» ووضعه على مقدمة الرف» وفتحه برفق» وظل يقرأ فيه 
لمدة عشرين دقيقة» حتى عاد المسؤول عن المكتبة» وربت على كتف خليفة برفق. 

'القد وضعت بعض الكتب لك في غرفة القراءة على المنضدة المجاورة للنافدة» 
وهي بالتأكيد لا تغطي الموضوع برمته» ولكنها كافية للبدء في البحث؛» رجاء استدعني 
إذا احتجت لشيء؛ ولكنني أفضل أن تهمس لي على اعتبار أننا في مكتبة". 

ابتسم الرجلء وعاد إلى مكتبه مرة أخرىء بينما وضع خليفة كتاب درافيتش, 
وتوجّه إلى الغرفة المجاورة» حيث توجد رفوف على الجانبين» ومناضد في الوسطء 
ونظر إلى المنضدة التي خصصها الرجل لهء وإذ بها تعج بصفين من الكتب» فما كان 
منه إلا أن جلس وأخذ المجلد الأول الموجود في أعلى الصف الأقرب. 

مضت ثلاث ساعات قبل أن يصل خليفة إلى مراده في كتاب صغير تحت أسم 
رحلة عبر بحر الكثبان الرملية الأعظم يرجع إلى العام 1902 لمستكشف إنكليزي 
يُدعى جون دوفيلر. 
261 


سار دوفيلر على عكس آثار الرحلة الاستكشافية التي قام بها رولف في العام 
1874 حيث بدأ من سيوة بمساعدة مرشدين محليين وقافلة تضم خمسين جملا متوجها 
لواحة الداخلة على بعد 600 كيلومتر إلى الجنوب الشرقي. بعد مضي عشرين يوماء 
تمكن الإعياء ونقص المؤن منهم» مما دفعهم إلى التحول إلى واحة الفرافرة وإنهاء 
الرحلة عند هذا الحد. لم تلفت انتباه خليفة كيفية انتهاء الرحلة» وإنما ما حدث بعد 
مرور ثمانية أيام على بدئها في الصحراء. 

في صباح اليوم الثامن من الرحلة» أشار الشاب الذي كنت أتحدث معه الى منظر 
غريب وسط الكثبان الرملية الى الشرق قليلا من خط سيرنا. 

للوهلة الأولىء تخيلت أن هذا الشكل الهرمي ما هو الا ميراج أور اوبتيكل 
ر 

توقف خليفة يفكر في معنى الكلمات غير المعروفة بالنسبة له» وذهب إلى 
المسؤول عن المكتبة باحثا عن قاموس إنكليزي- عربي. أرشده الرجل إلى مكان 
القاموس» فأخذه خليفة» وعاد به إلى المنضدة» وبحث عن معنى كلمتي ميراج 
واوبتيكل الوشن وكانتا تعنيان: سراب وتوهم بصري. 

استأنف خليفة القراءة مرة أخرىء وترك القاموس بجواره» وقد لجأ إليه مرارا 
وتكرارا. 

بالتأكيد هذا الشكل لبس طبيعياء ويرجع ذلك لسببين. أولهما مقدار الدقة في 
نحته» والثاني عدم وجود أي أشكال مشابهة له في المكان بأكمله. بعد أن اقتربنا قليلا 
من المكانء تغير تقديري الأول لهذا الشكل حيث اتضح أنه شكل طبيعي وحقيقيء 
ولكن لا يمكئني تحديد كيف وأبن نشأء لأن خبرتي لا تمتد لتشمل الجانب الجيولوجي 
أيضا. كل ما يمكنني قوله هو أن هذا الشكل مميز وسط المكان بأكملهء وبارز بين 
الكثبان الرملية وكأنه رأس رمح أو على نحو أكثر دقة يشبه الرمح ثلاثي الأسنان 
كالشوكة تماما التي كان يمسكها بوسايدن اله البحر عند اليونانيين القد كنا في وسط 
بحر الرمال في هذا المكان!). 

اعتقد خليفة أنها مزحة من الكاتب. 

استغرقنا معظم اليوم حتى وصلنا إلى هذا المكان الرائع» مما تسبب في انح رافنا 
عن مسارنا بمسافة كبيرة» وكانت معظم الظروف تقف عائقا أمام المسير الى هذا 
المکان» لاعتقادنا أنه فأل حسنء ونذير شؤمء ومجرد هراء مما كان يشغل رأس 
المصريين (نعم فهم الى حدٌ بعيد يشبهون أمة من الأطفال الصغار كما قال كرومر). 

202 


هر خليفة رأسه متعجبا من هذا التعليق الذي يثير الضيقء ثم قال في نفسه 'ياله 
من إنكليزي متعجرف! 

استمعت الى مخاوف الرجالء» وبذلت قصارى جهدي للتغلب عليهاء مقذعا اياهم 
أن هذه الصخور الكبيرة قد تكون مخيفة» ولكن ذلك يحدث للنساء والأطفال فقطء و لا 
يليق بمئة رجل مثلهم أن يخافوا من هذه الصخرة. اقتنع الرجال على مضض» وسرنا 
في طريقنا نحو هذه الصخرة الهرمية حتى وصلنا ايها في وقت متأخر من الظهيرةء 
فنصيبنا الخيام عند قاعدة الصخرة. 

بالتاكيد سيسلل الكثيرون عمًا يمكن أن يقال عن صخرة حتى وان كانت بهذه 
الضخامة» وأعتقد أنني بالغت كثيرا في هذا الأمر في الفقرات القليلة السابقة» ولكنني 
الآن سأتحدث عن جانب واحد من هذه الظاهرة الطبيعية؛ وهو على وجه التحديد 
بعض النقوش المحفورة في الجزء السفلي من الصخرة الى الجنوب قليلا والذي اتضح 
بعد الفحص أنها رموز هيروغليفية بدائية. كان المامي باللغة المصرية القديمة ضعيفا 
تماما كالمامي بالجيولوجياء ولكنني تمكنت من فهم بعض العلامات التي تشير الى أن 
هذه النقوش هي اسم نت- نبو وهو بلا شك أحد المسافرين ممن مروا بجوار هذا 
المكان منذ عدة الاف من السنين. 

في وقت لاحق من نفس الليلة» وبعد أن أعد لنا الطباخ أزاب طعام العشاءء 
- وكنت أتناول الشاي» نظرت إلى النقشء» وتمنيت أن يكون نت- نبو قد وصل سالما 
الى جهته وهو فى صحة حيدة. فعل الرجال مثلي تماما على الرغم من عدم فهمهم 
لكلمة واحدة مما قلتهء ولكن بدا الأمر وكأنه يرفع من روحهم المعنويةء ثم غطينا 
جميعا في نوم هادئ. 

قرأ خليفة النص مرتين ليتأكد من فهمه بشكل صحيح, ثم دوّن ملاحظة سريعة: 
واطلع على ملحق في آخر الكتاب حيث توجد مقتطفات من يوميات أفراد هذه الرحلة 
فيها تفاصيل توضح المسافات التي قطعوها كل يوم وما هي الطريق التي سلكوها. 
ومن خلال مقارنة هذه القياسات على خريطة لغرب مصرء تكونت لديه فكرة عن 
موقع هذه الصخرة الهرمية بشكل تقريبي. طلب خليفة من المسؤول عن المكتبة مزيدا 
من الخرائط الأكثر دقة ليتأكد من القياسات التي أخذها. 

استغرق الأمر وقتا أكثر مما توقع خليفةء ولكن ذلك لم يمنعه من استخدام 
خريطة مقاس 1/150.000 دون فائدة في العثور على الصخرة الهرمية. كانت هناك 
خريطة مأخوذة بالقمر الاصطناعي لبحر الكثبان الرملية؛ ولكنها لم تكن واضحة. 

263 


بعدها عثر على خريطة مسحية للقوات المسلحة المصرية بمقاس 1/50.000ء وأخذ 
يبحث إلى الغرب من المكان الذي يريده؛ وبدأ اليأس يتسرب إلى نفسه. 

في النهاية عثر على مخطط أولي يرجع إلى أيام الحرب العالمية الثانية» وكان 
لذلك مفعول السحر . فقد كانت المكتبة تعج بالمؤلفات التاريخيةء ولكن هذا المخطط 
كان يحتوي على معلومات جغرافية في شكل صورة طبوغرافية مفصلة للمنطقة 
الواقعة بين 26 و30 درجة طولا وعرضا في مكان وسط بين سيوة والفرافرة وفي 
الجانب الفارغ منها يوجد مثلث صغير على شكل صخرة هرمية. هوى خليفة بيده 
على المنضدة فرحا بنفسه» وصدر دوي الصوت في المكان وكأنه رصاصة. نظر 
المسؤول عن المكتبة ليرى ما يحدثء فاعتذر له خليفة عما فعله. 

ظل خليفة يدون القياسات الجغرافية» ويراجعها مرة تلو الأخرى للتأكد من 
صحتهاء ثم فكر فيما إذا كان صديقه عبد الله لا يزال ينظم رحلات صحراوية أم لا. 

نهض خليفة» وتمطى» ولاحظ عندما نظر من النافذة أن الظلام قد حل» فنظر 
إلى ساعته؛ ووجدها بعد الثامنة مساء بقليل» وتذكر أنه وعد زوجته والأولاد بالقدوم 
إلى المنزل عند الرابعة عصراء ليحضر الاحتفال معهم. هرول خليفة يجمّع ملاحظاته 
الورقية قائلا "اللعنةء لن تكون زينب سعيدة بذلك". 


204 


33 


الصحراء الغربية 


خيّم الظلام على المكان دون أي ظهور للجيشء ونفد صبر درافيتش حينذاك. 

ظل درافيتش طوال اليوم يحدق بمكان الحفر» منتظرا صيحة بين الحين والآخر 
تنبىء بالعثور على الجيش. ساعة تلو ساعةء والشمس تنال منه» والحشرات تتطاير 
حول وجهه. والصخرة الضخمة ماثلة أمامه. لم تتوقف الشفاطات عن العمل حتى 
وصلوا بالحفر إلى عمق عشرة أمتار دون العثور على شيء باستثناء آلاف الأطنان 
من الرمال: وكأن الصحراء تتلاعب بدرافيتش. 

نزل درافيتش مرتين إلى موقع الحفر بنفسه مستكشفا المكان بمالجه» وصابًا 
جام غضبه على من يراه. قضى درافيتش معظم الوقت أسفل المظلة ينفث دخان 
سيجاره» ويزيل العرق عن عينيه» ويزداد حيرة وإحباطا. مع غروب الشمس 
وحلول الظلام» أصبح الهواء لطيفاء وأشعل العاملون مصابيح ضخمة في مكان 
الحفر حتى امتلاً الوادي بالضوءء وبالتأكيد ازدادت فرصة اكتشاف أمرهم. 
ولكنه أمر لابد منهء إذا كانوا يريدون العثور على الجيش. أصبح الجميع يحفرون 
الآن» حتى بدا الأمر وكأنك ترى جيشا يبحث عن جيشء ولكن دون العثور على 
أثر له. 

بدأ القلق يتسرب إلى نفس در افیتش» وشعر أن دانيل ربما يكون محقاء وأن 
الجيش قد يكون على عمق خمسين مترا على الرغم من أن تقديرات درافيتش 
أوضحت أن الجيش على بعد يتراوح بين أربعة إلى سبعة أمتارء بل وبحد أقصى يبلغ 
عشرة أمتارء كما سبق له وأخبر سيف الثأرء وقد وصلوا الآن إلى عمق عشرة أمتار 
بالفعل دون أن يعثروا على شيء. 

265 


لم يكن لدى درافيتش شك في العثور على الجيش» ولكن الوقت يمضي سريعاء 
ولا يمكنهم المكوث في الصحراء للأيد دون أن يشعر بهم أحدء فعلى الرغم من أن 
الصحراء نائية» إلا أنها ليست بعيدة لدرجة تسمح لهم بالاختفاء التام. والآن» أدرك 
درافيتش أن أمامهم أسبوعا على أقصى تقدير» ولو أن الجيش على عمق خمسين مترا 
فلن يتمكنوا من اكتشافه في هذه الفترة. 

أخذ در افيتش يهمس لنفسه "أين هو؟ أين هذا الجيش اللعين؟" ثم ثنى قبضته 
ووضع مفاصل أصابعه عند جبهته لأنه كان يعانيى من صداع فظيع بعد أن أمضى 
اثنتتي عشرة ساعة واقفا يتابع أعمال الحفرء ولا شك أنه بحاجة إلى الراحة الآنء 
وتهدئة عقله قليلا من التفكيرء لذا صاح بأحد الرجال بالأسفل» وأخبره أنه ذاهب 
ليستريح قليلا في خيمته؛ وإذا عثروا على شيء فليخبروه على الفور» ثم استدار 
وتوجه إلى المخيمء؛ وبحوزته زجاجة من شرابه المفضل. ظل درافيتش يفكر 
بضع رشفات فقط من شرابي المفضلء وسأخلد للنوم لساعتين» وأستيقظ في أفضل 
حال . 

أثناء سيره نحو خيمته راودته فكرة أخرى جعلته يبتسم ابتسامة عريضة حيث 
فكر في الاستحمام وتناول شرابه وطعامه ثم... 

وصل درافيتش إلى المخيم» وشق طريقه وسط المعدات» وتوقف أمام الخيمة» ثم 
أدخل رأسه»ء ونظر إلى تارا ودانيل اللذين نهضا فور قدومه؟ نظر الرجل بشغف إلى 
تاراء ثم تحدث بالعربية إلى الحارس. ٠‏ 

هب دانيل صارخا "عليك اللعنةء سأقتلك يوما ما يا درافيتش'. 

انفجر درافيتش في الضحك» وقال 'عندئذد يتعين عليك العودة إلى الحياة من بين 
الأموات". ثم تحدث بالعربية مع الحارس» ومضى في طريقه. 

سألت تارا "ماذا هناك يا دائيل”. 

لم یجب دانیل» وظل يحدق بحذائه» وكأنه يرفض الإجابة. 

'ماذا قال يا دائيل؟" 

'لقد همس بشيء ورحل". 

'ما هو هذا الشيء؟" 

القد أخبره بأن يأخذك إلى خيمته في غضون ساعتين". 

نظرت تارا إلى ساعتهاء وإذا بها تشير إلى الثامنة وخمسين دقيقةء وبدا الرعب 
وإضحا على وجهها. 


266 


0-0 


الافصر 

كما توقع خليفة لم تكن زينب سعيدة بتأخره؛ حيث كانت جالسة تشاهد التلفاز 
بصحبة على وبطة. وما إن رأته حتى رمقته بنظرة حادة. 

ما إن رأى علي والده حتى قال 'لم تحضر لمشاهدتي يا أبي» لقد كنت في موكب 
توت عنخ آمون أحمل إحدى مراوح الريش فوق رأسه". 

قال خليفة 'متأسف يا عزيزي'". ثم انحنی نحوه» وربت على رأمه قائلا لد کل 
لدي عمل مهم» وتمنيت لو أنني تمكنت من الحضور لمشاهدتك أ: نت وبطةء انظرء لقد 
أحضرت لكما شيئا". 

أخرج خليفة كيسا بلاستيكيا من جيبه به عقد من الصدف لبطة وبوق لعلي. 

صاح علي 'شكرا يا أبي". وأخذ ينفخ في البوقء بينما توجهت بطة إلى المرأة. 
لترى العقد على رقبتها. 

قالت زينب "بالله عليك يا خليفة إنها مرة واحدة في العام بأكمله» وقد كان الولدان 
٠‏ بحاجة إليك وأنت خذلتهما". 

تأسف لها خليفة محاولا الإمساك بيدهاء ولكنها رفضت» ونهضت نحو الباب»ء 
وأغلقته» ثم قالت وهي تستدير 'لقد تلقيت مكالمة هاتفية اليوم من حساني". 

لم ينطق خليفة بكلمة» واكتفى بإخراج علبه السجائر. 

'لقد عبّر لي عن مدى سعادته بحصولك على الترقية» وكيف ستزيد من دخلناء 
وتسهّل حصولنا على شقة مدعمة والتحاق الأولاد بمدرسة جديدة» وأضاف أيضا أنك 
ستكون في البيت مبكرا لتخبرني بذلك» وأن هذه الخطوة خطوة رائعة على مسار 
مستقبلك المهني ستتلوها خطوات أفضل". 

هذا اللعين !"' 

"ماذا تقول يا خليفة؟" 

'إنه يحاول الإيقاع بي يا زينب من خلالكء إنه يريد إقناعك بأهمية هذه الترقيةء 

ألن تقبلها؟' 

'الأمر معقد يا زينب". 

"لا تتلاعب بي يا خليفة» لن يحدث ذلك هذه المرة» هيا أخبرني ماذا هناك" 

بدأ علي يطرق الباب وهو يريد مشاهدة التلفاز. 

207 


'أنا أتحدث مع والدك؛ اذهب الآن يا عليء والعب مع بطة". 
"لا أريد اللعب معها". 
قلت اذهبء والعب معهاء وكف عن هذا الضجيج حتى لا توقظ الطفل". 
أطلق الولد نفير البوق اعتراضا على الأمرء ثم عاد إلى الغرفة الأخرى مغلقا 
الباب وراءه. 
أشعل خليفة السيجارة قائلا "لابد أن أعود إلى القاهرة الليلة". 
تتحرك زينب مندهشة من الأمر» ثم تقدمت» وجلست عند قدميه؛ وقالت "ماذا 
هناك يا خليفة؟ أرجوك أخبرني فمن حقي معرفة ماذا هناك وبخاصة إذا كان يؤثر 
على حياتنا جميعا. لماذا لا تريد الحصول على الترقيه؟” 
"لا تظني أنني لا أريد إخبارك يا زينب» وإنما أنا خائف من تورطك في هذا 
الأمرء إنه خطير للغاية". 
"هذا يجعلني أكثر إصرارا على معرفتهء فأنا زوجتك وما يضرك يضرتيء 
ويضر” أطفالنا". 
'أنا لا أفهم الأمر برمته يا زينب» كل ما أعرفه أن حياة أشخاص أبرياء تتوقف 
على تدخلي› وأنا الوحيد القادرة على إنقادهم". 
خيّم الصمت لوهلةء ثم نظرت زينب إلى عينيهء وقالت 'ولكنء هناك شيء آخرء 
ألبس كذلك؟" 
'ماذا هناك يا خليفة". 
"الأمر ليس...". 
'تكلم يا خليفة". 
همس خليفة "إنه يتعلق بسيف الثار". 
نزلت الكلمة عليها كالصاعقة» وقالت 'يا الله لقد كان ذلك ماضيا وانتهى". 
الم ينته قط يا زينب» وهذا ما اكتشفته في هذه القضيةء إنه دوما هنا بداخلي على 
الرغم من محاولتي نسيان الأمر مرارا وتكرارا حتى أمضي قدما في حياتي. ولكن 
كان علي إيقافه» وكان علي مساعدة أخي'. 
'لقد نسينا هذا الأمر يا خليفة» ولم يكن بمقدورك فعل شيء آنذاك". 
'كانت تكفيني مجرد المحاولة» لكنني لم أحاول. لقد تركته يستحوذ على أخي". 
في هذه اللحظة شعر خليفة بالدموع في عينيه» ولكنه قاوم لإخفائها. 
268 


'تعجز الكلمات عن وصف ما أشعر به يا زينب» وكأنني أحمل عبئا ثقيلا على 
ظهريء فدوما ما أفكر في علي وما حدث له. فماذا كان سيحصل لو أنني بذلت مزيدا 
من الجهد! والآن مع ظهور هذه القضية لدي فرصة لتصحيح الأوضاع.؛ لن أعيد 
علي» وإنما سأكبح بعض الشرور» وإلى حين قيامي بذلك لن أستريح أبداء فجزء مني 
سيظل هائما في الماضي". 

"إنني أفضل نصف زوج بدلا من زوج ميت". 

'أرجوك حاولي تفهم الأمر يا عزيزتيء لابد من تسوية هذه القضية لأنها في 
غاية الأهمية بالنسبة لي". 

"أهم مني ومن الأولاد يا خليفة؟ نحن بحاجة إليك". أمسكت زينب بيده وقالت "لا 

تهمني الترقية ولا نحتاج مزيدا من المال أو شقة فخمة» فحياتنا رائعة هكذاء ولكن ما 
يهمني هو أنت ت يا عزيزي. لا أريدك أن تلقى حتفك. ولا شك أنك ستلقى حتفك إن 
مضيت قدما في هذه القضية". أخذت زينب تبكي» وتقول "هذا ما أشعر به يا خليفة 
أريدك معنا هنا في أمان» أريد أن تساعدني في تنشئة هذه العائلة". 

"لا يوجد في العالم ما هو أهم منك ومن الأولادء لا شيء» لا الماضي ولا أخي 
ولا حياتي نفسهاء فحبك أغلى عندي من كل شيء»ء وسأفعل أي شيء من أجلك'. 

رفع خليفة رأسه» ونظر في عيني زينب» وقال 'اطلبي مني التخلي عن هذه 
القضية»ء وسأفعل على الفور دون لحظة تردد واحدة". 

ظل الاثنان على هذا الوضع لوهلة قبل أن تنهض زينب قائلة 'ما هو موعد 
قطارك؟" 

'يغادر آخر قطار عند الساعة العاشرة تماما". 

"حسناء بالكاد ستتناول العشاء معنا ثم تغادر". 

لملمت زينب شعرهاء ثم توجهت إلى المطبخ. 

غادر خليفة المنزل في تمام الساعة التاسعة وخمس عشرة دقيقة» وبيده حقيبة 
السفرء وبها بعض الملابس والطعام ومسدسه و840 جنيها كان يحتفظ بها لأداء 
فريضة الحج.ء وشعر بأسى عميق لأخذها حيث كانت هذه الأموال كل ما يملكانه 
بالمفزل. مضى خليفة عازما على إرجاع كل الأمور السيئة التي حدثت على مدار 
الأيام القليلة الماضية إلى نصابها الصحيح مرة أخرى. 

توجّه خليفة إلى يسار منزله» وبدأ يسير نحو المحطة» التي تبعد عن بيته نحو 
خمس عشرة دقيقة» وصدى الألعاب النارية يدوي في الهواء من حوله احتفالا بعيد أبو 


209 


الحجاج. فكر خليفة في الذهاب إلى المكتب للحصول على مزيد من الذخيرة؛ ولكنه 
تراجع عن الفكرة حتى لا يراه أحد من رفاقه. إذ يتعين عليه مغادرة الأقصر دون أن 
يشعر به أحد. نظر إلى ساعته» وإذا بها تشير إلى التاسعة وعشرين دقيقة. 

ازداد الازدحام مع اقترابه من وسط المدينة حيث كانت الشوارع المحيطة بمعبد 
الأقصر مكتظة بالمارة» وأطفال يعتمرون قبعات الاحتفال وسط الألعاب النارية 
الصاخبة؛ وباعة الحلوى الذين كانوا بالكاد قادرين على تلبية طلبات زبائنهم مع دوي 
صوت قرع الطبول والمزامير. 

في حديقة صغيرة بجوار معبد الأقصرء وقفت جماعة من الذاكرين يتمايلون 
على صوت المنشد وحولهم جمع كبير من الناس يشاهدونهم حتى أن خليفة أبطأ قليلا 
حال مروره بهمء لا لرؤيتهم وإنما ليتأكد من أن أحدا لا يتبعه. بالتأكيد كان هناك 
أربعة أشخاص على الأقل يتبعونه» لاحظ واحدا منهم عندما توقف لشراء السجائرء 
وآأخر عندما انحنى قليلا لإشعال السيجارة وسط موكب من الفرسان. كانت نظراته 
عليهم خاطفة مجرد لحظة ثم يختفون وسط الازدحام فهم على درجة كبيرة من المهارة 
والتدريب» ولعلهم من المخابرات» وكان ما يشغل فكره هو أنهم ربما تبعوه طوال 
أليوم. 

وقف خليفة في الحديقة» ونظر نظرة خاطفة إلى الحشدء فرأى رجلا متكئا على 
بعض الحواجز وعيناه مركزتان على خليفة الذي بدأ يعتقد أنه أحد مراقبيه» قبل أن 
تأتي زوجته ويمضيان في طريقهما. نظر خليفة إلى ساعته فوجدها التاسعة والنصف. 
فأشعل سيجارة وهرول في طريقه. 

كان يتعين عليه الفرار منهم قبل الوصول إلى المحطة لأنهم إن أدركوا وجهته 
فسيمنعونه لا محالة» وهذه هي فرصته الأخيرةء لذا يتعين عليه الفرار منهم. 

التاسعة وإحدى وثلاثون دقيقة توجه خليفة عبر شارع ضيق وسط مجموعة من 
الأطفال الذين يشاهدون التلفاز على الرصيف حيث أسرع الخطىء وتوجّه يمينا في 
الشارع التالي مارا برجلين يلعبان السيجاء ثم انحرف إلى اليسار إلى حارة متعرجة 
حيث توجد دراجة نارية في يسار الحارة» فنظر في مرآأتها الجانبية فلم يجد من يتبعه. 

ظل خليفة ينحرف يمدنا ويسارا على مدار عشر دقائق» وهو ينظر خلفه بين الحين 
والآخرء قبل أن يصل إنن ميدان المحطة ذي المسلة الحمراء والنافورة المعطلة على 
الدوام. تنفس خليفة الصعداء؛ ومضى في طريقه ناظرا إلى اليمين حتى يتفادى العربات 
القلدمة» وإذا به يلاحظ رجلا يرتدي حلة يقف في الجهة المقابلة» وينظر إليه مباشرة. 

2/0 


همس خليفة "اللعنة!" 

كان القطار المتوجه إلى القاهرة منتظرا عند الرصيف» والركاب يتدفقون إليهء 
وحملة الحقائب يهرولون هنا وهناك. لم يكن هناك مجال لدخول المحطة دون أن يراه 
الرجل» ولم يعد يتبقى أمامه سوى سبع دقائق. 

وقف خليفة دون حراك لوهلة يفكر بما سيفعله. وفجأة جاءته فكرة مجنونة» ولكن 
لم يكن أمامه خيار آخر حيث غادر شارع المحطة متوجها بعيدا عن القطار بخطى 
سريعة. ؤ 

سار خليفة في أقصر الطرق المؤدية إلى منزله» حيث وصل في غضون دقائق» 
وصعد السلم مهرولا حتى فتح باب شقته. 

هرولت زينب من غرفة المعيشة إلى الباب قائلة 'لماذا عدت يا خليفة؟ 
اليس هناك وقت للشرح'. ثم توجه إلى المطبخء وهي تتبعه والساعة قاربت على 
التاسعة وثلاث وخمسين دقيقةء والوقت يمضي سريعا. 

ظ فتح خليفة نافذة المطبخء ونظر إلى الأسفل فوجد رجلين ينتظران كما توقع 
تماماء ويغطيان المخرج الخلفي للمنزل» وأفزعته مسافة العشرين مترا التي تفصله 
عن الأرض. نظر خليفة إلى سطح المنزل المقابل الذي لا يبعد كثيرا عن حافة النافذةء 
فهو على بعد ثلاثة أمتار فقط» وكان المنزل ذا أرضية مستقيمة وفي نهايته باب يقود 
إلى الأسفل. كان خليفة يسأل نفسه دوما "أيمكنني القفز من بناية إلى أخرى؟" والآن لم 
يكن أمامه خيار آخر إلا معرفة الإجابة عن هذا السؤال. 

نظر خليفة للأسفل مرة أخرىء ثم أخرج حقيبة سفره: وقذف بها إلى سطح 
البناية المقابلة مثيرا مجموعة من الحمام. 

سألت زينب» وهي تمسك بذراع خليفة 'ماذا ستفعل لماذا ألقيت بالحقيبة إلى هناك". 

"لا تسألي» لأنني لو فكرت في الأمر فلن أفعله". 

وقف خليفة على عتبة النافذة» وأمسك بالإطار المعدني» واستدار نحو زينب وقال 
'أريدك أن تغلقي الأبواب الليلة» وإذا اتصل بي أحد فقولي له إنني نمت مبكرا حتى 
أسافر إلى الإسماعيلية غدا". ظ 

'أنا لا...". 

"أرجوك يا زينب» ليس لدي وقت لذلكء إذا اتصل بي أي شخص فقولي إنني لا 
أريد أي إزعاجء ثم توجهي أنت والأولاد في الصباح إلى منزل حسني وسماءء وابقي 
هناك حتى أتصل بك» أتفهمين؟' 


2/1 


'أحبك يا زينب". 

استدار خليفة مرة أخرى ناحية السطح المقابل» وبدت المسافة بعيدة للغاية. 

همس لها خليفة 'أغلقي النافذة ورائي". لم يكن هناك وقتء ولذا أسرّ بدعاء في 
نفسهء ثم قفز بكل قوته إلى السطح كابحا صراخه. 

لوهلة بدا الزمان متوقفا عند هذه اللحظة قبل أن يرتطم بأرضية السطح حيث 
جرح حاجبه إثر الاحتكاك بالطبقة الخرسانية. 

ظل خليفة راقدا لوهلة قبل أن ينهض على قدميه؛ ويستدير لينظر إلى زينب التي 
علت وجهها دهشة و أضحة. 

أشار خليفة إليها بقبلة» ثم حمل حقيبته» وتوجّه إلى الباب المؤدي إلى أسفل 
البناية» والساعة توشك على التاسعة وأربع وخمسين دقيقةء لذا أخذ يهرول على 
السلالم ليلحق بالقطار. 

كان مدخل هذه البناية يطل على الجهة الخلفية لبنايته» واعتقد أنه لن يكون هناك 
سبب لمراقبة هذه الجهة أيضا طالما أنهم يراقبون منزله من الأمام والخلف» ومن ثم يمكنه 
الخروج دون أن يراه أحدء وتمنى لو أن لديه بضع دقائق ليتفحص الشار ع قبل الخروج» 
ولكن الوقت كان يمضي سريعا. لذاء هرول فور نزوله السلم إلى الشارع» ومنه إلى وسط 
المدينة. كان أمامه ميل ليقطعه في خمس دقائق» ومن ثم أخذ الدم يتدفق في عروقه. 

بعد دقيقتين» بدأت خاصرته اليمنى تؤلمه» وبعد ثلاث دقائق لم يستطع التنفس» 
وعلى الرغم من ذلك» استمر في الهرولة بآخر ذرة في قواه حتى وصل أخيرا إلى 
عدة شوارع ضيقة تؤدي إلى مفترق طرقء وقبل أن يصل إلى المحطة بنحو مئتي 
متر بدأ القطار في التحرك رويدا رويدا. 

"اللعنة» هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها القطار في موعده". 

ظل خليفة في مكانه يلتقط أنفاسه حتى اقترب منه القطار. وإذا بخليفة يمر أسفل 
حاجز مفترق الطرقء ويبدأ في الجري بجوار القطارء وعلى يساره حائط خرسانيء 
وعلى يمينه عجلات القطار بمستوى صدره. حاول خليفة الإمساك بالمقبض الجانبي 
للباب» ولكنه فشل. أصبحت الفجوة بين القطار والجدار أضيق وعلى بعد خمسين مترا 
لن يكون هناك مجال للجري. ومن ثم أمسك بمقبض باب آخرء وتمكن من التعلق به 
تم وثب إلى موطئ القدم» ودفع الباب بكل ما تبقى له من قوةء ودخل عربة القطارء 
وأغلق الباب وراءه» ثم هوى على الكرسي المجاور له وهو بالكاد يلتقط أنفاسه. 


2/2 


سأله الرجل الجالس أمامه "أأنت بخير؟" 

قال خليفة 'نعم» ورئته تنقبض وتنبسط بسرعة كبيرة". 

"آنا بحاجة إلى...". 

'بعض الماء". 

"لاء سيجارة". 

في الخارج بدأت مدينة الأقصر تختفي في الظلام الدامس» والقطار في طريقه 
إلى القاهرة. 


2/3 


34 


الصحراء الغربية 


الن أسمح له بإيذائي يا دانيل'. 

أوشكت الساعتان على الانتهاء» وكأنهما نقاط من الماء تتساقط واحدة ثلو 
الأخرى على رأس تاراء والوقت يمضي سريعا بحيث اقترب موعد لقائها مع 
درافيتش. كانت هاتان الساعتان هما الأسوأ في حياتهاء وشعرت وكأنها في نهر 
وتعوم نحو شلال وليس بمقدورها المقاومة. في هاتين الساعتين شعرت تارا بما يمر 
به من ينتظر تنفيذ حكم الإعدام به 

كررت تارا نفس الجملة مرة أخرى "لن أسمح له بإيذائي". وظلت واقفة غير 
فادرة على الجلوس بسبب العصبية التي تا ور 'أفضّل الموت على أن يمسني 
در أفيدس '. 

لم ينطق دانئيل بكلمةء وإنما ظل محدقا بها في ضوء مصباح الكيروسين» يود لو 
يستطيع النطق» ولكنه لا يجد الكلمات المناسبة. بدأت تارا تجوب الخيمة جيئة وذهابا 
بينما الحارس ينظر إليها نظرات عميقة» وهي تعاني آلاما في معدتهاء وتشعر بالأسى 
لعجزهاء وتنظر إلى ساعتها بين الفينة والأخرى» وهي ترتعش من البرد الذي حل ليلا 
على المكان. 

قال دانیل محاولا تهدئتها "نحن لا نعرف ماذا سيحدث يا تارا". 

أجابت تارا متهكمة 'ربما يريد التحدث معي في علم الآثار". 

كان صوتها مليئا بالضجر والسخرية مما جعل دانيل يصمت ويخفض رأسه. 

بعد دقيقة» تأسفت تارا على سخريتهاء وقالت "'أنا خائفة للغابة" 

نهض دانيل؛» وضمها بين ذراعيهء وأخذت الدموع تترقرق في عينيها. 


274 


"كل شيء سيكون على ما يرام يا تارا. 

"لا يا دانيل لن يكون كل شيء على ما يرام» لن أتحمل ذلك» سأشعر بالذل لبقية 
حياتي". 

كان دانيل على وشك قول إن هذا لن يمثل فارقا لأنهما سيقتلان على أي حالء 
ولكنه توقف قبل أن ينطق بهذه الكلمات» وضمها إلى صدره» وهي ترتعش من 
الخوف. 

ظل الاشنان متعانقين حتى سمعا صوت وقع أقدام تقترب» حيث أتى أحد 
الأشخاصء وفتح الخيمة» وتحدث إلى الحارسء الذي أشار بالبندقية إلى تاراء وأمرها 
بالخروج: ولكن دائيل دفع البندقية» ووقف أمام تارا لحمايتهاء ورفع يده يوشك على 
ضربه» وإذا بالرجل ينادي» ويدخل رجلان آخران. هجم دانيل على أحدهماء بينما 
هوى الآخر بكعب البندقية على رأس دانيل» فطرحه أرضاء ووضع قدمه عليهء بينما 
اصطحب الثالث تارا عنوة إلى الخارج. 

صاح دانيل 'متأسف يا تارا". 

٠‏ أجابت تارا بصوت مرتعش "أحبك يا دانيل» وسأظل أحبك دوما". 

كان أحد الرجلين يمسك ذراعهاء بينما الآخر يصوب فوهة بندقيته باتجاههاء 
حتى وصلا إلى خيمة أكبر من الخيمة التي كانت بها مع دانيل. وما إن دخلت حتى 
أغلق الباب وراءها محدثا صوتا خفيفا نتيجة احتكاك القماش ببعضه» غير أنها شعرت 
وكأن باب خزانة قد أغلق خلفها. 

بادرها درافيتش بالقول "مساء الخيرء يسعدني مجيئك إلى هنا يا تارا". 

كان درافيتش يجلس على كرسي قماشية بجوار منضدة خشبية» وبإحدى يديه 
نصف سيجار» وباليد الأخرى كوب به بقية من شرابه المفضل. لاحظت تارا أن 
وجنته الشاحبة قد اكتست باللون الأحمرء فقد كان أنفه يغطي هذا الجانب من وجهه. 
كانت الخيمة تعبق بدخان السيجار ورائحة العرق مما جعل جسدها يقشعر اشمئزازا. 

صاح درافيتش فغادر الرجلان من أمام الخيمة. 

هزت تارا رأسهاء وكأن صدرها سينشقء بينما جلس درافيتش ينفث دخان سيجاره. 

"يالك من مسكينة يا تاراء لابد أنك تتمنين لو أنك لم تتورطي في هذا الأمرء 
أليس كذلك؟ وحتى إذا لم تكوني كذلكء فإن ما سيحدث لك الآن سيجعلك تودين ذلك لا 
محالة» ثم ضحك ملء شدقيه". 


275 


تحدثت تارا بصوت مرتعش 'لماذا أحضرتني إلى هنا يا در افيتش؟' 

شعر درافيتش برعب تاراء لذا تضاعفت ضحكته» وقال 'لن أتحدث عن سبب 
الإتيان بك إلى هنا حتى لا أفسد الأمر!" 

بدأت تارا تدور ببصرها هنا وهناك تبحث عن شيء لتستخدمه كسلاح؛ فرأت 
سترة درافيتش» تظهر منها حافة المالج» ولكن لدهشتها ازداد الرجل ضحكا وقال "هيا 
التقطيهء وحاولي قتلي به بالتأكيد سيكون الأمر ممتعا وأنت تقاومين". 

تقدمت تارا ناحية السترة» والتقطت المالج» وصوبته تجاهه قائلة "لو اقتربت مني 

وضع در افيتش الكوب» ونهض وهو يترنح قليلاء وينفث دخان سيجاره. 

لوحت تارا بالمالج وقالت 'سأقتلك!' 

قى هذه اللحظة كان درافيتش واقفا أمامها تماماء ورأسها بمحازاة صدره وهي 
تلوح بالمالج بعشوائية. 

'سأؤذيك يا تاراء سأؤذيك بشدة". 

أمسك درافيتش بذراعهاء وأسقط المالج» ثم دفعها إلى ركن الخيمة» وهوى 
بقبضته عليهاء حتى استسلمت. وما كاد يوشك على الفتك بها حتى صدر صوت من 
الخارج يوضح أنهم اكتشفوا شيئا ما. 

خرج درافيتش مهرولاء بينما تارا تعاني جراء الحروق التي أصابها بها 
درافيتش في كتفها بسيجاره. 

دخل أحد الحراس» ونظر إلى تارا شاعرا بالأسى عليهاء وكأنه غير راض عما 
حدث» ولكنه لا يستطيع القيام بشيء فهو يعمل لدى درافيتش» فأشار إليها بالعودة إلى 
خيمتها مرة أخرى. 

لم يكن درافيتش موجودا عند خروجها من الخيمة» بل كان المخيم كله فارغاء 
وكأنه مدينة للأشباح. اصطحبها الحارس إلى أعلى الهضبة. وما إن وصلت إلى 
أعلاهاء حتى شاهدت دانيل الذي هرول إليهاء واحتضنها قائلا "ماذا فعل بك هذا 
اللعين؟" ظ 

'أنا بخيرء لم يصبني سوء يا دانيل". 

'هل قام...؟' 


5 لم يسعفه الوقت'. 


216 


القد سمعتك تصرخينء وحاولت إنقاذك» ولكنهم كانوا يصوبون بنادقهم نحوي» 
أنا متأسف يا تارا". 

"لا عليك يا دائيل”". 

'سأقتله وسأقتلهم جميعا!" 

'أنا بخير يا دانيل» ولكن ماذا هناك؟ لقد كان هناك صياح". 

كان دانيل ينظر بأسى وغضب إلى الحروق على جسدهاء ثم قال "أعتقد أنهم 
اكتشفوا شيئا في خندق الحفر". 

أمسكت تارا بيده» وذهب الاثنان إلى مقدمة الهضبة. 

لاحظ الاشنان أن الكثير من الرمال قد اختفت عما كان عليه الوضع عند 
الظهيرة حتى انكشفت قاعدة الصخرة الهرمية وكأنها جذر سن كبيرة. كان درافيتش 
في الأسفل جاثيا على قدميه» يبحث بالمالج في الأرضء والجميع ينظر في توقع 
وحماسة؛ والشعاع الأبيض للمصابيح يجعل من المنظر دربا من الأحلام. 

سألت تارا 'ماذا اكتشفوا؟" 

"لا أعرفء فنحن بعيدون جدا عن خندق الحفر". 

صاح در افيتش بأحد الرجال» فناوله فرشاة نظف بها الشيء الذي يبحث عنه»ء ثم 
استخدم المالج مرة أخرى قبل أن بستخدمه بالتبادل كاشفا شيئا ماء إلا أن تارا لم 
تستطع رؤيته لبعد المسافة. 

بعد مرور عدة دقائق» انكشف مزيد من الشيء الذي ينظفه درافيتش» واتضح أنه 
شيء شبه دائري»؛ وكأنه جزء علوي من عجلة. توقف درافيتش» ووضع الأدوات 
جانباء ثم جذب الشيء بكلتا يديه. ولكنه ظل عالقا في الأرضء مما دفعه إلى استخدام 
الفرشاة والمالج مرة أخرى» وإزالة مزيد من الرمال. على الرغم مما فعله بها للتو إلا 
أن تارا وجدت نفسها منجذبة لما يفعله درافيتش» بينما نسي دانيل كل الغضب الذي 

مرة أخرى»ء وضع درافيتش الأدوات جانباء وأمسك بالشيء»؛ وجذبه» ولكنه كان 
لا يزال عالقا في الرمال» فتراجع قليلا إلى الوراء حتى يعطي لنفسه مساحة أكبر في 
التحرك» وجذبه بكل ما أوتي من قوة حتى أن عروق رقبته انتفخت من ثقل هدا 
الشيء. لوهلة بدا العالم ساكناء وكأن تارا تنظر إلى صورة فوتوغرافية بدلا من حدت 
مائل أمام عينيها. بوصة تلو الأخرىء بدأ الشيء يخرج من الرمالء» مقاوما كل رمال 
الصحراء التي تأبى البوح بكنوزهاء حتى خرج كاملا وسط بعض الرمال المتصاعدة. 


277 


در ع ضخمة مستديرة وذفيلة: تتلألأً تحت شعاع المصابيح. رفعها درافيتش عالياء وبدأ 
الرجال يهللون فرحا 'لقد عثرت على الجيش اللعين» جيش قمبيز". 

رفع درافيتش الدرع لوهلة فرحا بنصره قبل أن يصدر أوامره للرجال بالنزول 
إلى الخندق» وعادت الشفاطات للعمل مرة أخرى وهي تشفط الرمال بغزارة» بعد أن 
نقل الرجال الدرع إلى أعلى. 

صرخ درافيتش "أزيلوا الرمال» أزيلوها تماماء هيا إلى العمل بكل قوة". 

في بادئ الأمرء لم يظهر جديدء ويدا الأمر وكأنه بئر عميقة من الرمال الصفراءء 
وشكً الجميع في أن الدرع مجرد قطعة أخرجتها الصحراء من بطنها لتشوقهم وتعذبهم. 

ما هي إلا لحظات» حتى بدأت الأشياء تظهر الواحدة تلو الأخرىء وكان يصعب 
تمييزها وسط رمال الصحراء. بعد إزالة مزيد من الرمال» بدأت صورة هذه الأشياء 
تشضح» حيث عشرات الجثث بل مئات الجثث تصلبت تحت الرمال لأكثر من ألفين 
وخمسماثة عام» مما جعلها تبدو كجئثث لرجال مسنين ولیست مجرد جثث» إنما جيش 

من الرجال المسنين القدماء كقدم اريخ والذين يبدون أحياء شاحبين وسط الرمالء 

وهم ممسكون أسلحتهم بإحكام؛ حتى أن الشعر كان لا يزال يغطي رؤوسهمء والدروع 
تكسو جذوعهم. والأكثر إثارة للدهشة من ذلك كله أن وجوههم كانت لا تزال تحمل 
نفس تعابير الرعبء والألم» والخوف» والغضب. فأحدهم يظهر صارخاء والآخر 
يبكي» والثالث يضحك بجنون وفمه مفتوح نحو السماء وحلقه مملوء بالرمال. 

همست تارا 'يا الل يا...". 

قاطعها دانيل قائلا في دهشة 'روعة". 

استطردت تارا مستكملة جملتها 'يا للفظاعة!' 

كانت معظم جة جثث الجنود ملقاة على ظهورها بفعل العاصفة العاتية التي دفنتها. 
كان القليل من الجنود في وضع الركوع. بينما البقية في وضع التمدد شاهرين أسلحتهم 
أمامهم دفاعا عن أنفسهم وكأن العاصفة لم تمهلهم حتى يقفوا. 

كلما ظهرت مومياء جديدةء انقض عليها الرجال كالطيور الجارحةء يأخذون منها 
الدرع والمعدات الأخرى ويمررونها لأعلى حتى يتم تخزينها في عربات مجهزة لهذا 
الغرض. وبين الحين والآخر كان الرجال يكسرون ذراعا أو قدما حال أخذهم للدروع 
والمعدات الملتصقة بالمومياوات. 

نادى درافيتش بأعلى صوته قائلا "اخلعوا عنهم الدروع والمعدات بحرص شديدء 
أريد الحصول على كل شيء» كل شيء!" ظ 

278 


مضت ساعة وأعمال الحفر تدور في كافة الأرجاء» وتكشف عن مزيد من أفراد 
الجيشء بينما درافيتش ينتقل هنا وهناك مصدرا أوامرهء ومتفحصا الأشياء المكتشفة» 
وهو يوجه القائمين على الشفاطات قبل أن يصعد من الخندق» وينظر مبتسما إلى تارا 
ودانيل. 

'لقد أخبرتك أنني سأعثر على الجيش يا دانيل". قالها بفخر واعتزاز. 

لم ينبس دانيل ببنت شفة وعيناه مملوءتان بالكراهية» ولاحظت تارا أيضا شيئا 
من الحقد في نظراته. 

استطرد در افيتش قائلا "لم أكن لأقتلك دون أن ترى هذاء فلست غليظ القلب إلى 
هذه الدرجة". 

ضحك درافيتش» وأشار للرجال باصطحابهما إلى خيمتهما مرة أخرى. 

صاح درافيتش قائلا "لم تنته حفلتنا بعد يا آنسة مولراي» إنما تأجلت قليلاء 
وسأرسل في طلبك مرة أخرى بعد الانتهاء من هذا العمل الشاق» لأنني بالتأكيد 
سأحتاج بعض الترفيه". 2 


شمال السودان 


هرول الصبي إلى سيده الواقف على كثيب رملي وينظر شرقا في الظلام. 

اقترب منه الصبي قائلا 'لقد عثروا عليه يا سيدي» أرسل الدكتور درافيتش 
رسالة الآن تفيد بعثورهم على الجيش". 

ظل سيف الثأر ينظر في الظلام والكثبان الرملية تلمع بلون الفضة في ضوء 
القمرء وكأنها بحر من الزئبق» وعندما تحدث كان صوته مكتوما. 

'إنها بداية ونهاية يا محمد فمن الآن فصاعدا سيتغير الكثيرء وأحيانا أشعر 
بالخوف من ذلك . 

بالخوف يأ سيدي؟ 
'نعميا محمدء حتى وأنا أقاتل في سبيل الله يتسرب إلى نفسي الخوف. خوف من 
جراء المسؤولية الملقاة على عاتقى» فهناك الكثير لأفعله. أحيانا أشعر بأن ما أريده هو 
النوم» فلم أنعم بنوم هادئ منذ سنوات يا محمد منذ أن كنت طفلا صغيرا على ما 
عقد سيف الثأر يده خلف ظهره وسط الرياح التي بدأت في الهبوب. 
"أخبر الدكتور درافيتش أننا سنعبر الحدود غدا". 

279 


Ê 
أ عند‎ 


'حسناء يا سيدي". 

استدار الصبي ونزلء قبل أن ينظر خلفه» وهو في منتصف الكثيب الرملي 
ويقول 'سيف الثأر أنت بمثابة الأب بالنسبة لي". 

أجاب سيف الثأرء وهو لا يزال ينظر في الظلام أمامه 'وأنت بمثابة الإبن 
بالنسبة لى". قالها بصوت خافت تلاشى وسط الصحراء حتى أن الصبي لم يسمعه 
على الإطلاق. 


280 


35 
القاهره 


كانت القاهرة هي نقطة البداية المنطقية للرحلة التي ينوي خليفة الفيام بها حيت 
إن البديل هو التوجه إلى الأقصرء ثم عزبة الحاج عبر الطريق الصحراوية السريعة 
التي تربط بين واحتي الخارجة والداخلة وصولا إلى مفترق طرق يؤدي إلى واحة 
الفرافرة؛ رحلة طويلة فوق طرق غير معبدة تعج برجال الشرطةء فضلا عن استحالة 
المرور في معظمها نظرا لغزارة الرمال فيهاء وبناء على ما تقدم كانت القاهرة هي 
البداية الأفضل ناهيك عن تواجد صديقه عبد الله بها. 

اقترب القطار من محطة رمسيس قرابة الساعة الثامنة صباحاء فقفز منه خليفة 
قبل الوصول إلى المحطة» ثم أسرع فوق الأرض المبلطة مناديا على سيارة أجرة 
ومتوجها إلى ميدان التحرير. على مدار عشر ساعات هي مدة الرحلة من الأقصر إلى 
القاهرة»ء فكر خليفة في ما سيفعله» على الرغم من تسرب الشكوك إلى نفسه أكثر من 
مرة» ولكنه طرحها جانباء وعزم على المضي قدما في رحلته» متمنيا أن يكون عبد الله 
لا يزال ينظم رحلات صحراوية. 

عبر خليفة الميدان» ومرّ عبر الازدحام المروري الصباحي إلى شارع طلعت 
حرب متوقفا أمام محل ذي واجهة زجاجية تحت عنوان عبد الله الوسامي للرحلات: 
الأفضل في مصرء وعلى الجانب قائمة بأسعار الرحلات المختلفة تضم: مغامرة 
صحراوية لخمسة أيام في مخيم تحت النجوم» وعربة ذات دفع رباعي» ورقصات 
شرقية. استراح خليفة فور رؤيته لهذا العرض متذكرا كيف كان عبد الله ولا يزال 
قادرا على ترويج منتجه. 

فتح خليفة الباب» ودخل المحل. 

281 


كان عبد الله الوسامي أو عبد الله السمين وهو الاسم المعروف به صديقا لخليفة 
منذ أن كان مقيما في الجيزة» حيث كبرا مع بعضهما في بيتين متلاصقين؛ وذهبا إلى 
نفس المدرسة غير أن عبد الله ظهرت عليه أمارات النبوغ التجاري منذ نعومة أظافره 
حيث كان يبيع دواء مقويا يصنعه من مزيج الكوكاكولاً ودواء السعال؛ وكان يحصل 
على عشرة قروش مقدما من أخته الكبرى غريبة الأطوار وذلك مقابل إعطاءها الدواء 
(على عكس أخته الصغرى فاطمة التي كانت تتمتع بقوام رشيق وجميلة للغاية). 

مر عبد الله بفترة من انعدام الوزن في مراهقته» ولكنها لم تؤثر قط على نبوغه. 
وبعد أن قضى فترة تولى فيها تصدير التمر من ليبيا إلى الاتحجاد السوفياتي؛ استطاع 
تكوين شركة سفريات أدارها بنفسه. على الرغم من انقطاع الصلة بينهماء إلا أن 
صداقتهما لم تتأثرء وما إن دخل إلى المحل حتى هلل عبد الله فرحا قائلا "خليفة 
مرحبا بك يا صديقي» هيا يا فتيات رحبن بخليفة أحد أكبر وأنحف أصدقائي". 

كان هناك ثلاث فتيات صغيرات جميلات يجلسن خلف أجهزة الحاسوب. نظرن 
إلى خليفة وابتسمن بينما هرول عبد الله نحوه معانقا. 

طلب عبد الله من إحدى الفتيات إعداد الشاي لهماء واصطحب خليفة إلى 
مجموعة من الكراسي حيث جلسا بجوار بعضهماء وسأله "كيف حال زينب؟' 

'بخيرء وماذا عن جميلة" 

'تقضي معظم وقتها عند أمها على حد علمي لا تتوقف عن الأكل حتى أنني 
أشعر وكأني في مجاعة. أتعرف أنني سأفتح مكتبا في نيويورك"؟" 

ابتسم خليفةء لأن عبد الله كان يقول ذلك منذ سنين طويلة. 

- أشعل خليفة سيجارة بينما أحضرت الفتاة الشاي ووضعته أمامهماء وعادت إلى 

مكتبها مرة أخرى. 

"أريد منك معروفا يا عبد الله". 

'بالتأكيد يا خليفة اطلب ما تشاء". 

'أريد استعارة سيارة رباعية الدفع". 


'نعم» أستعير بمعنى الاستئجار أو الاقتراض". 
'أتريدها مجانا؟" 
'بالضبطء أريدها لأربعة أو خمسة أيام على أن تكون ذات قدرة كبيرة على 
تحمل الأراضي الصحراوية الوعرة". 
202 


لم يكن عبد الله مرتاحا لفكرة الاقتراض مجانا. 

'ومتى تريد هذه السيارة؟” 

'الآن". 

ضحك عبد الله قائلا "الآن! أتمنى أن أسدي لك هذا المعروف يا خليفةء ولكن هذا 
مستحيلء؛ فكل السيارات رباعية الدفع موجودة في منطقة البحرية الاآن» وسيتطلب 
الأمر يوما على الأقل حتى تعود إلى القاهرة. بل وأكثر من ذلك إن كانت العربة في 
جولة صحراوية»ء وأنا أعتقد أن كل السيارات في جولات الآن. نحن صديقان قبل كل 
شيء ولكن هذا الأمر مستحيل". 

انحنى عبد الله للأمام قليلاء وأخذ رشفة من الشايء» وخيّم الصمت لوهلة. 

قالت رانيا "هناك سيارة في المرآب". 

توقف عبد الله عن تتاول الشاي فجأة. 

أضافت رانيا "إنها السيارة الجديدة التي أرسلوها يوم الاثنين وهي جاهزة تماما 

أجاب عبد الله "نعم» ولكنها ليست جيدةء فضلا عن أنها محجوزة". 

صاحت رانيا "لاء إنها ليست محجوزة . 

حدق بها عبد اللهء وقال "أنا متأكد من أنها محجوزة للمجموعة الإيطالية". 

تحدث عبد الله ببطء وثقة موكدا على هذه النقطة» وكأنه يلقن ممثلا نسي دوره. 

قالت رانيا "لا أعتقد ذلك يا سيدي» دعني أتأكد من الأمر على الحاسوب". 

"إنها ليست محجوزة". قالت رانيا بنبرة من النصر 'ليست محجوزة على مدار 
الخمسة أيام القادمة أي لنفس المدة التي يريدها صديقك» يا للحظ!" 

ابتسمت رانيا ابتسامة عريضة؛ وكذلك فعل عبد اللهء ولكنه تصنع الابتسام. 

'"بالطبع يا عزيزتيء إنه محظوظ". ثم وضع يده على وجهه؛ء وقال 'يا لك من 

كانت سيارة التويوتا رباعية الدفع موجودة بمراب في الشارع المجاور» سيارة 
بيضاء اللون جاهزة وبها بعض القضبان المعدنية في مقدمتهاء وإطاران احتياطيان في 
الخلف» وثماني عبوات وقود فوق السقف الصلبء أي أنها تماما تفي بما يريده خليفة. 
أحضرها عبد الله إلى حافة الطريق. 

استكون حريصا عليها يا خليفة» أليس كذلك؟ قال عبد الله ذلك وهو يتشبث 
بالمقود. 'إنها جديدة» ولم يمض عليها سوى يومين» أرجوك أرفق بها". 

'بالطبع سأفعل". 

283 


'لقد كلفتني أربعين ألف دولارء ولابد أنني مجنون لأسمح لك بقبادتها". 

نزل عبد الله من السيارةء وأخذ يجول حولهاء يوضح له مزاياها الكثيرة مؤكدا 
على ضرورة ردها كما هي دون أي أضرار. ظ 

"إنها رباعية الدفع» وبها كوابح يدوية» ومبرد للمحرك يعمل على الماءء ومضخة 
وقود الكترونية. ردد عبد الله هذه الكلمات» وكأنه تاجر سيارات. نم أضاف وهي 
مزودة بعبوات وقودء وحاويات مياه» وصندوق أدوات» وحبل سحب» وصندوق 
إسعافات أوليةء وبوصلة. أي أن بها كل ما تحتاج إليه بالإضافة إلى الأغطية 
والوسادات وبعض الأطعمة وإشارات ضوئية وتلسكوب و....- توجه إلى الخزانةء 
وأخرج ما يبدو وكأنه هاتف محمول كبير الحجم مزود بهوائي وواجهة من الكريستال 
السائل - جهاز تحديد عالمي للموقع يعمل عبر الأقمار الاصطناعية يخبرك بالضبط 
ماهو موقعك الحالي في أي وقت» وإذا ما أشرت إلى إحداثيات المكان الذي تريده 
سيوضح لك على الفور ما هي المسافة المتبقية» وطبيعة الأرض الموصلة إليه. وبه 
أيضا دليل تعليمات» ولا شك أن كل هذه التجهيزات بسيطة وسهلة الاستخدام". 

انتهى عبد الله من الشرح» وأعطى المفاتيح لخليفة على مضض. 

'لن أدفع ثمن الوقود!" 

الم أتوقع منك أن تدفع ثمنه يا عبد الله". قال خليفة ذلك وهو يركب السيارة. 

'إذا كانت هذه هي الحالةء فيمكنك استخدام ما شئت من الوقود. وإليك ذلك 
ا 

أخرج عبد الله هاتفا محمولا من جيبه وأعطاه لخليفة. 

'إذا ما واجهت أي مشكلة أو أي أصوات غريبة» فلتتوقف على الفورء وتطفئ 
المحرك وتتصل بي على الفورء أفهمت؟' 

'هل سيعمل هذه الهاتف في الصحراء؟' 

'يمكنني القول إنه يعمل في كل مكان باستثناء القاهرة» والآن أكد لي مرة أخرى 
أنلك ستكون حريصا على السيارة". 

'بالطبع يا صديقيء سأكون حريصا". أجاب خليفة وهو يشغل المحرك. 

'وستعود في خلال خمسة أيام؟" 

'أعتقد في أقل من ذلك» أشكرك مرة أخرىء إنك رجل طيب يا عبد الله". 

'يالي من مجنون: لأعطيك سيارة بأربعين ألف دولار!" 

بدأت السيارة في التحرك» وعبد الله يسير إلى جانبها. 


204 


الم أسألك إلى أي صحراء ستذهب؟' 

"الصحراء الغربية". 

'الواحات؟” 

'ما بعد الواحات» سأذهب إلى بحر الرمال الأعظم". 

'توقف يا خليفة» أنت لم تذكر لي ذلك؛ إن بحر الرمال مقبرة للسيارات» لن 
تذهب بسيارتي إلى هناك يا الله!" 

"أشكرك مرة أخرى يا عبد اش أنت نعم الصديق'. 

مضى خليفة في طريقهء وعبد الله يجري وراء السيارة» ولكنه كان سمينا للغايةء 
ومن ثم توقف بعد بضع خطوات. عبر المرآة الخلفيةء رأه خليفة يقف وسط الطريق 
وهو يلوح بيديه. أطلق خليفة آلة التنبيه مرتين» ثم انحرف إلى الجانب مختفيا عن 
الأنظار. 


285 


30 


الصحراء الغربية 


حلقت المروحية فوق المخيم؛ وهبطت فوق قطعة أرض مستوية تبعد خمسين 
مترا عن المخيم. وفور هبوطها نزل منها شخصان» رجل وصبيء وقف الرجل لوهلة 
ينظر حولهه ثم جثى على ركبتيه» وقبّل الرمال قائلا 'مصرء أرضي ومنزليء لقد 


عدت إليك". 
ظل الرجل جائيا لعدة ثوان» ثم نهض» ومضى في طريقه الى المخيم والصبي 
إلى جواره. 


كان المكان يعج بالحركة وسط الكثير من العربات أعلى الوادي بينما الحاويات 
المعبأة بالآثار فى طريقها إلى المخيم» والرجال الذين يرتدون ثيابا سوداء منتشرون 
في كل مكان. 

كان الجميع منشغلا بعمله» حتى أنهم لم يلحظوا قدوم هذين الشخصين إلا بعد 
اقترابهما من المخيم» حيث كان هناك ثلاثة رجال يديرون مضخة للزيت صاحوا فور 
رؤيتهم للشخصين "سيف الثأر هناء لقد حضر سيف الثأر". 

انتتشر الخبر سريعاء وبدأ الرجال في جميع الأنحاء يتركون عملهم» ويتوجهون 
للترحيب بسيف الثأر. 

'سيف الثأرء لقد عاد سيف الثأر". هذا هو الهتاف الذي تردد في المكان. 

ظل سيف الثأر ماضيا في طريقه» غير مكترث بهم» والحشد يسير وراءه وعلى 
جائبيه» وكأنه نجم ذو ذنب. سمع العاملون في الخندق بقدوم سيف الثأرء فشرعوا 
جميعا في الخروج للترحيب به»ء بينما الحراس على رؤوس الكثبان الرملية يطلقون 
الرصاص ابتهاجا بقدومه. 


286 


رصل سيف الثأر إلى الهضبة الصغيرة في آخر المخيم» فصعدها والصبي إلى 
جواره» ونظر إلى المشهد بالأسفل. وإذا بالوادي يبدو وكأنه جرح عميق»ء حيث واصل 
الرجال الحفر ليلا ونهارا. وعلى حافته العلياء كانت الحاويات مكتظة بالقطع الأثرية 
ما بين دروع وسيوف ورماح وخوذ وأسلحة أخرىء بينما الأرض أسفل الخندق منشقة 
تبوح بكنوزها الدفينة» وبها جثث الجنود مختلطة بالمطايا التي كانوا يركبونهاء حيث 
الجلود بنية اللون ومتجعدة» وكأنها أوراق تغليف. شعر سيف الثأر بإحساس غريب 
بعثه هذا المنظرء فرفع يديه معبرا عن نشوة الانتصار وقال "الله أكبر". وصوته يدوي 
في المكان» والرجال يرددون العبارة خلفه مصحوبة بطلقات الرصاص من أعلى 
الكثبان الرملية» حتى أشار إليهم سيف الثأر باستكمال عملهم» فانصرف الجميع ملبين 
على الفور. 

وقف الرجل يشاهدهم وهم ينزعون الأسلحة؛ ويعبئونهاء ويحملونها إلى أعلى 
الخندقء» ثم أرسل محمد إلى المخيم بالأسفلء بينما نزل هو إلى مكان الحفر» وتوجه 
إلى درافيتش الذي كان واقفا تحت مظلة يراقب عملية تخزين الاثار. 

- ما إن رآه درافيتش حتى قال "أسف» لم يكن لدي وقت للترحيب بقدومك. 

لم يهتم سيف الثأر بنبرة السخرية في صوت درافيتش» ثم ظل واقفا بالقرب من 
المظلة تحت أشعة الشمس ينظر إلى المومياوات المكدسة أمامه» والتي رأى أن الكثير 
منها قد انتزعت أذرعها أو أقدامها أثناء عملية تجميع الآثار» فضلا عن بعض 
الرؤوس المهشمة والجلود الممزقة. 

سأل سيف الثأر "أكان من الضروري تدمير الجثث على هذا النحو". 

لاء بالطصبع؛ ولكن كان يمكننا القيام بذلك على النحو الأمثل» فنقضي أسبوعا 
كاملا ونحن نستخرج جثة تلو الأخرىء وبالتأكيد كنا سنخرج من المكان وبصحبتنا 
سيف ورمحان!" 

مرة أخرى لم يهتم سيف الثأر إلى نبرة التهكم والسخرية في صوت در افيتش» 
وانحنى قليلا ممسكا بأحد السيوف معجبا بحده ومقبضه المصممين بدقة مدهشة. 
بالطبع لم يكن الرجل ليمسك بهذا السيف في حياته إذ إن أقصى أمانيه كانت رؤيته من 
خلف الحاجز الزجاجي بالمتحف» أما الآن فهو يمسكه بيده» وأمامه مئات بل الاف 
السيوف الأخرى؛ وكل هذه الأشياء لا تمثتل سوى قطرة من بحر مما لا يزال مخنفيا 
بالأسفل. لقد كانت كثرة الآثار المكتشفة أكبر من الإلمام بهاء لقد فاقت أقصى أمانيه 
وغاية أحلامه؛ إنها بالفعل استجابة للدعاء الذي طالما ردده. 


207 


'أتعرف إلى متى ستدوم هذه العملية؟' 

نفث درافيتش دخان سيجاره؛ وقال 'لقد أرسلت الرجال ليحفروا خنادق أخرى 
لمعرفة محيط الجيش» وقد عثروا بالفعل على المقدمة التي تمتد لمسافة كيلومتر في 
أعلى الوادي» ولكنهم لم يعثروا بعد على مؤخر الجيشء يا الله إنه ضخم للغاية!" مسح 
درافيتش العرق عن جبينه بكمه» وسأل متى ستصل قافلة الجمال. 

"بعد يومين أو ربما أقل". 

'ما زلت أعتقد أن علينا نقل بعض هذه الآثار الآن". 

هز سيف الثأر رأسه مستهجنا الفكرة؛ ثم قال "لا يمكننا المخاطرة بالتحليق فوق 
الحدود ذهابا وإيابا. فذلك سيلفت إلينا الأنظار دون شك". 

"حسناء سننقل الرجال والمعدات فقط بالمروحيات» أعرف أن هذا ما تريده". 

'لقد كنا محظوظين لأننا أردنا العمل سريعاء وقد وفقنا الله لذلك؛ وربما لن يتكرر 
ذلك ثانية. ولذا سننتظر حتى تحضر قافلة الجمال» ونحمّل عليها الآثار لأن ذلك أكثر 
أمانا. هل هناك من يجوب هذه المنطقة؟" 

'ماذا ترى؟ نحن هنا وسط هذه الصحراء اللعينة» و بالتأكيد لن يكون هناك 
شخص يتنزه بالجوار”". 

خيّم الصمت لوهلةء بينما التقط سيف التأر تعويذة خضراء بحجم ظفر إصبع 
الإبهام تقريباء ولكنها منحوتة بعناية شديدة على شكل أوزيريس إله العالم الآخر» حيث 
أخذ سيف الثأر يمسحها برفق بين إصبعيه. 

'لدينا خمسة أو ستة أيام كحدٌ أقصى يا درافيتش. ما هو مقدار الأشياء التي يمكن 
أن نستخرجها في هذه الفترة؟' 

أخذ درافيتش نفسا عميقا من السيجارء وقال "مسحة منه» مجرد مسحةء فنحن 
نعمل على مدار الساعة ولم نكشف سوى عن هذا الجزء الصغير حتى الآن» ويبدو 
الأمر أسهل كلما توجهنا يسارا حيث إن المومياوات قريبة من السطح في ذلك الاتجاه؛ 
ولكن مع ذلك لن نكتشف سوى جزء بسيط منه. أعتقد أننا لن نكون بحاجة للمزيد 
حيث إن هذه الأشياء تساوي ملايين الدولارات»ء وسنحكم قبضتنا على سوق الآثار 
على مدار المائة عام القادمة". 

'ماذا عن بقية الجيش؟ هل أعددت خطة لذلك؟" 

'نحن نعمل من الأمام للخلفء لا تقلق فكل شيء تحت السيطرة. والآن إذا لم 
يكن لديك مانع أريد متابعة عملي". [ 

288 


وضع درافيتش السيجار في فمه» تم مضى في طريقه نحو شفاطات الرمال» 
بينما سيف الثأر يحدق به في غيظ وحنق» ثم مضى في طريقه حتى جلس في ظل 
الصخرة الهرمية. 

كان الرجل حزينا للغاية لما سيفعلونه بالجيش» وتمنى لو كان هناك خيار أخرء 
ولكن ما من خيار أمامه» حيث كانت هناك خطورة كبيرة في إمكانية اكتشاف شخص 
آخر للجيشء ولذا تعين عليهم كتمان الأمر على الرغم من أن جزءا بداخله يعارض 
هذه الفكرة؛ ولكن لم يكن أمامه خيار آخر تماما كعمليات القتل التي ينفذهاء ليس أمامه 
خيار آخر سواها. 

جلس سيف الثأر مسندا ظهره إلى الصخرة» يمسح التعويذة بين إصبعيه» وهو 
يتفحص بحيرة المومياوات أمامهء فلقد كانت إحداها مدفونة حتى خصرها وتبدو 
محملقة به. أشاح سيف الثأر بنظره بعيدا عن هذه المومياء» ثم نظر إليها مرة أخرى؛ 
وإذا بها لا تزال محملقة به وشفتاها تكشفان عن أسنانهاء وكأنها تتحدث بغضب 
وسخطء وشعر الرجل أنها تقصده هو بهذه التعابيرء فظل ينظر إليها لوهلة؛ ثم نهض 
واقفاء وابتعد عنها ناظرا إلى التعويذة في يده» فوجدها قد انقسمت إلى شطرينء فألقى 
بها ساخطا في الخندق. 


289 


37 
القاهرة 


ظل سكويرز ينظر عبر الزجاج الرمادي لنافذة سيارة الليموزين إلى الممرين 
الآخرين للازدحام المروري المتكرر» وإلى جوار الليموزين سيارة بيجو مكتظة بتسعة 
خاص على ما يبدو أنهم يمثلون عائلة واحدةء وبعدها سيارة مملوءة بالقنبيط. أحباناء 
كانت السيارة تتحرك إلى الأمام قليلا فتظهر إلى جوارها سيارات أخرىء» ولكن 
سرعان ما يعود الوضع إلى ما كان عليه بجوار سيارة البيجو والسيارة الأخرى 
المملوءة بالقنبيطء وكأنها أسطوانات في ألة تقطيع الفاكهة. ما إن تعمل الآلة حتى 
تدور هذه الاسطوانات؛ وتعود كل واحدة إلى مكانها مرة أخرى. 

كان سكويرز يتحدث عبر الهاتف المحمول 'ومتى كان ذلك؟" 

ظهر صوت غير واضح من الجهة الأخرى. 

'ليست لديك أي فكرة كيف حدث ذلك أو متى؟" 

مرة أخرى ظهر صوت غير واضح من الجهة الأخرى. 

في هذه الأثناء أتى صبي يحمل عبوات مناديل معطرة» وطرق على زجاج 
النافذة» ولكن سرعان ما مضى في طريقه بعد أن صرخ فيه السائق. 

'ماذا عن عائلته؟" 

أجاب الشخص على الجهة الأخرى. 

خيم الصمت لفترة طويلة» قبل أن يقول سكويرز "حسناء لا فائدة من البكاء على 
الحليب المراق» افعل ما بوسعك للعثور عليه؛ وأطلعني على آخر المستجدات". 

أغلق سكويرز الهاتف» ووضعه في جيبه؛ وعلى الرغم من أنه بدا هادا إلا أن 
نظرة عينيه» أوضحت غير ذلك. 


200 


أخيراء تحدث سكويرز مع رفاقه في السيارة "يبدو أن المحقق قد اختفى"'. 

هوى ماساي بيده السمينة على الكرسي الجلدية في الفراع بينه وبين سكويرزء 
وقال القد اعتقدت أن جمال يراقبه" 

من الواضح أن المحقق خدعهم. وقد طلبت منذ البداية التخلص منه» أليس 

كذلك؟" 

'"أعتقد أنك محق أيها العجوز ', 

"اللعنةء اللعنةء اللعنة!" 

ظل ماساي يضرب بيده على الكرسي مخلفا آثارا على جلد الكرسي حتى توقف 
أخيراء وأرجع ظهره إلى الوراءء وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة. 

'متى كان ذلك؟" 

أجاب سكويرز 'ليسوا متأكدين» ولكن زوجته وأولاده نزلوا من المنزل هذا 
الصباح عند الساعة السابعة صباحاء ولم يظهر المحقق حتى العاشرة فصعدوا 
وطرقوا الباب» ولكن لم يجب عليهم أحد". 

"اللعنة» يالهم من مجموعة من الهواة!" 

'يبدو أنه ذهب إلى مكتبة بالأمس» وأخذ يبحث في خرائط عن الصحراء 
الغربية". 

يا اللهء إذا لابد أنه يعرف بأمر الجيش". 

'يبدو ذلك صحيحا. . 

"هل أخبر أي شخص؟ الصحافة أو هيئة الآثار؟' 

'يمكنني القول إنه لم يفعل لأننا لم نسمع بذلك حتى الآن" 

سأل ماساي 'وماذا سنفعل؟" 

"لا يمكنني تحديد ذلك؛ ولكن بخروجه إلى الصحراء وحده يتعين علينا أن نسرع 
في خطتتا". 

سأل سكويرز "هل المعدات جاهزة؟' 

"لا تقلق بالنسبة لما يتعلق بي. ولكن الأمر يتوقف على ما سيقوم به جمال» حيث 
إن هذا المحقق ماهر للغاية. سيفعل جمال ما نتوقعه منه طالما أننا نفعل ما علينا". 

أجاب ماساي 'لن يكون ذلك سهلاء حيث سيكون هناك رجال كثيرون حول سيف 
الثآر". 

"على الرغم من ذلك» أنا واثق من نجاحنا. هل ستخبر أصدقاءك في أمريكا؟" 

201 


أومأ ماساي برأسه. وقال 'إنها سلسلة متشابكة مع بعضها البعض". 

قال سكويرز 'حسناء يبدو أننا على الطريق الصحيحة". 

تحركت الليموزين للأمام قليلا. 

أجاب ماساي 'نعم» سنكون على الطريق الصحيحةء إذا ما تخلصنا من هذا 
الازدحام المروري اللعين". ثم انحنى نحو السائق وسأله "ماذا هناك؟" 

أجاب السائق "هناك حادثة لقاطرة على الطريق". 

أخرج سكويرز قطعة حلوى مغلفة من جيبه» وأخذ ينزع الغلاف» وهو يحدق 
شارد الذهن في سيارة البيجو المجاورة. 

كانت الطريق الواضحة والمباشر أمام خليفة هي أن يتوجّه إلى الجنوب غرب 
الواحات البحريةء ثم إلى الغرب عبر الصحراء. 

لكنه لم يفعل ذلك» لأن الأشخاص الذين كانوا يتبعونه سيعرفون على الفور أنه 
توجه إلى قطار العاشرة مساء المتوجه إلى القاهرة» ولن يكون من الصعب عليهم 
معرفة أنه متوجه إلى الصحراءء وبالتالي قد يعيقونه. ولا شك أن الطريق التي 
سيتوقعون أنه سيسلكها هي الطريق الأقصر . 

بدلا من التوجه إلى الجنوب الغربيء قرر الذهاب في الاتجاه العكسي-- الشمال 
الغربي - إلى الإسكندرية عبر الطريق الساحلية السريعة لمرسى مطروح» ثم التوجه 
جنوبا إلى واحة سيوة. على الرغم من أن هذه الطريق أطولء إلا أنها كانت أفضل؛ حيث 
كانت في حالة أفضل» وبها مساحات صحراوية أقل للعبور مما هي حال طريق البحرية 
والأهم من ذلكء أنها آخر طريق قد يفكر فيها متتبعوه. ملا خليفة السيارة بالوقود» ثم خرج 
من القاهرة سالكا الطريق السريعة رقم 11 نحو ساحل البحر المتوسط. 

فطع خليفة الطريق سريعاء وعلى جانبيه مسافات صحراوية تتخللها مساحات 
خضراء. كانت السيارة مزودة بمسجل؛ ولكن لم يكن هناك سوى شريط واحد لكاظم 
الساهر بعنوان حبيبتي والمطرء وبعد أن استمع إليه أربع مرات» أخرجه وأخذ يقود 
في سكون. 

وصل خليفة إلى الإسكندرية في ساعتين» وإلى مرسى مطروح في خمس 
ساعات» ولم يتوقف سوى مرتينء مرة ليتزود بالوقود» والأخرى لينظر إلى بحر 
الإسكندرية» لأنها المرة الأولى التي يراه فيها. 

عندما وصل إلى مرسى مطروح؛ تزود بالوقود مرة أخرى» واستمر في السير 
غربا لمسافة عشرين كيلومترا أخرى قبل أن يتوجّه جنوبا إلى طريق سيوة وسط 


292 


شريط أسفلتي خاو من أي شيء. كانت الشمس تميل للغروب الآنء ولذا أسرع أكثر 
وأكثر وسط مجموعة من العلامات القديمة التي توضح وجود خط أنابيب مدفون في 
هذه المنطقة. باسئثناء ذلك لم يكن هناك شيء آخر سوى بعض الأشجار المنتشرة هنا 
وهناك» وقطيع من الجمال العربية ذات جلود بنية شعتاء. 

في وسط الطريق إلى سيوةء وجد خليفة مقهى على شكل كوخ» يحمل اسم مطعم 
الإسكندرء حيث توقف لتناول كوب من الشاي» قبل أن يمضي قدما في طريقه. حل 
الظلام» وأصبحت الصحراء عبارة عن ظلام دامسء وبين الحين والآخرء كان يرى 
بعض الأضواء وسط الصحراء التي ربما تعكس وجود مخيم عسكري أو قرية 
بالإضافة إلى بعض أبار البترول. باستثناء ما تقدم» لم يكن هناك سوى خليفة يجوب 
هذه الصحراء الشاسعة مستمعا إلى صوت كاظم الساهر. 

بحلول السابعة مساءء شعر خليفة أن الصحراء بدأت تتناقص من الأطر اف» 
حيث ظهرت مجموعة من الوديان والقمم الجبلية والمنحدرات. بدأت الطريق في 
الانخفاض الآن وسط مجم وعة من المنحدرات والنتوءات الجبلية قبل أن تنيسط 
الأرض مرة أخرى ليرى فجأة ما يبدو سجادة من الأضواء المتلألتة وكأنها مجموعة 
من القوارب وسط بحر ساكن. قال خليفة 'واحة سيوة!" ثم أبطأ قليلا ليستمتع بهذا 
المنظر الرائع قبل أن يمضي قدما في طريقه. 

استغرقت الرحلة قرابة التسع ساعات» شرب خلالها خليفة علبتين من السجائر. 


203 


36 


الصحراء الغربية 


بدا سيف الثار وكأنه مخلوق من الظلام نفسه. ففي لحظة كان دانيل وتارا 
يجلسان بجوار بعضهما ينظران إلى ضوء مصباح الكيروسين» وفي اللحظة التالية: 
وجدا الرجل ماثلا أمامهما من وسط الظلام عند مدخل الخيمة والعصابة على رأسه 
ووجهه. أومأ سيف الثأر للحارس بإصبعه؛ فهب واقفا ورحل. 

قال دائيل "أنت سيف الثأر ألبس كذلك؟" 

لم ينبس الرجل ببنت شفة» وإنما ظل يحدق بهماء وخيّم الصمت لوهلة. 

سأل دائيل 'لماذا أتيت إلى هنا؟ هل حضرت لتنظر إلينا قبل أن تقتلناء أم لتبتهج 
بنصرك؟ قال دانيل ذلك وهو ينظر إلى الندب على وجه تارا وملابسها الممزقة» ثم 
أضاف "لابد أن الله سعيد بك الآن!" 

"لا تنطق بلفظ الجلالة" قال سيف الثأر بصوت هادئ» وهو يتقدم خطوة للأمام: 

ولكن يعكس جدية لا مراء فيهاء ثم أضاف "أنت لست أهلا لنطق لفظ الجلالة". 

نظر سيف الثأر إلى وجنة تارا المنتفخة» وآثار الحروق على رقبتها وصدرها 
وذراعهاء ثم تجهم وجهه»ء وقال "هل درافيتش هو من فعل بك ذلك؟" 

أومأت تارا إيجابا. 

'لن يحدث ذلك ثانيةء لقد كانت حادثة". 

قال دانيل "لاء سيحدث ذلك مرة أخرى. لقد كان شيئًا متوقعا من أشخاص أمثالك 
أنت ودرافيتش". 

تجهم وجه سيف الثأر مرة أخرى. وقال "لا تضعني أنا ودرافيتش في بونقة 
واحدة يا دانيل. فهو مجرد أداة» أما أنا فأخدم الله سبحانه وتعالى'. 


294 


هن دانيل رأسه ساخراء وقال "إنكم تثيرون ضحكي» فأنتم تذبحون النساء 
والأطفال» وتقنعون أنفسكم أن ذلك ابتغاء مرضاة الله". 
القد قلت لك لا تنطق لفظ الجلالةء إن لسانك يلوثه". 
ا إن لسانك أنت يلوثه في كل مرة تستخدمه فيها لتبرير فاجعة من الفواجع 
التي ترتكبهاء هل تتوقع فعلا أن الله يتقبل... 
فجأة وبحركة خاطفة» أمسك سيف الثأر برقبة دانيل» وضغط بإصبعه على 
حنجرته» وجعله ينهض على قدميه. حاول دائيل التخلص منهء ولكن قبضة الرجل 
كانت محكمة. 
صرخت تارا 'توقف أرجوك". 
لم ينتبه إليها سيف الثأرء وقال "إنكم جميعا متشابهون يا أهل الغربء إن نفاقكم لا 
مثيل له» فمئات الأطفال يموتون يوميا في العراق بسبب العقوبات التي تفرضها حكوماتكم 
عليهم» وعلى الرغم من ذلك ما تزال لديكم الجرأة لتخبرونا بالصواب والخطأ". 
تحول لون وجه دانيل إلى اللون الأحمر. 
'هل ترى هذه؟' رفع سيف الثأر يده الأخرى؛ وأشار إلى الندبة على جبينه؛ وقال 
القد تعرضت لها على يد رجال الشرطة في أحد الأقسام (مخافر الشرطة)ء لقد 
ضربوني بشدة حتى أنني فقدت لبصر لثلاثة أيام» وما هي جريمتي؟ جريمتي أنني 
ثت باسم الملايين من أبناء هذا الشعب المقهور. هل تهتم بذلك؟ هل تهتم بأن 
نصف العال يعيش فى ققر مدقم لأجل حفئة يريدون السيطرة على مقدرات العا 
ليعيشوا في ترف لا حدود له؟ بالطبع لاء فأنت كبقية أبناء جنسك تصدرون أحكامكم 
جزافاء وتلقون باللوم طبقا لما تمليه عليكم أهواؤكمء أما بقية مشاكل العالم فتغضون 
عنها الطرف". 
ظل سيف الثأر محكما قبضته على حنجرة دانيل لوهلة أخرىء قبل أن يتركه 
ليسقط على الأرض قائلا بصوت مختنق 'يالك من متعصب أحمق". 
لم يبذ على سيف الثأر أي تغيير على الرغم من الجهد الذي بذله وهو ممسك 
برقبة دانيل. 
وقف سيف الثأر أمام دانيل مباشرة» وجلبابه الأسود يتدلى فوقه وكأن الرجل 
مخلوق من الظلام باستثناء وجهه فقطء ثم قال 'ربما أكون متعصبا مجنوناء ولكن 
السؤال هو لماذا أنا كذلك؟ أنت تدعوني أنا وأتباعي بأننا متعصبون ومتطرفون› 
ولكنك لم تفكر لحظة في ما وراء هذه الكلمات» ولم تحاول قط معرفة ما دفعنا إلى 
295 


ذلك. لقد تعرضت لأنواع شتى من الخوف والرعب يا دانيل". قال سيف الثأر بنصوت 
خافتء؛ ثم أضاف القد رأيت رجالا يتعرضون لألوان من العذاب في السجونء وأناسا 
جوعى لدرجة تدفعهم إلى التقاط فتات الطعام من القمامةء وأطفالا يتعرضون لأشد 
ا اع الإيذاءء لا لشيءء إلا لأنهم أقرباء لبعض الأشخاص ممن لا يتفقون مع آراء 
السساسة. هذه هي الأشياء التي تصنع رجالا مثليء وهذه هي الأشياء التي ينبغي إلقاء 
اللوم عليها'. 

سأل دانيل بصوت مختنق "وهل ترى الحل في قتل السواح". 

ابتسم سيف الثأر ابتسامة باهتة» وقال "لا بالطبع» إننا نحاول فقط لفت الانتياه 
عندما نفعل ذللك”". 

'ما هي هذه النقطة التي تستحق قتل الأبرياء من أجلها؟" 

رفع سيف الثأر يدهء وإذا بأصابعه رفيعة للغاية» وكأنها لهيكل عظميء وقال 
"هذه النقطة هي أننا لم نعد نحتمل تدخلكم في شؤوننا...» فأنتم ترتعون في بلادنا بينما 
نحن نتضور جوعا ونتعرض للقهر والإيذاء". أخذ سيف الثأر يحدق بدانيل والندبة 
على جبينه تزداد احمرارا في ضوء مصباح الكيروسين. 

'دوما ما أفكر في ما ستفعلونه أنتم في الغرب لو كان الأمر معكوساء بحيث 
تكونون أنتم من يجوبون الشوارع لتستجدوا لقمة العيش» بينما نحن نستبيح ثرواتكم 
وننتهك تقاليدكم. ماذا كنتم لتفعلوا لو أن نصف كنوزكم سلبت منكم ليتم وضعها في 
المتاحف؟ أو لو كنتم تعرضتم لحادثة كحادثة دنشواي؟ لابد أنها كانت لتكون تجربة 
مشوقة لكم. وكانت ستساعدكم على فهم مدى الغضب الذي نشعر به". 

كان صوت الرجل هادئا وخافتاء وأخذت بعض الفقاعات تتكون على جانبى فمه. 

استطرد سيف الثأر قائلا "هل تعلم أنه عندما اكتشف كارتر مقبرة توت عنخ 
امونء؛ وقع عقدا مع صحيفة التايمز اللندنية» يكون لها بموجبه الحق الحصري في 
تقديم تقارير عما تحتويه المقبرة؟ أي أننا نحن المصريون تعيّن علينا اللجوء إلى 
صحيفة أجنبية للكشف عن أسرار أحد ملوكنا". 

قال دانيل بصوت مختنق "كان ذلك منذ ثمانين عاما". ثم أضاف "الوضع مختلف 
الان". 

لاء ليس مختلفا! ما تزال مواقفكم كما هيء فأنتم تنظرون إلينا كعرب ومسلمين 
على أننا أقل تحضرا وأقل قدرة على ترتيب شؤوننا الداخلية» وبالتالي تعاملوننا كما 
يحلو لكم» وإذا ما اعترضنا نصبح متعصبين ومجانين". 

296 


نظر إليه دانيل دون أن ينطق بكلمة واحدة. 

"أرأيت؟ ليس لديك إجابة على ذلك سوى طلب الغفران عما فعلتموه في هذه البلد 
وأهلها. لقد دنستم تراثناء ونهبتم خيراتناء وأخذتم دون عطاءء ولكن الآن حان الوقت 
لنعيد الأمور إلى نصابها". 

كان سيف الثأر غارقا وسط الظلام لا تكاد ترى منه شيئاء بينما تدوي أصوات 
الحفر في الخارج» وسط الهدوء والسكون في الخيمةء وكأنها جزء من عالم آخر. خيم 
الصمت لو هلةء قبل أن تنهض تارا متحدثة إلى الرجل. 

'أنالا أعرف الكثير عن مصرء ولكن أنا متأكدة أنّ والدي الذي لقي مصرعه 
على يد رجالك» كان يحب هذه البلد وأهلها وتراثها أكثر منك. انظر إلى ما تفعله هنا 
من دمار لميكن أبى ليرضى بهء لأنه كان دوما يسعى لحماية الماضي» أما أنت 
فترغب فقط في بيعه لمن يدفع أكثرء ولذلك أنت المنافق ولسنا نحن". 

ظهرت علامات الغضب على وجه الرجلء ولوهلة ظنت تارا أنه سيضربهاء 
ولكن يديه لم تتحركا من مكانهماء ثم تحدث بهدوء قائلا "لا أشعر بأي سعادة في تدمير 
الجيش على هذا النحو يا آنسة مولراي. ولكن يتعين علينا في بعض الأحيان القيام 
ببعض التضحيات لتحقيق هدف أسمى. وإذا كانت تتطلب التضحية بجزء من تراثناء 
فليكن ما يكون طالما أنني أشعر براحة الضمير". 

ظل سيف الثأر ينظر إليها لوهلة؛ ثم انحنى أمام المصباحء وقال "أنا أنفذ إرادة 
الله» ودوما ما يوفقني إلى ما فيه الخير”". 

تقدم سيف الثأر خطوة للأمام» ووضع يده على الجزء المعدني في المصباح» دون 
أن تبدو عليه أي آثار ألم» ورائحة الجلد المحترق تسري إلى أنف تارا وتدفعها للتقيؤ. 

"لا تشككوا في قوة إيماننا أبداء فالندبة على جبين كل أتباعي هي علامة على 
عمق اقتناعهم وإيمانهم الذي لا يتزعزع ولا يتسرب إليه أدنى شك". 

ظل الرجل على هذه الوضعية لمدة طويلة» وهو ينظر إلى تاراء ويده على 
الجزء المعدني في المصباح» دون أي أمارات ألم» ثم نهض وراحة يده حمراء كالدم. 

القد سألتني عن سبب قدومي إليكما يا دانيل» وأنني أتيت لرؤية سجيني» ولكن 
هذا ليس صحيحاء لقد أتيت إليكما لنتفاهم". ثم توجّه نحو مدخل الخيمة مغادرا. 

نادى عليه دانيل قائلا "أنت تعلم جيدا أن هذا الأمر لن ينجح» فلن تتمكن من 
اكتشاف سوى جزء بسيط من الجيش» وسيأتي آخرون ويكتشفون الباقي» وبالتالي لن 
تكون هناك قيمة لما معك» فالأمر لن ينجح إلا بعد اقتناء محتويات الجيش بأكمله". 


297 


استدار سيف الثأر مبتسماء وقال 'لدينا خططنا يا دانيل» فالله أرشدنا إلى هذا 
الجيشء وسيصمن أنا حصاد كل مأ فيه . 


أومأ سيف الثأر إليهماء ثم اختفى وسط الظلام. 


واحة سیو ه 
ما إن دخل خليفة إلى ساحة محطة الوقود الوحيدة في سيوة» حتى انقطعت 
الكهرباء فجأة» وتحول المكان بأسره إلى ظلام دامس. 
فال عامل المحطة 'إذا كنت تريد التزود بالوقود فعليك الانتظار حتى تعود 
الكهرباء لأن المضخات لن تعمل بدونها". 
"هل سأنتظر طويلا؟' 
'ربما خمس دقائق وربما خمس ساعات, أتدري أننا ذات مرة انتظرنا يومين". 
"آمل ألا ننتظر هذه المدة". 
أجاب الرجل "إن شاء الله". 
انتظر خليفة عند حافة المحطة؛» ثم نزل من السيارة لأن الهواء كان حارا للغاية. 
في هذ الأثثاء» مرت عربة تجرها الحمير»ء وعلى متنها مجموعة من النساء 
يضعن مأ يشبه الخمار على وجوههنء وكأنهن مصنوعات من الشمع. 
ظل خليفة يتمشى جيئة وذهابا ليريح قدميه» ثم أشعل سيجارة؛ وتوجّه إلى أحد 
الأكشاك في الساحة الرئيسية» واشترى كوب شايء» وجلس على مقعد خشبي» وأخرج 


الهاتف المحمول الذي أعطاه إياه عبد الله وطلب رقم حسني الذي أجاب عند الرنة 
الرابعة. 


٤ 4 f‏ معاكت + أب ف 


اندهش حسني» وقال 'بالله عليك ماذا يجري يا خليفة؟ لقد حضر رجال 
المخابرات بحثا عنك» أين أنت؟" 

كذب خليفة عليه» وقال " في واحة البحرية". 

"البحرية؟ وماذا تفعل هناك؟" 

'شيئا ما يتعلق بعملي» ولا يمكنني الإدلاء بتفاصيل عنه". 

لقد حضروا إلى مكتبي يا خليفة هل تفهم ماذا يعني ذلك؟ إن عالم تجارة زيوت 
الطعام صغير للغاية» وتنتشر فيه الشائعات كالنار في الهشيم". 


If 


"اسف يا حسني". 


298 


أنا متأسف أن أخبرك أنهم إن أتوا مرة أخرى فسأخبرهم بمكانك؛ فأنا في 
مرحلة حرجة في مشرو ع زیت النيمسه الأجديد» ولن أسمح لاي شيء بالإضرار 


بتجارتي". ظ 
"أفهم الوضع يا حسني» ولو أتوا إليك مرة أخرى أخبرهم عن مكاني. هل زينب 
بجو ارك؟' 


انعم إنها هنا. لقد حضرت هذا الصباح. نحن بحاجة للتحدث مع بعضنا عندما 
تعود يا خليفة» من رجل إلى رجل فهناك أمور لابد من تسويتها". 

'حسناء حسنا سنفعل ذلك عندما أعودء هل يمكنني التحدث مع زينب؟' 

كانت هناك أصوات صياح. ثم وقع أقدام تقترب» وبعدها سمع صوت زينب 
وهي تقول لحسني "أغلق الباب من فضلك". 

'يالك من رجل فضولي" قالتها زينب ما إن أغلق حسني الباب. 

ابتسم خليفة وبادرها قائلا "كيف حالف؟"' 

'بخيرء وأنت؟" 

'لن أسألك أين أنت يا خليفة". 

'نعم؛ من الأفضل ألا تفعلي. كيف حال الأولاد؟" 

أيفتقدونك بشدة»ء لقد قال علي إنه لن يلعب بالبوق حتى تعودء وأنا أتمنى ألا تعود 
قريبا لأن صوت البوق يزعجني". 

ضحك الاثنان غير أن الضحكة بدت مصطنعة. 

'إنهما بالخارج مع سماء في الاحتفال» وسأخبرهما عندما يعودان أنك اتصلت 
أرسلي لهما أرق تحياتي". 
'بالطبع سأفعل". 
لقد كان خليفة يُفكر في زوجته معظم فترات اليوم» والآن وهي معه على 
الهاتف» لا يجد ما يقوله لهاء غير أنه تمنى لو بقيت معه لساعات على الهاتف يسمع 
فقط تردد أنفاسها دون كلمة منها. 

أخير ا قال خليفة "حسناء لقد أردت الاطمئنان عليكم وأن حسني لا يز عجكه". 

"لا يجرؤ على ذلك يا خليفة". خيّم الصمت مرة أخرىء ثم قالت زينب "هؤلاء 
الرجال...". 

209 


'رجاء لا تسألي يا زينب» ستكونين بخير طالما أنك لا تعرفين شيئاء وهذا هو 
كل مأ يعنيني؛ أن تكوني والأولاد بخير". 

أخذ خليفة يُفكّر في شيء آخر يقوله ليطمئنها فلم يجد سوى إخبارها برؤيته 
للبحرء 'قد أصطحبك أنت والأولاد إليه ذات يوم". 

'أحبك يا خليفة". 

'أنا أيضا أحبك أكثر من أي شيء في العالم» رجاء قبّلي الأولاد بالنيابة 

'بالطبع» اعتن بنفسك". 

خيّم الصمت لمرة أخيرة قبل أن يغلقا الهاتف معا. 

أنهى خليفة كوب الشايء: ونهض واقفا في الساحة المظلمة وأمامه مسجد كبير 
تظهر سجادته البيضاء كالثلج في هذا الظلام الدامس. توجّه خليفة لشراء شيء ما 
يأكله» ولكنه غيّر رأيهء وتوجّه إلى المسجدء وخلع حذاءه وتوضا. 

كان المدخل مظلما وساكنا وسط ضوء الشموع القليلة المتناثرة هنا وهناك» حتى 
أن خليفة اعتقد أنه الوحيد في المسجدء ولكن سرعان ما رأى شخصا آخر ساجدا في 
مقدمة المسجد. 

وقف خليفة لوهلةء ثم رفع يديه مكبراء ودخل في الصلاة قارئا الفاتحة وسائاد 
المولى عز وجل أن يحميه وأسرته. سرعان ما شعر خليفة أن كل همومه ومخاوفه 
تتلاشى تدريجيا تماما كما يحدث في كل مرة يلجأ فيها إلى الله. بدا العالم في الخارج 
هادئاء وكأن الهدوء والسكينة قد اتسع لهما باب المسجد فامتزجتا معا ليعما العالم 
بأسره فبدا الأمر وكأن سيف الثأر ودرافيتش وحساني وجيش قمبيز ما هم إلا درات 
من التراب تدور في فلك العزيز القهار مما أشعره براحة غامرة. 

ظل خليفة يصلي لعشرين دقيقة» ثم انتهى بعد أن أتم عشر ركعات. فور انتهائه 
من الصلاة عاد التيار الكهربائي مضيئا مدخل المسجدء فابتسم خليفة شاعرا أن الله قد 
استجاب دعاءه. 

بالخارج كان الضوء يغمر الساحة؛ وعادت الحياة مرة أخرى إلى المضخات 
فتزود خليفة بالوقودء وملا كذلك الحاويات الثماني فوق السيارة بالوقود بالإضافة إلى 
ثلاث حاويات مياه من صنبور المسجد. بعد أن دفع تمن الوقودء واشترى ثلاث علب 


300 


سجائر نفدت منه النقود تقريبا. استقل خليفة السيارة مرة أخرىء وتوجّه عبر المدينة 
نحو الكثبان الرملية المنخفضة في الحافة الجنوبية. ظ 

لم يسر خليفة في الصحراء سوى لمسافة كيلومترين» ثم سار بجوار منطقة 
مستوية من الرمال على جانبيها حشائش خضراء» وخلفه أنوار واحة سيوة. فى 
الاتجاه المقابل» لم يكن هناك شيء سوى الفراغ تحت ضوء القمر وصوت نباح 
كلب ضال في البرية. تناول خليفة بعضا من الطعام الذي أعطته إياه زينب في 
الصباح» حيث إنه لم يأكل طوال النهارء ثم أخرج غطاءين من الصندوق الخلفيء 
وأراح الكرسي للوراء؛ وهو ينظر من النافذة إلى النجوم المتناثرة في السماء. فجأة 
طرأت على باله الفكرة التاليةء لقد قطعت كل هذه المسافة دون أن أفكر في ما 
سأفعله عندما أعثر على الجيش. حاول خليفة التفكير في ما سيفعله» ولكنه كان 
مجهدا للغايةء ولذا كان كلما حاول التفكيرء تلاشت صورة الجيش ودر افيتش 
وسيف الثأر من أمام عينيه حتى تحولوا أخيرا إلى ما يشبه نافورة كبيرة من المياه 
كروي الصحراءء وتحولت الرمال إلى خضرة على مد البصرء حيث كان قد غط 
في نوم عميق؛ وإلى جواره المسدس على الكرسي المجاورة بعد أن أغلق أيواب 
السيارة بإحكام. 


استيقظت تارا مفزوعة من نومها ورأسها على قدمي دانيل وهو ينظر إليها. 

القد كنت تمسك بمالج وتحفر في قلبي". 

"إنه مجرد حلم يا تارا كل شيء على ما يرام يا عزيزتي". 

'لقد كنت على وشك دفني في تابوت". 

أنحنى دانيل؛ وقيّل رأسها. 

اخلدي للنوم يا عزيزتي» كل شيء سيكون على ما يرام". 
الضعيف. نظر إليها دانيل لوهلةء ثم وضع رأسها برفق على الأرض» ونهض يجوب 
ضوع المصباح وكأنه يرتدي قناعا ينسلخ تدريجيا. 

همس دانيل "هيا تعال» أين أنت؟ هيا تعال". 

نظر إليه الحارس بوجهه الجامد وإصبعه على زناد البندقية. 


301 


الصحراء الغربية - بالقرب من واحة سيوة 

استيقظ خليفةء ويد زينب تداعب وجهه أو هكذا خيّل إليه» حيث كانت أشعة 
الشمس هي من يداعب وجهه عبر نافذة السيارة مع بزوغ خيوط الصباح. رفع 
الغطاءين عنه»ء ثم فتح الباب وخرج» فارتعش من البرد لأن الشمس لم تكن قد 
زادت من حرارة الجو بعد. تلا خليفة أدعية الصباح» ثم أشعل سيجارة» وصعد 
مرتفعا صغيرا بجوار المنطقة التي بات ليلته فيها. إلى الشمال كان الهلال 
الأخضر لواحة سيوة يمتد إلى اليسار واليمين بينما البحيرات المالحة تلمع أسفل 
أشعة الشمس وأعمدة من الدخان تتصاعد من بين أشجار الزيتون والنخيل. 
ياستثناء ذلكء كانت الصحراء المترامية على مد اليصر عبارة عن سفوح من 
الرمال والحصى والنتوءات الصخرية. ظل خليفة يحذق بها لوهلة والخوف 
يتسرب إلى قلبه جراء هذا الفراغ الذي لا نهاية له» ثم ألقى بسيجارته» وعاد إلى 
السيارة. أخرج جهاز تحديد المواقع» وبدا كما قال عبد الله بسيطا وسهل 
الاستخدامء حيث أدخل خليفة إحداثيات الصخرة الهرمية» وضغط على زر اعثر 
على» وإذا بالجهاز يوضح أنها على بعد 79 كيلومترا على ارتفاع 133 درجة. بعد 
ذلك بحث خليفة عن موقعه الحالي» فاتضح أنه في واحة الفرافرة» وضع الجهاز 
في حقيبته إلى جوار الهاتف المحمول والمسدس. 

أفرغ خليفة بعض الهواء من الإطارات حتى يزيد من سرعة السحب في 
السيارة» وتحرك ببطء مخلفا آثارا للإطارات على صفحة الرمال. 

لم يسبق لخليفة القيادة على مثل هذه الأرض الرملية» لذا توخى الحذرء وسار 
ببطء نوعاما. فعلى الرغم من صلابة أرضية الصحراءء إلا أن المنحدرات كانت 
تظهر بين الحين والآخرء وفجأة يجد نفسه أمام أعلى كثيب رملي ينحدر لمسافة 
عشرين متراء حتى أنه بالكاد استطاع الحفاظ على سيطرته على مقود السيارة في 
إحدى المرات التي كان سيسقط فيها من أعلى أحد الكثبان مخلفا آثارا عميقة في 
الرمال. كل هذه الأشياء دفعته إلى تخفيف سرعته أكثر وأكثر. | 

كانت هناك آتار لإطارات سيارات أخرى في الكيلومترات الأولى وهي في 
الغالدب ترجع إلى السيارات التي تصطحب السواح في رحلات السفاري من واحة 
سيوة. بشكل تدريجيء اختفت هذه الآثارء وبدأت الصحراء تحيط به من كل الجوانب» 
ورأى خليفة هيكلين عظميين نصفهما مدفون في الرمال يرجعان غالبا لحيواني ابن 
أوى. وباستتثناء هذين الهيكلين العظميين اللذين اكتسيا باللون الأبيضء» لم تكن هناك 

302 


علامات على وجود حياة في هذه الصحراء؛ فقط رمال وحصى والسماء الزرقاء 
حتى أن الهلال الأخضر لواحة سيوة اختفى في الأفق البعيد. 

بعد فترة» اكتشف خليفة أن الوصول إلى الصخرة الهرمية سيستغرق وقتا أطول 
مما أوضحه الجهازء وذلك لأن الجهاز أوضح المسافة طبقا للسير في خط مستقيم وهو 
ما استحال القيام به بسبب الكثبان الرملية المرتفعة؛ والمنحدرات التي تعين على خليفة 
تجنبها إلى اليمين تارة وإلى اليسار تارة أخرىء كما أن بعض الممرات جعلته يسلك 
طرقا جانبية تمتد لمئات الأمثار فقطء وأخرى جعلته يقطع ما يزيد عن الثلاثة أو 
الأربعة كيلومترات. وبعد ساعتين من القيادة المستمرة» توقع خليفة أن يكون قد قطع 
سبعين كيلومترا من المسافة المقررة» ثم استعان بالجهاز فإذا به يوضح أنه اقترب من 
الصخرة الهرمية أربعين كيلومترا مما جعله يشك في إمكانية الوصول إليها أصلا. 

مرت ساعات الصباح ببطء دون أن يتوقف عن القيادة سوى لمرة واحدة 
ليسترخي لبضع دقائق» ويتمشى قليلا وسط هذا السكون القاتل الذي لم يشهد له منياد 
قبل ذلك. 

وسط هذا السكونء تأكد خليفة أن صوت هذا المحرك سيبدو واضحا وسط هذه 
الصحراء» حتى أن رجال سيف الثأر الذين يراقبون المكان سيسمعونه لا محالة من 
على بعد عدة كيلومترات. 

قال خليفة متهكما وهو يعود لقيادة السيارة شاعرا بأنه مكشوف للغاية "لا ينقصهم 
سوى أن أرسل رسالة بالراديو أخبرهم أنني في طريقي إليهم'. 

استمرت التضاريس كما هي على مدار الساعتين التاليتين قبل أن ينتصف 
النهارء ويجد خليفة نفسه أمام ما يشبه سلسلة من التلال التي تعانق السحاب. كانت 
الحرارة شديدة وأشعة الشمس متوهجة لدرجة عجز معها خليفة على تحديد ماهية هذا 
الشيءء ولكن ما إن اقترب حتى اتضح أنها ليست سلسلة من التلالء» وإنما هو كثيب 
رملي ضخم يمتد عبر منحنى مستقيم على مد البصر أمام مجموعة أخرى من الكثبان 
الرملية المتناثرة خلفه»ء وكأنها مجموعة من الأمواج المتلاحقة ترتطم بالشاطئ؛ 
وبالفعل كانت هذه الكثبان هي الحدود الخارجية لبحر الرمال الأعظم. 

لم يستطع خليفة سوى النطق بلفظ الجلالة قائلا "الله أكبر". تعبيرا عن مدى 
د هشته. 

ظل خليفة يقود حتى وصل إلى قاعدة الكثيب الرملي المرتبطة بالكثيب الرملي 
الذي يليها وكأنها حاجز كبير. خرج خليفة من السيارة» وصعد أعلى الكثيب الرمليء 

303 


وسط رمال ناعمة أنهكته» وجعلته يعرق عرقا شديدا حتى وصل إلى القمة ليرى 
مجموعة لا متناهية من الكثبان الرملية التي تعانق السماء في صمت وسكون ونظام 
عجيب على عكس كل ما مر به في الصحراء. في هذه اللحظة» تذكر خليفة قصة كان 
يحكيها له والده توضح أن الصحراء ما هي إلا أسد نائم في عرينه؛ ولكنها ستصحو 
يوماما وتلتهم العالم بأسره. والآن» وهو ينظر إلى كل هذه الكثبان الرملية» لم يكن 
أمامه إلا تصديق قصة والدهء لأن الصحراء ذات الرمال الصفراء المائلة إلى اللون 
البرتقالي تشبه الفروة» وتمثل حوافها نتوءات تجعلها تبدو وكأنها وحش كاسر من قديم 
الأزل» حتى أنه لم يشأ أن يطفئ السيجارة في الأرض لأنه شعر أنه سيحرق بها لحم 
هذا الوحش الحي. 

أخذ خليفة ينظر إلى هذا المشهد لوهلة قبل أن يهبط إلى السيارة مرة أخرى؛ 
وقدماه تغرسان في الرمال حتى ركبتيه وفكرة أن هناك رمالا متحركة وبالأخص عند 
قاعدة الكثيب الرملى تسيطر عليه» ولكنه قال لنفسه "لاء لن تنتهي هذه المغامرة على 
هذا النحو البائس". ثم مضى في طريقه بالسيارة. 

بعد أن أفرغ مجددا بعض الهواء من الإطارات» أعاد ملء الخزان بثلاث 
حاويات من تلك الثماني الموجودة في أعلى السيارة. شغل المحرك على معدل السرعة 
الأول» وسار بها على حافة الكثيب الرملي. طبقا للجهاز كان لا يزال أمامه قرابة 
المئة كيلومتر حتى يصل إلى الصخرة الهرمية. 

كانت سيارة التويوتا البيضاء التي يستقلها خليفة تبدو كالقزم بجوار الكثبان 
الرملية العملاقةء وكأنها قارب تتلاعب به الأمواج وسط محيط هائج. ظل خليفة يقود 
بسرعة بطيئة متفحصا كل كثيب رملي يصعده ليتأكد من أنه لا ينتهي بمنخفض 
مفاجئ. وكانت الكثبان الرملية متقاربة في بعض الأماكن» ومتباعدة في أماكن أخرى 
تباعد بينها سهول تصل إلى مئات الأمتار. وخلفه آثار الإطارات في الرمال وكأنها 
غرز جراحية في جسد شخص ما. 
٠‏ في بادئ الأمر كانت الكثبان منخفضة الارتفاع. ولكن سرعان ما وجد نفسه أمام 
كثبان تنتهي بمنخفضات مخيفة تجبره على السير بعرض تمتها حتى يصل إلى منطقة 
سهلة النزول أو يعود أدراجه؛ ويبحث عن طريق مجاورة لكثيب رملي قد يمتد 
لعشرات الكيلومترات بعيدا عن المسار الذي يريد أن يسلكه. على الرغم من أن 
النوافذ مغلقة والتكييف تام داخل السيارة:؛ إلا أن خليفة كان يشعر بالحرارة الشديدة 
المنبعثة من هذه الصحراء القاسية. 


304 


كلما تقدم خليفة في طريقهء شعر بمدى الغموض المحيط بهذه الصحراء» وكأن 
الكثبان الرملية تتشكل كيفما تشاءء فبعضها أصفر وبعضها برتقالي حتى أنه توقف 
ليتناول جرعة من الماء وإذا بنسمة هواء عليلة تهب وكأن الكثبان الرملية تتنفس. في 
بعض الأحيان» شعر أنه يريد الصراخ» ليعلم الصحراء أنه ما أتى ليصيبها بضرر» 
وأنه مجرد عابر سبيل سيرحل بمجرد انتهائه من عملهء ولن يرجع مرة أخرى. لم 
يشعر خليفة في حياته بمثل هذه الوحدة أو الصغر. حاول الرجل الاستماع إلى شريط 
كاظم الساهرء ولكن كلماته بدت غير مناسبة للوضع القائم» وقد استغرق خليفة في 
المكان حوله حتى أنه نسي التدخين. 

بحلول الخامسة مساءء بدأت الشمس في الغروب» وأخذ خليفة يتفحص المكان 
من فوق أحد الكثبان الرملية الضخمة:؛ وإذا به يلاحظ شيئا إلى اليسارء فأطفأ المحرك؛ 
وخرج من السيارة. 

كان من الصعب تحديد ماهية هذا الشيء بالعين المجردة بسبب الحرارة والرياح. 
. بدا هذا الشيء» وكأنه مثلث عائم فوق الكثبان الرملية التي تعانق السماء. أخرج خليفة 
المنظار المكبر ليرى هذا الشيء بوضوح» وإذا به بروز ضخم لصخرة هرمية تقبع 
فوق الرمالء وكأنها قمة جليدية سوداء. توقع أن تكون المسافة خمسة وعشرين 
كيلومتراء وطبقا للجهاز كانت المسافة ثمانية وعشرين كيلومترا. حاول خليفة رؤية 
قمم الكثبان الرملية ولكنه لم يلحظ أي نشاط بشري باستثناء شكلين أسودين غامضين 
ربما يكونان نقطتي مراقبة؛ وربما لا. وضع خليفة المنظار المكبر جانباء وأغلق عينيه 
محاولا الاستماع إلى أي شيء» وبالفعل سمع صوت دوران محرك على مسافة بعيدة 
ولكن بشكل متقطعء وفي كل مرة يكون الصوت أقوى من سابقه. بدت الصحراء 
وكأنها تتسع وتكبر لدرجة يصعب معها تحديد مكان المحرك. بعد أن استمع لدقيقة 
كاملة اكتشف أن الصوت لا يصدر من الصخرة الهرمية وإنما من ورائها من الطريق 
التي أتى منهاء فاستدارء وركز بالمنظار المكبر على قمة الكثيب الرملي الرابع على 
بعد قرابة كيلومترين من موقعه الحالي. 

بالنظر إلى الكتيب الرمليء وجده خليفة شديد الانحدارء ويستحيل صعوده 
بالسيارة» فاستقل السيارة» وشغل المحركء وانطلق بأقصى سرعة ناحية الكثيب الرملي 
والإطارات تمتلئ بالرمال بعنف بينما هو متشبث بالمقبض» وواضع قدمه على دواسة 
السرعة»ء ولكن ما هي إلا بضعة أمتار حتى علقت الإطارات وسط الرمال. 

"اللعنة!" 


305 


حاول خليفة العودة للخلف وهو ينظر إلى قمة الكثيب الرملي في الجهة المقابلة. 
لوهلة ظن أن السيارة تحررت من الرمال» ولكن سرعان ما علقت الإطارات الأخرى 
أعمق وأعمق حتى محور الإطار. 

قفز خليفة من السيارة» وإذا بالإطارات شبه مختفية في الرمال» ولم يكن أمامه 
فرصة لإخراجها من الرمال لذا عاد إلى السيارة مرة أخرى والتقط جهاز تحديد 
المواقع وحاوية مياه ووضعهما في حقيبته» وهرول عبر المنحدر الذي هبط منه للتو 
وقدماه تغوصان في الرمال. 

ما إن وصل خليفة إلى منتصف الكثيب الرملي» حتى بدأت الرمال تنساب من 
تحت قدميه حتى توقف عن الحركة تماما. حاول جاهدا الصعود أكثر نحو القمة» ‏ 
ولكنه لم يتمكن. حيث كانت حاوية المياه تعيقه عن المضي قدماء فألقى بها على 
مضض حتى يفرغ يديه ويستطيع إحداث توازن لقدميه الغائرتين في الرمال. كان 
هناك صوت دراجات نارية تدوي في الجانب الآخر من الكثيب الرمليء» ولو رآه أحد 
من اتباع سيف الثأر فسيقتله على الفور. 

همس خليفة مشجعا نفسه قائلا "هياء هيا". 

لوهلة ظل خليفة لا يستطيع الحراك؛ ولكن ما إن تأكد أنه في وضع مكشوف. 
حتى تمكن من المضي قدما للأمام وعيناه يظهر عليهما الإرهاق الشديد. وصل خليفة 
إلى القمة»ء ثم هبط فجأة نحو سيارته» وظل مستلقيا يلتقط أنفاسه» ثم أخرج مسدسه. 
وتأكد من وجود ذخيرة به» وصعد إلى القمة مرة أخرى» وأخذ ينظر بحرص شديد 
إلى الوادي بالأسفل. 

في هده اللحظةء» وصلت دراجتان ناريتان إلى السيارة» ونزل منهما رجلان 
يحملان بنادق آليةء فتح أحدهما الباب» ونظر إلى داخل السيارة إلى سترة خليفة التي 
نسيها عندما انشغل بالهروبء أما الآخر فأخذ يصعد الكثيب الرملي متتبعا آثار أقدام 
خليفة» واثار إطارات السيارة. وقف الرجل لوهلة بجوار حاوية المياه؛ التي ألقاها 
خليفة» وأطلق الرصاص عليهاء ثم استمر في الصعود وسط دوي طلقات الرصاص 
في الصحراء الساكنة. 

لم تكن فكرة الجري أسفل الكثيب الرملي صائبة لأن الرجل كان ليصطاده 
كالأرنب» ولا شك أن خليفة يمكنه الانتظار وإطلاق الرصاص عليه متى رآه» ولكن 
ماذا عن الرجل الآخر بالأسفل؟ 

نظر خليفة حوله بسرعة» فلاحظ أن هذا الجزء من الكثيب مجوف إلى حدّ ماء 
E‏ فجوة طويلة أسفل القمة تحتها لسان ملتو من الرمال؛ وكأنها موجة تعود 

306 


أدراجها مرة أخرىء ولو أنه اختبأ في هذا المكان فلن يراه أحد من أعلى. على الرغم 
من أن هذا المكان لم يكن مخبأ جيداء إلا أن خليفة لم يكن أمامه حل آخرء وبالتالي 
أمسك بحقيبة السفرء ونزل إلى هذا المكان مستلقيا على ظهره والمسدس جاهز 
ليستعمله عند الحاجة. 

لوهلة؛ء ظل الوضع كما هوء ثم سرعان ما سمع صوت وقع أقدام» وشعر أن 
الرجل يستقدم نحو قمة الكثيب ينظر هنا وهناك» ويسير للامام حتى أصبح فوقه 
مباشرة؛ حتى أن بعض الرمال تساقطت من حافة الكثيب لتؤكد أن الرجل فوقه 
مباشرة. حاول خليفة كتمان أنفاسه وهو يحرك إصبعه على زناد المسدس. 

خيم صمت رهيب على المكان» وشعر خليفة بالرجل يفكر أين عساه اختبأ. 
ازدادت الرمال المتساقطةء وبدا وكأن الرجل على وشك النزول إليهء فانكمش خليفة 
نحو الداخل» ومرآت بضع ثوان دون حدوث شيء. توقفت الرمال عن التساقط 
تدريجياء والرجل واقف مكانه» والصمت يخيّم على المكان» ثم صاح الرجل 'يبدو أنه 
كان هناء ولكنه نزل إلى الأسفل مرة أخرىء لابد أننا فقدنا أثره في طريقنا إلى هنا". 

ساد الصمت مرة أخرىء ثم سمع صوت وقع أقدام ترحل بعيداء فتنفس خليفة 
الصعداء. 

الحمد لله". همس خليفة وهو يسترخي. 

فجأة رن جرس الهاتف الذي أعطاه إياه عبد الله واستغرق الأمر بعض الوقت 
حتى وصل خليفة إلى الحقيبة» وأخرج الهاتف» وأسكتهء ولكن تأخر الوقت كثيرا على 
كتمان الصوت حيث سمع صوت الرجل يصرخ» ثم سمع وقع أقدام تهرول نحوهء 
فخرج من مخبئه؛ وسارع بإطلاق ثلاث رصاصات من مسدسه بشكل متتابع كانت 
الأولى عالية للغاية والثانية بعيدة للغاية والثالثة أصابت جبهة الرجل مباشرة فألقته 
صريعاء فسقط عبر الجانب الآخر من الكثيب الرملي. 

أسرع خليفة يهرول فوق قمة الكثيب» ولكن سرعان ما استقبله وابل من 
الرصاص جعله ينبطح أرضاء ثم خيّم الصمت لوهلة» قبل انطلاق وابل آخر من 
الرصاص. على الرغم من أن الرصاص لم يكن موجه إلى أعلى الكثيب الرملي؛ إلا 
أن خليفة أخذ ساتراء ورأى الرجل بالأسفل يطلق الرصاص على إطاري الدراجة 
الأخرىء فرفع خليفة مسدسه؛ وأطلق الرصاصء ولكنه لم يصب الرجلء» استدار 
الرجل» وأمطر قمة التل بوابل آخر من الرصاص مجبرا خليفة على التراجع نحو 
الخلف. ساد الصمت مرة أخرىء» قبل أن يسمع خليفة صوت محرك الدراجة النارية. 


307 


عد خليفة حتى الرقم ثلاثة» ثم رفع رأسه مرة أخرىء وشاهد الدراجة تبتعد 
فارتكز على ركبتيه» وصوب الرصاصات المتبقية على سائق الدراجة فأصابه؛ ولكنه 
لم يسقط. والاآن لم يعد لدى خليفة أي رصاصات» وبالتالي لم يكن لديه خيار سوى 
مشاهدة الرجل وهو يهرب أسفل الوادي. بعد بضع مئات من الأمتارء استدار الرجلء 
وأطلق الرصاص على سيارة خليفة لخمس ثوان متواصلة» وفجأة دوى صوت انفجار 
السيارة في أنحاء الوادي مثيرا دخانا أسود في الهواء؛ ثم مضى الرجل في طريقه 
على دراجته النارية. 

لوهلة ظل خليفة ينظر إلى السيارة المشتعلة بالأسفل وهو بالكاد يلتقط أنفاسه 
ويداه ترتعشان. ثم نهض واقفاء وبعد أن التقط أنفاسه وعاد إلى الوراء ممسكا بحقبيته 
حيث كان الهاتف المحمول لا يزال يرن» ضغط على زر وإذا بصوت عبد الله "خليفة 
أيها اللعين» ما الذي أخرك هكذا؟ أنا أتصل لأطمئن أن سيارتي بخير". 

نظر خليفة إلى أعمدة الدخان الأسود المتصاعدة من السيارةء وتزايدت نيضات 

كذب عليه خليفة» وقال "السيارة بخير". 


308 


39 


الصحراء الغربية 


ظل سيف الثأر على قمة الكثيب الرملى منذ الفجر يشاهد الرجال وهم 
يستخرجون مزيدا من جثث الجيش بالتدريج. أشرقت الشمس وغابتء؛ والرجال 
يملؤون العربات المنتشرة في كل مكان وكأنها فم كبير يلتهم كل ما في طريقه. بحلول 
الظهيرة: تم اكتشاف مزيد من المومياوات» حتى أن العربات لم تعد كافية» وعلى 
الرغم من أن المزيد من العربات ستأتي بصحبة قافلة الجمال الليلية» إلا أنها أيضا لن 
تكون كافية لاحتواء الاف القطع الأثرية المكدسة بالوادي حتى أنه بدا وكأنه مستودع 
للأسلحة الأثرية والمومياوات. 

بعد فترة» صرف سيف الثأر بصره عن الجيش» وأخذ ينظر إلى عمود الدخان 
المتصاعد من بعيد. منذ ساعة تقريبا أوردت الدوريات أنهم عثروا على آثار لسيارة 
في الصحراءء وربما يكون هذا الدخان مؤشرا على أنهم عثروا عليها ودمروها. كان 
من المفترض أن يشعر سيف الثأر بالارتياح لرؤية هذا المنظر. ولكن على العكس من 

صعد الصبي محمد الكثيب الرملي حتى وصل إلى جوار سيف الثأر. 

"ماذا هناك يا محمد؟" 

لقد عثروا على سيارة يا سيدي ودمروها. 

'ماذا عن السائق؟" 

'لقد هرب بعد أن قتل أحد رجالناء والرجل الآخر في طريقه إلى هنا". 

ظل سيف الثأر صامتاء وعمود الدخان يتصاعد أكثر وأكثر. كان الدخان الأسود 
يتصاعد من صدع في سطح الصحراء والريح تنشره في أرجاء المكان. 

309 


أخيراء نطق سيف الثأر قائلا "أخبرني عند وصول رجل الدورية» واطلب منهم 
التحليق بالمروحية في أرجاء المكان فلن يبتعد السائق كثيرا". 

'"حسناء يا سيدي". 

استدار الصبيء وأخذ يعدو عائدا إلى المخيم»: بينما سيف الثأر يجوب المكان 
ويداه خلف ظهره وقطعة من القماش تحيط بخصره. 

سأل سيف الثأر "ترى من هذا المتطفل! وماذا يفعل هنا وسط الصحراء وهل 
هو وحده أم معه آخرون؟' 

كلما زاد تفكيره في هذا الأمرء ازداد قلقا. ليس خوفا من اكتشاف أمر الجيش. 
وإنما لشعوره بأن يدا من الماضي تمتد لتمسك به. نظر سيف الثأر إلى عمود الدخان: 
وتخيل أنه أخذ شكل إنسان يحلق فوق الصحراء كجني برأس وكتفين وذراع وعينين 
تنظران إليه بغضب. أشاح الرجل بوجهه منكرا على نفسه التفكير في مثل هذه 
الأشياءء ولكن على الرغم من ذلك كان هذا الشكل الأسود لا يزال يلوح خلفه. أغلق 
سيف الثأر عينيه» وبدأ بأداء صلاته. 

'صوتك غير مستقر يا عبد الله... لا يمكنني... أنت...". 

وضع خليفة فمه بالقرب من سماعة الهاتف» وأصدر صوتا غريباء وكأن 
الاتصال غير مستقرء ثم أغلق الهاتف. لوهلة أخذ يفكر فى طلب المساعدة ولكنه على 
الفور تخلى عن الفكرة. من يمكنه المساعدة؟ حساني أم سارية أم حسني؟ حتى لو 
صدقوه فماذا سيفعلون؟ لذا لم ين بُذا من الاعتماد على نفسهء فوضع الهاتف في 
الحقيبة» وعاد إلى أعلى الكثيب الرملي والهواء ممتلئ برائحة البنزين والمطاط 
اة 

كانت ألسنة اللهب لا تزال تتصاعد من نوافذ السيارة وبالأسفل مباشرة جثة 
الرجل مسجا على وجهه وذراعه ملتوية تحت رقبته بزاوية حادة. نظر إليه خليفة 
لوهلة» ثم توجه إلى حاوية المياه المثقوبة» وشرب ما تبقى فيها قبل أن يمضي قدما 
نحو الأسفل. 

كان خليط من الرمال والدماء يلوث وجه الرجل» وجبهته مفتوحة يظهر من 
عظمها المهشم بقايا من المخ. أخذ خليفة البندقية الآلية» وهو يتفادى رؤية هذا المنظرء 
وبدأ ينزع عن الرجل ثيابه؛ لأنها الوسيلة الوحيدة التي ستضمن له دخول مخيم سيف 
الثأر دون أن يلفت الانتباه. بعد أن أخذ الثياب والبندقية» وشرع في الصعود إلى أعلى 
الكثيب الزعلي عر أخريى. كركف بد عدة أمتارء وأنبه ضميره لتركه الجثة على هذا 


310 


النحو تفترسها الحيوانات» فعاد مرة أخرى» وحفر حفرة؛ ووضع فيها الجثة قائلا 
لنفسه: عدو أو صديقء هو على الأقل يستحق لمسة من الاحترام. 

هذه اللمسة كلفت خليفة غالياء فبمجرد صعوده إلى أعلى الكثيب الرملي سمع 
صوت المروحيةء وما هي إلا ثوان وسيرونهء فما كان منه إلا أن أمسك بحقيبته 
واختبأ في الفجوة» وما هي إلا لحظات حتى مرت المروحية من فوقه مثيرة الرمال 
على حافة الكثيب الرملي» وظلت لدقيقة تحوم فوق المكان قبل أن ترتفع وتتوجه إلى 
الشمال الغربي. 

كانت خط ته الأولية هي الهروب من هذا المكان بأسرع ما يمكن» ولكن مع 
وجود هذه المروحية لن يكون في أمان بالخارج» ولذا قرر المكوث في هذه الفجوة 
حتى حلول الظلام. قام خليفة بحشو البندقية» ووضع التثياب في الحقيبة» واسترخى في 
الفجوة الرملية وهو يدخن سيجارة» وينظر إلى سحر الرمال وهي تغوص وسط الظلام 
في غضون ساعة أو أقل. تمنى خليفة ألا يكون القمر بدرا في هذه الليلة حتى لا يراه 
أحد. 

مع غروب الشمس» وظهور بعض النجوم في السماء» دخل رجل الدورية إلى 
المخيم فوق دراجته الناريةء ونزل من فوقها ممسكا بكتفه» ثم هوى على الأرض وسط 
حشد من الرجال بينهم الصبي محمد الذي انحنى قليلاء وأخذ شيئا من الرجل» وأسرع 
به إلى سيده في أعلى الكثيب الرملي. 

'ماذا هناك با محمد؟" 

'لقد عثروا على هذه الأشياء في السيارة". وأعطاه حافظة نقود خليفة» وشارة 


الشرطة. 
"ماذا عن المروحبة؟" 
تعثر على أثر". 


هز سيف الثأر رأسه»ء وقال "لابد أنه في مكان ما هناء يمكنني الشعور بهء 
فلتستمر المروحية في البحث حتى حلول الظلام» ولنضاعف الحراسة حول الجيش. 
فلابد أن هذا المتطفل سيأتي إلى هنا فليس أمامه خيار آخرء وليكن الرجال على حذر”". 

حسئاء يا سيدي". . 

"أرسل درافيتش إلى هنا على الفور". 

اسنا 5 سيدي . 

استدار الصبي؛ وهرول إلى أسفل المنحدر . 

311 


الشمسء ثم نظر إلى شارة الشرطة التي تحمل الاسم والصورة. لم تظهر على وجهه 
يزحف أسفل حلقه. 

ظل الرجل يحدق بالشارة لدقيقة» ثم وضعها في جيبه» وأخذ يبحث في بقية 
محتويات الحافظةء حيث أخرج صورة لزوجة خليفة» وأخرى لأطفاله الثلاثة» وثالثة 
لوالديه إلى جوار بعضهما أمام الأهرامات بالإضافة إلى بطاقة هاتف عام وعشرين 
جنيها مصرياء ونسخة من القرآن الكريم. 

اعتقد سيف الثار أن هذا كل شيء» ولكن فجأة اكتشف صورة أخرى شبه 
مطموسة المعالم» ولكن لا تزال واضحة إلى حد ما لشاب وسيم يشبه الرجل في شارة 
الشرطةء ولكن ملامحه أكثر حدة» وبعض خصلات الشعر الأسود تنزل على جبهته 
العريضة التي تعكس ذكاءم.ء وهو ينظر إلى الكاميرا مباشرة» وإحدى دراعيه على 
تمثال حجري صغير لأبي الهول وعلى ظهر الصورة مكتوب: على أمام متحف 
القاهرة. 

بدأت يد سيف الثأر ترتعش. 

أتى درافيتش بينما سيف الثأر لا يزال يحدق بالصورة. 


مادا ھن اک" 
أجاب سيف الثأر 'سنبدأ في نقل الآثار بالمروحية غدا". 
مادا" 


"أريد المروحيات هنا مع بزوغ خيوط النهار الأولى". 

'أعتقد أنك قلت إننا لن نستخدم المروحية". 

لقد تغيرت الخطةء سننقل ما نستطيع بالمروحية» والبقية ستنقلها الجمال. فأنا 
أريد مغادرة هذا المكان في غضون أربع وعشرين ساعة". 

'بالله عليك لا يمكننا...". 

"افعل ما أطلبه منك". 

نظر إليه درافيتش بغضبء ثم أخرج منديلا من جيبه؛ ومسح جبهته. 

"لا يمكن استخراج الجيش بأكمله بحلول الغدء لقد عثرنا على مؤخر الجيش فقط 
والذي يمتد لمسافة ثلاثة كيلومتراتء؛ وأعتقد أننا بحاجة إلى يومين على الأقل 
لاستخراج الجيش بأكمله". 

ؤ 312 


'فلنزد عدد الرجال» ولنتوقف عن الحفر الآن» ونركز في تجهيز ما أخرجناه 

'ما هي مشكلتك يا سيف الثأر؟" 

نظر سيف الثأر إلى الصورة» وأشار بيده» وقال 'شخص ما يعرف بوجودنا هناء 
رجل شرطة هنا في الصحراء بالقرب منا". 

لوهلة نظر إليه درافيتش دون رذء ثم فجأة انفجر في الضحك. 

'هل هذاما تخشاه؟ رجل شرطة بمفرده؟ أعتقد أنه لا يوجد مكان يختبيء به 
سنرسل دورية ليقتلوه وينتهى الأمر". 

'سنغادر غدا يا درافيتش". 

'وأنا أقول إننا بحاجة إلى يومين على الأقل لإتمام الأمرء ولو تركنا بقية الجيش 
فإن ما استخرجناه لن يساوي شيئاء هل تفهم ذلك؟" 

نظر إليه سيف الثأرء وقال 'سنغادر غدا ولا مزيد من الجدل في هذا الأمر". 

كان درافيتش على وشك الاعتراضء ولكنه لاحظ أن ذلك عديم الفائدة» فقام 
بالبصق على بعد سنتمترات من قدم سيف الثأرء ثم مضى في طريقه أسفل المنحدر. 

مع حلول الظلام» أضاءت المولدات موقع الحفر غير أن سيف الثأر لم يلحظ 
دلك؛ وانشغل بالنظر إلى الصورة التي بيده. 

همس سيف الثأر لنفسه "علي". ممتعضا وكأن الكلمات مذاقها مر "على خليفة". 

ظل الرجل على هذه الوضعية لوهلةء قبل أن يقوم فجأة بتقطيع الصورة إلى قطع 
صغيرة تطايرت في الهواء على سفح الكثيب الرملي» وكأنها أجزاء مرآة مهشمة. 

لم يخرج خليفة من مخبئهء إلا بعد حلول الظلام أو على الأقل ظلام الصحراء. 
إذ إنها أبدا لا تغرق في ظلام دامس بفضل القمر والنجوم. ظل خليفة ينظر هنا وهناك 
لوهلةء ولم يكن القمر بدرا كما تمنى» ثم بدأ رحلته الطويلة على منحدر رملي يبلغ 
ثلاثين مثرا. بحث الرجل عن جزء يسهل النزول عليه دون فائدة ولذا دعا ابش 
ووضع حفيبته على ظهره والبندقية الالية عند صدره» وائزلق. 

هبط خليفة بسرعة جنونيةء ولم تفلح محاولاته في التوقف. وكانت الرياح تدوي 
في أذنيه وجزء من ظهره المكشوف يرتطم بالرمال. في منتصف طريقه وهو ينزلق 
الصطدم بكتلة متحجرة من الرمال جعلته ينقلب رأسا على عقب والبندقية تصطدم 
بعنف بصدره» حتى استقر به المطاف جاثيا على وجهه وفمه مملوء بالرمال. 


313 


ظل خليفة مستلقيا لدقيقة وهو يزيل الرمال» ونهض ناظرا إلى المنحدر من 
الأسفلء والذي بدا أصعب عمّا كان عليه من الأعلى؛ حيث ظهر وكأنه حائط شبه 
رأسي من الرمال؛ وعليه مسار يوضح آثار نزول خليفة. بعد أن حمد الله على 
سلامته» نفض خليفة الرمال عن رأسهء وأخذ حقيبته» ومضى في طريقه وسط 
الصحراء. ظ 

مشى خليفة وسط الظلام في صمت ر هيب» باستثناء وقع قدميه على الرمال» 
وتردد أنفاسه. وكان يدرك تماما أن آثار قدميه على الرمال واضحة تماماء ولكن لم 
يكن لديه خيار آخر سوى المضي في طريقهء وهو يمسك بجهاز تحديد المواقعء 
وينظر إليه بين الحين والآخر لمعرفة المسافة المتبقية على الرغم من عدم احتياجه إليه 
الآن لأن الصخرة الهرمية كانت واضحة أمامه تلمع وسط الظلام مما جعله متأكدا أن 
هناك أضواء عند قاعدتها. 

بالتدريجء اعتادت قدماه على السير وسط الرمال صعودا وهبوطا فوق الكتبان 
الرملية. بطيء في الصعودء وسريع في الهبوط حتى يصل إلى الصحراء الملساء قبل 
أن يصعد كثيبا آخر وينزل منه وهلم جرا. 

كان أمامه ثمانية وعشرون كيلومتراء وخلال النصف الأول منهاء أطرق السمع. 
وفتح عينيه ليرى إذا ما كان أحد يتبعه أم لاء ولكن بمضصي الساعات بدأ ذهنه يشرد. 
فوجد نفسه يفكر في زينب والمرة الأولى التي قابلها فيها في رحلة لحديقة الحيوانات 
بالجيزة حيث كانت صديقة لصديقة صديقه. حين وقعت عيناه عليهاء خجل من التحدث 
إليهاء حتى وقفا معا أمام قفص الدب القطبي وهو يسبح بحزن في بحيرة المياه 


اأبيضاء. 
قال خليفة 'يالك من مسكين لابد أنك تريد العودة إلى موطنك الأساسي في القطب 
الجنوبي . 


أجابت زينب "القطب الشمالي على ما أعتقدء فالدب القطبي ينتمي إلى هذا المكان 
أما البطريق فيأتي من القطب الجنوبي". 
ظل خليفة شارد الذهنء وناظرا إلى شعرها الطويل وعينيها الواسعتين» وكان 
كل ما أسعفه به لسانه هو "أنت محقة". 
خليفة عند استعادته لهذه الذكرى وقال 'من كان يعتقد أن الأمر سيجري على هذا النحو 
بعد هذه البداية غير المبشرة؟”" 
314 


الآأن» بدأت الأفكار تراوده عن أولاده بطة وعلي ويوسف حيث تذكر مولد كل 
منهمء وكأنه حدث مائل أمام عينيه. استغرقت ولادة بطة قرابة التسع عشرة ساعة: 
بعدها أصرت زينب على أن ذلك لن يحدث ثانية» ولكن ذلك حدث مرتين مع على ثم 
مع يوسف ومن يدري؟ لعلها تكرر الأمر مرة أخرى في المستقبل» وهو ما كان يتمناه 
من صميم قلبه. حيث تخيل حشدا كبيرا من الأطفال يلعبون حول النافورة في بهو 
الصالة» ويضعون ألعابهم في مياههاء وصدى صوت ضحكهم يعم المكان. 

هبت نسمة من الهواء جعلت الكثبان الرملية تهمس وكأنها تحدثه وهو يصعد 
ويهبط فوقها. 

في هذه اللحظة»ء بدأيفكر في والديهء وكيف كان والده يحمله على يديه 
ويؤرجحه؛ وكيف كانت والدته تجلس فوق سطح المنزل تقشر حبات الفول» ثم ما هي 
إلا لحظات وحملته الأفكار إلى البروفيسور الحبيب» وعبد اللهء ومتحف القاهرة: 
وحظيرة الجمالء والقضايا التي تعامل معها؛ صورة تلو الأخرى تطرق مخيلته وكأنه 
يجلس في السينما يشاهد فيلما وثائقيا عن حياته. 
ظ لم يتمالك خليفة نفسه»ء وقادته أفكاره إلى أخيه» فحضرته الأشياء الجيدة أولا: 
وكيف كانا يلعبان معاء والمغامرات التي مرا بهاء وسباحتهما في النهر» ثم كيف بدأ 
علي يتغيرء ويصبح أكثر حدة وبعدا عنه؛ وكيف انخرط في أشياء سيئة أدت في 
النهاية إلى ما أدت إليهء وهو اليوم الذي انقلبت فيه حياة خليفة رأسا على عقب» حيث 
حضر الإرهابيون إلى قريتهم بحثا عن أجانب ليقتلوهم» وتبادلوا إطلاق الرصاص 
مع الشرطة» ولقي سبعة منهم مصرعهم بينهم ثلاثة إرهابيين. سمع خليفة الخبر 
من المذياع» وهو في جامعتهء فعاد مسرعاء ليجد والدته جالسة على الكرسي تحدق 
بالجدار . 

'لقد مات أخوك: مات علي". قالت والدته ذلك وقلبها يعتصر من الألم. 

خرج خليفة على الفور هائما في الشوارعء وجثث الارهابيين لم ترفع عن 
الأرض بعدء بل كانت موضوعة في صف على الرصيفء ومكسوة ببعض الأغطية: 
ورجال الشرطة إلى جوارها يتحدثون ويدخنون. حدق بالجثث محاولا العثورعلى جثة 
أخيه لذي يحبّه؛ ثم مضى خليفة في طريقه حتى وصل إلى الأهرامات» وظل يصعد 
هرم خوفو حتى قمته؛ وهناك جلس يبكي من فوق ما يشبه قمة العالم شاعرا بالعار 
والرعب» وغير مصدق لما حدث. وحرارة الشمس تنعكس على رأسه التي بدت ككتلة 
من الأفكار مملوءة بالنيران والألم والحيرة. 

310 


لقد مات أخوه؛ بل ومن اعتبره والده أيضاء الذي يرشده في كل شيء» ويمده 
بالقوة والخبرة. لقد مضى على ذلك أربعة عشر عاما الآن» ولا تزال الذكرى تثقل 
كاهله» وستظل كذلك حتى يقف وجها لوجه أمام الرجل المسؤول عن ذلكء أمام سيف 
الثأر ولهذا السبب حضر إلى هنا حتى ينظر في عيني هذا الرجلء وليحدث ما يحدث 
بعد ذلك» فكل ما يشغل باله هو مواجهة هذا الرجل الذي دمر عائلته. 

تصلبت قدما خليفة فوق الكثيب الرملي مندهشاء حيث وجد نفسه قد وصل إلى 
وجهتهء وعلى بعد كيلومترين تقبع الصخرة الهرمية ضخمة ومرعبة وتشع بالنورء 
وعلى قمتها مجموعة من النقاط السوداء هى على الأرجح مخابئ. انبطح خليفة على 
الأرض فورا حتى لا يراه أحدء ونظر إلى ساعته فوجد أنه لا تزال أمامه نصف ساعة 
على الفجر. 

هبط خليفة من قمة الكثيب الرملي حتى وصل نحو الأسفل» ووضع البندقية 
جانباء وأخرج ملابس رجل الدورية القتيلء وارتدى الجلباب الأسود والعصابة السوداء 
على رأسه ووجهه» ثم وضع الهاتف المحمول وجهاز تحديد المواقع في جيبيه» وألقى 
بالحقيبة» وحمل البندقية مرة أخرى» وصعد إلى قمة الكثيب الرملي ينظر إلى الجانب 
الآخرء ثم توجه ناحية أعدائه قائلا "لأجلك يا علي". 

شقت تارا طريقها وسط الخيم وإلى جوارها الحارس يصوب بندقيته إليها. كان 
البرد قارساء فعقدت تارا ذراعيها علها تحصل على بعض الدفءء وجسدها لا يزال 
يؤلمها مما فعله در افيتش. كان المكان يعج بالصراخ» وصوت المطارق إلى اليمين 
وكأنه سيمفونية عشوائية تتنافر فيها أصوات الأبواق» بينما شعور بالسعادة يسري إلى 
نفسها بعد خروجها من الخيمة الضيقة إلى هذا المكان الفسيح والهواء الطلق. 

"كما مضى علينا في الأسر؟" سؤال طرحته تارا على نفسها "يومان» ثلاثة". 
ظلت تحاول استرجاع الأحداث المهمة التي مرت بهماء حتى يمكنها حساب المدة 
الماضية. اس ككمل الاثنان السير وسط الخيام» بجوار مجموعة من العربات» حتى 
وصلا إلى الحد الجنوبي. وإلى اليمين كان هناك قطيع من الجمال حوله حشد كبير من 
الرجال يملؤون ويفرغون العربات. 

بعد أن ابتعدا لخمسين مترا تقريبا توقفاء وتوجهت تارا لقضاء حاجتها وهو ما كانت 
ترفض فعله أمام أي شخصء ولكن الآن وبعد مرور عدة أيام لم يعد أمامها بديل. 

فجأة تحدث حارسهاء وهو صبىي لم تره تارا على مدار الأيام الثلاثة الماضيةء 
وقال "هل تشجعين مانشستر يونايتد؟” 

316 


كانت هذه هي المرة الأولى التى يتحدث إليها أحد حراسها. 

أضاف الصبي 'إنه فريق لكرة القدم". 

ضحكت تارا حتى وصلت لدرجة الهيستيرياء فالموقف كان فوق قدرتها على 
كتمان ذلك» فهي وسط الصحراء تقضي حاجتها وأمامها حارسها المتعصب يصوب 
بندقيته إليها وفي نفس الوقت يريد التحدث في أمور تتعلق بكرة القدم! 

استدار إليها الحارس» وقال 'ما المضحك في ذلك؟" 

'الموقف يدعو إلى الضحك". 

"ألا تحبين مانشستثر يونابتد؟" 

توجهت تارا إليه» ووقفت على بعد سنتمترات منهء وقالت "أنا لا أكترث 
لمانشستر يونايتد» اللعنة على مانشستر يونايتدء لقد تعرضت للاختطاف و التعذبب» 
وسألقى حتفي قريباء اللعنة على مانشستر يونايتدء وعليك أنت أيضا. 

بدا الحارس خائفاء على الرغم من أنه هو من يحمل البندقيةء ثم همس قائلا ' 
'ولكنه فريق جيد". 

كان وجه الحارس صبيانيا للغايةء حتى أن تارا تسألت هل هو في الرابعة عشرة 
أم الخامسة عشرة من عمره! وشعرت بالرثاء لحاله. 
'ما اسمك؟" سألته تارا بصوت حنون. 
همس الصبي باسمه بصوت غير مسموع. 
'ماذ!؟" 
"وماذا تفعل هنا يا محمد؟" 
بدا السؤال محيرا للصبيء ثم أجاب "أنا هنا بأمر من سيف الثأر". 
لو أمر سيف الثأر بقتلي هل ستفعل ذلك؟” 
نظر الصبي إلى الأرض شاعرا بخجل شديد. 
'انظر إلي". كررتها تارا مرتين. 
رفع الصبي عينيه بخجل. 
لو أمر سيف الثأر بقتلي هل ستقتلني؟" 
'سيف الثأر رجل طيب وهو يهتم بي". 
'لكن هل ستقتلني لو أمرك بذلك؟" 


317 


ظهرت الحيرة في عيني الصبيء ثم قال "هيا بناء لنعد إلى الخيمة". 

"لاء ليس قبل أن تجيب عن سؤالي". 

'نعمء سأقتلك". أشهر البندقية في وجههاء وقال 'نعمء سأقتلك لو أمرني سيف 
الثأر ٠‏ أتريدين أن أقتلك الآن؟" 

تسارعت أنفاس الصبي حينئذء وأخذت يده ترتعش. في هذه اللحظة أيقنت تار ا 
أنه ليبس من المناسب إثارة حفيظته أكثر من ذلك. 

قالت تارا "حسناء فلنعد الآن". ثم استدارت» ومضت في طريقهاء وبعد عدة ثوان 
سمعت تارا صوت وقع قدمي الصبي خلفها حيث مضيا في طريقهما إلى أن وصلا 
إلى الخيام. 

"نا آسف» آسف للغاية"'. قال الصبي ذلك بشيء من الأسى. 

أبطأت تاراء واستدارت» ولكن ماذا عساها تقول؟ فهو صبي صغيرء بل كلهم 
صغار وأبرياء على الرغم من الأشياء التي يرتكبونها. إنهم صبيان وجدوا أنفسهم 
أقوى من الرجال. 

'تشيلسيء أنا أشجع تشيلسي". قالت تارا بابتسامة رقيقة. 

ابتسم الصبي ابتسامة عريضة» ثم قال "أنا لا أحب تشيلسي» مانشستر أقوى 
منه". ثم مضى الاثنان في طريقهما إلى داخل المخيم. 

انبطح خليفة ينظر إلى الرجال في الجلاليب السوداء أمامهء وأسفل منه الوادي. 
حيث لم يعد يفصله عن الجيش سوى حافة بسيطة» وصدى صوت المولدات والمطارق 
يدوي في الهواء. [ 

لم يكن بمقدوره السير خطوة أخرى دون أن يراه الحراس الواقفون أعلى 
الصخرة. وبالأسفل في الواديء كانوا يقفون في صفوف متراصة يصعب اختراقها 
دون أن يروهء وذلك على الرغم من إمكانية الدوران حولهم؛ ولكن ذلك سيستغرق منه 
وقتا أطول» وقد أوشكت خطوط الضوء الأولى للنهار على الظهورء وتعين عليه أن 
يكون بالداخل قبل شروق الشمسء وإلا سيكتشفه رجال الدورية في المروحية التي 
ستبدأ عملها بعد قليل. نزل خليفة من قمة الكثيب الرملي ثم استلقى على ظهره. 
وأشعل سيجارة وهو يفكر في ما سيفعله. 

كان علي هو نقطة البداية» أو بالأحرى فكرة كان علي قد طرحها عليه في المرة 
الأولى التي ذهبا فيها إلى متحف القاهرة معا. فعندما وصلا إلى البوابة الأمامية 
استوقفه علي ليخبره كيف سيدخلان دون دفع ثمن التداكر. 

318 


سنتظاهر أننا تلاميذ رحلة مدرسيةء وسنتوجه مباشرة إلى البوابة الأمامية. 

سأله خليفة "أليس من الأفضل التسلل من مدخل جانبي؟" 

"لاء فلو رأوك وأنت تتسلل من المدخل الجانبى سیو افون على الفور. ولذا لابد 
من الدخول من البوابة الأماميةء التحلى بالثقة وكأنك ت تنتمي إلى هذا المكان وسينجح 
الأمر على الفور". 

بالفعل لم يخفق الأمر قط. ولكن هذه المرة الوضع مختلف غير أنه لم يكن أمامه 
بديل. أنهى خليفة سيجارته؛ ثم ثم أحكم العصابة على رأسه ووجهه؛ ثم نهض» وصعد 

قمة الكثيب الرمليء ونزل إلى الجانب الآخر ملوحا للحراس بالأسفل. 

'سلام؛ هل كل شيء على ما يراء؟" 

اختلفت الأصوات؛ وهرول ثلاثة رجال نحوه يحملون بنادقهم. 

تذكر خليفة قول أخيه علي 'تحل بالثقة دوما". 

ضحك خليفةء وقال لهم "ماذا هناك يا رجال؟ أنا معكم!" 

ظل الر جال مصوبين أسلحتهم تجاهه. وسأله أحدهم "من أين أتيت؟" 

'بالله عليك ماذا تعتقد؟" 

لقد كنت في دورية بالخارج". 

دورية؟" 

إنها مضيعة للوقت» فقد ظللت أمشي طيلة الليل دون العثور على شيء. هل مع 
أحدكم سيجارة؟" 

خيم الصمت لوهلةء قبل أن يخرج أحدهم علبة سجائر ليعطيها لخليفة» ولكن 
الرجل الذي استوقف خليفةء أشار إليهء فتراجع بعلبة السجائر على الفور. 

استطرد الحارس قائلا لم نرسل دوريات إلى الخارج الليلة فالأوامر التي جاءتنا 
هي أن نبقى حول المخيم» وألا نخرج في دوريات". 

أجاب خليفة 'وددت لو أن أحدا خبرني بذلك بدلا من المشي ثلاثين كيلومترا 
على قدمي" > حاول خليفة التحلي بضبط النفس وا نق 

حذق الحارس بخليفة وأشار ليه بخلع العصابة عن الجزء السفلي من وجهه. 

تذكر خليفة ما قاله علي في ذلك اليوم؛ بأن يتظاهر بالغضب إذا ما بدؤوا فى 
طرح الأسئلة. 
'بالله عليك ماذا تقو ؟ لقد قضيت الليلة في الخارج» وأشعر ببرد قارس 
"اخلع العصابة". 

319 


بامتعاض ملحوظء رفع خليفة العصابة عن أسفل وجهه» وهو حريص تماما على 
ألا تظهر جبهته. 

اقترب الحارس منهء وقال "أنا لا أعرفك". 

'أنا أيضا لا أعرفك؛ ولا أعرف نصف الموجودين هناء ولكنني في نفس الوقت 
لا أصوب بندقيتي نحوهم. هذا جنون يا رجلء جنون”. 

انتظر خليفة لوهلة» ثم قرر خوض المخاطرة. 

'إذا لم تكن تصدقني فلتسأل درافيتش» إنه يعرفني منذ أن كنت معه عندما قتلنا 
هذا العجوز في القاهرة» وأطاح در افيتش بنصف وجهه بمالجه الصغيرء هذا الحيوان 
اللعين". 

خيّم الصمت لوهلة؛ ثم نظر الرجال إلى بعضهم البعضء وأنزلوا أسلحتهم؛ وتقدم 
الرجل إلى الأمامء وأعطاه سيجارةء فأخذها خليفة داعيا الله ألا يروا مدى ارتعاش 
يديه. ٠‏ 

'حسناء فلتذهب إلى المخيم» وتخبرهم بإرسال مجموعة من الرجال حتى نحصل 
على الراحة". 

أومأ خليفة إيجاباء وقال "حسناء ولكن هلا تسديني معروفا؟ لا تخبر درافيتش بما 
قلته عنه الآن". 

ضحك الرجالء وقالوا "لا تقلق فنحن لدينا نفس الإحساس . 

ابتسم خليفة» ولوح بيديه مودعا إياهم. بعد خطوات قليلة» نادى عليه أحد 
الحر اس 

"ألم ننس شيئا ما؟" 

تجمد خليفة في مكانه. 

ما هي كلمة السر؟ لابد من معرفتها حتى تمر . 

استدار خليفة» وإذا بالرجال الثلاثة ينظرون إليه ممسكين بأسلحتهم. 

سأله الرجل الذي أعطاه السيجارة 'ما هي كلمة السر" 

لم يدر خليفة ماذا يقول في الوقت الذي تسابقت فيه دقات قلبه» وإصبعه يتحسس 
موضع زناد البندقية» وهو ينظر إلى الرجال الثلاثة الواحد تلو الآخر ليتحين الفرصة 
المناسبة. خيّم صمت رهيب لوهلة» وكأنه الصمت الذي يسبق العاصفة» ثم فجأة انفجر 
الرجال في الضحك. 

'السيجارة أيها الأبله» ألا تريد قداحة لإشعال السيجارة؟" 


320 


استغرق خليفة بضع ثوان قبل أن يفهم ما يعنيه الرجال ثم تنفس الصعداء» ورفع 
يديه يتحسس السيجارة في فمه. 

قال خليفة "هذا ما تشعر به بعد قضاء ليلة في الصحراء". ثم ضحكء وقال 

أشعل الحارس القداحة» واقترب خليفة منه» وأشعل السيجارة قائلا "كلما أسرعنا 
في الخروج من هذا المكان كان أفضل". 

همس الرجل إيجابا. 

وقف خليفة لوهلة» قبل أن ب" يشير إليهما مودعاء ومضى في طريقه دون 71 ن ينادي 
عليه أحد هذه المرة. 

كانت خيوط النهار الأولى قد ظهرت في الأفق» في الوقت الذي صعد فيه خليفة 
الكتيب الرملي التالي والصخرة الهرمية إلى يساره صامتة ومرعبة. مر خليفة بنقطتي 
مراقبة دون أن يستوقفه أحد.ء ثم نظر إلى الأسفل وإذا بالعربات والخيام والجمال 
والصناديق مملوءة بالاثار وسط حشود كبيرة من الرجال في الجلاليب السوداء يمشون 
جيئة وذهابا وهم يملؤون العرباتء ومجموعة صغيرة أخرى ملتفة حول المومياوات 
يمسكون بأسلاك ويظهر بينهم رجل ضخم الجثة يرتدي قميصا أبيض يشرف على 
عملهم. خمّن خليفة على الفور أن هذا الرجل هو درافيتش. 

ظل خليفة ينظر إليهم لبضع دقائق» قبل أن ينظر إلى لى المخيم مرة أخرى» ليرى 
امرأة مكشوفة الشعرء تدخل إحدى الخيام إلى اليمين من وسط المخيم في مكان مميز 
وسط صفين من براميل الوقودء ثم بدأ في النزول إلى أسفل المنحدر في الوقت الذي 
ارتفع فيه صوت من أعلى: الله أكبرء الله أ أكبر إيذانا بدخول وقت صلاة الفجر. فأسرع 
خليفة الخطى» وهو يستر وجهه بالعصابة. 

خرج حشد كبير من الرجال إلى مكان فسيح خار ج المخيمء حيث وقفوا في 
صفوف» وقبلتهم إلى الشرق. كان سيف الثأر بصحبتهم» ولكنه دخل إلى خيمة عليها 
جهاز إرسال؛ وقف الرجل في الداخل فور رؤيته لسيف الثأرء ولكنه أعاده مرة أخرى 
للجلوس على كرسيه أمام جهاز الراديو. 

'ماذا عن المروحيات؟" 

أعطاه الرجل قطعة من الورقء وقال لقد أقلعت للثو. 

"أهناك أي مشاكل؟" 

"لاء ستكون هنا في أقل من ساعة". 

321 


'ماذا عن الحراس؟" 

لم يرد منهم شيء"'. 

'حسناء أخبرني بأي شيء قد يستجد . غادر سيف الثأر الخيمة متو جها 2 مكان 
الصلاة. 

توجّه معظم الرجال إلى مكان الصلاة» بينما كان من تبقى منهم في طريقهم إليهم 
تاركين المخيم مهجورا. ظل الرجال في نقاط المراقبة في أماكنهم» ولكنهم توجهوا إلى 
الشرق أيضا ليشرعوا في الصلاة. نظر سيف الثأر إلى نقاط المراقبة السوداء المتنائرة 
فوق قمة الكثيب الرملي كصف من الطيور الجارحة. استدار سيف الثأرء وشق طريقه 
عبر المخيم وسط صوت الرجال وهم يرددون صلاتهم. 

وصل سيف الثأر إلى خيمته» وعندما هم بالدخول» رجع على الفورء وكأنه نسي 
شيئا» ثم استدار وعيناه تدوران إلى اليسار واليمين» وتقدم خطوة للأمام يتفحص ظلال 
المعدات والخيام: ولكنه لم يعثر على شيء. بعد دقيقة» هن رأسه. واستدارء ودخل 


خيمية. 


عبرو 


قرب الحدود الليبية 


حلقت المروحيات على ارتفاع منخفض فوق الصحراء في سرب يتكون من 
عشرين مروحية تشبه الطيور الجارحة التي تحلق فوق الرمال. كانت هناك مروحية 
تتقدم السرب تتبعها كافة المروحيات الأخرى في كل حركاتها صعودا وهبوطاء يمينا 
ويسارا في حركات راقصة بديعة المنظر. كانت المروحيات كبيرة الحجم على نحو 
يجعل تحركها بهذه الخفة مثار دهشة. في ركن الطيار يمكنك بالكاد رؤية أشكال آدمية 
تقود هذه المروحيات العملاقة التي تشق صمت الصحراء قبيل الفجر مع بزو غ الشفق. 


322 


40 


الصحراء الغربية 


ظل خليفة مختبئا وسط مجموعة من براميل الوقود» حتى خلا المخيم تماماء ثه 
شق طريقه عبر الأشياء التي يكتظ بها المكان باحثا عن الخيمة التى رأى الفتاة تدخل 
ليهاء وكان يدرك تماما أن أمامه خمس عشرة دقيقة أو عشرين على الأكثر. 

من الأعلىء بدا المخيم خاليا تماماء ولكن ما إن دخل إليه حتى وجده مكتظا 
بالمعدات والأشياء الأخرى التي تعيق الحركة. كل الأشياء تبدو متشابهةء ولم يعد 
قادرا على تمييز العلامات التي رآها من أعلى كصفي براميل الوقود مثلا أو كومة 
القش. دخل الرجل إلى خيمتين معتقدا أن الفتاة هناك ولكنه لم يعثر عليهاء وبدأ اليأس 
يتسرب إلى نفسه قبل أن يرفع بصره»ء وإذا بكومة القش ماثلة أمامه وإلى جوارها 
الخيمة التي كان يبحث عنها. تنفس خليفة الصعداءء وهرول إلى الخيمةء واضعا 
العصابة على وجهه والبندقية الآلية جاهزة في يده. 

لم تكن هذه الاستعدادات ضرورية» لأن الحارس لم يكن أمام الخيمة» ولدهشته لم 
تكن الفتاة أيضا بالداخل. بل كان هناك رجل ساجدء وظهره لباب الخيمة» يرتدي ثوب 
أسودىء فتراجع خليفة على الفورء ولكن شيئا ما أوقفه. لم ير خليفة وجه الرجل أو أجزاء 
من جسده نظرا للثياب السوداء التي يرتديها. ولكن بغريزته فقط أدرك خليفة أن هذا 
الرجل هو سيف الثأرء فرفع البندقيةء ووضع يده على الزناد وهم بإطلاق الرصاص. 

شعر سيف الثأر بخليفة وراءه. ولكنه لم يكترث لأمرهء وظل خاشعا في صلاته 
بينما جذب خليفة الزناد للوراء بحيث لم يعد عليه سوى ضغط الزناد ليمطر سيف 
الثأر بوابل من الرصاص الذي سيصيبه لا محالة من هذه المسافة القريبة. بدت دقات 
قلب خليفة كصدى صوت يدوي في مدخل الخيمة. 

323 


وقف سيف الثأرء وأخذ يقرأء ثم ركع ثم سجد. ضغطة أخرى وستنتهي أسطورة 
سيف الثأر هذا ما كان يجول بخاطر خليفة. وما إن تراءى شكل علي أمام خليفة» حتى 
صوب البندقية إلى مؤخرة رأس الرجل تماماء ثم أخذ نفسا عميقاء وعض على شفتيه: 
ثم فجأة أنزل البندقية» ورفع يده من على الزنادء وتراجع نحو الخلف خارجا من 
الخيمة. 

أخذ خليفة ينظر إلى الخيمة وفي نفسه إحساس عميق بالضيقء وفجأة وجد أن 
الفجر تلاشىء والسماء أصبحت أكثر إشراقا على الرغم من أنه لم يبق بالخيمة سوى 
عدة ثوان. انطلق خليفة مهرولا عبر المخيم لأن الرجال كانوا على وشك الانتهاء من 
صلاتهم. 

همست تارا 'تری كيف حال جوي! 

كانت تارا جالسة في الخيمةء» تضم ركبتيها إلى صدرهاء وتتحرك جيئة ودهابا 
بينما دانيل مستلق إلى جوارها يطرق بأطراف أصابعه على الأرضء وينظر إلى 
ساعته بين الحين والآخر. 

امن جوي؟ 

'إنها الأفعى سوداء الرأس في الحديقة في بريطانياء لم تكن بخير عندما غادرت". 

"أعتقد أنك عشت مع هذه الزواحف لفترة تكفيك بقية عمرك". 

'أتدري أنني لم أكن أحب هذه الأفعى؟ ولكن عندما تشعر أنك لن ترى شيا ما 
ثانية...» أتمنى أن تكون إلكسندرا قد حافظت على مواعيد المضادات الحيوية الخاصة 
بهاء على تنظيف جلدها جيداء لأن الأفعى كانت تعاني من مرض جلديء وتحك 
جسدها لدرجة تؤديه . 

كانت تارا تتحدث لا لشيء» إلا لقتل الوقت حتى تحين الدقيقة التي سيأخذونهما 
فيها للخارج: ويطلقون عليهما الرصاصء أو يقطعون رقبتيهماء أو يطعنونهما. نظرت 
تارا إلى الحارس الممسك ببندقيته. لم يكن الصبي محمد هذه المرةء بل كان رجلا 
أكبر سناء وتخيلته يصوب البندقية نحو رأسهاء ويطلق الرصاص والدماء تتناثر في 
كل مكان» مما جعلها تشعر برعب شديد. 

نمض دانيل» وجلس قائلا "ما علاقتك بهذه الثعابين بالله عليك؟ أنا لم أفهم قط 
سبب انجدابك إليها". 

ابتتسمت تاراء وقالت "أبي هو من دفعني إلى ذلكء فقد كان يكرههاء وهذا ما 
جعلني أتعلق بهاء لأنها كانت تعطيني شيئا من القوة عليه. أتذكر ذات مرة أن أحد 

324 


الطلبة كان معه ثعبان صغير في حقيبته» ثم..." توقفت تارا عن سرد القصة» لأنها 
كانت تعلم أن أيا منهما لن يضحك في النهاية. خيّم الصمت على المكان لفترة طويلة. 

أخيراء سألت تارا 'وماذا عنكء لم تخبرني قط لماذا أصبحت عالما للآثار". 

"الله أعلمء أنا لم أفكر في هذا السؤال مطلقا". كان دانيل يعبث في حذائه؛ ثم قال 
ولكنني كنت أحسب الحفر جداء وأتذكر أنه قبل وفاة والدي ووالدتي عندما كنا في 
باريسء كانت لدينا حديقة» وأنني كنت كثيرا ما أحفر فيها باحثا عن الكنز المدفون. 
هذه كانت بداية المشوارء وبعدها حصلت على كتيب صغير يحتوي على صور لكنوز 
توت عنخ آمون» ثم توجهت للحفر في مصر...". 

انفتح باب الخيمةء ودخل أحد الحراس واضعا العصابة على وجهه مع بزوغ 
ضوء النهار. نهض الحارس الجالس أمام الخيمة واقفاء غير أن الحارس الأول عاجله 
بضرية في جانب رأسه بالعقب المعدني للبندقية الآلية فأفقده الوعي. انتفض دانيل 
وتارا واقفين إلى جوار بعضهماء بينما أظهر خليفة وجهه لهما. 

اليس أمامنا وقت طويل". قال خليفة وهو ينتز ع البندقية من الحارس» ويلقي بها 
إلى دانيل قائلا "هل تستطيع استعمال هذه؟' 

'نعم» أعتقد ذلك". 

"كيف وصلت إلى هنا؟ وكم عدد رجال الشرطة معك"؟" 

"لا يوجد سوايء وليس لدي وقت للشرح» ففي غضون دقائق سينتهون من 
الصلاةء وسيمتلئ المخيم بالرجال مرة أخرى. لابد أن تهربا الآن فالفرصة سانحة". 

أخرج خليفة رأسه من باب الخيمة ناظرا يمينا ويساراء ثم استدار نحوهما وقال 
'توجّها شمال الوادي خلف الحفرياتء وابقيا عند القاعدة القريبة من الكثيب الرملي؛ 
لأن هذا المكان بعيد عن نقاط المراقبة. هيا اذهبا بأقصى سرعة". 

سألته تارا 'وماذا عنك؟” 

تجاهل خليفة السؤال» وأخرج جهاز تحديد المواقع والهاتف المحمول من جيبه. 

'خذا هذاء ومتى خرجتما من المخيم» اطلبا النجدة» ستوضح لكما الإحداثيات أين 
موقعكماء فقط اضغط على...". 

قاطعه دانيل "أعرف كيف أستخدمه". أخذ دانيل الجهاز» وأعطى الهاتف لتارا. 

'وماذا عنك؟" قالت تارا بصوت أعلى هذه المرة. 

'لدي أمور أسويها هناء ولكن الأمر لا يعنيكما". 

"لاء لن نتركك". 


322 


قال خليفة "هيا اذهبا". وهو يدفعهما تجاه الياب. هيا اذهيا شمالاء ثم إلى قاعدة 


الكثيب الرملي على اليسار. 
قال دانيل "أنا لا أعرفك» ولكنني أشكرك من كل قلبيء وأتمذ تمنى أن نلتقي ذات 
يوم . 


"إن شاء ال والآن اذهبا". 

خر ج الاتئان من الخيمة» ولكن سرعان ما خطت تارا خطوة للخلف. و قبت 
خليفة على وجنتيه شاكرة إياه 

أومأ إليها خليفة» ودفعها نحو الخارج لتلحق بدائيل قائلا "متأسف لما حدث 
لوالدك؛ لقد حضرت إحدى محاضراته ذات مرة لقد كان رجلا رائعا. والآن اذهبي 


أرجوك". 

خرج دانيل وتاراء بينما خليفة ينظر خلفهما حتى اختفيا عن الأنظارء ثم أسرع 
إلى الجهة المقابلة. 

توجه خليفة إلى الحد الجنوبي للمخيم» وهو يتوقف بين الفينة والأخرى ليستمع إلى 


الصلاةء وأدرك نم لالت 4 عمقو هوا ردي كانت أشعة الشمس 
قد ظهرت من الشرق تدريجياء وأخذت تطغى على أضواء E‏ المخيم. 

ظل خليفة يهرول حتى وصل إلى آخر المخيم» وأصبح أمام مجموعة من 
المعدات. وعلى بعد خمسين متراء كانت هناك صفوف من الرجال الساجدين الذين 
كانوا يصلون. اختبأ الرجل خلف كومة من الأقفاص وهو يفكر في تغيير وجهته. 

كان هناك العديد من الأقفاص وإلى جوارها برميل من الوقود. نظر خليفة إلى 
الصناديق الخشبية خلفه» فوجد أن كل واحد منها يحتوي على مومياء. وصل خليفة 
إلى البرميلء وفتح غطاءه؛ فشم رائحة البنزين» فأماله قليلا وسكب محتوياته على 
أقرب كومة قشء حتى تشبعت تماماء وكرر نفس الشيء مرتين أو ثلاث مرات. في 
هذه الأثناء؛ ابتلت قدماه وثيابه» وبينما هو في طريقه لتكرار العملية مرة أخرى؛ سمع 
ضجيجاء وأيقن أن الرجال انتهوا من صلاتهم» وفي نفس الوقت كان هناك صياح من 
أعلى الكثيب الرملي فاستدار خليفة يصوب بندقيته معتقدا أنهم رأوهء ولكنه سمع 
صوت رصاصات في الجهة الأخرىء فأدرك أنهم رأوا دائيل وتارا. 

"اللعنة". 

استدار خليفة نحو أكوام القش المشبعة بالوقود» وأخرج قداحته» وفي نفس 
اللحظة تزايد صوت الرصاص في الجانب الآخر» مع خروج صفوف من الرجال من 

326 


صلاتهم وتوجههم إلى المخيم. انحنى خليفة» ووضع القداحة أسفل إحدى كومات القشء 
وهم بإشعالها. 

'لن أفعل ذلك لو كنت مكانك". 

جاء الصوت من وراء خليفة. "ألق القداحة» وانهض دون أي حركات مفاجئة" 

لوهلة لم يتحنرك خليفة» وشعر أن العلم ينكمش من حوله ثم أغلق عين عينيه؛ 
وضغط على القداحة» ولكنها لم تشتعل» وإذا بوابل من الرصاص يخترق الرمال 
حوله. قلت ألق القداحة. لن أكرر قولي مرة أخرى". 

ألقى خليفة بالقداحةء في الوقت الذي لعلعت فيه طلقات الرصاص على الجانب 
الآخر من المخيم. 

'الآن» انهضء واستدر برفق وبطء وارفع يديك . 

فعل خليفة ما طُلب منه تماماء واستدار ليجد درافيتش خلفه على بعد عشرة أمتار 

"أبها الأحمق اللعين» ماذا تظن نفسك فاعلا؟" قال درافيتش متهكماء ثم نادى على 
الرجال المنتشرين في كل مكان. وإذا بثلاثة منهم يمسكون بخليفة ويجعلونه يجنو على 


ركبتيه. 
تقدم درافيتش وهو يقول" أنت رجل الشرطة الشجاع» النسخة المصغرة من عمر 
الشريف"" 


رفع درافيتش يده» وصفع خليفة صفعة قويةء سالت من جرائها الدماء من قمه. 

'أنت أغبى مما كنت أتصورء أتعتقد أنك كنت ستلقي القبض علينا جميعا بمفردك؟' 

لم ينطق خليفة بكلمة» وإنما ظل ينظر إليه والدماء تنزف من فمه على دقنه. 
تزايد صوت إطلاق النار في الجهة المقابلة» واقترب أحد الرجال من درافيتش وهمس 
له بشيء»ء فنظر درافيتش إلى خليفة وقال له 'ستدفع ثمن ذلك لا محالة". 

أشار در افيتش إلى أحد الرجال» فالتقط القداحة» وألقى بها نحوه. 

انحنى درافيتش نحو خليفة والهواء يخرج من أنفه بوتيرة متسارعة وقال "ما هذه 
الرائحة الجميلة التي أشمها على ثيابك؟ أهي رائحة بنزين؟' 

نظر الرجل إلى خليفة نظرة سادية والرجال حوله يضحكون. 

'لقد كنا مهملين في عملناء أليس كذلك؟" 

تراجع درافيتش نحو الوراء قليلاء ثم ضغط على القداحة أمام صدر خليفة 
مباشرة فظهر لسان لهب أصفر. 

327 


أخذ درافيتش يبعد اللهب ويقربه من تياب خليفة حتى أوشك أن يلامسها. 
'توقف عن ذلك» توقف الآن". 

صدر صوت حاد وثابت من خلف الحشدء جعل درافيتش يطفمء القداحة؛: 
ويتراجع إلى الوراءء وانفتحت الحلقة التي يقف فيها الرجالء ودخل سيف الثأرء» حيث 
أخذ يحدق بخليفة لدقيقةء ثم تقدم للأمام» ووقف أمامه وقال 'أهلا بك يا خليفة". 

سأل درافيتش مندهشا "أتعرفه". 

هرول دانيل وتارا عبر المخيم من خيمة إلى أخرى ومن زاوية إلى الأخرى 
تجاه قاعدة الكثيب الرملي الشمالي كما أخبرهما خليفة. دانيل في المقدمة تتبعه تارا 
متناسية الألم الذي يعتصر جسدها. 

توقف الاثنان عند الحد الشمالي للمخيم أمام سلسلة من الحفريات تمتد لمسافة 
تحطم طائرة. لاحظ دانيل مجموعة من الرجال فوق .قمة الكثيب الرملي ولكنهم كانوا 
ينظرون شرقاء ومن ثم لم يروا دائيل أو تارا. 

قال دانبل 'حسناء» حسنا '. 

استمر الاثنان في طريقهما أسفل المنحدر والصخرة الهرمية قابعة فوقهماء ومع 
كل خطوة بعيدا عن المخيم»ء كانت تارا تشعر أن فرصة النجاة تزدادء ووجدت نفسها 
تدعو بكل ما أوتيت من قوة للنجاة من هذا الموقف» على الرغم من أنها لم تدعٌ منذ أن 
كانت طفلة صغيرة. ٠‏ 

لم يرّهما أحد كما تمنت تاراء ولكن ذلك لم يدم طويلا فما هي إلا خمسون متراء 
وإذا بصيحة من أعلى الصخرة الهرمية أعقبها إطلاق نار كثيف. ظ 

صرخ دانيل "اللعنة . 

دوت الصيحة في المكان» والآن أصبح حوالى أربعين رجلا يطلقون الرصاص 
عليهما. 

قالت تارا "لاء فالمكان مكشوف". 

جذبها دانيل من ذراعهاء وعاد بها من حيث أتياء والرجال يهرولون إلى أسفل 
الصخرة الهرمية؛ ويطلقون الرصاص بعشو ائبة. فاستدآر دانيل» وبادلهم إطلاق 
الرصاص قبل أن يهرول مرة أخرىء. لقد انحرف الرصاص عن رأس تارا 
سنتمترات» واستقر في أجساد المومياوات والأسلحة المتراكمة في المخيم. 


328 


استدار دانيلء وأطلق عدة رصاصات قبل أن يصلا إلى المخيم مرة أخرى؛: 
ويغيبا عن أنظار الرجال لوهلة. 

سألت تارا 'ماذا سنفعل الآن". 

أسرع الاثنان عبر الخيم والأصوات تتوالى من الخلف والأمام فهما الآن بين 
فكعي كماشة» فليس هنك مخبأ لهماء والخوف قد تملكهما وأصبحا عاجزين عن 
التفكير. ظ 

نظر الاثنان من جانب الخيمة» وإذا بدراجة نارية بالجوارء وبها المفتاح. دون 
كلمة واحدة» ناول دانيل البندقية إلى تاراء وهرول إلى الدراجة النارية يشغلها. 

تستجب الدراجة النارية. 

"اللعنة» هيا أيتها اللعينة". 

في هذه اللحظة» لم تعد الأصوات تبتعد عنهما سوى مسافة خيمتين. 

لم تتمالك تارا نفسهاء فاستدارت» وأطلقت الرصاص حتى أفرغت مخزن 
البندقية» وبسرعة وضعت المخزن الآخرء واستمرت في إطلاق الرصاص» وفجاة 
اشتغل محرك الدراجة النارية. 

"هيا يا تارا . 

قفزت تارا خلف دائيل» الذي انطلق قبل أن تستقر في جلستهاء مثيرا الرمال 
أسفل عجلتي الدراجة. 

ما إن انطلق دانيل بالدراجة حتى ظهر أمامه أحد الرجالء فركله بقدمه» ولكن 
ظهر أخرون عن اليمين واليسارء وإذا بتارا تحيط بخصر دانيل بإحدى يديهاء بينما 
الأخرى على زناد البندقية تطلق الرصاص» وهي تغمض عينا وتفتح أخرىء» وكأن 
ذلك سيحميها. لم تكن تارا واثقة أنها أصابت أيا من الرجال. وقع بالقرب منهما 
انفجار» وظهر أمامها رجل تشتعل النيران بثيابه. 

كان دانيل يسير بالدراجة بطريقة متعرجة وسط الخيم» حتى خرجا من الحد 
الشمالى من المخيم» وأصبحا على المنحدر الذي وقفا عليه ليلة اكتشاف الجيش. 

انهال عليهما الرجال من كل حدب وصوب» فأبطاً دانيل قليلاء ونظر يمينا 
ويسارا قبل أن يضع يده على دواسة البنزين قائلا لتارا 'تمسكي جيدا". 

انطلق دانيل صوب الرجال مباشرة:ء وإذا بهم واقفون كما هم» ولكن مع افترابه 
أكثر فأكثر تفرق الرجال عن الجانبين. 

عندما أدركت تارا ما سيفعله دانيل» ألقت البندقية» وأمسكت به بكلتا يديها. 


329 


صرحت تارا 'مستحيل يا دانيل". 

نزل دانيل إلى أسفل المنحدرء وصعد الجانب الآخر تاركا المنحدر فاصلا بينهما 
وبين الرجال خلفهماء ولكن فجأة انغرست العجلة الخلفية للدراجة في الرمال نتيجة 
احكاكها بالأرض فتباطأت الدراجة» وبدأ الرجال يقتربون منهماء ولكن دانيل استمر 
في طريقه مسرعا عبر الوادي والرصاص يتوالى من خلفهما دون أدنى مضايقة من 
المخابم: أعلى المنحدر حيث ترك الرجال مواقعهم؛ ونزلوا إلى المخيم فور سماعهم 
للصيحات. 

قال دائيل أثناء مرورهما بمكان الحفريات 'يا الله انظري إلى هذا". 

أحكمت تارا ذراعيها حول خصره وقالت "لا تنظر» فقط ركز في قيادتك". 


330 


41 


الصحراء الغربية 


حدق خليفة بالرجل الواقف أمامهء وقال "أنت لست أخي» لقد مات أخي. مات في 
اليوم الذي أتى فيه ورفاقه الإرهابيون إلى قريتناء وقتلوا أربعة سواح أبرياء. مات 
أخي في اليوم الذي سمّى نفسه فيه سيف الثأر". 

الآنء وهما إلى جوار بعضهما البعض ظهر الشبه واضحاء نفس عظام الوجنتين 
البارزة والفم الصغير والأنف المعقوف» فقط العينان هما وجه الاختلاف» فهما 
زرقاوان صافيتان لدى خليفة وخضراوان لامعتان لدى سيف الثأر. 

وقف الاثنان ينظران لبعضهما البعض دون حراكء والهواء يمر بينهما ساخنا. 
نظر سيف الثأر إلى درافيتش» وقال "أعطني البندقية". 

تقدم درافيتش للأمام خطوة: وأعطاه إياهاء فأخذها سيف الثأرء» وصوب مقدمتها 
إلى رأس خليفة. 

خد الرجالء وعودوا إلى العمل» ومر الرجال في نقاط المراقبة بالنزول 
لمساعدتكم. فستصل المروحيات في غضون ثلاثين دقيقة» ومازال هناك الكثير للقيام 
به . 

"وماذا عن تارا ودائيل؟" 

فليهرباء لسنا بحاجة إليهما". 

'وماذا عن هذا؟" 

"نا سأهتم بأمره". 

"قلت سأهتم بأمره". 


331 


تمتم درافيتشس تش ببضع كلمات» ثم مضى في طريقه» يتبعه الرجال» فيما بقي خليفة 
وسيف الثأر بمفردهما. أشار سيف الثأر لخليفة بالنهوض» وسارا وجها لوجه» وهو 
يمسك بالبندقية» ويبدو أطول قليلا من خليفة. 

'كان يتعين عليك قتلى عندما سنحت لك الفرصة في الخيمة بينما كنت أصليء 
ألم تكن أنت من دخل الخيمة؟ لقد شعرت بك خلفيء ولكن لماذا لم تضغط على الزناد؟ 
أعرف أنك أردت ذلك". 

أجاب خليفة "حاولت التفكير في ما سيفعله أخي علي لو كان مكانيء وبالتأكيد ما 
كان ليقتل رجلا في ظهره وهو يصلي . 

"أنت تتحدث وكأني لست أخاك". 

'نعم أنت لست أخيء فأخي كان رجلا طيبا. أما أنت فسفاح". 

٠‏ فجأة» توقفت المحركاتء وانطفأت المصابيح تاركة الخيوط الأولى للنهار تضيء 

المخيم بينما عمود من الدخان الأسود يتصاعد في الشمال. 

'لماذا أتيت إلى هنا يا يوسف"" 

صمت يوسف لبرهة 

"لاء ليس لقتلك» على الرغم من أنني وددت لو فعلت ذلك منذ أربعة عشر عاما". 

أخرج خليفة سيجارة من طيات ملابسه» ولكنه نسي أن درافيتش أخذ القداحة 
منه» ومن ثم أمسك بالسيجارة في يده دون أن يشعلها. 

القد أتيت إلى هناء لأنظر إلى وجهك» وأفهم ماذا حدث على مدار السنوات 
الماضية؟ ولماذا مات علي في داخلكء وأفسح المجال لكل هذه الشرور؟" 

لمعت عينا سيف الثأرء وأحكم قبضته على البندقيةء ولكن سرعان ما استرخى 
مرة أخرى» وابتسم ابتسامة باهتة. 

القد فتحت عيني يا يوسفء ورأيت العالم على حقيقته مليئا بالشرور والفساد 
ونسيان الشريعة وسيادة الكفر. رأيت كل ذلكء وأقسمت أن أفعل شيئا. لم يمت أخوك 
يا يوسف كل ما حدث أنه نضج". 

'نضج وتحول إلى وحش". 

"لاء تحول إلى عبد حقيقي لله". نظر سيف الثأر إلى عيني أخيه» وقال 'لقد كان 
الأمر سهلا عليك يا يوسف فأنت الأخ الأصغرء أما أنا فتعين علي العمل عشرين 
ساعة يوميا لإطعامك أنت وأمي» وشعرت بأن حياتي تؤخذ منيء بينما مجموعة من 
الأجانب الأغنياء يقيمون في فنادق فخمة» وينفقون على وجبة واحدة ما أكسبه أنا في 

332 


شهر كامل. هذه هي الأشياء التي تغيّر الرجال يا أخي» وتوضح له هذا العالم على 

'كنت لأساعدك؛ وتوسلت إليك أن تتركني أساعدك بدلا من تركك تتحمل العبء 
وحدك'. 

'لقد كنت أنا الابن الأكبرء وكان ذلك واجبي". 

'كان واجبك كما هو واجبك الآن أن تقتل الأبرياء!" 

لقد قال الله في كتابه العزيز (وقاتلوا المُشركين كافة كما يُقاتلوتكم» 

ولكنه قال أيضا (ولاً يَجْرِمََكمْ شتآن قوم عَلَى ألا تَعدلُوا.» 

فأجاب سيف الثأر "قال الل أيضا ۰ 

(الذين كفروا لَه عَذَابً شديد والذين» - و أعدوا لهم ما استطعتم من قؤّة ومن 
رباط الخيّل ترهبون به عدو الله * وعَدوكم) - هل تريدنا أن نستعين بالآيات يا يوسف 
لا تقلق سأهزمك لا محالة. 

همس خليفة 'بالطبع يمكنك التلاوة من طلوع الفجر حتى غروب الشمسء ولكن 
أبدا لن تبرر ما تفعله من جرائم". 

نظر خليفة إلى أخيه مباشرة؛ ثم قال 'أنا لا أعرفك- أنفك وعيناك وفمك هي 
لعلي» ولكن مازلت لا أعرفك» فأنت مختلف من هنا- أشار إلى قلبه- هنا أنت غريب 
بل أكثر من غريب". 

'سأظل أخاك مهما قلت فدماؤنا واحدة". 

'لاء لقد مات علي. أتدري أنني حفرت له قبرا بيدي على الرغم من عدم وجود 
جثة لأضعها فيه؟" 

رفع خليفة كمه» ومسح الدم من على فمه. 

'عندما أفكر في عليء أشعر بالفخر والإعجاب والحبء ولهذا أسميت ابني الأكبر 

بهذا الاسم علي» حتى يذكرني دوما بالسعادة والدفء» ولكن معت أت لا شمر سوى 

بالعارء أربعة عشر عاما من ١‏ الخزي والعارء أخاف أن أنظر إلى الجريدة فيطالعني 
خبر لإحدى الجرائم التي ترتكبها. أربعة عشر عاما أختيئ من الماضي. أربعة عشر 
عاما أتظاهر بأنني لست أخا لهذا الوحش" 

مرة أخرى» لمعت عينا سيف الثأر 'وأحكم قبضته على البندقيةء لقد كنت دوما 
ضعيفا يا يوسف". 

"أنت من تخلط الضعف بالإنسانية" 


4333 


"لا أنت من يخلط الإنسانية بالفقر". 

أجاب سيف الثأر "حتى تتحررء لابد أن تتخذ قرارات صعبة في بعض الأحيان. 
ولكن لماذا تريد الفهم بعد كل ذلك؟ الفهم وليد المعاناة» وأنا حاولت دوما أن أحميك من 
المعاناة ويبدو أننى كنت مخطتاء فأنت تتحدث عن الخزي والعار» ولكن هل فكرت 
يوما في مدى الخزي والعار اللذين أشعر بهما؟ أخي الذي اهتممت به» وعملت ليلا 
ونهارا لإطعامه وكسوته وإرساله إلى الجامعة ليتعلم» أصبح الآن رجل شرطة يخدم 
من فعلوا ذلك بأخيه الذي من لحمه ودمه". 

كشف سيف الثأر عن جبهته» فظهرت الندبة البارزة. 

'هل هذا هو الذي سهرت الليل لأجله» وضحيت بحياتي حتى يسعد؟ لست وحدك 
من يشعر بخيبة الأمل يا أخيء ولست وحدك من تشعر أنك فقدت أخا. أتدري أنه لم 
يمر على يوم بل دقيقة في يوم دون أن أفكر فيك؟ ولكن سرعان ما تتشوه هذه الأفكار 
بای رقفب رقرارة 

كان صوت سيف الثأر منخفضا وكأنه يهمس . 

'عندما اكتشفت أنك أنت من في الصحراء يسعى ورائيء فكرت ربما... 
للحظة... بعد كل هدأ الوقت... . 

ترقرقت عيناه بالدموع للحظة؛ ولكن سرعان ما جمد فيهما الدمع ثانية. 

الكن لاء لن أفعل ذلك» فقد خنتني وخنت الله ولهذا السبب ستحصل على 
2 رفع سيف الثأر البندقيةء وصوبها إلى رأس أخيه مباشرة» ووضع يده على الزناد. 

نظر خليفة إليه وقال "الله أكبر وأعظم من أن تقتل الناس لتثبت ذلك هذا ما 
علمني إياه أخي علي". 

ظل الاثنان ينظران إلى بعضهما لخمس ثوان» عشر ثم ضغط سيف الثأر على 
الزنادء ولكنه رفع يده فتطايرت الطلقات في العا 1 د أن تؤذي أخاه. 

خيّم الصمت لوهلةء ثم حضر الصبي محمد مهرولا نحو سيف الثأر. 

"اصطحبه واحرسه ولا تتحدث معه". ثم استدار» ومضى في طريقه. 

نادى عليه خليفة قائلا 'ستدمر بقية الجيش» أليس كذلك؟ ثم أشار خليفة إلى 
الصناديق خلفه» وقال "لهذا السبب أحضرت هذه المتفجرات". 

تو قف سيف الثأرء واستدارء وقال 'لن يكون لما أخذناه فائدة إن اكتشف أحد بقية 
الجيش» للأسف ليس هناك حل آخر". 

334 


لم ينطق خليفة بكلمة» وإنما ظل يحدق به» وقال 'يالك من مسكين يا علي . 

ظِل الاثنان على الدراجة النارية لمدة عشر دقائق ينطلقان بسرعة فائقة» بينما 
تنظر تارا خلفهما لترى إن كان هناك من يتبعهما أم لا. 

عمندما تأكدت تارا أن أحدا لا يتبعهماء أخبرت دائيلء فأبطأ قليلاء ثم استدارء 
وصعد قمة الكثيب الرملي» وخلفهما المخيم على مسافة بعيدة يتصاعد من وسطه 
عمود من الدخان الأسود بينما الصخرة الهرمية تعكس لونا برتقاليا تحت أشعة 
الشمس. أخذ الاثنان ينظران في صمت. 

أخيراء قالت تارا "لا يمكننا تركه هكذا". 

هز دائيل كتفيه دون أن ينطق بكلمة. 

'يمكننا طلب المساعدة". وأخرجت ثارا الهاتف المحمول؛ وقالت 'يمكننا الاتصال 
بالشرطة أو الجيشء أو أي شخص ليساعدنا". 

'سيكون ذلك مضيعة للوقت؛ لأنهم سيستغرقون ساعات حتى يصلوا إلى هنا. هذا 
إن صدقونا أصلا". 

توقف دانيل قليلاء واضعا يده على مفتاح المحركء ثم قال "سأعود إليه". 

قالت تارا 'سنعود أليه معا". 

ابتسم دانيل» وقال "أشعر أننا خضنا هذا الجدال سابقا". 

قالت تارا" حسناء من الأفضل ألا نكرره ثانية» ولنمض في طريقنا إليه". 

"مادأ بعد؟" ّْ 

هزتت تارا كتفيهاء وقالت "دعنا نفكر في ذلك عندما نصل إلى هناك". 

سخر منها دانيل قائلا 'يالها من خطة محكمة يا تارا". ثم شغل المحرك» وانطلق 
إلى أسفل الكثيب الرملي. 

"على الأقل يبدو اليوم مشرقا للقيام بذلك". 

سألت تارا 'وما هو الذي سنقوم به؟' 

في البدايةء توجّه دانيل شرقا لمسافة كيلومتر بحيث لم يفصلهما عن الجيش سوى 
كثيبين رمليين» ثم توجه جنوبا نحو الصخرة الهرمية على يمينهما. 

'سنسير بمحذذاة الوادي حتى نصبح قبالة المخيم مباشرة: لأن ذلك سيعطينا 
الفرصة للاقتراب قدر المستطاع دون أن يرانا أحدء فلو سرنا في نفس الطريق التي 
أنتينا منهاء فسيروننا على بعد ميل كامل". أضاف دانيل "من العار ألا نعيش طالما 
نمتلك الفرصة لذلك". 

335 


ظل الاكنان يتلفتان هنا وهناك للتأكد من أن أحدا لا يراهما. وتوقف دانيل 
للحظةء وأطفأ المحركء وأغلق عينيه» واستمع إلى أي أصوات قد تكون هنا أو هناكء 
ولكن الصمت كان يخيم على المكان» فشغل المحرك» ومضى في طريقه. 

قالت تارا "يبدو أننا في حلم يا دانيل". 

تقدم دائيل لخمس دقائق أخرىء حتى ضمن أنهما بمحاذاة المخيم» ثم انحرف 
بالدراجة تجاه قمة الكثيب الرملي إلى اليمين حيث كان المنحدر عميقا للغاية» لدرجة 
جعلت المحرك على وشك الانفجارء وهما فى طريقهما للصعود. نظر دانيل أمامهء 
وإذا بالصخرة الهرمية ماظة أمامهما إلى اليسار قليلا على بعد كثيبين رمليينء 
وبالأسفل يقبع الجيش والحفريات دون أدنى علامة على وجود حراس في المكان. 

سألت تارا "أين ذهبوا بحق الله". 

"ليست لدي أدنى فكرة» ولكن لابد أنهم جميعا بالأسفل في المخيم'. 

أبطأ دانيل قليلاء ثم هبط من الكثيب الرملي» ليصعد الكثيب التالي» الان لم يعد 
يفصلهما عن الجيش سوى كثيب رملي واحد. وصارت أصوات المطارق والصيحات 
أكثر وضوحا الآن غير أن المكان كان لا يزال خاويا. 

قالت تارا 'ما هذا؟ أشعر وكأن الصحراء مليئة بالأشباح". 

أوقف دائيل المحركء وتفحص المكان» ثم ترك الكوابح لتهبط بهما الدراجة 
مسافة خمسين مترا قبل أن تقف. نزل الاثنان» ووضع دائيل الدراجة على الرمال. 

'سنذهب مشيا على الأقدام من هناء لأنني لا أريد المخاطرة بتشغيل محرك 
الدراجة الآن» ولو رآنا أحد فلن يكون هناك الكثير لنفعله". 

مضى الاثنان في طريقهما حتى وصلا إلى قاعدة المنحدرء ثم إلى أعلى قمته: 
وأعينهما مرتكزة على المخابئ بالأعلى خوفا من أن يراهما أحد. وصل دانيل وتارا 
إلى أعلى المنحدر دون أن يراهما أحدء ثم انبطحا أرضاء وزحفا ببطء فوق الرمال 
الباردة حتى تمكنا من رؤية الوادي بالأسفل. 

في هذا الموقع» كان الاثنان فوق مكان الحفريات تماماء والصخرة الهرمية قابعة 
في الاتجاه المقابل» والمخيم إلى يسارهماء في الوقت الذي يسرع فيه الرجال جيئة 
وذهاباء يملؤون الصناديق بالآثار- سيوف ودروع ورماح ومعدات حربية- تم 
يرفعون هذه الصناديق على ظهور الجمال. 

قال دانيل 'يبدو أنهم على وشك الرحيل". ونظر بحسرة إلى طريقة تعبئة الآثار 
في الصناديق» حيث لم يكترث الرجال بوضع شيء من القش لحماية هذه الاثار. 


336 


ظل الاثنان يراقبان ما يحدث بالأسفل» بينما كان هناك شخص ضخم الجثة يسير 
وسط الرجال» ويصيح بهم» فقالت تارا "هذا درافيتش". ولكنها سرعان ما أشاحت 
بنظر ها بعیدا عنه» لما شعرت به من امتعاض وضیق . 

أشارت تارا إلى أحد الرجال بجوار مكان الحفرء وبيده صندوق رمادي صغخير› 
ومجموعة أسلاك» وقالت "ما هذا؟" 

نظر دانيل بدقة» ثم قال 'يا الل". 

'ماذا يا دانيل؟" 


1 سي ايع" 


متفجرات . 

خيّم الصمت لوهلة» ثم قالت تارا "أتقصد أنهم سوف...". 

'سيفجرون المكان» هذا ما قصده سيف الثأر بالأمس فهذه هي الطريقة الوحيدة 
التي ستحفظ لهم قيمة ما حصلوا عليه من آثار. يالهم من حمقى! سيدمرون أعظم 
اكتشاف أثري في التاريخ". 

'حسناء ماذا سنفعل يا دانيل؟" 

هز دانيل رأسهء وقال "لا أدري يا تاراء فلو حاولنا النزول إلى الأسفل فسيروننا 
على الفور . 

نظر دائيل إلى اليسارء وقال 'يمكننا الاقتراب من المخيم من هذه الناحيةء ولكن 
ذلك خطر للغاية» فلو رفع أحدهم بصره نحو الأعلى سيرانا". 

قالت تارا 'لقد قطعنا كل هذه المسافة» وتعرضنا لكل هذه الأخطارء وأعتقد أنه 
إذا ما كانت لدينا فرصة للنزول نحو الأسفل فلابد من انتهازها". 

'ولكن ماذا سنفعل بعد ذلك؟ هناك مئات الخيم بالأسفل وقد يكون الشرطي في 5 

قالت تارا "دعنا فقط ننزل إلى هناك". 

ابتسم دانيل» وقال "هذا ما أحبه في تاراء إنها أبدا لا تفعل شيئا اليوم قد تفعله 
غدا '. 

تراجع دانيل للخلف قليلاء ثم نهض على قدميه» ومضى إلى الجهة اليسرىء 
تتبعه تاراء ولكنهما لم يمشيا سوى بضعة أمتارء حتى سمعا صوتا يقترب منهما وكأنه 
صوت طبول. توقف الاثتان» واستدارا وهما يستمعان إلى مصدر الصوت الذي 
ازدادت حدته حينئد. 


سألت ثارا "ما هذ!؟" ‏ 


37 


ل أدري؛ ولكنه يبدو كصوت...". 

استمع دانيل بانتباه» ثم قال "اللعنة". 

جدب دانيل يد تاراء وانبطحا على الرمال. 

'إنها مروحيات". 

انبطح الاثنان على الرمال والصوت يزدادء وما هي إلا لحظات حتى أصبحت 
المروحيات فوقهما مباشرة ثتثير الرمال حتى غطتهما تماما حيث مرت المروحية 
الأولى على ارتفاع عشرة أمتار على الأكثر تعقبها الثانية فالثالثة فالرابعة ثم الكثير 
منهاء وكأنها سرب من الجراد الكبير الذي حجب ضوء الشمس» حتى حطت جميعها 
على الأرضء وهدأ الجو مرة أخرى. 

ظل الاثنان على هذه الوضعية لدقيقة قبل أن يزحفا للأمام لرؤية ما يجري 
بالأسفل. 

كانت ثلاث مروحيات لا تزال تحلق فوق المخيم» أما الأخرى فقد حطت على 
الأرض بالفعل نصفها إلى الجنوب ونصفها إلى الشمال وهرع إليها الرجال ليضعوا 
فيها الصناديق. ؤ 

خيم الصمت لوهلةء ثم انفتح باب تعبئة الحمولات في المروحيةء وانحنى 
الرجال بالملابس السوداء لرفع الحمولات» وفجأة انهال عليهم الرصاص من داخل 


المروحية. 
'ماذا يحدث؟" 


تراجع رجال سيف الثأرء والآثار تتطاير تحت هذا السيل من الرصاصء في 
الوقت الذي تزايدت فيه حدة إطلاق النار» واشتركت المروحيات الثلاث التي لا تزال 
تحلق في الهواء في تصيد الرجال» وقد حاول بعض رجال سيف الثأر تبادل إطلاق 
النارء ولكن على الفور اقتنصهم الرجال من المروحيات بينما الجمال تعدو في كل 
مكان» وتدهس من يأتي في طريقها. 

قالت تارا 'يا الله! إنها مذبحة". 

الآن»ء هبط الرجال من المروحيات وهم يرتدون زيا عسكرياء ويمطرون رجال 
سيف الثأر بالنيران فيردونهم قتلى على الأرضء وكأنهم بقع من الحبر الأسود. 

نهض دانيل على قدميه» وقال 'سأنزل للأسفل”". 

بدأت تارا تنهض أيضاء ولكنه وضع يده على كتفها ليبقيها مكانها. 

'ستبقين هنا يا تاراء وسأذهب أناء لأحضر الشرطي بينما تراقبين الطريق لنا". 


25230 


قبل أن تنطق تاراء كان دانيل قد مضى في طريقه ناحية المخيم» حيث صادفه 
أحد رجال سيف الثارء فرفع بندقيته» ولكن سرعان ما هوى على الأرض إثر 
مجموعة من الرصاصات اخترقت جسده؛ء وتناثرت دماؤه على الأرضء بينما تقدم 
دانيل خطوة للأمام» وانتزع بندقية الرجل» وهرول إلى داخل المخيم مختفيا وراء 
سحابة من الدخان. حاولت تارا النظر بدقة لرؤية إلى أين ذهب دائيلء ولكنها تفاجأت 
بضربة على رأسها قلبتها على ظهرهاء فأصبحت تنظر إلى السماء. 

'أعتقد أن لدينا عملا لم ينته بعد يا آنسة مولراي» وآمل أنك لن تستمتعي به". 


"أعتقد أنك تحبه»ء أليس كذلك؟" 

كان الصبي جالسا القرفصاء على بعد عدة خطوات من خليفة» والبندقية في يده 
وعيناه على خليفة. 

'لقد أحببته ذات مرة أنا أيضاء ربما أكثر من أي شخص في الدنيا". 

لم ينبس الصبي بكلمة. 

القد كنت مثلك تماماء أتمنى أن أفديه بروحيء ولكن... لم يتبق لي الآن سوى 
الألمء وأتمنى ألا تشعر بذلك في يوم من الأيام لأن الشعور بحب شخص ما ثم كرهك 
إياه إحساس قائل". 

جلس الاثنان بلا حراك ينظر خليفة إلى يديه بينما الصبي محمد ينظر إليه. 

صدر صوت مروحية تدنو من الخيمة» فنهض الصبي وخرج من الخيمة ينظر 
نحو الأعلى» وهو يصوب البندقية نحو خليفة. 

قال خليفة 'يبدو أنك ستغادر قريبا". 

كان الرجال يهرولون بالخارج مع تصاعد صوت المروحية حتى أصبح يدوي في 
المكان بأسرهء فخرج الصبي لرؤية ما يحدث وهو يشعر بدفء الشمس والهواء العليل. 

كان خليفة محقاء فقريبا سيرحل الصبيء وسيف الثأرء والآخرون» وسترحل 
معهم كل الأشياء السيئة في العالم. 

قال الصبي 'نعم» لقد أتينا إلى هنا لنزرع جنة الله على الأرضء ولنحقق إرادة 
الله". كان الصبي مفعما بالأمل والسعادة. 

لن أكره سيف الثأر أبدا". قال الصبي ذلك وهو يستدير نحو خليفة» وهو لا 
يتمالك نفسه من الحديث على عكس ما أمره به سيده» "لن أكرهه أبدا مهما قلت فهو 

339 


رجل طيب فلم يعتن بي أي شخص كما فعل هو". ابتسم الصبيء وتابع قائلا 'سأحبه 
دائماء وسأقف إلى جواره» ولن أخذله أبدا". 

اتسعت عينا الصبي بالحب والبراءةء وفجأة اخترق شيء ما سقف الخيمةء وإذا 
بالصبي جاثيا على ركبتيه بعد أن تطاير نصف رأسه والدماء تسيل على كتفه» وخليفة 
ينظر إلى مخه ككتاب مفتوح. ظل الصبي على هذه الحالة لثوان» والابتسامة لا تزال 
مرسومة على فمه الذي تسيل منه الدماءء ثم هوى بجسده فوق خليفة طارحا إياه على 
الأرض» في الوقت الذي هوت فيه مئات الرصاصات من الأعلى» واخترقت جسد 
الصبي الذي اهئز كدمية متحركة. 

مضى بعض الوقت قبل أن توجه المروحيات رصاصاتها إلى مكان آخرء بينما 
الصبي لا يزال راقدا فوق خليفة الذي منعته الصدمة من الحركة؛ ثم تمالك نفسه. 
وأبعد الجثة. ونهض على قدميه؛ وسقف الخيمة عبارة عن مجموعة من الثقوب. 
وأدرك أنه لو لم يقع الصبي فوقه»ء لكان قد لقي مصرعه لا محالة. انحنى خليفة 
ليتحسس نبض الصبي دون فائدة فرفع أطراف أصابعه وأغمض عيني الصبي. 

همس خليفة قائلا 'لم يكن سيف الثأر ليستحق هذه التضحية". 

اشتعلت النيران في مؤخرة الخيمة» وانتشر الدخان» وأخذ خليفة.يسعل» فما كان 
منه إلا أن انتزع بندقية الصبي» وهرول نحو الخارج: ثم نظر نظرة أخيرة إلى الجثة 
قبل أن يمضي في طريقه عبر المخيم. 

نظر خليفة إلى المخيم» وإذا به عبارة عن جحيم متقدء والرجال يهرولون هنا 
وهناك» والجثث تملا الأرض. وفي الأعلى كان هناك ثلاث مروحيات تمطر رجال سيف 
الثأر بالنيران» في الوقت الذي انفجر فيه أحد براميل الوقود مصدرا صوتا يصم الآذان. 

جال خليفة ببصره في المكان» قبل أن يبدأ بالعدوء ثم توقف بعد ثلاثين متراء إثر 
رشق من الرصاص استهدفه. فانبطح مختبئا خلف إحدى العربات» ثم نهض مرة 
أخرى» قبل أن يختبئ مرة أخرىء» حيث وجد أمامه اثنين من الجنود يرتديان أقنعة 
دخان» وشعر أنه مقتول لا محالة. ولكن إذا بأحدهما يشير للآخرء ثم ذهبا في الاتجاه 
المقابل. عد خليفة حتى الرقم ثلاثة» ثم نهض يعدو عبر المخيم. 
مر خليفة بجوار مجموعة من البراميل المشتعلة» يقفز فوق الجثث الملقاة على 
الأرضء وهو ينظر نحو الأعلى مستكشفا مواقع المروحيات؛ وإذا بأحد رجال سيف 
الثأر يظهر أمامه ممسكا ببطنه»ء والدماء تسيل من بين أصابعه؛ فانحنى خليفة تجاهه. 
وسأله "أين سيف الثأر ؟' 


340 


نظر الرجل إليه والدماء تسيل من جانبي فمه دون أن ينطق بكلمة. 

'أرجوك أين سيف التأر؟" 

تحرك فم الرجل» ولكن دون صوت» وإذا بالرجل يحرك يده ممسكا بقميص 
خليفة الذي رفع يده هو الآخر ممسكا بيد الرجل. 

"أخبرني أين هو ؟' 

لوهلة ظل الرجل يحدق به وكأنه لا يفهم ما يقوله» ثم حرك يده بعد جهد جهید» 
وأشار نحو موقع الحفرء ثم قال بصوت مختنق "عند الصخرة؛ الصخرة". ثم هوى 
على الأرض صريعا. 

نهض خليفة على قدميه غير مكترث بما يدور حوله» ومتوجها إلى الصخرة؛ 
حتى وصل إلى موقع الحفرء واختبأ خلف كتلة من القش» يتفحص المكان حوله قائلا 
'أين أنت با أخي و اين أنت؟" 

في البداية لم يعثر له على أثرء نظرا للفوضى العارمة التي تجوب المكان» وبعد 
أن بدأ اليأس يتسرب إلى نفسه إذا بسحابة من الدخان تنقشع ليرى من خلالها رجلا 
مختيئا أسفل الصخرة» وأسفل قدميه سلك أسود غليظ يتدلى إلى موقع الحفرء وعلى 
الرغم من أن المسافة بين الرجلين أكثر من مئة متر إلا أن خليفة لم يكن ليخطئ أخاه: 
ولا ما يفعله هناك. آ 

صاح خليفة 'وجدتك يا أخي". 

بدأ خليفة العدو وسط هذه الفوضىء ولاحظ حركة غريبة إلى يسارهء فاستدار 
وأطلق الرصاصء وإذا بأحد رجال سيف الثأر يخر صريعاء ثم استدار خليفة للجهة 
الأخرى ليردي رجلا آخر قتيلا في غضون ثوان. 

انطلق خليفة مرة أخرى وسط سحابة من الدخان» وهو يناضل للمضي قدماء 
وبالكاد يلتقط أنفاسه»ء ولا يدري ما إذا كان يسير في الاتجاه الصحيح أم لاء في الوقت 
الذي تزايد فيه الدخان أكثر وأكثرء وسأل خليفة هل من نهاية لهذا الأمر؟ وما هي إلا 
بضعة أمتارء حتى انقشع الدخان» ووجد خليفة أخاه أمامه وأصابعه على المفجر وهو 
يستعد لتدمير بقايا جيش قمبيزء فقفز خليفة طارحا أخاه نحو الصخرة. 

لوهلة ظل سيف الثأر ملقى على الأرض والدماء تسيل على جبهته جراء 
اصطدامه بالصخرة؛ ثم نهض مرة أخرىء وهو ينظر إلى خليفة بغيظ شديدء ثم قال 
'سأقتلك!" ثم أمسك برأس خليفة يهوي به تجاه الصخرة مرة تلو الأخرى. 

'لقد خذلتني يا يوسف خذلتني يا أخي". 


341 


نهض سيف الثأرء وضرب خليفة على فمه قائلا "لا يمكنك منازلتيء فأنا أقوى 
منك دوماء أقوى منك لأن الله معي". 

قم ضربه مرةء ومرة أخرى قبل أن يلقي به على الأرضء ويعود ليمسك 
بالمفجر» ولكن خليفة تمكن من الإمساك به من أسفل قدميهء وطرحه أرضاء وجثا 
فوقه محكما قبضته عليه قائلا "أنا أحبك يا أخي". وأخذت الدموع تترقرق في عينيه 
'فأنت أخي من لحمي ودميء لماذا أصبحت شريرا هكذا؟" 

أجاب سيف الثأر "لأنهم أشرارء كلهم أشرار”". 

"إنهم نساء وأطفال لم يفعلوا شيئا لك". 

"لاء لفد فعلواء لقد قتلوا والدنا!" نجح سيف الثأر في تحرير إحدى يديه» وضرب 
خليفة على عينيه» وقال "ألا ترى ذلك؟ لقد قتلوا والدنا ودمروا حياتنا". 

'لقد كانت حادثة يا علي» لم يكن خطأهم". 

"لاء لقد كان خطأهم لقد دمروا عائلتنا. إنهم أشرارء كلهم أشرار". ثم ضرب أخاه 
بكل ما أوتي من قوة» ونهض واقفاء وضربه على جنبه قائلا "سأقتلهم جميعاء سأبيدهم 
عن بكرة أبيهم'. 

أحخقصص نا اج 4 مامد الأخرى حتى أوشك على السقوط في 
موقع المحفرء بينما أخذ خليفة ينظر إلى أي شيء حوله ليستعمله كسلاحء فلم يجد 
سوى خنجر أثري قديم. ولكن فجأة قفز فوقه سيف الثأر ممسكا بمعصمه وهو يضغط 
بشدة على الخنجر باتجاه رقبة خليفة؛ بينما ركبتاه مرتكزتان على صدره. 

قال سيف الثأر 'يعتقدون أنه يمكنهم معاملتنا كحيوانات» وأنهم فوق القانون» 
ولكنهم ليسوا فوق إرادة الله فالله يعرف مكر همء وأمرنا بالاندقام". 

أخذ سيف الثأر يضغط على الخنجرء ويده ترتعش من مقاومة خليفة له» ولكنه كان 
قوياء حتى أن الخنجر أصبح يحتك بحنجرة أخيه قبل أن تخور قواه شيئا فشيئاء ونظر 
خليفة إلى عيني أخيه في الوقت الذي هدأ فيه وطيس المعركة حولهماء ولم يبق سواهما. 

قال خليفة "افعلهاء هيا اقتلني". 

على الرغم من أن سيف الثأر وحده هو من يمسك بالخنجرء إلا أن يده كانت 
ترتعش» وكأنه يناضل ضد قوة خفية. 

هيا افعلهاء أريد التخلص منكء والعودة مرة أخرى إلى أخي الحبيب» هيا 
اقتلني» اقتلني". 

أغمض خليفة عينيه» بينما انغرس الخنجر شعرة أخرى في حلقه؛ مسبّبا سيلا من 
الدماء على رقبته؛ قبل أن يتوقف فجأة» وتنسحب شفرة الخنجر من حلقه» ويصدر 

342 


صوت طلقات بجوار رأس خليفة قبل أن يرفع سيف الثأر ركبتيه من على صدر 

فتح خليفة عينيه» فوجد أخاه واقفا أمامه» حيث نظرا لبعضهما البعض لوهلة؛ 
يبحثان عن شيء مشترك بينهماء قبل أن يستدير سيف الثأرء ويتوجه ناحية موقع 
الحفر» وقبل أن تخترق جسده مجموعة من الرصاصات ألقت به نحو الصخرة؛ حيث 
سال الدم من فمه وهو يمسك بالرمال بقبضته. ولكن سرعان ما اخترقفت مجموعة 
أخرى من الرصاصات صدره فتدحرج حتى سقط في موقع الحفر إلى جوار بعض 
الأسلحة وبقايا مومياوات» وكأن جيش قمبيز نادى عليه ليكون أحد أفراده. 

نظر خليفة إلى المشهد والرعب يسيطر عليه» وإذا بدانيل يقف على بعد عشرة 
أمتار ممسكا ببندقية في يدهء ثم تقدم قليلا للأمام» ونزع السلك من المفجرء بينما خليفة 
ملقى على الأرض ينظر إلى السماء وعيناه تترقرق فيهما الدموع. 

'يا الله! مات أخيء يا اش". 

جذب در افيتش تارا بعيدا عن الحافةء فأخذت تلوح بيديها محاولة الإمساك 
بوجهه. ولكنه كان قويا للغاية» حيث كانت في يده كدمية صغيرة يتلاعب بها. لم 
تكترث تارا بالصراخ لأن أحدا لم يكن يسمعها وسط هذه الفوضى بالأسفل بين 
الطلقات والانفجارات. 

قال درافيتش '"سأعطيك درسا لن تنسيه طوال حياتك؛ فقد دمرت كل شيء. 
وستدفعين ثمن ذلك". 

ظل الرجل يجذبها نحو الأسفل حتى أصبحا بعيدين عن قمة المنحدرء وألقى 
بها على وجهها واضعا إحدى ركبتيه على الرمال» وهوى بالأخرى على ظهرهاء 
فحاولت ضربه على بطنه؛ ولكنه كان ضخم الجثة» لدرجة أن يدها بالكاد أصابت 
فخذه. 

أمسك درافيتش ببضع خصلات من شعرهاء وجذبها نحو الأعلى» فظهر جزء 
من رقبتهاء وشمّت رائحة عرقه كالأمونيا. 

"عندما أنتهي منك ستدركين أن القتل كان أرحم لك". 

قالت تارا بصوت مكتوم 'يالك من رجل شجاع يا در افيتش تقتل الأطفال 
والنساءء يالك من بطل لعين . 

ض حك در أفيتش وهو يجذب رقبتها أكثر وأكثر وعظامها تطقطق من الألم "لن 
أقتلك يا عزيزتيء فذلك سيكون بمثاية رأفة بكء سأصيبك فقط ببضع ندبات". 


343 


أخرج درافيتش المالج من جيبه» ولوّح به أمام عينيهاء فظهرت شفرته الحادة 
وقال 'لكم يسعدني التفكير في أنك كلما نظرت في المرآة بعد اليوم ستذكرينني. هذا إن 
تركت لك إحدى عينيك لتبصري بها". 

'عليك اللعنة يا درافيتش". 

حاولت تارا أن تبصق عليه» ولكن حلقها كان جافا للغاية. 

انحنى درافيتش نحوها حتى أن وجهها لامس وجهه وقال 'بماذا نبدأ؟ بالأذن أم 
بالعين ؟" 

رفع درافيتش المالج عالياء ووضعه في فمه» حيث لعق شفرتهء ثم مرره برفق 
على جسدها متراجعا قليلا للوراء ليتفادى يديها وهي تحاول ضربه على عينيه. 

شعرت تارا بالشفرة. تسري فوق جسدهاء وأدركت أنها ستنال منها لا محالء 
ومن ثم وفي محولة يائسة أخيرة. أمسكت بحفنة من الرمال» وألقت بها في وجه 
در أفيدشس. 

صرخ درافيتش "أيتها اللعينة". وتركها واضعا يديه على عينيه» وكان في 
وضعية بين الوقوف والجلوسء فرفعت تارا ركبتيهاء وضربته بكل ما أوتيت من قوة. 
فوقع على الأرض وهو يص رخ كالنساءء ويسعل بشدة. 

'سأمزق وجهك أيتها اللعينة» سأمزقك إربا إربا". 

حاول درافيتش تسديد ضربة إليها بالمالج» ولكنها تفادتهاء وهرولت مسرعة بجوار 
المتحدرء وهو يعدو وراءهاء ويحاول الإمساك بها مرة تلو الأخرى؛ حتى أحكم قبضته 
على طرف قميصهاء فجذبها أرضاء وهو فوقها ينحدران نحو الأسفلء وسط الرمال. 

انتهى المطاف بهما أسفل المنحدر تارا ملقاة في الرمال بعيدا عن المنحدر 
ورأسها يدور بها حتى وقفت على قدميهاء بينما درافيتش ملقى إلى الأسفل في الجزء 
من الدم يسيل من أنفه. 

"أيتها اللعينة". 

بدأ درافيتش يسير نحوهاء وقدماه تغرسان في الرمال» وعلى الرغم من ذلك كان 
الاثنان أمام بعضهما البعض مرة أخرى» حيث تراجعت للوراء تستعد للجري» 
ودرافيتش يخطو نحوهاء ولكنه غاص أعمق من قبل» حيث وصلت الرمال إلى 
ركبتيه»ء وحينكئد لم يعد يكترث لتارا وإنما صار ينظر إلى قدميه محاولا إخراجهماء 
ولكن شيئا ما كان يمسك بهما من الأسفل. 

344 


قال درافيتش بصوت يملؤه الخوف "لاء لا". ونظر إلى وجه تارا "لاء ليس هذا". 

ظل الرجل دون حراك لوهلة» وعيناه الدامعتان بهما شيء من براءة الأطفال؛ ثم 
فجأة بدأ يناضل بقوة لإخراج قدميه؛ ولكنه كلما ناضل أكثر غاص أكثر في الرمال 
المتحركة التي وصلت إلى فخديهء ثم إلى خصره؛ وإذا به يضع إحدى يديه على 
الرمال ليرتكز عليهاء ويخرج قدميه» ولكن يده غاصت في الرمال أيضا فجذبها وبها 
المالج» وبدأ يبكي. 

نادى درافيتش على تارا قائلا 'ساعديني أرجوك! ساعديني بالله عليك! وهو 
يشير بيده إليها مستجديا إياها". 

كانت الدموع تجري على وجنتيه؛ ويداه تلوّحان في الهواء كالطاحونة» وبدأ 
يصرخ عالياء ويداه تضربان على الرمال» ونصفه الأعلى يغوص في الرمال مرتجفاء 
وكأنه جالس على كرسي كهربائي. أبت الصحراء أن تترك هذا المجرم يفلت من بين 
أحشائهاء ووصلت الرمال إلى أسفل إبطيه ثم كتفيه. حتى لم يعد يظهر منه سوى رأسه 
الضخم ويده الممسكة بالمالج. عند هذه اللحظة لم تستطع تارا رؤية المزيدء فاستدارت 
) ومضت في طريقها. 

"لاء لا عودي إلى هنا لا تتركيني وحديء ساعديني". 

لم تكترث تارا لصراخه» ومضت في طريقها إلى أعلى المنحدر. 

صرخ درافيتش قائلا "أسف على ما فعلته بك» أرجوك لا تتركيني وحدي. 
عودي إلى هنا! عودي إلى هنا أيتها اللعينة! سأقتلك! أرجوك ساعديني". 

استمر الرجل في الصراخ حتى وصلت تارا إلى منتصف المنحدر تقريباء وعندها 
انقطع الصوت فجأة. وعندما وصلت إلى القمة» استدارت لتنظر خلفهاء فلم ترّ سبوى 
الجزء العلوي من رأسه؛ وإلى جواره المالج» فاستدارت» ومضت في طريقها إلى القمة. 

في الوقت الذي وصلت فيه تارا إلى قمة المنحدرء كانت المعركة قد انتهت 
تفريباء حيث كانت النيران المشتعلة في كل مكان؛ والهواء مملوءا بدخان كثيف. ولم 
يعد هناك صوت رصاص أو مروحيات تحلق في الهواء. كانت مجموعة من الجنود 
تسير بشكل نظامي وسط الركام» وتطلق بعض الرصاص بين الحين والآخر على 
رجال سيف الثأر الملقين على الأرض بينما الجمال تهرول جيئة وذهابا هنا وهناك: 
ولم تر تارا أيا من رجال سيف الثأر واقفا على قدميه. 

تفحصت تارا المكان لوهلة» قبل أن تلحظ رجلين أسفل قاعدة الصخرة الهرمية. 
أحدهما يرتدي قميصا أبيض هو بلا شك دانيل» فرفعت قميصها ووضعته على وجهها 


345 


٠‏ لتحتمي من ألسنة اللهب» وهي تتحرك في المكان. كان الجنود في كل مكان» فحاولت 
تارا الاستفسار من أحدهم عما يجري» ولكنه مضى بجوارها غير مكترث لسؤالهاء 
فحاولت مرة أخرى ولكن دون فائدة. فما كان منها إلا أن مضت في طريقها نحو 
الصخرة الهرمية حتى وصلت إلى الشخصين اللذين رأتهما من أعلى. كان دانيل وهو 
الأقرب إليها جالسا فوق الرمال محدقا بالخندق» وعلى كتفه بندقية آلية» وخلفه خليفة 
متكئا إلى الصخرة وفي فمه سيجارة» ووجهه متورم وقميصه ملطخ بالدماء» حيث 
نظر الاثنان إليها ما إن اقتربت منهما ولكن أيا منهما لم ينطق بكلمة. 

توجهت تارا نحو دانيل فجلست بجواره؛» وشدت على يدهء ولكنه لم ينطق بكلمة 
أيضا بينما خليفة ينظر إليها. 

سألها خليفة "هل أنت بخير؟" 

انعم أشكرك» وماذا عنك؟" 

هز" خليفة رأسه» وأخذ نفسا عميقا من سيجارته. أرادت تارا أن تسأل عما يدور 
ومن هؤلاء الجنود» ولكنها شعرت أنه لا يريد الحديث» فآثرت الصمت. 

بالقرب منهما كان أحد الجمال يأكل بعضا من القش» وخلفه عربة بها تقوب 
رصاص في الوقت الذي توسطت فيه الشمس السماءء وازداد الهواء سخونة. 

مرت خمس دقائق؛ ثم عشر دقائق ولم يسمعوا شيئا سوى صوت مروحيه تفترب 
قبل أن تصل إلى قمة المنحدر المقابل لهم حيث حطت على الأرض فوق الوادي على 
بعد خمسين مترا منهم مثيرة الرمال نحوهمء فاستداروا بينما لاذ الجمل بالفرار. 

ما إن حطت المروحية على الأرضء حتى أطفأ الطيار المحرك» وتوقفت 
المروحية تماماء ونزل بعض الجنود من المروحية. 

نزلوا مسرعينء وصوت باب يفتح في الناحية الأخرى منهاء وسمعوا صوت 
أربعة أشخاص سرعان ما أتوا إلى أمام المروحية» ومن بينهم سكويرز وجمال 
وأوتيس» أما الرابع فرجل لا تعرفه تارا؛ أصلع ويحمل منديلا. ثم مضوا في الرمالء 
وهم يرتدون حللا وربطات عنق» ووقفوا على بعد عدة أمتار منهم. 

نهض دانيل وتارا واقفين. 

صاح سكويرز 'صباح الخير جميعاء لقد كانت مغامرة رائعة» أليس كذلك؟" 


346 


42 


الصحراء الغربية 


إبضع ثوان لم ينبس أحد ببنت شفة حتى تحدث الرجل البدين 'سأتركهم لك يا 
سكويرز فلدي أمور أخرى لابد من تسويتها". 

قال سكويرز "على الأقل عرفهم بنفسك أيها العجوز البدين”. 

أجاب الرجل البدين 'بالله عليك؛ إنها ليست نزهة". ثم بصق على الأرض› 
ومضى في طريقه» وهو يمسح رقبته بمنديله» بينما سكويرز يرأقبه وهو يبتعد. 

قال أوتيس "ألتمس لصديقنا الأمريكي العذرء فهو يفتقر إلى آداب الحديث". 

ابتسم سكويرزء وأخرج حلوى مغلفة من جيبه» ثم مد أصابعه البيضاء الطويلة 
ينزع عنها الغلاف» وكأنها أرجل عنكبوت كبيرة. خيّم الصمت طويلا قبل أن يتحدث 
خليفة قائلا 'لقد كان الأمر مدبراء أليس كذلك ثم ألقى السيجارة في الخندق. وأضاف 
قائلا 'المقبرة والنص الأثري وكل هذه الأشياء؛ فقط لإغراء سيف الثأر بالعودة إلى 
مصر للحصول على هذه الأشياء". 

رفع سكويرز حاجبيه قليلا دون أن يجيبء وإنما اكتفى فقط بوضع الحلوى في 
فمه بعد أن أزال الغلاف عنها. 

على الرغم من حرارة الجوء إلا أن تارا شعرت ببرودة تسري في جسدها ثم 
قالت "أتقصد..."» ولكنها لم تقدر على استجماع أفكارها. 

قال خليفة 'لقد كانت المقبرة مزيفة» أما الآثار فكانت أصلية على عكس 
الزخارف والنصوص الأثرية لأنها كانت مجرد طعم للإيقاع بسيف الثأر”. 

حدقت تارا بسكويرز بنظرة تعكس الصدمة والاندهاش أما وجه دانيل فكان 
شاحبا وجسده مشدودا وكأن أحدا سيضر به. 


347 


سأل خليفة "من أنتم بالضبط؟ شرطة؟ مخابرات؟ 

امتص سكويرز الحلوى بعمق وقال 'مزيج منهما معا. ومن الأفضل عدم 
الخوض في التفاصيل؛ يكفيك أن تعرف أن كل واحد منا يمثل حكومته الموقرة وهو 
ما يمكن أن نطلق عليه بشكل عام اسم مخابرات". ثم نفض بعض الرمال عن كمه: 
وقال "كيف عرفت أنها غير حقيقيه؟ 

قال خلبفة "أتقصد المقبرة؟" 

القد كانت التماثيل في محل إكبار أصلية فعلاء ولكنها تعود إلى حقبة أقدم من 
المقبرة نفسهاء أما الآثار الأخرى فكلها ترجع إلى الحقبة الفارسية الأولى» ولو 
كانت ترجع إلى الحقبة الثانية لقلت إنها سرقت من المقبرة القديمة؛ ثم أعيد 
استخدامها. وبما أنها أقدم فهذا يعني أن هناك خللا ماء فكيف سيوجد أثر من القرن 
الرابع قبل الميلاد في مقبرة مختومة قبله بمائة وخمسين عاما؟ لقد كانت هناك 
العديد من التخمينات» ولكنني شعرت أن هناك خطأ ماء ولكنني تأكدت من التلاعب 
فور مشاهدة المقبرة . 

قال سكويرز "إنك ذكي للغايةء لقد تخبلنا أن هذا الأمر لن يدركه أحد'. 

بالفعل لقد قمتم به على النحو الصحيح؛ ولكن أستاذي هو من أوضح لي أنه لا 
تر جد قطعة أثرية مصرية خالية من العيب» فلابد من عيب واحد فيها على الاقل؛ وقد 
فحصت كل بوصة من هذه المقبرة» ولم أعثر فيها على خطأ واحد. فل توجد بقع حبر 
أو حروف مطموسة أو علامات تصحيحيةء لقد كانت رائعة تماما لدرجة تؤكد أنها 
غير أصلية". 

سحب دانيل يده من يد تاراء وتحرك خطوتين للامام وهو يهز رأسه. وترسم 
على وجهه ابتسامة باهتة. أرادت تار ا الذهاب إليه وإخباره أن الأمر كان أصعب من 
أن يدركه؛ ولكنها شعرت أنه لا يريدها بجواره. 

اس تطرد خليفة قائلا "حتى عندما ذهبت إلى المقبرة» لم أستطع بلورة الأمرء 
فلماذا يرهق شخص ما نسه إلى هذه الدرجة في مقبرة كهذه؟ ولد اعتقدت أن 
للمخابرات يدا فى ذلك وقد تبين لي ذلك عندما راقبني رجال المخابرات في الأقصر؛ 
وأيضا عندما أدركت أن السفارة البريطانية متورطة في الأمر» ولكنني عجزت عن 


ربط هذه الخيوط ببعضها. ولكن الأمر تغير منذ نصف ساعة تقريبا عندما وصلت 
المروحيات واتضح كل شيء . 


348 


ابتسم خليفة ضاحكا وقال 'أتدري. إن المال الذي أنفقتموه على هذا الأمر كان 
يكفي للحيلولة دون ظهور العديد من أشباه سيف الثأر. كم من المال أنفقت على دفن 
هذه الآثار هنا؟ ملايين؟ عشرات الملايين؟ يا الله لابد أنكم استوليتم على كل مخزون 
الآثار في متاحف مصر". 

لم ينبس سكويرز ببنت شفةء وإنما ظل يمتص الحلوى» ثم بدا فجأة يضحك 
ضحكة باهتة. 

عزيزي المحققء لابد أنك أمسكت بطرف الخيط الخاطئ. لقد كانت المقبرة 
مزيفة بالفعل» وكان الغرض منها إغراء من يعثر عليها بالقدوم إلى هنا في الصحرايء 
ولكننا لم ندفن أي شيءء لقد كانت الآثار موجودة هنا بالفعل". ' 

لاحظ سكويرز الدهشة على وجه خليفة» وتضاعفت ضحكته. 

'نعم يا عزيزي هذا هو جيش قمبيز المفقود تماما كما كسته الرمال منذ أكثر من 
ألفين وخمسمائة عام؛ وكل ما فعلنا أننا أحطناه". 

'ولكنني أعتقد أن...". 

'أننا قمنا بدفن كل هذه الآثار هناء أخشى أنك بالغت في تقديراتك لما يمكننا أن 
نفعله. أتدريء حتى أننا لو نجحنا في تجميع الجهود المصرية والأمريكية والبريطانية: 
لما تمكنا من القيام بشيء بهذا الحجه؟" 

أخذ خليفة ينظر بدهشة إلى الخندق وهو لا يكاد يصدق ما يسمع, بينما بقايا 
الآثار التي أخرجوها من الخندق تمتد أمامه على مرمى البصر؛ أرجل وأذرع وجماجم 
وأوصال كلها تشير إلى إنسانية مشردة. ظ 

منذ ما يقارب انني عشر شهرا تقربباء بواسطة عالم آثار أمريكي شاب يدع 
جون کادي» أمضى عاما كاملا يبحث هنا وحده» لدرجة أن الناس اعتقدوا أنه مجنون» 
ولكنه في الحقيقة كان متأكدا من أن الجيش هنا - أحد هم الاكتشافات في تاريخ 
الآثار- ياللعار إنه ليس بيننا الآن ليحتفل معنا بهذا النصر المؤزر". 

بدأ جمال يحرك المسبحة في يده وصوتها يتردد في المكان الصامت ويملا 
الهواء. 

سأل أوتيس "كم تبقى لنا من الوقت؟" 

"أعتقد أن أقل ما يمكننا القيام به هو التوضيح لأصدقائنا ما حدث هناء أليس 
كذلك؟" 

349 


أدخل أوتيس يده في جيبه: ومضى بضع خطوات للأمام» حتى وصل إلى حافة 
الخندقء وأمامه بالأسفل سيف الثأر ممدد وسط مجموعة من الأسلحة وعظام 
المومياوات. 

'لقد بد أالأمر بشاب صغير يدعى علي خليفة". قالها وهو يحدق بجثة سيف 
الثأرء ثم استدارء وقال 'نعم أيها المحقق نحن نعرف طبيعة علاقتكما. والفارق كبير 
بين رجل قانون ورجل يصبح أخا لأخطر مجرم في مصرء ليس الأمر سهلا على 
الإطلاق". 

لم ينبس خليفة بكلمة» إذ اكتفى بالنظر إلى سكويرز في الوقت الذي دوى فيه 
صوت انفجار أحد براميل الوقود في الجانب الآخر من المخيم. 

استطرد سكويرز قائلا 'لقد بدأ الأمر في منتصف الثمانينيات» فقبل ذلك كان 
سيف الثأر مجرد عضو نشط في بعض الجماعات المتعصبة دون أي مساس بنا. في 
العام 1987 انفصل عن هذه الجماعات» وأنشأ جماعته الخاصة وشرع في اغتيال 
الأجانبء وهو ما اقتصر في بادئ الأمر على كونه شأنا داخلياء ولكن الأمور انقلبت 
رأسا على عقبء عندما أصبح الأمر يمثل خطرا دولياء وعملت أنا نيابة عن جلالة 
ملكة بريطانياء بينما عمل ماساي بالنيابة عن الأمريكيين". 

في هذا الوقت» بدأت جماعة من الجنود تجمع جثث رجال سيف الثأر على حافة 
الخندق» بينما تارا تنظر إليهم في دهشةء وبطرف عينيها رأت دانيل يحدق ببقايا 
الجيش بلا أي تعابير على وجهه وما تزال البندقية الآلية في يده. 

تابع سكويرز قائلا 'لقد بذلنا قصارى جهدنا للقبض عليه؛ ولكنه كان ماهرا 
للغاية. ودوما كان يسبقنا بخطوة على الرغم من أننا أوشكنا على الإيقاع به في العام 
6 بأحد الكمائن في أسيوطء ولكنه تمكن من الهرب إلى السودان» وهو ما يعني 
استحالة القبض عليه. لقد قبضنا على الكثير من أتباعه» ولكن كل ذلك لا يعني شيئا 
طالما أنه حر طليقء وتأكدنا من استحالة القبض عليه طالما أنه خارج الحدود 
المصرية". 

قال خليفة "ولذلك نصبتم له هذا الفخ؟" 

ابتسم سكويرز وقال 'لقد كان الفخ معدا بالفعل» كل ما قمنا به أننا أضفنا بعض 

أخرج سكويرز منديلاء وأخذ يمسح عدستي نظارته؛ بينما جمال يسرع في 
تحريك يده على حبات المسبحة. 


350 


قال سكويرزء 'وة قعت الطامة الكبرى منذ عام تقريبا: عندما أوشك سيف الثأر 
على اغتيال السفير ١‏ الأمريكي. > وتعرضنا لضغط كبير للقبض عليه. . وكانت هناك الكثير 
من الخطط حتى أن إحدأها كانت توجيه ضربة نووية محددة في شمال السودان. ولكن 
فجأة اكتشف كادي هذا الجيش» وأخذ الأمر منحى مختلفا تماما". 

في هذا لوقت صدرت صرخة من | الجانب الاخر من المخيم تبعتها طلقات 
نارية. 

حال ا نه نرائب كادي للتأكد من أن الأمور تحت السيطرة, وأ ل 
يفعل أي شيء يمس بالأمن القومى. ٠‏ ذات يوم اعترضنا طردا | مسجلا أرسله كادي من 
سيوة. وبه صور فوتوغرافية وجثة وبعض الأسلحة والملابس وعليه ملاحظة: : الجيش 
المفقود لم يعد مفقودا". 

قال سكويرز في البداية؛ لم ندرك مدى أهمية الأمر حتى لفت أوتيس انتباهنا. 

هيا أوضح أنت البقية يا أوتيس". 

ابتسم أوتيس» وقال 'لقد كان الجيش اكتشافا رائعاء وسيجعله غنيا لدرجة تمكنه 
من إعداد جيشه الخاص. 

كانت هذه هي الشرارة التي أضاءت الطريقء وبدأنا نفكر ماذا لو اكتشفه سيف 
الثار؟ لابد أن اكتشافا كهذا ا سيسيل له لعابه» وسيكفل له تمويلا مستقلا لعملياته 
ودنتهي كل مشاكله التمويلية» لا شك أنه سينظر إلى الأمر على انه منحة إلهية؛ و لابد 
أنه سيرغب في الإشراف على هذا الاكتشاف بنفسه لأن رجلا يعشق يعشق التاريخ لهذه 
ادرجة ان يتمالك نفسه من الذهاب لرؤية الجيش المفقوده وعندرا ,ل 7 

رفع سكويرز نظارته؛ ونفخ عليهاء ؛ وأخذ يمسح عدستيها بمنديله في الوقت الذي 
تضاعفت فيه أعداد الجتث على حافة الخندق. 

استطرد د الرجل قائلا 'حاولنا التعاون مع کادي» ولكنه رفضء ومن ثم لم يكن 
أمامنا خيار آخر سوى أن نريحه عن طريقناء فمن غير المعقول أن نترك رجلا واحدا 
ليعيق العملية بأسرها". ) 

نطظضرت تارا إلى سكويرز بدهشة وخوفهء بينما تجاهلها هو تماماء وإنما ظل 
ينظر إلى عدستي نظارتهء واستكمل مسحهما. 

أضاف سكويرز ظهرت المشكلة عندما فكرنا في كيفية ! إرشاد سيف الثأر إلى 
الجيش دون أن يشعر بذلك. والحل كان أن يعتقد هو أنه صاحب الاكتشاف. لأنه لو 
فكر للحظة أن الأمر معد مسبقاء فلن يتحرك من مكانه: ويأتي إلى مصر'. 


351 


سأل خليفة 'ولكن لماذا تكبدتم كل هذه الجهود في إعداد المقبرة؟ لماذا لم تزرعوا 
شخصا ما داخل جماعته يدعي أنه يعرف مكان الجيش". 

"لأنه لن يصدق ذلك أبداء فهذه الأرض ليست كوادي الملوك» بحيث يمكنك أن 
تعثر في كل خطوة تخطوها على مقبرة. إنها هنا في وسط الصحراء»ء وليس من 
المعقول أن يعثر شخص ما على الجيش صدفة . 

'ولكن كادي فعل دلك . 

'كادي كان عالم آثار محنكاء أما أتباع سيف الثأر فهم جماعة من الفلاحين» ليس 
لديهم شأن بما يجري هناء وعلى أي حالء لم يكن الأمر ليجذبه على هذا النحو . 

"اعتقدتم أن وجود مقبرة لشخص نجا من الجيش ستفي بهذا الغرض . 

انعسم» إلى حد ما. لقد بدت الفكرة بعيدة عن الواقعء وبالطبع كانت ستثير شكواك 
سيف الثأرء ولكن ليس بنفس درجة ظهور شخص من أتباعه ليدعي اكتشافه الجيش 
بين عشية وضحاها . 

مسح سكويرز نظارته مرة أخيرة» قبل أن يضع المنديل في جيبه؛ بينما أخرج 
خليفة سيجارة من جيبه» ومشى بضع خطوات إلى إحدى العربات المحترقة» ووضع 
مقدمة السيجارة على إحدى قطع الأخشاب ليشعلها. 

قال سكويرز 'أنا لا أتحمل رؤيتك تشعل السيجارة على هذا النحو . 

'ياله من غبي". قال سكويرز وهو يستدير إلى جمال قائلا "هلا مددته ببعض 
أعو اد الثقاب". 

أخرج جمال علبة أعواد ثقاب من جيبه» وألقاها لخليفة. 

سأل سكويرز 'بالمناسبة» هل رأى أي منكم صديقنا درافيتش؟ فلم يظهر في 
الصورة مؤخرا؟' [ 

ظلت تارا تنظر إلى أكوام الجثث» وقالت 'لقد لقي مصرعه في الجانب الآخر 
من المنحدر عند الرمال المتحركة. لم يظهر صوتها أنها متأثرة أو مكترثة لموته بأي 
حال". 

خيّم الصمت اوهلة» قبل أن يبتسم سكويرز قائلا "ها هي مشكلة أخرى قد انتهينا 
منها". ثم أخرج حبة حلوى أخرى من جيبه؛ وبدأ يزيل عنها الغلاف وقال "أين توقفت؟' 

أجاب خليفة "عند المقبرة". 

'حسناء لم يكن هناك أمل في بناء مقبرة من الصفرء ولحسن الحظ كانت هناك 
مقبرة جاهزة بالفعل ترجع لنفس الفترة» وعلى نفس التصميم الذي نبحث عنه؛ والأهم 

352 


= جح = سس سو سسح سو سوم مي ت 2 
gra r, qar maa n‏ ب 1911 Te‏ 


من ذلك أنها لم تكن معروفة للكثيرين» بل يقتصر أمرها على بضعة متخصصين في 
مقابر تلال طيبة» وبالتأكيد لم يكن رجال سيف الثأر يعرفون شيئا عنهاء وهو ما 
اعتبرته أحد أهم أركان حبكة القصة على سيف الثأر. 

أتدري أننا وفي ظل وجود مقبرة جاهزة استغرق الأمر عاما كاملا لإتمام 
المهمة» بعد أن بذلنا فيها جهدا جهيدا في أعمال الزخرفة وإضافة المواد الكيميائية 
حتى تبدو وكأنها ترجع إلى أكثر من ألفين وخمسمائة عام» فضلا عن السرية التامة 
التي اكتنفت الأمر برمته؟ صدقني لقد كانت العملية ضخمة للغاية لدرجة تخيلت معها 
أنها لن تنتهي أبداء ولكن في نهاية الأمر أنجزنا المهمة» ووضعنا بعض الآثار في 
المقبرة من مخزون متحفي القاهرة والأقصر وبعض الآثار من الجيش نفسه؛ وكل ما 
تبقى هو أن يبتلع أحد أتباع سيف الثأر الطعم ويخبره بذلك". 

قال خليفة 'ولكن شخصا ما وصل إلى المقبرة أولا". 

'نعمء هذا هو الشيء الوحيد الذي لم نتوقعه؛ لم نتوقعه على الإطلاق؛ ولكن لم 
يكن ليثير هذه الازمة. فلقد كان بإمكانهم أخذ بعض الاثار وينتهى الأمرء ولكنهم أخذوا 
جز ءا من النص الذي هو الطعم لسيف الثأر. إذ إن هذه القطعة تشير إلى موقع الجيش 
هناء وبدونها لن يكون للأمر برمته فائدة". 

فال خليفة 'ولكنها دفعتكم للقضاء على ناير وإكبار". 

"لاء لقد ندمنا كثيرا على مصرعهماء وكذلك أيضا مصرع والدك يا آنسة مولراي". 

نظرت ثارا وعيناها كلهما كراهية وحفدء ثم قالت 'لقد استخدمتمونا غير مكترثين 
بأرواحنا أو بمقتل والديء أنتم أشر من سيف الثأر". 

ابتسم سكويرزء وقال "أنت تبالغين بعض الشيء يا آنسة مولراي خاصة إذا ما 
أدركنا أن موت والدك كان خارجا عن إرادتنا. ولكن نعم نحن قمنا باستخدامكم لإنجاز 
مخططنا. لقد علمنا أن درافيتش اكتشف المقبرةء ولكنه لسبب ما لم يبتلع الطعمء وتأكد 
ذلك عندما أدركنا أن قطعة من النص اختفت. لم يكن بوسعنا إجهاض العملية فى هذه 
المرحلة؛ ولذا تعين علينا ترك الأمور تأخذ مجراها". 

في هدا الوقت» هبت رياح أقوى هده المرة» جعلت الكثيب الرملي يهمس 
ويهمس» وغطلى صوت الرياح على صوت طقطقة مسبحة جمالء بينما دانيل بقف 
وحیدا وهو يعض على شفتيه. 

استطرد سكويرز قائلا 'لقد أدى حضورك يا آنسة مولراي إلى تعقيد الأمور: 
ولكن في نفس الوقت كان مخرجا لنا من هذه المعضلة» فقد كنت متشككة في طريقة 


303 


موت والدك؛ وكنا خائفين من الفوضى التي قد تثيرينهاء ولكن في نفس الوقت» أدركنا 
أننا لو أحسنا التعامل مع الأمرء فستكونين إلى جانبناء وتساعديننا في العثور على 
القطعة المفقودة» ويحصل عليها سيف الثأر دون أن يشعر بضلوعنا في الأمرء وهو ما 
حصل بالفعل. لقد لعبت دورك بامتياز يا انسة مولراي". 

كانت تارا مستاءة للغاية» وتشعر أنها تعرضت للاستغلال» وشعر دانيل بذلك› 
فنظر إليهاء ولكن سرعان ما عاد بنظره إلى الخندق مرة أخرى. 

'في الحقيقة» خططنا للأمر على أن يكون محدودا للغاية» وينحصر في عتورك 
على القطعة في سقارة» وتسليمها لهم» وينتهي الأمرء ولكنك أصريت على المضي 
قدما في الأمرء وهو ما جعلنا في موقف لا نحسد عليه» فلو أنك ذهبت إلى الشرطة أو 
إلينا في السفارة لكان سيف الثأر تراجع على الفورء لذا تعين علينا تركك لتكملي الأمر 
بمساعدة عميلنا إسماعيل . 

با الله". 

ارتجفت كتفا تارا من الصدمةء حتى أن خليفة أراد التربيت على كتفيها 
لطمأنتهاء ولكنه شعر أن الوقت غير مناسب فتراجع عن الفكرة. 

استطرد سكويرز 'حتى عند هذه النقطة كان الفشل ما زال قائماء فضلا عن 
ضلوع خليفة في الأمرء وأصبح من العسير علينا الإمساك بكافة الخيوط» وخاصة في 
ما يتعلق بك أنت يا آنسة مولراي. وعلى الرغم من ذلك؛ كان من حسن حظنا أن 
شخصا منا تسلل إليكء وسارت الأمور كما هو متوقع". 

في هذا الوقت» انتهى الجنود من صف جثث رجال سيف الثأر على حافة 
الخندق» وخيّم صمت رهيب على المكان» وعم ر الهدوءء غير أنه كان الهدوء الذي 
بسبق العاصفة حيث أخذت كلمات سكويرز تتردد في رأس تارا (شخص منا) ثم 
رفعت وجهها بهدوء وكأن حالة من الرعب تسيطر عليها. 

همست تارا "لاء بالل عليك» لا تقل ذلك". وهي تنظر إلى دانيل '"لقد كنت أنت يا 
دائيل» ألبس كذلك؟" 

ظل دانيل ينظر إلى الخندق دون أي تعابير على وجهه. 

'لقد كنت على دراية بالأمر منذ اللحظة ا 

لم يحرك دائيل ساكناء ثم استدار نحوها بهدوءء وعيناه مليئتان بالندم والألم؛ 
ولكن خلف هذه المشاعر شيء أكثر قسوة ووحشية لدرجة أنها شعرت للحظة أنها 
لا تعرفه. 

304 


"أسف ياتاراء ولكن الأمر تعلق بتصريح الحفر الخاص بيء لقد قالوا إنهم 
سيعطونني إياه ثانية إن ساعدتهم” . 

نظرت إليه تارا بدهشة تحول دون تحركهاء فعلى الرغم من شعورها بكل من 
حولها بمن فيهم خليفة الذي خطا خطوة للأمام ليهدئ من روعهاء إلا أنها لم تشعر 
بدائيل على الإطلاق» وكأنها تقف في نفق» ودانيل يقف في الطرف الآخر منه» حتى 
أنها فتحت فمها لتتحدث؛ ولكن الكلمات أبت الخروج. بينما ظل دانيل ينظر إليهاء ثم 
استدارء وأخذ ينظر إلى الجثث في الخندق مرة أخرى. 

بالكاد همست تارا 'منذ متی؟ منذ متى وأنت متورط في هذا الأمر؟" 

هز دانيل كتفيهء وقال "منذ عام تقريبا. حضروا إلي» وأخبروني عن الجيش 
وسيف الثأرء وطلبوا مساعدتي مقابل أن يعطوني تصريحا بالحفر في وادي الملوك'. 

بدت ملامح دانيل مختلفة للغاية» وكأنها تعترض على ما ينطق به لسانه. وقف 
دائيل وهو يمسك خنجرا بيده» وهو نفس الخنجر الذي استعمله خليفة قبل قليل. 

'لقد كنت من فكر في قصة الجندي الذي نجا من العاصفة الرملية» حيث تذكرت 
ما قيل عن ديماكوس» واختلقت قصة على هذا الأساس»ء وكنت على دراية بوجود 
مقبرة لم يمسها أحد هناك في تلال طيبةء وقمت بإنجاز الزخارف بنفسي» حتى امتلات 
بها الجدران". كانت ابتسامة زهو تكسو وجه دانيل وهو يروي هذه القصة. 

'لقد كنت سعيدا إلى حد ماء فقد زينت المقبرة بنفسي» وكتبت النتصوصء» 
واختلقت القصة بأكملهاء وكانت النهاية مدهشة لي. فبعد انتهائي من المقبرة جلست 
هناك أنظر إليها مرارا وتكراراء وأردد في نفسي يا لها من تحفة. ولكن الآن أرى أن 
ثمة خطأ قمت به حيث كانت التماثيل من حقبة تاريخية أخرىء يا لغبائي!" ثم نظر إلى 
خليفة الذي بادله نظرة جافة. 

قال خليفة 'لقد كان هناك خنجر'. 

نعى» لقد رأيتهء أليس كذلك؟ لقد كتبت عليه هذه العبارة ديماكوس ابن منديز 
بحروف يونانية لا لشيء إلا لإضفاء مزيد من التأصيل على التحف التي اختلقتها 


1 


بيدي . 
أخذ خلبفة نفسا من سيجارته» وهو يهز رأسه ممتعضاء وأعقب ذلك صمت 
طويل. ظ 
استطرد دائيل 'لقد كان هذا كل ما تعين علي فعلهء إعداد المقبرة» واسترجاع 
القطعة المفقودة» ولكنك ظهرت في الصورة يا تاراء وأدركوا مدى عمق العلاقة 
355 


بينناء وطلبوا مني مراقبتك» وبالطبع لم أكن سعيدا بذلك» ولكن الأمر كان يتعلق 
بتصريحيء بالإضافة إلى أنني أردت معرفة ما حل بالقطعة الأثرية» لآن المقبرة 
كانت من صنعيء وفجأة وجدت نفسي متورطا في الأمر من أعلى رأسي حتى 
أخمص قدميء ولذا تركت لك ملاحظة في شقة والدك» وأنا متأكد أنك ستتعرفين 
على خط يدي . 

انهمرت الدموع على وجنتي تاراء وشعرت وكان ملابسها خلعت عنهاء والبشر 
جميعا ينظرون إليهاء فما كان منها إلا أن لفت ذراعيها حول جسدها. 

قال دائيل "كان الأمر سينتهي بالنسبة لنا لو تركتهم يأخذون القطعة الأثرية في 
سقارة يا تاراء وحاولت أن أخبرك بذلك لكنك لم تصغي". 

سألته تارا بصوت مرتعش "أكنت تعرف بأمر إسماعيل؟" 

أوماً دانيل برأسه إيجاباء وقال "منذ عرفت بمصير القطعة اتصلت بسكويرز من 
الهاتف العمومي بالحديقة عندما أوهمتك أنني أتصل بالفندق» وأخبرني سكويرز بما 

'بعد ذلك ذهبنا إلى الأقصرء وصعدنا التلال» وكنت تعلم أن درافيتش هناك» 
وأننا في طريقنا إلى المصيدة؛ أليس كذلك؟' 

'ماذا كان علي أن أفعل؟ كان يتعين على إرجاع القطعة لهم» كان هذا هو الحل 
الوحيد . 

فى هذه اللحظة» استمعت تارا إلى صوت والدها يتردد في أذنهاء "أتدرين أنه 
يقطع يده بل ويد أي شخص إذا ما شعر أن ذلك سيزيد من معرفته؛ إنه مجنون”". 

قالت ثارا بصوت مختنق 'لماذا لم تخبرني بالأمر وحسب؟' 

انحنى دانيل قليلاء ووضع الخنجر بحرص شديدء وقال 'لقد حاولت عندما كنا 
فوق قمة القرن» ولكنني لم أستطعء لأنى كنت غارقا حتى أذنيّ في هذا الأمر". 

نظر إليها دانيل» وللحظة شعرت تارا بشيء من الأسى والحزن في عينيه 

'لم أقصد إيذاءك يا تاراء حتى عندما رأينا درافيتش فوق التلال» حاولت أن أثنيك 
عن الأمر» وطلبت منك الذهاب حتى أكون بمفرديء ولكنك لم تنصتي إلي". 

وسط رعشة شديدة قالت تارا "أبعد كل هذا تدعي أنك تهتم تم لأمري". 

'بالطبع يا تارا. لقد قصدت كل كلمة قلتها لك فوق التلال". 

ظل دانيل ينظر إليها لوهلة» ثم أخفض وجهه نحو الأسفل وكأن الضوء الذي 
يشع من عينيه انطفأ وحل محله ظلام دامس. 

300 


'سؤالي الوحيد لك يا دانيل هو: لماذا فعلت ذلك؟" 

هز دانيل كتفيه» وقال 'بسبب تصريح الحفر”". 

لوهلة ظلت تارا تنظر إليه صامتة ومصدومة. ثم فجأة» وبصرخة هائلة» انقضت 
عليه تنهش وجهه بأظافرها. 

"أي نوع من البشر أنت؟ أي نوع من البشر المتوحشين أنت لتفعل ذلك بي؟ لقد 
كنت على وشك أن أتعرض للاغتصاب والقتل ولأجل ماذا؟ لأجل بضع جثث؟ لأجل 
التصريح اللعين؟ ألهذا السبب كنت ستقف تشاهدني وأنا أتعرض للقتل» يالك من لعين 

جذب دائيل معصميهاء وأبعدها عنه» ولكنها ظلت تقاوم حتى استسلمت أخيراء 
واتكأت إلى الصخرة» تلتقط أنفاسهاء بعد أن هدأت ثورتها وسط سيل من الدموع. 

'أيها اللعين»ء كنت على وشك التعرض للقتل". 

تقدم خليفة للأمام قليلاء وربت على كتفهاء ولكنها أزاحت يده» بينما تبادل أوتيس 
. وسكويرز نظرات خاطفةء ودانيل يمسح أثار الدماء عن وجهه وينظر إلى تارا بغيظ 
شديد . 

لوهلة لم يتحدث أو يتحرك أحد حتى صدر صوت وقع أقدام وظهر ماساي. 

"أتمنى أنه لم يفتني الكثير". قال وهو ينظر إلى تارا ودانيل. 

أجاب سكويرز 'لقد كان دانيل وتارا يناقشان ما حدث على مدار الأسبوع 
الماضي". لاحظ الأمريكي آثار الدماء على وجه دانيل» فانفجر في الضحك قائلا "يا 
الله! يبدو أنها أعطته درسا في عراك القطط! لابد من الاستفادة من قدراتها". 

هبت الرياح مرة أخرىء» وأثارت الرمال حتى أعقابهم» فنظر أوتيس إلى ساعتهء 
وقال 'يتعين علينا الذهاب الآن يا سيدي". 

أومأ سكويرز إيجاباء وقال 'تبقى فقط بعض التفاصيل الدقيقةء لماذا لا تنتظرونني 
أنتم الثلاثة في المروحية؟ توجّه الثلاثة على الفور أوتيس وجمال وماساي إلى 
المروحية» بينما وقف سكويرز يسوي شعره بعد أن بعثرته الرياح. 

قال سكويرز" ليس هناك الكثير لأخبركم به» فما إن وجد درافيتش موقع الجيش 
حتى أرسل إلى سيف الثأر الذي بدأ بإرسال المعدات من ليبياء وسمحنا لهم بالمرورء 
لأننا نتابع كل شيء عبر الأقمار الاصطناعية. ثم وصل إلى علمنا أن سيف الثأر 
سيعبر الحدود في غضون يومينء وقررنا السفر مساء غدء ولكن الخطوة التي قام بها 
خليفة جعلتنا نسافر باكراء وقد اعترضت القوات الجوية المصرية مروحيات سيف 

3527 


الثأرء وانتهزنا نحن الفرصة؛ وحللنا محلهم بمروحياتناء والبقية واضحة لكم. والآن 
سيف الثأر ميت» ونجحنا في القضاء على جماعته. وأصبح العالم أكثر أمنا الآن". 

تنهد خليفة متهكماء وقال "هل تعتقد أن هذه نهاية المطاف؟ أتعتقد أن قتل سيف 
الثأر سيحل المشكلة؟ هناك عشرات بل مئات من أمثال سيف الثأر. وربما حان الوقت 
لتسألوا أنفسكم لماذا يظهر هو لاء الأشخاص في الأساس؟' 

لل خليفة بحدث سكويرز لبعض الوقت» قبل .أن يخطو بضع خطوات للأمام؛ 
وينظر إلى صف الجثث على حافة الخندق» وقال 'ماذا سيحدث لهؤلاء؟ 

أجاب سكويرز 'سندفنهم في مكان ما في الصحراءء في مكان يستحيل العثور 

'ماذا عن الجيشس؟” 

'سنتر که كما هو؛ ستكسوه رمال الصحراء مرة أخرى في غضون بضعة أشهرء 
وربما يأتني شخص آخر ويحقق أعظم اكتشاف أثري في التاريخ» أو بالأحرى يعيد 
اكتشافه". 

نظر سكويرز إلى دانيل نظرة معبرة» ولكن دانيل بادله نظرة اشمئزاز. 

انتهى خليفة من سيجارته» وحاول إشعال سيجارة أخرى:؛ ولكن الرياح حالت 
دون ذلك مرة تلو الأخرى حتى توقف عن المحاولة. 

'الآن لا أملك إلا أن أقول ما هو مألوف في هذه المواقف» لقد كانت طريقا 
صعبةء ولكن الأمور سارت على ما يرامء وأود أن أوضح أن معضلة القطعة المفقودة 
ساهمت كثيرا في نجاح العملية» فقد كان سيف الثأر ليفعل أي شيء للحصول عليهاء 
مما جعله يتيه عن فكرة كون المقبرة أصلية أم لاء ومن ثم فنحن ندين لك بالجميل يا 
دانبل . 

ابتسم س كويرز ابتسامة عريضة:» ثم قضم الحلوى في فمه؛ وقال 'سأعود إلى 
المروحية الآنء وأترك لك إجراءات الوداع يا دانيل» فلا أريد أن أعيقك عما عليك 
فعله. آنسة مولراي» المحقق خليفة لقد كان من دواعي سروري لقاؤكما . 

أومأ سكويرز إليهما برأسه؛ ثم لوح بيده مودعاء وانطلق وسط الرمال؛ والرياح 

سألت تارا "ماذا سيحدث الآن". 

قال خليفة "أعتقد أن دانيل سيقتلنا". 


358 


43 


الصحراء الغربية 





أنزل دائيل البندقية من على كتفه» وصوبها نحوهما. 

قال خليفة 'ليس أمامهم حل آخر سوى قتلنا بعد أن أخبرونا بكل هذه التفاصيل» 
فنحن نعرف الكثيرء ولن يخاطروا بإطلاق سراحنا". 

قال دانيل "كما قال خليفة أنتما تعرفان الكثير". 

كان صوته خشناء وعيناه خاليتين من أي شفقة 'ولن أسمح لشيء باعتراض 
طريقي بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة". 

أشار إليهما دانيل بالاقتراب من حافة الخندق. 

'ربما كان من الأفضل أن أقول لا عندما طلبوا مساعدتي في بادئ الأمر» حتى 
لا أتورط في هذه الجريمةء ولولا ضياع القطعة الأثريةء لسارت الأمور على ما يرام. 
ومن يدري يا تارا لعلنا كنا سنلتقي في ظروف أخرى'. 

وصل الاثنان إلى حافة الخندق» وأشار إليهما بأن يستديرا بحيث ينظران إلى 
الخندق وظهرهما إليه» وأمامهما مجموعة من بقايا المومياوات في وضعيات مختلفة: 
وكأن تيارا غامضا قد بعثرها في مختلف الاتجاهات. 

نظرت تارا إلى خليفة بجوارها وسمعته يدعو بشيء ماء ورغما عنها وجدت 
نفسها تمد يدهأ لتمسك بيده. 

قال دانيل "لا أتوقع منكما أن تفهماء فأنا شخصيا لا أفهم نفسيء وكل ما أفهمه 
هو أنه من المستحيل أن أعيش دون تصريح الحفر الخاص بيء وأنا أشاهد الآخرين 
يمارسون ذلك أمام عيني في الوادي- الوادي الذي كرست له حياتي- أشخاص لا 
يعرفون مقدار ما أعرفه عن علم الآثار» مجموعة من الأغنياء الجهلة» وأخشى ما 

309 


أخشاه أن ينجحوا في العثور على شيء»ء ولا يحسنوا استخدامه» ويسبقوني في مضمار ‏ 
الحفريات» وهذا ما لا أستطيع تحمله". 

كانت الرياح تعصف بشعر تاراء ولكنها لم تكن مكترثة لذلك» لأن تفكيرها 

قال دانيل مبتسما ابتسامة باهتة ”أتدرين أنني حلمت بذلك يا تارا؟ حلمت 
باكتشاف مقبرة جديدة: وكما قال درافيتش إنه لإدمان أن تتخيلي نفسك تنقبين في 
مدخل لإحدى المعابر المختومة لما يزيد عن خمسة قرون قبل الميلادء يا الله! تخيلي 
مدى روعة هدا الإحساس» إنه إحساس لا يقاوم ٠‏ 

إلى اليمين صدر صوت مروحة المروحيةء بالإضافة إلى العديد من المروحيات 
الأخرى» وبدأ الجنود في التدفق إلى داخلها. 

صاح دانيل 'إنه شيء ممتع". قال ذلك بصوت مرتفع ليُسمع خليفة وتارا وسط 
ضجيج المروحيات وهسيس الرياح. 'أتدرين عندما كنا في المقبرة» نقرأ النصوص 
اكتشفتها للتو. ياله من إحساس رائع» رائع! للغاية". 

بدأ دائيل في الضحك بطريقة هيستيرية. 

"هذا ما قاله كارتر عندما رأى مقبرة توت عنخ آمون للوهلة الأولى» فقد سأله 
كارندفون ما الذي تراه؟ فأجاب كارتر أرى أشياء رائعة. لهذا السبب» ظللت أحفر 
وأحفر لأن هناك الكثير من الأشياء الجميلة التي يمكن اكتشافها". 

صدر صوت طقطقة يوضح أنه على وشك الضغط على زناد البندقية» ولذا أحكم 
خليفة قبضته على يد تاراء وقال 'تحلي بالشجاعة يا آنسة مولراي فالله معنا يحمينا . 

"هل تعتقد ذلك؟" 

"ليس لدي بديل» فماذا عساي أفعل غير ذلك؟' 

'يمكنك الشعور باليأس!" 

نظر إليها خليفة مبتسماء وقال لقي بالله يا آنسة مولرايء ثقي بأي شيء ولا 
تتركي نفسك ليتمكن منها اليأس". 
ؤ بدأت المروحيات تحلق عالياء بينما خليفة وتارا ينظران إلى بعضهما. والآنء لم 
تعد تارا تشعر بالخوف؛ وإنما بمجرتد ألم شديد لشعورها بدنو أجلهاء وليس بيدها شيء 
سوى الاستسلام لمصيرها المحتوم. 


360 


قالت تارا 'وداعا أيها المحقق» أشكرك على وقوفك إلى جانبي؛ ومحاولة 
مساعدني . ) 
هبت كومة من الرمال إلى وجههاء وبدأت الشمس في الغروب» فأدارت رأسها 
لتتجنب الرياح» وأغلقت عينيها منتظرة رصاصات الرحمة. 

للصحراء قواها الخفية التي تقهر كل من يعبث بكنوزها الدفينة» فيمكنها إرسال 
حرارة تشوي الجلود وكأنها ورقة اشتعلت فيها النيران» وتغلي منها مُقل العيون؛ 
وتسيل العظام كالماءء أو أكثر من ذلك» قد تشهد فيها صمتا يصم الاذان» وفراغا يقتل 
الوقت والمكان حتى تفقد كل إحساس بالمكان والزمان بل وحتى بهويتك. ترى فيها 
جمالا خلابا يجذبك إليه جذباء حتى إذا أتيته لم تجده شيئاء وتجد نفسك تهلوس جراء 
خيبة الأمل. وتارة أخرىء تجدها ترفع كثبائها الرملية لتعيق طريقك؛ وتتسع لدرجة 
تفقد معها الأمل في الوصول إلى مخرج منهاء أو حتى تعتصرك بداخلهاء ولكن من 
بين كل هذه القوى» لا يوجد ما هو أعتى ولا أقسى مما يطلقون عليه غضب الله أو 
العاصفة الرملية. 

في هذه الأثناء هبت العاصفة الرملية من حيث لا يدرون؛ فكل ما شعروا به 
بعد دقيقة من هبوب الرياح» أن الصحراء نفضت عن نفسها ملايين الأطنان من 
الرمال» وحجبت الشمسء وجعلت الهواء سقيما. كانت العاصفة قوية قوة تفوق 
الخيال؛ تطيح بالعربات» وأكوام القش» وبراميل الوقود وكأنها أوراق أشجار في 
فصل الخريف؛ حتى أن مروحيتين اصطدمتا ببعضهما البعضء» ونتج عن 
اصطدامهما حريق هائل سرعان ما أطفأته الرياح على الفور. كانت الرياح عاتية 
حتى أنها كانت تحرك الجثث على حافة الخندق» وتساقطت العربات أسفل الواديء 
وتطايرت رؤوس المومياوات الملقاة على الأرض» وكأنها قطع رخام بنية اللون 
وسط ضوضاء تصم الآذان. 

سقطت تارا في الخندق مصطدمة ببقايا الجثث» والعظام تتهشم أسفلهاء و انخلعت 
الأسنان من أفواه المومياوات» وانسلخت عنها الجلودء بينما تلاعبت الرياح بتارا جيئة 
وذهاباء فاصطدمت بأرجل وأذرع ووجوه هنا وهناك حتى توقفت أخيرا بعد أن وجدت 
نفسها في كهف صغير في جانب الخندق وأحد أفواه المومياوات مطبق على رقبتها 
وكأنه يقبلها. لوهلة ظلت تارا بلا حراك من هول الموقف» ثم تمالكت نفسهاء وحاولت 
السنهوض» ولكن الرياح كانت أقوى منهاء حيث طرحتها أرضا مرة أخرىء فحاولت 
الزحف على ركبتيهاء وهي تجثو فوق صدور وظهور وأرجل المومياوات» وكأنها 

301 


تصعد سلما مصنوعا من العظام والجماجم بينما الرمال تغزو أنفها وفمها حتى شعرت 
وكأنها تغرق. 

بعد جهد جهيدء شقت تارا طريقهاء حتى وصلت إلى حافة الخندق» ورفعت 
قميصها قليلا لتغطي فمهاء وخلفها الجيش يتوارى أسفل أكوام الرمال» وفي نفس 
الوقت تظهر عشرات الجثث على الجانب الآخر من الخندق» وفجأة ظهرت يد 
جلدية من أسفل الرمال» أصابعها منفرجة وكأنها تحاول الإمساك بتاراء في الوقت 
الذي ظهر فيه حصان من الجانب الآخر يهرول نحو تاراء ولكن سرعان ما غطته 
الرمال. كان صوت الرياح يشبه صوت خمسين ألف جندي يصيحون في ميدان 
المعركة. 

حاولت ترا اكتشاف موقع دانيل وخليفة» ولكن الرمال أعمتها عن ذلك» وفجأة 
سمعت صوتا يقترب منهاء وإذا بمروحية تحلق فوقها ير حتى أنها رأت وجه 
سكويرز وهو مفتوح الفم يصرخ» ولكن سرعان ما اختفت المروحية في الظلام 
مصطدمة بجانب الصخرة الهرمية وتطايرت قطعها المعدنية» وظهر بريق خاطف 
نتيجة اشتعالهاء ولكن سرعان ما خفت وسط الرياح. بدأت تارا تزحف قدماء وحاولت 
الصياح» ولكن العاصفة كانت في أوجها حتى أنها لم تتمكن من سماع صوتها. زحفت 
تارا للأمام قليلا وإذا بها تلاحظ حركة فاستدارت إلى اليمين لتتبين الأمر. 

كان الاثنان أقرب مما تصورت. دانيل ممدد على بعد عدة أمتار ممسكا بالبندقية 
وإلى جواره مباشرة خليفة يمسك بماسورة البندقية بيد بينما يده الأخرى محكمة على 
عنق دانيل. 

لم يلحظ أي منهما دنو تاراء وهما يتصارعان» فاقتربت أكثر وأكثرء وأمسكت 
بشعر دانيل وجذبته بقوة قد أرضا. الآن أصبح الثلاثة ممددين على الأرض 
والرمال تملا أفواههم وأعينهم. لوهلة تمكن خليفة وتارا من التغلب على دانيل ولكن 
سرعان ما هبت رياح أطاحت بخليفة بعيدا. 

أمسك دانيل بالبندقية بعد أن سقطت على بعد متر إلى يساره في الوقت الذي 
حاولت فيه تارا الإسراع إليهاء وإمساكهاء ولكنه لطمها على وجهها طارحا إياها 
أرضاء فسقط رأسها على بعد سنتمترات من حد أحد السيوف الملقاة على الأرض 
قاوم خليفة الرياح» وتقدم للأمام على ركبتيهء ولكن ت 
لمجال لدانيل ليحكم قبضته على البندقيةء وليهوي بمؤخرتها على رأس خليفة الذي 
سقط فوق تار أ. 


302 


هبت كومة من الرمال أعمتهما عن رؤية دانيل لوهلة. وما إن تمكنا من 
النظر ثانية»؛ حتى وجدا أن دانيل يحاول التقدم للأمام زحفا على ركبتيه مقاوما 
الرياح. وهو يتمايل كالسكيرء ويلوح بالبندقية نحوهما. نظر خليفة حوله فلم يجد 
سوى ذراع هيكل عظمي ملقاة إلى جواره؛ فأمسك بالمعصم» وضرب دانيل ضربة 
ضعيفة؛ ولكن بفعل الرياح القوية صارت الضربة وكأنها مطرقة أصابت حلق 
دانيل فأطاحت به الرياح للخلف مختفيا عن الأنظارء وانطلق خليفة يزحف تجاهه 
تتبعه تارا. ؤ 
في البداية لم يعثرا عليه» ولكن بعد عشرة أمتار تقريباء أشار خليفة بيده لتاراء 
فتتبعت الإشارة لتجد أمامها قدمي دائيل : في الهواء وما تبقى من جسده من الخصر 3 
أعلى مختفيا في الضباب. وقف الاثنان لوهلة غير متأكدين من المنظرء ولذا اقتر 
أكثر وأكثر حتى تتضح الصورة. 

همست تارا فور رؤيتهما للصورة كاملة 'يا الله". 

كان دانيل ممددا على ظهره؛» وذراعاه ممددتان إلى جواره» وكان سيف صغير 
يحمل رسم تعبان مغروسا في صدره من الخلف وأنياب الثعبان مغروسة قرب حد 
السيف وكأنها تضيف ألما إلى الألم الناجم عن حد السيف. 

قالت تارا "يا الله". وهي تشيح برأسها بعيدا عن هذا المنظر. 

لوهلة جلست تارا على الأرض غير مكترثة للفوضى حولهاء وكأن كل شيء في 
حياتها قد انهار:» وتفتت . فقد ذهب والدها ودائيل» وبذلك أصبحت صبحت وحيدة في هده الدنياء 
فحياتها كانت ترتكز على علاقتها بهذين الرجلين» الأب والحبيب: والآن وقد رحلا 
عن حياتهاء أصبحت بلا عائلة» وتشعر أنها لن تتمكن من لم شمل حياتها مرة أخرى 

صاح خليفة بالقرب من أذنها "آنسة مولراي لا يمكننا البقاء هنا فسندفن حيَّيْن إن 
لم نرحل". 

لم تنبس تارا بكلمة. 

أرجوك يا | انسة مولراي لابد أن ن ندهب» فهذه هي فرصتنا الوحيدة للنجاة من هذه 


24 


ظلت تارا تحدق بخليفة والرمال تتدفق على وجههاء وكأنها ستنزع ملامحهاء ثم 
أومأت إليه إيجاباء فأمسك خليفة بيدهاء وزحفا معا ببطء. وبعد عدة أمتار نظرت مرة 
أخرى لتجد فم دانيل المفتوح قد امتلاً بالرمال حتى اختفت جثته جثته تماما في خضم هذه 
الفوضى» فمضت تارا تزحف نحو الأمام في أعقاب خليفة. 


363 


كانت العاصفة في ذروتها حينذاك» وكأنها لن تصبح أعنف من ذلك. ولكن فجأة 
ثارت الرياح ثورة عارمةء فأطاحت بكل ما في طريقهاء وكأن كل ما حدث قبل ذلك 
لا يعدو عن كونه مقدمة للحدث الكبير. اشتدت الرياح لدرجة لا تحتمل» حتى أن تارا 
شعرت أن ملابسها ولحمها وعظامها ستنزع عنها وتتهشم وتتحول إلى تراب. لم تكن 
تارا تدري إلى أين تذهب» حيث توقف عقلها عن التفكير تماما. وإنما ظلت تمضي 
قدما للأمام وكأنها آلة تسير فحسب. 

وصل الاثنان إلى قاعدة الكثيب الرملي» وأخذا يصعدان نحو الأعلى زحفاء وهما 
يبذلان قصارى جهدهماء وسط الرمال العاصفة» حتى أنهما لا يستطيعان فتح أعينهما 
مقدار شعرة حتى لا تملؤها الرمال. ولذا أغمضا أعينهما» وتحسسا الأرض نحو 
الأعلى. كان كل منهما يضع يدا على الأرض لتساعده في الزحف» بينما اليد الأخرى 
تمسك بملابسه على فمه لتجنب الرمال» وهما يلهثان صعودا وسط الرياح العاصفة 
التي تعيقهما عن المضي قدما حتى وهما زاحفان. 

لم تدر تارا إلى أي مدى مضت في طريقهاء وإنما شعرت بإرهاق شديد مع كل 
بوعسة کا ااب اال ما موہ ہن ھا ررر على وجبياء رق چا 

ظلت تارا تمضي قدما في طريقها نحو الأعلى حتى أوشكت أطرافها على 
التيبس»ء وفجأة شعرت أن الأرض أصبحت أكثر استواء فمضت خطوتين أخريينء 
ونظرت نحو الأعلى لتجد خليفة عند قمة المنحدر ينادي عليها من بعيد. 

'أبقي رأسك منخفضا يا آنسة مولراي» وحاولي أن... كيف أقولها... حاولي أن 
تبقي جسدك في حركة مستمرة قدر ما تستطيعين لأن ذلك سيحول دون تراكم الرمال 
فوقك". 

أمسكت تارا بيده» وضغطت عليها ليعرف أنها فهمت ما يقول» ثم وضعت 
جسدها عند أعلى ذراعه لتحتمي من الرمال المتدفقة من كل مكان وكأن ملايين 


الحشرات تلسعها. 
ظلت تارا تذكر نفسها: لابد أن أبقى في حالة حركة مستمرة: هيا يا تارا 
تحركي» تحركي! 


حركت تارا قدميها بوهن» ورفعت فخدها لأعلى وأسفل مرتين أو ثلاثا. ولكن 
الإرهاق تمكن منها بعد بضع دقائق» فتوقفت عن الحركة» وبدأ جسدها يتيبس. فجأة 
شعرت تارا بالسكينة والهدوءء وكأنها تتقلب في سرير مخملي تتهافت عليها الصور؛ 


364 


أبواها ودانيل وجيني والعقد الذي أهداها إياه والدها في عيد ميلادها الخامس عشر 
وكيف عثرت على الظرف المحتوي على لغز الكنز وتتبعت الخطوات تدريجيا حتى 
وصلت إلى السرداب العلوي لتفتح الصندوق الأثري وتجد العقد داخله. ضحكت تارا 
بصوت مرتفع للغاية وكأنه غطى على صوت العاصفة» وملا العالم بأسره» وهي 
تشعر بالسكينة. وفجأة» سطع شعاع أبيض ولم تذكر شيئا آخر. 


305 


44 
الخاتمة 


كان خليفة راقدا إلى جوار زوجته وشعرها الأسود الناعم يتدلى على وجههء وإذا 
به كما يفعل دائما يشم شعرهاء وكأنه يستنشق العطر حتى يمتلئ به جسده. 

هذه المرةء بدلا من الشعور بالهدوء والسرورء إذا به يسعل بشدةء ويناضل لالتقاط 
أنفاسه.؛ ونهض على قدميه مترنحا ليرى أن الرمال تكسو كتفه وظهرهء وليس هناك أثر 
لزوجته أو للسريرء فقد كان واقفا على قمة الكثيب الرملي وسط الصحراء تحت حرارة 
الشمس المتقدة» وفمه ممتلئ بالرمال. وبدا أن العاصفة الرملية قد مرت بسلام عليه. 

أخذ خليفة ببصق ويسعل عدة مرات لينظف حنجرتهء وفجأة تذكر تاراء فقد 
كانت إلى جواره عندما وصلا إلى قمة الكثيب الرمليء» والآن ليس لها أثر فخر خليفة 
على ركبتيه ينبش في الرمال عله يعثر لها على أثر. 

في البداية لم يعثر على شيءء ربما تكون الرياح قد قذفت بها بعيداء أو إلى 
الأسفل» فما كان منه إلا أن بذل قصارى جهده للعثور عليها دون فائدة» وفي هذه 
اللحظة بدأ اليأس يتسرب إلى نفسهء وفجأة اصطدمت يده بشيء صلبء فأخذ يحفر 
بسرعة حتى أمسك بقدم منتعلة حذاء رياضياء فأمسكها من العقب وجذبهاء ولكن بقية 
الجسد كان عالقا في الرمال» فاستمر خليفة ينبش الرمال كالأرنب حتى كشف عن القدم 
اليمنى كاملة ثم القدم اليسرى. 

أخذ خليفة يشجع نفسه قائلا "هيا احفر أسرع". ثم أمسك بالعقبين معاء وجذبهما 
بشدة» دون فائدةء فاستدار قليلا ليجذب من الأعلى بدلا من الجانب حتى ظهر كتفها 
فظهر ها فمؤخرة رأسها وذراعها اليسرى حتى خرجت تارا كاملة» وبدأ يجس نبضهاء 
ولكن لم يكن هناك نبض. 

300 


يا الله . صرخ بها خليفة والصوت يدوي في الصحراء "هيا ابقي على قيد الحياة 
يا تارا". 

نبش خليفة بقية الرمال» وأدارها على ظهرهاء وعيناها مغلقتان» وشفتاها وفمها 
يابسان كحبات القمح وقطع البسكويت» ثم جس النبض مرة أخرى دون فائدة أيضاء 
فأدارها ووضع ذراعيه حول حجابها الحاجزء وضغط بشدة مصرا على بعث الحياة 
فيها مرة أخرى. 

'هياء تنفسي» تنفسي بالله عليك". 

تنى خليفة ركبتيه» وضغط مرة أخرىء في هذه المرة انتفض جسدها وكأن 
صدمة كهربائية لحقت به»ء ولكنها ظلت لوهلة كما هي متدلية بين ذراعيه بلا 
حراك» ثم فجأة بدأت تهتز وتسعل. ضغط خليفة مرة أخرى: وإذا بكومة من 
الرمال تخرج من فمهاء وظلت تسعل وتهتز حتى أخذت نفسا عميقاء وكأنها تسترد 
حياتها مرة أخرىء؛ فوضعها خليفة على الأرض برقة» وهمس قائلا "الحمد اش 
الحمد لله". ظ 

ظلت تارا ممددة على الأرض تسعلء وتتقيأء وتتنفس بصعوبة. أخيراء مسحت 
فمها بكم قميصهاء واعتدلت في جلستهاء ونظرت إلى خليفة الواقف على بعد عدة 
أمتار منهاء فابتسم لها وابتسمت له ثم نظرا إلى الوادي بالأسفل. 

اختفى الجيش» واختفى كل شيء. فليس هناك خیام» ولا مروحیات» ولا عربات» 
ولا جثث فكلها غاصت تحت طبقة جديدة وعميقة من الرمال» وكأن هذه الأشياء لم 
يكن لها وجود أساسا. فقط ضوء الصباح يحيط بالصحراء من كل مكان. إحساس 
غريب انتاب خليفة» وكأنه كان یشاهد فیلما درامیاء وخر ج منه راضیا تماما بما آلت 
إليه النهاية. 

جلس الاثنان في صمت ينظران إلى الصحراء الشاسعة؛ ويحاولان استيعاب ما 
حدث» ثم قال خليفة "الهاتف المحمول". 

تحسست تارا جيوبهاء ولكنها لم تعثر على شيء. 

"لابد أنه سقط مني". 

'وماذا عن جهاز تحديد المواقم؟" 

القد كان مع دانيل". 

هزّ خليفة رأسه» وقال "أعتقد أننا سنواجه مشكلة في العودة". 

سألت تارا "كم تبعد المسافة". 


307 


قال خليفة متهكما اليس كثيراء فقط نحو مئة وعشرين كيلومترا حتى نصل إلى 
أقرب منطقة مأهولة» ولكن ليس لدينا اتجاه محددء فلو انحرفنا قليلا سنجد أنفسنا نسير 
باتجاه السودان . 

'ولكن ديماكوس فعل ذلك من قبل . 

أجاب خليفة "نعم» ولكن طبقا لما تخيله دانيل . 

سمت تار اء وقالت 'بالفعل» لقد نسيت ذلك . 

أخرج خليفة علبة السجائر» وأخرج منها سيجارة؛ ثم أعطى العلبة لتارا فقالت 
ابالطبع ليس لديك مكعبات تلج . 

انعم» فأنا أحاول الإقلاع عن التدخين؛ وعندما أتوق إلى سيجارة» أضع مكعبا من 
الثلج في فمي بدلا من التدخين . 

'حسناء فهمت الآن» ولكن للأسف ليس لدي مكعبات لج . 

'في هذه الحالة ليس أمامي خيار سوى تدخين سيجارة . 

تناولت تارا السيجارة ووضعتها في فمهاء واقترب منها خليفة يشعلها لها. 

'أتدري أن ذلك سيكلفني مائة جنيه إسترليني لأنني راهنت صديقة لي على 
الإقلاع عن التدخين لمدة عام". ثم أغمضت عينيهاء وأخذت نفسا عميقاء "وها أنا الآن 
بعد أحد عشر شهرا وأسبوعين أدخن". 

"أنا مندهش لذلك» فأنا أدخن علبة كاملة يومياء منذ أن كنت في الخامسة عشرة 
من عمري ۰ 

'با الله! أنت تقتل نفسك بهذه الطريقة' 

نظر الاثنان لبعضهماء ثم انفجرا في الضحك. 

'لن يضرني عدد السجائر التي سأشربها من الآن فصاعدا على كل حال . 

'أتقصد أنه ليس لدينا فرصة في النجاة؟” 

"أتذكر أنك قلت شيئا ما عن التمسك بالأمل دوما". 

انعم» لقد قلت ذلك» ولكن في حالتنا هذه لبس هناك حل آخر". 

بتسم الاثنان مرة أخرى ابتسامة من القلب» ثم أخذت تارا نفسا عميقا وهي تشعر 
بلذة لم تشعر بها في حياتها من قبل. 

308 


"أتدري أن الأمر مضحك» وأنا سعيدة لذلك؟ سأموت من العطش وسط الصحراء 
وكل ما أريد أن أفعله هو الضحك... كأن..." 

قال خليفة 'وكأن حملا أزيح عن كاهلك". 

'بالضبطء أشعر أنني نقية» وكأني أمتلك حياتي مرة أخرى'. 

'أنا أتفهم» وأشعر بالمثل» فقد انتهى الماضيء ويمكننا الآن النظر إلى المستقبل". . 

'لكن ليس إلى المستقبل البعيد". ' 

'نعمء ليس إلى المستقبل البعيد". ثم أخذ نفسا آخر من سيجارته» وقال 'سأفتقد 
زوجتي وأولادي". 

أخذ الاثنان ينظران إلى الصحراء»؛ ويدخنان في صمت» بينما تتوسط الشمس 
كبد السماء. وأخذ خذ الهواء يزداد حرارة:؛ بينما تبرق كافة الكثبان الرملية تحت هذه 
الأشعة المتقدة. أصبح الأمر الآن مختلفا تماما عما كان عليه من اضطراب 
وفوضىء بحيث تحول إلى هدوء ونظام يوحي بجمال الصحراء وسط الألوان 
المتموجة فوق الرمال. بالطبع كانت تارا تنظر إلى الصحراء على أنها سجن 
فسيح» والآن ومع أنها ستموت هناء إلا أنها شعرت ببعض الانجذاب إلى هذه 
الطبيعة الساحرة. 

أنهت تارا سيجارتهاء وألقت بعقبها جانبا ورأسها يدور من أثر التبغ» وكلما 
نظرت إلى الرمال؛ تخيلت أنها تهتز أو على الأقل جزء منها يهتز بالقرب من قاعدة 
الصخرة الهرمية. خذت تارا تتنفس بعمقء وأغلقت عينيهاء » ثم نظرت ثانية» فوجدت 
أن الهزة لا تزال قائمة» وكأن الصحراء تستنشق الهواء هي الأخرى. لفتت تارا انتباه 
خليفة إلى هذه الظاهرة فتجهم وتقدم قليلا نحو الأمام تتبعه تارا. 

سألت تارا "ما هذا؟” 

"لا أدريء إنها ظاهرة غريبة وكأن الرمال تغلي". 

'هل هي الحرارة؟" 

"لا يبدو الأمر كذلك". 

حدق خليفة بهذه الظاهرة لوهلة» ثم بدأ يخطو بحذر نحو الأسفل؛ تتبعه تارا في 
الوقت الذي زادت فيه الهزة» وكأن قدم عملاق تخطو أسفل الوادي. توقف الاهتزاز ٠‏ 
لوهلةء ثم عادء قبل أن يتوقف مرة أخرى وسط صوت مرتفع للغاية» ثم انفتح سطح 
الصحراءء وخرج شكل غريب من أسفل الرمال وهو ينفض الرمال عن جسده. 

هلل خليفة فرحا "جمل» جملء الحمد لله". 


369 


وصل خليفة إلى أسفل المنحدرء وسار ببطء حتى لا يخيف الجمل الذي لم يبد 
منز عجا من اقترابه منه» وأمسك بلجامه. 

"أهلا يا صديقي". قال خليفة وهو يمسح على أنفه قائلا "أنا سعيد للغاية لأنك 
ستنضم إلينا في هذه الرحلة". 

استدار خليفة نحو تاراء وقال “يبدو أن تفاؤلي لم يكن مبالغا فيه يا أنسة مولراي» 
فصديقنا هذا يشم الماء على مسافة خمسمائة ميل ولا شك أنه سيتوجه بنا إلى أقرب 


نو 


واحة . 

وقف خليفة على أطراف أصابعه» وهمس في أذن الجمل»ء فعطس الجمل وخر 
على ركبتيهء وأخذ خليفة ينز ع الصناديق الموضوعة على ظهره. 

قال خليفة 'لقد عملت في أحد إسطبلات الجمال وأنا صغير ولدي بعض 
المهارات التي لم أنسَها قط'. 

نزع خليفة الصناديق من على ظهر الجمل» ثم أخذ يعدل وضعية اللجام والسرج» 
والجمل يشم أذنه برفق. 

"إنها حيوانات جميلة ومخلصة»: ولا تكل من العمل» ولكن مشكلته الوحيدة هي أن 
نفسه قصير . غير أن ذلك أمر طبيعي؛ فكلنا لدبنا عيوب» اليس كذلك؟" 

وجد خليفة حاوية مياه على ظهر الجملء ولكن ليس بها الكثير لتروي ظمأهما 
في الطريق. 

تراجع خليفة للوراء قليلاء وأشار إليها أن تصعد وهو يمد ذراعه لمساعدتهاء 
فضحكت تارا وامتطت الجمل وراءه. 

قالت تارا "لقد حذرتتي صديقتي من امتطاء الجمال فأصحابها ليسوا أسوياء". 

قال خليفة "أنا رجل متزوج يا انسة مولراي". 

ضحكت تاراء وقالت "أنا أمزح معك". 

ضحك خليفةء وقال 'نعم» إنها مزحة إنجليزية؛ ولكن طريقة الإلقاء تختلف 
وتعطي انطباعا إيجابيا أو سلبيا". 

رفع خليفة يده» وضرب الجمل على ردفه» مصدرا صيحة عاليةء فنهض الجمل. 
ومالت تارا إلى الأمام ثم إلى الخلف بينما خليفة يمسك باللجام وهو يحيط بها. 

قال خليفة 'سنقطع المسافة في غضون يومين إن سرنا دون توقف أو ثلاثة على 
الأكثر. إنهم يطلقون على الجمل اسم سفينة الصحراء»ء ولكن هذه الرحلة لن تكون 
غاية في الراحة". 

3/70 


'يمكنني تحمل عنائها". 

انعم با أنسة مولراي» أنا متأكد من ذلكء» فأنت سيدة فريدة من نوعهاء وكم أود 
أن تزوري زوجتي وأولادي". 

ضرب خليفة الجمل على ردفه مرة أخرى» فنهض وبدأ في السير. 

"هيا بسرعة» هيا بسرعة". أخذ خليفة يصيح في الجمل ليمضي في طريقه. 

من الاشنان أسفل الصخرة الهرمية» وظلها يخيّم عليهماء شاهد على مختلف 
العصور. بدت الصخرة وكأنها تنبض وسط هذه الحرارة الشديدة» لتخبرهما بإمكانية 
العبور على ألا يعودا إلى هذا المكان مرة أخرىء وبالفعل شقا طريقهما أسفل الوادي. 

قال خليفة "أتدرين أنني أبني نافورة في منزلي؟ فأنا أحب الاستماع إلى صوت 
المياه الجارية دوما". ظ 

ابتسمت تارا قائلة "هذا شيء جميل". 

'سيكون الطلاء باللون الأزرق والأخضرء وسأضع صدفا ونباتات حول الحافةء 
وبالليل سيكون هناك أضواء حتى تلمع المياه وكأنها مملوءة بالألماس» يا الله! سيكون 
ذلك غاية في الجمال". 

قالت تارا وهي تغلق عينيها 'نعم» أعتقد ذلك". 

جذب خليفة اللجام» فأسرع الجمل والصخرة الهرمية تختفي خلفهما تدريجياء 
وكأن الزمن يتناقص بينما كل ما في الصحراء يلمع ويتوهج تحت أشعة الشمس 
وحرارة الصباح. 

ظل خليفة يصيح بالجمل "هيا بسرعةء هيا بسرعة". 


3/1 


١١.10‏ ج 4 50015 . نان نالا نالا 
منتديات سور الأزبكية 





كلمة المؤات 


قمت بكتابة ومراجعة جيش تمبيز المفقود قبل فترة طويلة من أحداث الحادي 
عشر من سبتمبر 2001» وعلى الرغم من أن موضوع الإرهاب مكون أساسي لحبكة 
هذه الروايةء إلا أن هذا العمل من وحي خياليء ولا يجوز تأويله على غير ذلك؛ ولم 
أقصد به التعبير عن أي أحداث فعلية. 


3/3 


www.books4al!.net 
منتديات سور الأزبكية‎ 





أبو صير 


كتب الاخرة 


أخناتون 


الأهر ام 
العمارنة 


أمنحتب الأول 


أتباع أمون 


فسز حد 


شيخ كبير في الأقصر (ولد في دمشق سنة 1150) ويقام له مولد 
سنوي بالأقصر قبل أسبوعين من شهر رمضان. 

مجموعة من الأهرامات جنوب الجيزة ترجع إلى الأسرة الخامسة. 
مجموعة من النصوص المصرية القديمة تصف الحياة الآخرة. 
معظمها يرجع إلى المملكة الجديدة على الرغم من إمكانية تتبع 
أثرها لنجدها ترجع إلى نصوص الأهرام للمملكة القديمة. وفي ما 
يلي أسماء هذه الكتب: كتاب الموتى» وكتاب البوابات» وكتاب 
الكهوف. 

فرعون من الأسرة الثامنة عشرة حكم في الفترة ما بين -1335 
3 وهو والد توت عنخ أمون. 

أحد الفصول الثلاثة للسنة المصرية القديمة (الفصلان الآخران هما 
بيريت وشيمو). ويعدٌ فصل أخيت فصل فيضان النيل ما بين يونيو 
وسبتمبر على وجه التقريب. 

مدينة بناها أخناتون على ضضنفاف النيل بين القاهرة حاليا والأقصر؛ 
ومعناها أفق أتين. 

جريدة مصرية شهيرة. 

الاسم الحديث لآثار أخيتاتون. 

فرعون من الأسرة الثامنة عشرة حكم في الفترة ما بين -353| 
91 قبل الميلادء والد أخناتون وجد توت عنخ أمون. 

هو الاسم القديم لسكان واحة سيوة والاسم مشتق من اسم الإله أمون 
الذي كان له معبد في سيوة. 


3/2 


بيلزوني (جيوفاني 
باتيستا) (1823-1778) 


بس دوارف 


pF 


ل 
3 لي 


برطمانات المو شس 
كاريا 


كارنا رفون 

هاورد كارثر 
(1939-1874) 
خرطوشة 

ي ثا ۾ 

كرومر إيفيلين بارج 


الكتابة المسمارية 


د هشور 


أله مصري قديم على شكل ابن أوى أو على شكل جسد إنسان 
ورأس ابن أوى وهو إله المقابر والتحنيط. 


حلوى مصنوعة من الدقيق والجوز والعسل. 


0 عتر على مقبرة سية الأول بوادي الملولك. 


ابن الإمبراطور الفارسى سيروس الأكبر. ولد عام 560 قبل الميلاد 
وخلف والده في الحكم كملك للفرس عام 529 قبل الميلاد. وقام 
بغزو مصر عام 525 قبل الميلاد» وأصبح الفرعون الأول للدسرة 
السابعة والعشرين. وتوفسي عام 2 قبل الميلاد في قباطنا في 
سوريا على الأرجح منتحرا أو مقتولا. ويعرف لدى المؤرخين 
الجدد بالطاغية المجنون. 

منطقة في الشرق الأدنى القديم تقع جنوب غرب تركيا حاليا. 
جورج إدوارد ستنهوب مولينو هيربرت وهو الإيرل الخامس 
لكارنارفون (1923-1866). وهو جامع آثار وعالم مصريات وأستاذ 
هاورد كارتر. 


عالم مصريات اكتشف مقبرة توت عنح أمون (1922). 


إطار مزخرف بخط أفقي بالأسفل يحمل اسم الفرعون باللغة 
الهيرو غليفية. 

زوجان من التماثيل الضخمة على الضفة الغربية للنيل بالأقصر. 
كان جزءا من المعبد الجنائزي لأمنحتب الثالث. 

هو الإيرل الأول لعائلة كرومر (1917-1841) القنصل البريطاني 
والحاكم الفعلي لمصر من 1883 إلى 1907. 

نظام للكتابة في بلاد الرافدين قديما. 

أرض مذب_سطة من الأهرام جذو لئسا سقارة. و هي موقع هرم سنفرو 
الشهير . 


376 


دنشواي 


ععمود ل جد 


دافيس (نيناماميزسون) 
(1965-1881) 


الأسرة الثامنة عشرة 


الخزف 


هيرودوس (452-485) 


حور صكاب 


تم فيه إعدام مصريين أبرياء في أعقاب مشاجرة مع الجنود 
البريطانيين. 


رمز مصري قديم للاستقرار يرسم على شكل عمود على رأسه 
أربعة فروع أفقية» ويعتبر العمود الفقري للإله أوزيريس. 


فنان أصدر العديد من المؤلفات عن رسوم المقابر المصرية القديمة. 


الأسرة الأولى من الأسر الثلاثة في المملكة الجديدة (1307-1550) 
قبل الميلاد. 


مادة مصنوعة من المرو المحروق عليها طبقة خارجية لامعة مستخدمة 
بكثرة في مصر القديمة في المجوهرات والأواني والتماثيل. 

ملكة من الأسرة الثامنة عشرة» وزوجة تحتمس الثاني الذي حكم 
مصر في الفترة ما بين 1458-1473 قبل الميلاد. وهي شريكة في 
على الضفة الغربية للنيل في الأقصرء ويضم الكثير من أجمل الآثار 
المصرية. 

مؤرخ يوناني يعرف بأبي التاريخ ويشتهر بكتاب التاريخ حيث 
يتناول فيه أسباب وأحداث الحروب بين اليونانيين والفرس. 

الفر عون الأخير من الأسرة الثامنة عشرة (ويرآاه بعضص علماع 
المصريات على أنه الفرعون الأول للأسرة التاسعة عشرة) وتقلد في 
السايق منصب قائد الجيش المصري إبان حكم توت عنخ أمون. 
مهندس وطبيب مصري قديم صمم الهرم المصري الأول (الهرم 
المدرج) للفرعون (زوسر)؛ فرعون من الأسرة الثالثة (2611-2630) 
قبل الميلاد وعبده المصريون بعد موته على أنه إله» ولم يتم العثور 
إلهة مصرية قديمة كانت زوجة أوزيريس ووالدة حورس وملقبة 
بحامية الموتى. 

اسم مصري قديم للنيل بالإضافة إلى كونه وحدة قياس تعادل 2 


3/7 


متحف جون سوان 


KV55 


الحقبة الأخيرة 


ليبسيوس (كارل 
ريتشارد) (1884-1810) 


الخط المستقيم 


لبديا 


ال اي 


مأكيموس 
ملقطة 


ميزدنائد) (1881-1821) 


ب 


مدينة هبو 


مستحف صغير وسط لندن في منزل المهندس جون سوان -1837) 
سيتي الأول من الأسرة التاسعة عشرة. 

الكركديه هو مشروب شائع في مصر. 

مجمع كبير من المعابد شمال الأقصرء ويضم مباني ترجع إلى 
رياح صحراوية شديدة. 

مكان كبير في القاهرة يبيع كل ما يتعلق بالمجوهرات ومكونات الشيشة. 
مفبرة نقع خار ج وادي الملوك يعتبرها علماء المصربات أنها مقبرة 
الفسرعون أمنحتب الأول من الأسرة الثامنة عشرة (حكم في الفترة 
بين 1504-1525). 


مقبرة غامضة في وادي الملو ك أكتشفت عام 7 إ يدور حولها 
خلاف عمن دفن فيها. فالبعض يرى أنه أخناتون والبعض الاخر 
فثرة في التاريخ المصري (332-712) قبل المبلاد شهدت تعرض 
البلاد للغزو بواسطة الإسكندر الأكير. 

عالم مصريات ألماني الجنسية مدير متحف برلين. نشر دراسة في 
اني عشر مجلدا عن الاثار المصربة. 

رموز لم يتم فكها حتى الآن كانت تستخدم في جزيرة كريت. 
مملكة قديمة في الشرق الأدنىء تركيا حاليا. 

محارب. 

موقع القصر السابق لأمنحتب الثالث على الضفة الغربية للنيل في 
عالم مصريات فرنسي الجنسية موا سس لإدارة الأثار المصرية 
مقبرة مستطيلة مصنوعة من الأحجار والطين. 

قرية في الضفة الغربية للنيل في الأقصرء وهي مقر المعبد 
الجنائزي لر مسيس الثالت . 


378 


المملكة القديمة 


أوزيريس 


أوستراكا 


بندليري (جون دفيت 
سثرنجفلو) -1941) 
(1904 


بيتري (ويليام مانيو 
فلندرز (1942-1853) 


القرن 


عاصمة المملكة القديمةء وأحد أهم المراكز المصرية على مدار 
تاريخها القديم. 

وسط مدينه القاهرة حاليا. 

ثقافة سادت في العصر البرونزي القديم بجزيرة كريت. 

معيد تقام فيه طفقوس العبادة وتقديم القرابين ليحصل الفقيد على 
الراحة. و غالبا ما نو دی للملأك. 

حرفيا ترمز إلى مدينة الموتى؛ وهي مكان لدفن الموتى. 

ملكة عظيمة كانت زوجة أخناتون ويعتقد بعض العلماء أنها اتخذت 
اسح سمنكرع بعد موت زوجهاء وحكمتث البلاد بنفسها , ولها تمثال 


وحديثة تفصلها فترات متباعدة. وبالنسبة للمملكة القديمة فقد 


استمرت ما بين (2134-2575). 

إله مصري قديم للعالم الآخر. 

قطعة من الفخار أو الجير تحمل شكلا أو نصا وتشبه لوحة الرسم 
حاليا. 


عالم مصريات كان يحفر في تل العمارنة أطلق عليه الألمان النيران 
في جزيرة كريت أثناء الحرب العالميه الثائنية. 


أحد الفصول الثلاثة للسنة المصرية القديمة. وهو موسم الزراعة 
والنموء ويمتد من أكتوبر حتى فبراير. 

العاصمة السابقة لبلاد الفرس؛ إيران حاليا. 

اسم عائلة من النبلاء مدفونة في تونا الجبل. تشتهر مقبرتهم 
باشتمالها على الأسلوبين المصري واليوناني لرسم أنشطة الحياة 
اليومية في مصر القديمة. 


عالم أثار مصريات عمل كثيرا في مصر وفلسطين. 


مرتفع هرمي الشكل يطل على وادي الملوك كان يسمى دهينت في 
مصر القديمة. 


379 


رع 
رع حركتي 


رخماير 


روالف (جيرارد) 
(1896-1831) 
روزيليني (بنكولو 
فرانشسكو ايبولتو 
بالادسيري) 
)1843-1800( 


سقارة 


الفرعون الأول للأسرة التاسعة عشرة حكم في الفترة ما بين 
(1306-1307) 

الفرعون الثالث للأسرة التاسعة عشرة حكم في الفثترة ما بين 
(1224-1290) وهو أحد أعظم فراعنة مصر. 


فرعون من الأسرة العشرين حكم في الفترة ما بين (1163-1194) ويقع 
معيده الجنائزي في مبدنت حابو ويحوىي أجمل الاثار الممصرية. 


فرعون من الأسرة العشرين حكم في الفترة ما بين (1131-1136). 
المعبد الجنائزي لرمسيس الثاني في الضفة الغريية للنيل في الأقصر. 
لقب أطلق على الفترة التي حكمت فيها الأسرتان التاسعة عشرة 
والعشرون. 

إله الشمس في مصر القديمة. 


إله مصري قديم يتمتع بمزايا رع وحورس. وهو إله الدولة في 
المملكة الجديدة» ويشار إليه عادة على شكل رجل برأس صقر. 


وزير تحتمس الثالث (حكم في الفترة ما بين 1425-1479) وأمنحتب 
الثاني (حكم في الفترة ما بين 1401-7). 

ان ألماني سافر بكثرة إلى الصحراء الغربية وعبر بحر 
الرمال الأعظم في 1874. 


عالم مصريات إيطالي الجنسية ومؤسس علم المصريات في إيطاليا. 


مقبرة العاصمة المصرية القديمة في ممفيس وهي مقبرة ضخمة 
تمتد لمسافة سبعة كيلومترات مربعة وتضم الهرم المدرج ل زوسر 
أول هرم مصر يي 

خنفساء كانت مقدسة عند المصريين القدماء. 


معبد يضم مجموعة من المعارض تحت سطح الأرض في سقارة 


حيث نم دفن الذثور الذي كان يعبده المصريون القدماء. 


إله مصري أخ أوزيريس وقاتلهء يرتبط اسمه بالصحاري والفوضىء 
ويرمز إليه حيوان مجهول الهوية. 


380 


ع PE‏ ىميم ل لض مت سي 36 عد ود تساك 


سيتى الأول 


تمثال الشبتي 


الزمالك 


فرعون من الأسرة التاسعة عشرة» وواألد رمسيس الثاني. حكم في 
الفترة ما بين (1290-1306). 


شكل مومياوي صغير مصنوع من الخشب أو الخزف يوضع في 
المقبرة لأداء بعض المهام نيابة عن الفقيد في الحياة الآخرة. 

آخر فراعنة الأسرة الرابعة حكم في الفترة ما بين (2467-2472). 
لعبة يتم فيها تحريك قطع. وهي مأخوذة من لعبة مصرية قديمة 
على الأرجح. 

فرعون من الأسرة التاسعة عشرة حكم في الفترة ما بين -1333 
5 ويعتقد بعض العلماء أن هذا الفرعون هو في الحقيقة الملكة 
نفرتيتي التي حكمت بعد موت زوجها أخناتون. 

الملك الأول للأسرة الرابعة حكم في الفترة ما بين 2551-2575. 
قطعة حجرية أو خشبية عليها نقوش. 

کد ادقن ٠‏ 

نوع من البقوليات. 

اسم أطلقه البونانيون على واسط القديمة؛ الأقصر حاليا. 

اله مصري قديم للكتابة والحساب عادة ما يرمز إليه بجسم إنسان 
ورأس طائر أبو منجل. 

موقع قديم في مصر الوسطى بالقرب من مدينة ملوي. 

فرعون من الأسرة الثامنة عشرة حكم في الفترة ما بين -1479) 
(1492. 

الاسم المصري القديم للاقصر. 

زوجان من النبلاء عاشا في القرن الرابع عشر قبل الميلادء وهما جدا 
اكتشافها في العام 5. وحتى تم الكشف عن مقبرة توت عنخ أمون 
كان اكتشاف مقبرتهما يعد أحد أهم الاكتشافات في تاريخ مصر. 

منطقة في القاهرة تفع في الجزء الشمالي من الجزيرة. 


361 


١١.10‏ 4 50015 . نان نالا نالا 
منتديات سور الأزبكية 





شكر وغرفان 


ساعدني ۰ 

لقد حظيت بمساعدة الكثيرين في كتابة هذا المؤلف. 

ساعدني الكثيرون في كتابة هذه الرواية التي لم تكن لترى النور وتغزو دور 
النشر لولاً نصحهم وإرشادهم ودعمهم. 

أود التوجه بشكر خاص إلى مساعدتي لورا سوسيسن التي ناصرتني عندما 
خذلني الآخرون» والشكر للمحرر سيمون تايلور خبير التنقيح الذي لم يكل أو يمل من 
مراجعة الرواية مرارا وتكرارا. 

جدير بالذكر أن نيكولاس ريفيزء وإيان شوء وستيفن كواريك لم يألوا جهدا في 
تقديم النصح حول تاريخ ولغة مصر القديمة ولذا أدين لهم بالعرفان والاعتذار عن 
تطويعي للمعلوه-ات التي أمدوني بها لخدمة هذه الرواية. 

كما يسعدني تقديم الشكر والتقدير لستيفن ألف الذي أكمل لي ما ينقصني من 
معرفة باللغة العربيةء وكذلك جيمس فريمان الذي أحاطني علما باللغة اليونائية 
القديمة» والشكر كذلك لأندرو سبلودج روجيرسون وتوم بلاك مور للتعليقات القيمة 
التي قدماها في كتابة المخطوطات. 

ومن بين الأصدقاء الذين أمطروني بكلمات التشجيع أود أن أخص أربعة منهم 
بالذكر جون بانون» ونايجل توبنج» وزان بروکس» وبروملي روبرمتس. 

ختاما لا يسعني سوى التقدم بكل الشكر والعرفان إلى عمتي جوان التي غرست 
في قلبي حب مصر القديمة» وعززته بقصصها الممتعة وقت الظهيرة في المتحف 
البريطاني. 
| كما لا يفوتني توجيه أسمى الشكر والعرفان إلى أحق الناس بها وهم أصدقائي 

المصريون الذين أحاطوني بالدفء والود والكرم. 


383 


www.books4al!.net 
منتديات سور الأزبكية‎ 





25 عن 5-08 « حدش r‏ المفقود» 


OT LE RC E O e POT RPE 


ETI IEEE O EER AEH 
00 E E ORTE PANE OATH TIT 
شخصيات غاية في الوضاعة».‎ 

SEER 


ل LECE TOE‏ 5-0-5 بعيدا عن التكرار المبتذل كما كان الحال في القصص الشبيهة بلعنة توت 
ER LICE NEE RO E TERE ERE EERE‏ 
E O O‏ ل 0 
الوصف الرائع لرياح الخماسين التى ذكرها سوسمان ومن واقع تجربته المروعة مع هذه الظاهرة». 


ب صحيفۂۀ «سکو تلا ند اون صنداىي» 


CO N O O AE O A WC RTO 
E NEL IIE م ل‎ 
ا ل‎ 
O م ل ل‎ 
LEER LO TEE EELS TE ا‎ 

تجعلك تتوقف عن قراءتها». 


ET Cy صحيفة « صنداي‎ 3 


5 
| عو 
75 ديع 


000 
«رواية غنية في نصها قائمة على بحث معمق وخبرة واسعة سريعة الإيضاح بحيث THE LOST‏ 
ARMY OF O EEO‏ 
CAMBYSES ١ 000‏ 
0م لم مم ا م ا ل 
AARON‏ ا ا 0 
- مجلة «ويلدين تايمن» 


ISBN 978-9953-87-349-7 ۰ oli 9 لعر نن لاوا‎ ١١ ألد‎ 4 E 
ظ ء‎ 1 : LLL 
8 ۱ 1 دأ‎ 1 dt 7 2 1 9 | 4 ش‎ Nel ار‎ ۴ 7 
24 0 ظ‎ ٠ WWW.AaSp.COm.Ib - www.aspbooks.COmMm 
7/89953"873497 


> 


وم 


قر 4 و 


Madbouli Bookshop 
هاتف: 7855107/7/8 (961-1+) فاكس: 56230/ (961-1+) 6 ميدان طلعت حرب - القاهرة‎ 
750421 البريد الالكترونى: 6017.15.م350©257 ك2‎ 


صن ين :13351574 شونان 1102-25050نفروت - لبتان 


يي د ييا 


® ايه